بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر المكنى بقريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل بن نبي الله إبراهيم الخليل عليهما السلام القرشية العدوية صحابية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعني كلمة حفصة هو الرحمة وقيل مؤنث حفص وهو ولد الأسد وقد تزوجها النبي بعد وفاة زوجها الأول فأصبحت رابع زوجاته وإحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا وهي تلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجد السابع كعب بن لؤى وكان جدها الخطاب بن نفيل من سادات قريش ومن أَنجاد مكة المكرمة ورجالها نجدة وجراءة وشجاعة وإقداما وسفيرهم في عكاظ وأحد الذين شاركوا في حرب الفجار وهي إحدى حروب العرب في الجاهلية ووقعت بين قبائل كنانة ومنها قريش وبين قبائل قيس عيلان ومنها هوازن وغطفان وسليم وثقيف وسميت بالفجار لما إستحل فيه هذان الحيان من المحارم بينهم في الأشهر الحرم ولما قطعوا فيه من الصلات والأرحام بينهما وكانت بدايتها بسبب خلافات بين أفراد من الحيين على بعض المعاملات التجارية بسوق عكاظ تحولت إلي خصومة وعداء وقتال إستمر قرابة 10 سنوات من عام 43 قبل الهجرة حتى عام 33 قبل الهجرة وكانت وفاته قبل البعثة بأعوام قليلة وكان هو من ورث رئاسة عشيرته بني عدى بعد وفاة أبيه نفيل أحد القضاة في الجاهلية والذى كانت قريش تتحاكم إليه في خصوماتها ومنافراتها وأما ابوها فهو عملاق الإسلام والخليفة الراشد الثاني وأحد العشرة المبشرين بالجنة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذى كان إسلامه فتحا وهجرته إلي المدينة المنورة نصرا وخلافته رحمة وأما أمها فكانت الصحابية السيدة زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشية الجمحية رضي الله عنها أولى زوجات الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي أخت الصحابي عثمان بن مظعون رضي الله عنه الذى كان من السابقين إلى الإسلام ومن المهاجرين الأوائل هو وزوجته الصحابية خولة بنت حكيم رضي الله عنها والصحابي عبد الله والصحابي قدامة إبني مظعون الجمحي رضي الله عنهما وكانت علاوة على كونها أما لأم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانت أيضا أما للصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه والصحابي عبد الرحمن الأكبر بن عمر رضي الله عنه ولقب بالأكبر تمييزا له عن إبنين آخرين لعمر حملا نفس الإسم وهما عبد الرحمن الأوسط وعبد الرحمن الأصغر وكانت السيدة حفصة أيضا إبنة شقيق السيدة الصحابية فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها زوجة الصحابي سعيد بن زيد رضي الله عنها إبن عمها وأحد العشرة المبشرين بالجنة واللذان كانا من السابقين إلى الإسلام ومن المهاجرين الأوائل وكان ميلاد السيدة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها في مكة قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وهو العام الذى أعادت فيه قريش بناء الكعبة وتربت في بيت أبيها الذى كان من سادات قريش ومن أصحاب الرأي فيها .
