بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
النوار بنت مالك بن صرمة بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارية صحابية من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت من السابقات إلى الإسلام وواحدة من نساء الأنصار الذين أخلصن لله الواحد القهار ففاحت عطور فضائلهن وعبقت في ديار الإسلام حيث إجتمعت فيها العديد من صفات البر والصلاح والزهد والعبادة وإمتازت بالكرم والجود والسخاء وسارت في درب السعداء وكانت من هؤلاء القوم الذين نصروا دين الله ونبيهم صلى الله عليه وسلم وما وهنوا وما ضعفوا وما إستكانوا ولا خافوا وفتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لإستقبال النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة فتسابقوا فيما بينهم على البذل والعطاء وحسن الكرم والضيافة وتنافسوا في ميادين الفضائل إبتغاء مرضاة الله والفوز بسعادة الدارين مصدقين بما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم فكان في عز ومنعة بينهم مع قومه وأهل بلده وهي من بني النجار وهم بطن من بطون قبيلة الخزرج وهم أخوال عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهم من خير قبائل الأنصار حيث ورد في صحيح البخارى في باب فضل دور الأنصار عن أبي أسيد قال رسول الله صلى اله عليه وسلم خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن خزرج ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير وكان من أشهر الصحابة من بني النجار الصحابي أبو أيوب الأنصارى رضي الله عنه الذى نزل الرسول صلى الله عليه وسلم في داره بعد الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي حسان بن ثابت الخزرجي رضي الله عنه والصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه حيث يرجع نسبه إلى عدى بن النجار عن طريق أمه الصحابية الأنصارية أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها والصَحابي أسعد بن زرارة الأنصارى الخزرجي النجاري الذى كان يلقب بنقيب بني النجار وكان من فضل بني النجار في الإسلام أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نقب على النقباء أسعد بن زرارة فلما توفاه الله أثناء بناء المسجد النبوى الشريف إجتمعت بنو النجار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجعل منهم شخصا مكانه نقيبا عليهم فقال لهم أنتم أخوالي وأنا فيكم وأنا نقيبكم وكره الرسول أن يخص بها بعضهم دون بعض ويروى أنه بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بعد هجرته إليها أن خرجت بنات صغيرات من بني النجار مستبشرات وفرحات بقدومه صلى الله عليه وسلم وهن ينشدن نحن جوار من بني النجارِ يا حبذا محمد من جارِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهن الله يعلم إني لأحبكن وكان النبي عطوفًا يكرم الأنصار وأبناءهم ويعطيهم كل رعاية وإهتمام ويروى أنه كانت الأرض التي بني عليها المسجد النبوى الشريف كانت ملكا لغلامين يتيمين من بني النجار هما سهل وسهيل إبنا عمرو وكانا في حجر الصحابي أسعد بن زرارة الأنصارى رضي الله عنه وكانت هذه الأرض في موضع في وسط المدينة المنورة وكانت تستغل كموقف للإبل ومحبسا لها وكان المسلمون الأوائل من الأنصار قبل الهجرة النبوية يجتمعون ويصلون في جانب منها وكان يؤمهم الصحابي أسعد بن زرارة رضي الله عنه ثم من بعده كان الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه المبعوث من النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة يصلي بهم ويعلمهم القرآن الكريم أيضا بها وعندما قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة بركت ناقته في ذلك الموضع وقال هذا المنزل إن شاء الله فدعا الغلامين ليعرض عليهما شراء أرض المربض ليتخذها مسجدا فقالا بل نهبها لك يا رسول الله فأبى أن يقبلها هبة حتى إبتاعها منهما ودفع ثمنها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وشارك المهاجرون والأنصار في بناء المسجد ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعو لهم قائلا إن العيش عيش الآخرة فإرحم الأنصار والمهاجرة .