ولما بدأت الدعوة كان أبوها من أشد أعداء الإسلام وأشرسهم نقمة على الإسلام ومن أكثر أهل قريش أذى للمسلمين وكان غليظ القلب تجاههم حتى ظن جميع أهل مكة أنه لن يسلم أبدا حتى قيل عنه إنه لن يسلم أبدا حتى يسلم حمار الخطاب كناية عن أنه لن يسلم أبدا وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد مضي ثلاث سنوات من بعثته قد أمر بالجهر في دعوة الناس إلى الإسلام فعاداه القرشيون لا سيما بعد أن بدأ يحقر من شأن آلهتهم هبل ومناة واللات والعزى ومن شأن الأصنام جميعها فهب سادة قريش إلى الدفاع عن معتقداتهم وأخذوا يعتدون على المسلمين ويؤذونهم وكان من شدة قسوة عمر أنه جند نفسه يتبع النبي أينما ذهب فكلما دعا أحدا إلى الإسلام أخافه عمر وجعله يفر من تلك الدعوة وبعد أن أمر النبي محمد المسلمين في مكة بالهجرة إلى الحبشة جعل عمر يتخوف من تشتت أبناء قريش وإنهيار أسس القبيلة العريقة عندهم فقرر الحيلولة دون ذلك حيث أحس أنه لم تتخذ بعد الخطوة الحاسمة ضد الحركة الجديدة فقرر أن يبادر هو وأن يأخذها هو بأن يضع حدا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج من بيته يحمل سيفه بغير جرابه فلقيه صديق له هو نعيم بن عبد الله وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم والذى أخذته الدهشة للحالة التي رآه عليها فسأله عن وجهته وعما ينوى أن يفعله فقال عمر أريد أن أقتل محمدا فقال له أتظن بني هاشم تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ألا تدرى أن أختك فاطمة وزوجها سعيد بن زيد قد أسلما ونزل عليه هذا الخبر نزول الصاعقة وإنقبض صدره بشدة فقرر أن يبدأ بأخته وزوجها أولا وعندما بلغ بيت أخته سمع صوت تلاوة في الداخل وكان الصوت هو صوت الصحابي خباب بن الأَرت رضي الله عنه والذى كان قد أصبح يزور بيتهما ويتردد عليه من حين لآخر ليعلمهما أصول الدين ويقرأ عليهما ما يكون قد نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم فدلف عمر إلى البيت مسرعا وأحس خباب بريبة من الخطوات المتسارعة وهي تقترب فإختبأ وقامت فاطمة أخت عمر رضي الله عنها بتنحية الأوراق القرآنية جانبا وواجهت أخاها هي وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنه والذى حاول أن يلين قلبه ويستميله إلى الإسلام فقال يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك فقال عمر لقد سمعت أنكما صبأتما يقصد أنهما تخليا عن دينهما ورفع يده ليصك سعيد زوج أخته على وجهه فألقت فاطمة رضي الله عنها نفسها على زوجها كي تحول بينه وبين أخيها عمر فهبطت الضربة على وجهها وأصابت أنفها التي أخذت تنزف الدماء بغزارة ولكن الضربة زادت من شجاعتها فقالت نعم لقد أسلمنا ولن ندع هذا الدين أبدا وصاحت فيه يا عمر إن الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فإفعل ما بدا لك .
وكان عمر شهما مع خشونته تلك وقد جعله وجه أخته المصبوغ بالدم من أثر يده يشعر بالأسف والندم فإذا به يتحول إلى شخص مختلف تماما وطلب من أخته وزوجها أن يرى الأوراق التي كان بها آيات من القرآن الكريم من سورة طه والتي كانوا يقرأونها فرفضت فاطمة خشية أن يمزقها ويلقي بها فوعد عمر أنه لن يفعل ذلك ولكن فاطمة قالت له وقد طمعت في أن يسلم إنك رجل نجس وهذا القرآن لا يمسه إلا المطهرون فقم وإغتسل إنك غير طاهر فقام عمر وإغتسل وبعد أن إغتسل وتطهر وهدأت نفسه تناول الصحائف القرآنية في يده وكانت تحوى جزءا من سورة طه فراح يقرأ فيها قوله تعالى طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ إسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * إلى أن وصل إلى قوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فإعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فكان هذا التوكيد الجازم لوجود الله تعالى وهذا الوعد الساطع بساعة قادمة حتمية يؤسس فيها الإسلام عبادة حقيقية مكان تلك التي إعتادت عليها مكة المكرمة وكان كل ذلك مع حشد من الأفكار الأخرى المرتبطة بها لابد أنها جميعا حركت مشاعر عمر فلم يملك نفسه أمام تدفق ينبوع الإيمان في قلبه وعند ذلك قال عمر ما أعجب هذا الكلام وما أروعه وإنه لا ينبغي لمن يقول هذا أن يعبد معه غيره دلوني على محمد فخرج خباب من مكمنه وكان عمر قد عقد العزم على إعتناق الإسلام بعد أن أضاء الإيمان عقله ورسخ في قلبه وسأل خباب أين يكون الآن الرسول صلى الله عليه وسلم فأجابه بأنه مجتمع مع أصحابه بدار الأرقم بن أبي الأرقم وعلى الفور إتخذ عمر طريقه إليه وعندما طرق الباب رأى الصحابةُ عمر من شقوق الباب فخشوا أن يكون ثمة نية سوء لديه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدعوه ليدخل فدخل عمر والسيف لا يزال في يده ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ مجمع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة وقال ما جاء بك يا إبن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة أما آن لك أن تسلم يا عمر فقال عمر يا رسول الله لقد جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فكبر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة الله أكبر الله أكبر ورددت قمم الجبال صدى الصوت وإنتشرت أخبار إعتناق عمر بن الخطاب الإسلام في مكة المكرمة ووقع الخبر كالصاعقة علي المشركين وكان المسلمون قبل إسلام عمر وحمزة يخفون إيمانهم خوفًا من تعرضهم للأذى لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم أما بعد إسلامهما فأصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم لا سيما وأنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم فكان عمر يجاهر بالإسلام ولا يخشى أحدا فلم يرض مثلا عن أداء المسلمين للصلاة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش بل فضل مواجهة القوم بكل عزم فقام وقال للنبي يا رسول الله ألسنا على الحق فأجابه نعم فقال عمر أليسوا على الباطل فأجابه نعم فقال عمر ففيمَ الخفية فقال النبي فما ترى يا عمر فقال عمر نخرج فنطوف بالكعبة فقال له النبي نعم يا عمر فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين صف على رأسه عمر بن الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد حتى دخلوا وصلوا عند الكعبة ومن بعيد نظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين فعلت وجوههم كآبة شديدة ويقول عمر فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ حيث فرق الله بي بين الحق والباطل وأصبحت هذه كنيتي وبإسلام عمر أسلم اهل بيته وعلى رأسهم السيدة حفصة رضي الله عنها ومن الطريف أن عمر لما عرض الإسلام على إبنه عبد الله فوجئ به يقول له إنه مسلم منذ عام فلكزه أبوه في صدره وقال له معاتبا أأسلمت وتركت أباك في الضلال .
وتزوجت السيدة حفصة رضي الله عنها من الصحابي خنيس بن حذافة السهمي وكان من السابقين إلى الإسلام وكان قد هاجر إلى الحبشة قبل زواجه ثم عاد إلى مكة المكرمة وتزوج من السيدة حفصة وهاجرا معا إلى المدينة المنورة وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدرا وكان هو الوحيد الذى شهدها من بني سهم ثم شهد أحد وأصيب بجروح خطيرة فيها توفي على أثرها في أواخر العام الثالث الهجرى ودفن بالبقيع بجوار خال زوجته عثمان بن مظعون وعانت حفصة من بعده مرارة الترمل وفقد الحبيب فتأثر أبوها عمر بن الخطاب وأحزنه ذلك وظهر دور الأب الشجاع فعرض الأمر على أبي بكر الصديق ثم علي عثمان بن عفان رضي الله عنهما وجاء الرد الغير متوقع حيث قال عثمان بن عفان رضي الله عنه سأنظر في أمرى وسكت سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يصدر جوابا فتأثر عمر وإزداد حزنه وأتى الرسول صلى الله عليه وسلم ليشكو له ما فعله كل من عثمان وأبو بكر فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له بإذن الله تتزوج حفصة ممن هو خير من أبي بكر وعثمان ويتزوج عثمان ممن هي خير من حفصة فأدرك عمر من رد النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو الذى سيتزوج من حفصة وأن عثمان سوف يتزوج من السيدة أم كلثوم إبنة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أختها رقية والتي كانت متزوجة من عثمان قد توفيت منذ حوالي عام وفرح عمر بذلك أشد الفرح وعلم من أبي بكر وعثمان أن الرسول كان قد ذكر حفصة أمامهما ولذا لم يردا عليه ولم يفشيا سر رسول الله وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم بزواجه من حفصة بنت عمر ومن قبل بزواجه من عائشة بنت أبي بكر وتزويجه السيدتين رقية وأم كلثوم إبنتيه من عثمان بن عفان وإبنته فاطمة الزهراء من علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين على توثيق أواصر العلاقة بينه وبين أصحابه من خلال علاقة المصاهرة وهي من الصلات القوية المتينة عند العرب وأتى عمر إبنته يزف إليها البشرى وينصحها قبل أن يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم قائلا لها ألا تدخل في منافسة مع السيدة عائشة رضي الله عنها حيث ستكون هي الخاسرة وقال لها إن عائشة أحب إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم منك وكذلك فإن أبوها أحب