وكان ميلاد السيدة النوار بنت مالك رضي الله عنها في المدينة المنورة وغير معلوم لدينا تاريخ ميلادها بالتحديد وإن كان يرجح أنه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولما بلغت سن الزواج تزوجت من ثابت بن الضحاك فولدت له زيدا ويزيد ثم توفي عنها في يوم بعاث وهي آخر معركة من المعارك التي كانت تنشب بين قبيلتي الأوس والخزرج بالمدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها وقد وقعت هذه المعركة قبل الهجرة بخمس سنوات وتعد أشهر وأدمى معركة بين قبيلتي الأوس والخزرج وآخرها حيث كانت قد أخذت بهم الأحقاد والضغائن حتى أخذوا يستعدون لهذا اليوم ويعدون عدتهم قبل شهرين من هذه الواقعة حيث حالف الخزرج قبائل بلي وأشجع وجهينة وحالف الأوس قبيلة مزينة وقبائل اليهود بني قريظة وبنو النضير وغيرهم وسميت المعركة ببعاث نسبةً للمنطقة التي تصادم بها الحشدان وقامت عليها الحرب وهي منطقة ليهود بني قريظة كانت تقع قرب المدينة المنورة وبعد الإستعداد الطويل لهذا اليوم المرتقب وإزدياد الإحتقان المتصاعد بين الطرفين إلتقيا ودارت رحى المعركة بيتهما فإنكسر الأوسيون عندما إشتد وطيس المعركة ولم يقاوموا فإنهزموا هزيمة واضحة ولاذوا بالفرار إلا أن قائدهم حضير الكتائب قام بطعن قدمه بالرمح وصاح بأعلى صوته واعقراه كعقر الجمل والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فإفعلوا وعندما سمعوا صوته عطفوا عليه عطفة رجل واحد وإستعرت الحرب وإشتد سعيرها فقلب الأوسيون الحال رأسا على عقب وقتل عمرو بن النعمان قائد الخزرج بسهم لا يعرف له رام وحمل ملفوفا بعباءة يحمله أربعة ولم ينقض وقت طويل حتى إنهزم الخزرج هزيمة نكراء والأوس من خلفهم بالسلاح لا تأخذهم بهم رحمة فصاح أحد الأوسيون يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب يقصد اليهود الذين كانوا يبثون نار الفتنة بين الطرفين ومع هذا الصوت توقفوا عن قتلهم وسلبهم وكانت الحروب الأهلية التي كانت تنشب كل فترة بالمدينة المنورة بين قبيلتي الأوس والخزرج قد أنهكتهما وبعد يوم بعاث قرر عقلاء الطرفين وضع حد لهذه الحال فإتفقوا على تنصيب رجل واحد منهم يقبله الطرفان ملكا عليهم فوقع الإختيار على عبد الله بن أبي بن سلول وفيما كانا يجهزان له ملكه حدثت بيعة العقبة الأولى والثانية ودخل أهل المدينة المنورة في الإسلام ثم هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم فزال ملك عبد الله بن أبي بن سلول قبل أن يهنأ به ولو ليوم واحد فعاش تحت سيادة النبي صلى الله عليه وسلم وتحول إلى أكبر منافق ومعاد للنبي صلى الله عليه وسلم عرفه التاريخ الإسلامي حيث كان يرى أن النبي قد إنتزع منه ملكه الذى كان يجهز نفسه له فإمتلأت نفسه هو وأنصاره بالكراهية والغل والحقد والضغينة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الإسلام والمسلمين وهكذا كان يوم بعاث نهاية للحروب بين الأوس والخزرج وبدخولهم في الإسلام جميعا أصبحت سيوفهم تسل على عدو واحد دفاعا عن عقيدتهم .
وتزوجت السيدة النوار بنت مالك رضي الله عنها بعد مقتل زوجها في يوم بعاث من الصحابي عمارة بن حزم الأنصارى الذى كان من السبعين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وشهد بدرا وأُحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح كما شهد قتال أهل الردة في عهد الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع خالد بن الوليد رضي الله عنه وقتل يوم اليمامة شهيدا في شهر شوال عام 11 هجرية وقد أنجبت السيدة النوار رضي الله عنها إبنهما مالك وأسلمت قبل قدوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فأنعم الله عليها بالإيمان شأنها في ذلك شأن أغلب أهل المدينة المنورة وأقبلت على حفظ القرآن الكريم على يد الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه الذى أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى المدينة المنورة لكي يعلم أهلها الذين دخلوا في الإسلام القرآن الكريم وفرائض الإسلام وكان ذلك دليلا علي صدق إيمانها كما أنها عملت على تغذية إبنها الأكبر والذى كان عمره 11 عاما عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة من الإيمان وحفظ كتاب الله أيضا وقد ذاق قلب زيد بن ثابت رضي الله عنه ابنها أيضا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى التي إلتقاه فيها فكان لقاء الكرم والمودة وحسن الضيافة وكان من مآثر السيدة النوار رضي الله عنها أنها كانت أول من قدم هدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة المنورة حينما نزل في دار الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصارى الذى أقام عنده الرسول صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة حوالي سبعة شهور حتى بنى مسجده وحجرات زوجاته ثم إنتقل إليها حيث أرسلت بها إبنها زيد بن ثابت رضي الله عنه وكانت قصعة فيها خبز مثرود بسمن ولبن فوضعها بين يديه وقال يا رسول الله أرسلت أمي بهذه القصعة فقال رسول الله بارك الله فيك وفي أمك ودعا أصحابه فأكلوا معه ثم جاءت قصعة سيد الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه ثريد وعراق أى عظم عليه لحم وما كان من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة والأربعة يحملون الطعام يتناوبون ذلك وعلاوة على ذلك فقد إهتمت السيدة النوار بنت مالك رضي الله عنها بحفظ الأحاديث النبوية الشريفة وروت رضي الله عنها عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بعض الأحاديث النبوية الشريفة حيث نجحت في إقتفاء أثر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت بذلك تمتثل لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بحب آل بيته وتوقيرهم حيث قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في خطبة له بعد أن حمد الله وأثنى عليه أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وإستمسكوا به ويقول الراوى فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي وبذلك فقد بلغت السيدة النوار بنت مالك رضي الله عنها مقامات الكمالات والفضائل بأنواعها وغرفت من معين الإيمان القلبي حتى إرتوت وروت ونهلت من العلوم الشريفة فحفظت كتاب الله وسنة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن رووا عنها راوية الحديث التابعية المدنية عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية رضي الله عنها .