إلى النبي من أبيها وتم الزواج المبارك وأصدقها النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم وبزواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة حفصة حظي عمر بشرف مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم كما حظي أبو بكر الصديق من قبل به ومن الطريف وكعادة النساء غارت السيدة عائشة من زواج النبي من السيدة حفصة وحارت ماذا تفعل مع هذه الزوجة الشابة وهي من هي إبنة الفاروق عمر قرين أبيها ابي بكر والذى أعز الله به الإسلام وإمتلأت قلوب المشركين منه ذعرا غير أنه بمرور الوقت تحولت الغيرة إلى تقارب والمنافسة إلى ود حيث تضاءلت غيرة عائشة من حفصة لما رأت النساء يتوافدن على بيت النبي صلى الله عليه وسلم تباعل كزوجات أخريات زينب بنت خزيمة وأم سلمة وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي بن اخطب وأم حبيبة بنت أبي سفيان وميمونة بنت الحارث رضي الله عنهن جميعا فلما كثرت الضرائر خفت عليها مشكلتها من حفصة وشم عمر من تقاربهما أن من ورائه ما يشبه أن يكون حلفا داخليا تجاه تزايد زوجات رسول الله فأخذ عمر يحذر إبنته مرة أخرى من مسايرة صاحبتها وليس لها مثل حظها من حب رسول الله ولا من مكانتها في قلبه ولا لعمر مكانة أبي بكر من رسول الله فقال لها يا حفصة أين أنت من عائشة وأين أبوك من أبيها وسمع عمر يوما من زوجته أن إبنته حفصة تراجع رسول الله بالكلام أي ترد فمضى إليها غاضبا فما إن دخل عليها سألها عما قد سمع عنها فأجابته بأنه قد حدث بالفعل فعلا صوته عليها وزجرها وقال لها تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها وحب رسول الله إياها والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أنا لطلقك أى أنه أبقاك عنده من أجلي وإكراما لي .
وكانت السيدة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ممن تعلمن القراءة والكتابة وكان ذلك على يد الصحابية المهاجرة الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها وعرف عنها البلاغة والفصاحة وكان هذا الأمر نادر بين النساء في تلك الفترة الزمنية الممتدة في عمق الزمن وكان مما أعان على توفّر العلم لدى السيدة حفصة رضي الله عنها وجودها في بيت النبوة بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حيث إتصال السماء بالأرض وتتابع نزول الوحي بالرسالة الخاتمة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فكانت إحدى أهم الفقيهات في صدر الإسلام وكثيرا ما كانت تسأل فتجيب رضي الله عنها وأرضاها وكانت لها خطبة قالتها بعد طعن أبيها حيث قالت يا أبتاه ما يحزنك وفادتك على رب رحيم ولا تبعة لأحد عندك ومعي لك بشارة لا أذيع السر مرتين ونعم الشفيع لك العدل لم تخف على الله عز وجل خشنة عيشتك وعفاف نهمتك وأخذك بأكظام المشركين والمفسدين في الأرض وفضلا عن ذلك فقد كانت كثيرة الصيام والقيام وكثيرة التصدق والنفقة على الفقراء والمساكين وكان النبي صلى الله عليه وسلم عادلا بين زوجاته حتى أنه كان إذا أراد الخروج في غزوة أو سفر كان يجري قُرعة بين زوجاته والتي تقع عليها القرعة تخرج معه وفي إحدى الغزوات خرج إسم حفصة في القرعة فخرجت معه وكانت في خيمتها أثناء المعركة حتى إذا إنتهت المعركة ذهبت لتسقي العطشى وتداوي الجرحى مع نساء المسلمين اللائي كن يتطوعن لأداء هذا الواجب فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أعطاها ثمانين وسقا من القمح إكراما لها وإعترافا بفضلها وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلق السيدة حفصة ثم رجع عن ذلك فعن عمار بن ياسر قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة جاء جبريل عليه السلام فقال للرسول لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة وقيل بل طلقها بالفعل فدخل عليها خالاها إبنا مظعون فبكت وقَالت واللَّهِ ما طلقني عن شبعٍ ثم جاء النبي فردها وقال قال لي جبريل عليه السلام راجع حفصةَ فَإِنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة وروى أنه لما طلقها بلغ ذلك عمر فوضع التراب على رأسه وجعل يقول ما يعبأ الله بعمر بعد هذا فنزل جبريل من الغد على النبي فقال إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمةً لعمر ثم بعد ذلك بمدة دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال لها ما يبكيك لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طلقك إنه كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي إن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا .
وقد قيلت روايات عديدة عن سبب طلاقها حيث لم يرد فيه نص صريح إلا أن بعض العلماء ربطوا هذا الطلاق بسبب إفشائها لسر للنبي صلى الله عليه وسلم كان قد أسره إليها وإئتمنها عليه فتكلمت عنه مع السيدة عائشة رضي الله عنها وقد إتفق المفسرون أن حفصة هي المقصودة بقوله تعالى في سورة التحريم وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ وإختلفوا في الأمر الذى ذكره النبي سرا لها ثم نبأت حفصة به على ثلاثة أقوال فقالوا إن الأمر إما تحريم النبي صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه وهو الأشهر وإما تحريم النبي صلى الله عليه وسلم مارية على نفسه بينما ذكر الإمام والفقيه والمفسر عبد الله بن عمر البيضاوى والإمام والفقيه والمحدث محمود شهاب الدين أبو الثناء الآلوسي قولا ثالثا هو أن النبي أخبرها أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر فأفشت ذلك لعائشة حيث قال الإمام البيضاوى وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه يعني حفصة حديثا عن تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فلما نبأت به أى فلما أخبرت حفصة رضي الله عنها عائشة رضي الله تعالى عنهما بالحديث وأظهره الله عليه أى وأطلع الله النبي عليه الصلاة والسلام على الحديث أى على إفشائه عرف بعضه أى عرف الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة بعض ما فعلت وأعرض عن بعض أى عن إعلام حفصة ببعضه تكرما وجازاها على بعض بتطليقه إياها وتجاوز عن بعض وأما القول الأول فهو الأشهر لما رواه الإمامان البخارى ومسلم في صحيحهما عن عبيد بن عمير قال سمعت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير وهو نوع من الثمار طعمه حلو لكن له رائحة غير مستساغة فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت آية يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ والمقصود هنا من أزواجه عائشة وحفصة أما القول الثاني فقد ذكر الإمام والفقيه محمد الشوكاني في فتح القدير أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قد أصاب جاريته مارية القبطية أم ولده إبراهيم في غرفة زوجته حفصة رضي الله عنها فغضبت حفصة وقالت يا رسول الله لقد جئت إلي بشئ ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دورى وعلى فراشي فقال أَلا ترضين أَن أُحرمها فلا أقربها أبدا فقالت بلى فحرمها النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه وقال لها لا تذْكرى ذَلك لأحد فذكرته لعائشة رضي الله عنها فنزلت أوائل سورة التحريم فكفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وأصاب مارية .
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه السيدة حفصة رضي اله عنها أشد الحزن وبكت عليه بكاءا شديدا ولزمت بيتها وكانت لا تخرج منه إلا لكي تؤدى مناسك الحج وإلتزمت بطاعة الله وبالعبادة وبعد أن تولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وبعد أن إنتهت حروب الردة وما أصاب المسلمين بسببها من فقد الكثير من حفظة القرآن الكريم قرر الخليفة العظيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه جمع القرآن الكريم بمشورة من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر الصحابي زيد بن ثابت الأنصارى رضي الله عنه وكان أحد كتاب الوحي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بجمعه في مصحف واحد وبعد إنجاز هذا العمل بنجاح ظل عند أبي بكر حتى وفاته ثم صار عند عمر وبعد وفاة عمر صار هذا المصحف في حوزة حفصة ولذا فقد أطلق عليها لقب حارسة القرآن الكريم وفي زمن أبيها خرج عمر يعس ليلا كعادته ليتفقد أحوال الرعية فسمع إمرأة غاب عنها زوجها في ميدان الجهاد تقول تطاول هذا الليل وإسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه فأسرع عمر إلى إبنته حفصة رضي الله عنها وسألها كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها فخجلت من السؤال لكن أباها أصر على أن ترد عليه قائلا لها إنه لا حياء في الدين فقالت ستة أشهر أو أربعة أشهر فقال عمر رضي الله