وكان أيضا من إكرام الله للسيدة النوار بنت مالك رضي الله عنها بأن دارها كانت أعلى الدور التي حول المسجد النبوى الشريف فكان مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم وأول مؤذن في الإسلام الصحابي الجليل بلال بن رباح قبل إستكمال بناء المسجد النبوى الشريف يعلو دارها ليؤذن من فوقها للصلاة فكان بيتها أول منارة يؤذَّن من فوقها للصلاة في العالم وفضلا عن كل ما سبق فقد كانت الصحابية النوار رضي الله عنها مربية عظيمة وفضائلها كثيرة ولذا فقد تكرر ذكرها في كتب السيرة والأحاديث النبوية في مواضع كثيرة حيث كانت بحق نموذج المرأة الورعة التقية المربية المجاهدة حيث سعت إلى تعليم إبنها زيد قيم الدين الإسلامي فكانت تدفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن يتعلم منه القرآن الكريم بشكل مباشر كما كانت تدفعه إلى الجهاد في سبيل الله حتى أخرجت من تحت أيديها زيدا بمكانته وعلمه فأصبح بعد حين رضي الله عنه شيخ القراء وأحد كتبة الوحي وجامعا لسور القرآن الكريم ومفتي المدينة المنورة وأعلم الصحابة بالفرائض قال عنه صلى الله عليه وسلم أفرض أمتي زيد بن ثابت فكانت نعم الأم العظيمة التي أحسنت التربية الصالحة ونعم الجدة أيضا حيث كان التابعي خارجة بن زيد بن ثابت حفيدها أحد الفقهاء العشرة الذين إنتهى إليهم علم الفقه في المدينة المنورة والذين كانوا يفتون للناس في أمور دينهم ويرشدونهم ويسهلون عليهم الإلتزام بأصول وتعاليم وفرائض دين الله عز وجل نظرا لرجاحة أحكامهم وكان هؤلاء العشرة هم خارجة بن زيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير بن العوام وأبان بن عثمان بن عفان وقبيصة بن ذؤيب وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا وهؤلاء التابعيون العشرة الكرام كان يتخذهم دوما عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والذى أصبح الخليفة الأموى الثامن والملقب بخامس الخلفاء الراشدين فيما بعد مستشارين له فيما يعرض عليه من أمور عندما كان واليا على المدينة المنورة ما بين عام 86 هجرية حتى عام 93 هجرية في أواخر عهد عمه الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان بن الحكم وخلال الست سنوات الأولى من عهد إبنه وخليفته الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك وكان يقول لهم عندما يستحضرهم لإستطلاع رأيهم في أمر من الأمور إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق وإني لا أُريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأى من حضر منكم وهكذا كان إبن السيدة النوار رضي الله عنها وحفيدها من أعمالها الصالحة وكيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا قائلا إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فالولد خلق الله وعمل الإنسان وكمال المرأة الوظيفي أن تكون راعية ومسئولة ومربية فاضلة للأجيال وهذا غاية ما يراد منها تحقيقه في الحياة الدنيا حفظا لفطرة الله ونشرا لرسالة الله في الأرض ونشر دينه الحنيف وخدمة لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضي الله عنك ولله درك أيتها النوار فقد بلغت درر الكمال والرفعة وسرت على خطى الكاملات من بني جنسك كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذى قال فيه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .
ومما يذكر أن السيدة النوار رضي الله عنها في العام الثاني للهجرة دفعت بإبنها زيد مع قوم من الأنصار إلى غزوة بدر لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رده لصغر سنه وجسمه وبعد أن حقق المسلمون النصر بإذن الله وأسروا عددا من المشركين كان فداء كل أسير منهم أربعين أوقية فمن لم يكن عنده كان عليه أن يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة فكان زيد بن ثابت واحدا ممن تعلموا آنذاك وكان عمره 13 عاما وفي غزوة احد دفعته أمه أيضا لكي يشارك في الغزوة لكنه لم يشارك أيضا في الغزوة نظرا لصغر سنه وكانت أول غزوة يشارك فيها هي غزوة الخندق وكان قد بلغ من العمر 16 عاما وكان زيد ممن أخذوا يتتبعون القرآن الكريم ويحفظونه ويكتبون الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت تظهر عليه علامات النبوغ والتفوق في الثقافة والعلم والحكمة ومع الوقت كان كلما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل في طلب زيد بن ثابت ليكتب ويدون ما نزل من القرآن الكريم وهي مهمة حساسة جدا وخطيرة إذ أن مدون القرآن الكريم ليس بالإنسان العادي بل هو إنسان يجب أن تكون له ميزات غير عادية لهذا إختار الرسول صلى الله عليه وسلم زيدا لهذا الأمر وفي السنة السابعة للهجرة وبعد عقد صلح الحديبية مع مشركي قريش بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي وإرسال كتبه لحكام وملوك الأرض وقياصرته فأمر زيدا رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود فتعلمها في وقت وجيز ويقول زيد بن ثابت في ذلك أُتى بي النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا من بني النجار وقرأت عليه فأعجبه ذلك فقال تعلم لغة اليهود فإني ما آمنهم على كتابي ففعلت فما مضى لي نصف شهـر حتى حذقتها قراءة وكتابة فكنت أكتب له إليهم بلغتهم وإذا كتبوا إليه قرأت له وبعد لغة اليهود تعلم زيد رضي الله عنه اللغة السريانية فعن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية قلت لا قال فتعلمها فإنه تأتينا كتب قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما ويقول الأعمش كانت تأتي النبي صلى الله عليه وسلم كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يأتمنه ويثق به ومن هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وتولي الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وبعد قمع فتنة الردة كان قد إستشهد عدد كبير من حفظة القرآن الكريم فتقرر جمع القرآن الكريم في مصحف واحد بعد أن فزع الفاروق عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يستحثه على جمع القرآن قبل أن يدرك الموت بقية القراء فدعا الخليفة الصحابي زيد بن ثابت وقال له إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فإجمعه وقال زيد رضي الله عنه عن هذه المهمة العظيمة والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن الكريم كما قال فكنت أتتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال وفي النهاية أنجز زيد المهمة على أكمل وجه .
وفي عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان إتسعت رقعة الدولة الإسلامية وحدثت بعض الإختلافات في قراءة القرآن مع دخول شعوب غير عربية في الإسلام فأشار الصحابة على الخليفة وعلى رأسهم الصحابي الجليل كاتم سر رسول الله حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ضرورة توحيد المصحف فقال عثمان رضي الله عنه من أكتب الناس قالوا كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه قال فأى الناس أعرب قالوا سعيد بن العاص رضي الله عنه والذى كان أشبه لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الخليفة عثمان رضي الله عنه فليمل سعيد وليكتب زيد وتم تكليفه بكتابة عدد 7 نسخ من المصحف فجمع زيد رضي الله عنه أصحابه وأعوانه من الصحابة القريشيين لمعاونته في هذا النسخ فبخلاف سعيد بن العاص رضي الله عنه إختار التابعيين عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وأمرهم الخليفة رضي الله عنه أن يرجعوا عند اختلافهم مع زيد في كلمة إلى لسان قريش فعليهم أنزل القرآن الكريم وانجز زيد بن ثابت رضي الله عنه وصحبه هذه المهمة على خير وجه وكانت وفاته رحمه الله رحمة واسعة عام خمس وأربعين للهجرة في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان وعند موته قال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه لقد دفن اليوم علم كثير وقال أبو هريرة رضي الله عنه مات حبر الأمة ولعل الله أن يخلفه عبد الله بن عباس رضي الله عنه وكانت أمه السيدة النوار بنت مالك رضي الله عنها قد توفيت قبله بالمدينة المنورة ولم تذكر لنا المصادر التاريخية تاريخ وفاتها بالتحديد وصلى عليها إبنها الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه ودفنت بالبقيع رحمهما الله رحمة واسعة ورفع مقامهما في الصالحين وأسكنهما فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاهما الله خير الجزاء عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسديا لها من معروف وما أحوجنا اليوم ونحن نعيش في زمن بعدنا فيه عن الله وعن سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وسقطنا في درك الوهن والغفلة عن الله أن نتمثل هذه النماذج الخالدة ونعيد قراءة سيرة الصحابة والصحابيات لكي نتلمس مواطن القوة التي مكنتهم من إقتحام العقبات وأهلتهم لبناء شخصية فعالة وصنع مستقبل أفضل لأمتهم وياليت أولادنا تشرئب أعناقهم إلى النماذج الكاملة من أبناء وبنات البشر وإلى جهاد يلحقهم بهم على درجة من الكمال يتعبأن ويعبأن أجيالا بإحتذاء النماذج الأكمل وهم الرسل عليهم السلام وبصحبتهم والإتصال بهم صحابة وصحابيات وآباء صالحين وأمهات وزوجات وبنات صالحات .
|