عنه لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك وحين حضرت عمر الوفاة أوصى إلى حفصة رضي الله عنها بعد موته بصدقة تتصدق بها وأوصت حفصة رضي الله عنها أخاها عبد الله رضي الله عنه بنفس الأمر ولما إختلف الناس في زمن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه لإختلاف القراءات حول أيها أصح أرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها يطلب المصحف المحفوظ لديها لينسخ منه عددا من النسخ ثم يعيده إليها فأرسلته إليه وبالفعل بعد أن تم نسخ عدد 7 نسخ منه أعاده إليها الخليفة وكانت دار حفصة رضي الله عنها تقع جنوب المسجد النبوى الشريف وكانت رضي الله عنها قد إبتاعت تلك الدار من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبقيت في يدها إلى أن أراد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه توسعة المسجد فطلب منها تلك الدار فإمتنعت في البداية قائلة كيف بطريقي إلى المسجد فقال لها عثمان ر ضي الله عنه نعطيك دارا أوسع منها ونجعل لك طريقا مثلها فسلمت ورضيت ولما أرادت السيدة عائشة رضي الله عنها الخروج إلى البصرة في أوائل عام 36 هجرية لا للقتال وإنما للمطالبة بالثأر من قتلة الخليفة الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه إثر الفتنة التي ضربت المسلمين بعد مقتله همت السيدة حفصة رضي اله عنها بالخروج معها حيث إنطلق إليها الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهما فسألاها ما الرأى فقالت رأيي تبع لرأى عائشة إلا أن أخاها عبد الله بن عمر رضي الله عنه أقعدها وحال بينها وبين الخروج فلما سمعت السيدة عائشة رضي الله عنها بذلك قالت غفر الله لعبد الله بن عمر .
وعلاوة على كل ما ذكرناه من مناقب السيدة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها فقد كانت من رواة الحديث النبوى الشريف حيث روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيها بلغت ستين حديثا منها ثلاثة إتفق عليها الإمامان البخارى ومسلم وإنفرد الإمام مسلم بستة أحاديث وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين كأخيها عبد الله بن عمر وحارثة بن وهب وشتير بن شكل والمطلب بن أبي وداعة وعبد الله بن صفوان الجمحي وإبن أخيها حمزة بن عبد الله بن عمر وزوجته صفية بنت أبي عبيد وأبو سلمة التجيبي وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة والمسيب بن رافع وغيرهم وقد روت السيدة حفصة رضي الله عنها في العديد من الأبواب منها الطهارة إذ روت في وجوب الغسل يوم الجمعة على كل محتلم وفي إستخدام المسلم يده اليمنى للطعام والشراب وروت أيضا في الصلاة إذ روت في صلاة ركعتين خفيفتين إذا نودى للصبح وهي من السنن الفعلية عن النبي عليه الصلاة والسلام وفي الصيام روت حديث وجوب تبييت النية قبل الفجر وصيام النبي ثلاثة أيام من كل شهر وروت أيضا في تقبيل الصائم وحديث إتمام الصيام لمن يصبح جنبا وحديث صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع وصيام يوم عاشوراء وروت في المناسك في الدواب التي يباح قتلها ولا إثم في ذلك وروت في الزينة حديث حكم لبس الرجل للديباج وفي شمائل النبي روت حديث فراش النبي عليه الصلاة والسلام وفي الآداب روت ما يفعله الرجل عند النوم وفي الطب روت حديث تعبير الرؤيا ورقية النملة ومن الملاحظ أن أغلب ما روته السيدة حفصة رضي الله عنها كان في وصفها لأفعال النبي والتي إشتركت في نقلها نساء النبي رضي الله عنهن بالإضافة إلى مجموعة من الأحاديث التي إختصت بروايتها دون باقي أمهات المؤمنين كحديث خروج الدجال ورقية النملة والدواب التي يباح قتلها وأخيرا كانت وفاة السيدة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها على الأرجح بالمدينة المنورة في شهر شعبان عام 45 هجرية في زمن الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان ودفنت بالبقيع وصلى عليها مروان بن الحكم والي المدينة آنذاك رحم الله أمنا أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاها عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
|