الأحد, 28 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

صفية بنت حيي بن أخطب

 صفية بنت حيي بن أخطب
عدد : 10-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي الحبيب بن النضير بن النحام بن ناخوم صحابية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والزوجة العاشرة له حيث تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة خيبر في العام السابع للهجرة بعد أن أسلمت وبذلك صارت من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا وكان قومها بنو التضير أحد قبائل اليهود الثلاثة التي كانت تسكن المدينة المنورة قبل الإسلام بالإضافة إلى قبيلتي الأوس والخزرج وكانت القبيلتان الأخريتان هما بنو قينقاع وبنو قريظة وكان بنو النضير من ذرية نبي الله هارون عليه السلام بن عمران بن قاهات بن لاوى بن نبي الله يعقوب عليه السلام بن نبي الله إسحاق عليه السلام بن نبي الله إبراهيم عليه السلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة قام بكتابة دستور المدينة أو صحيفة المدينة وهو أول دستور مدني في تاريخ الدولة الإسلامية وعده المؤرخون والمستشرقون مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية ومعلما من معالم مجدها السياسي والإنساني وكان الهدف منه تحسين العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات التي تسكن المدينة المنورة وعلى رأسهم المهاجرين والأنصار والفصائل اليهودية وغيرهم حتى يتمكن المسلمون واليهود وجميع الفصائل بمقتضى هذا الدستور من التصدى لأى عدوان خارجي على المدينة المنورة ومن إقرار السلام والوفاق بين كل تلك الطوائف وضمان حسن الجوار فيما بينها وبحيث تكون جميع الحقوق الإنسانية مكفولة فيها كحق حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر والمساواة والعدل وبإبرام هذا الدستور وإقرار جميع الفصائل بما فيه أصبحت المدينة المنورة دولة وفاقية يرأسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمرجعية العليا فيها للشريعة الإسلامية وقد تضمن هذا الدستور إثنين وخمسين بندا خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان وكان أبو السيدة صفية رضي الله عنها هو حيي بن أخطب أحد سادة بني النضير وكان حبرا من أحبار اليهود الكبار ولما وفد النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة أرسل أخاه ياسر بن أخطب ليتقصى أخبار النبي والتأكد من أنه النبي الذى جاءت أوصافه في التوراة فوجد أنه فعلا كذلك فعاد إلى أخيه فسأله حيي أهو هو قاصدا هل هو النبي الذى بشر به موسى فقال له ياسر نعم وسأله ماذا أنت فاعل فرد عليه حيي قائلا عداوته ما حييت وصار كل من حيي وياسر من أشد اليهود حسدا للنبي صلى اللّه عليه وسلم وإجتهدا في رد الناس عن الإسلام فنزلت فيهما الآية 109 من سورة البقرة وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وحدث أن رأت السيدة صفية رضي الله عنها رؤيا كأن القمر أقبل فسقط في حجرها فقصت الرؤيا على أبيها وقيل على إبن عمها إبن أبي الحقيق وكان أيضا من أشد أعداء الإسلام وكان كلاهما يعلم من التوراة أن نبي العرب محمد صلى الله عليه وسلم سيتزوج من السيدة صفية رضي الله عنها حيث كان مذكورا في التوراة أن نبي العرب سيتزوج من امرأة من اليهود وصفاتها كذا وكذا وكانت هذه الصفات تنطبق بحذافيرها على السيدة صفية رضي الله عنها فلطمها من قصت عليه الرؤيا لطمة شديدة بقي أثرها في وجهها وقال لها أتطمعين أن يتزوجك نبي العرب وتزوجت وكانت في الثانية عشر من عمرها من سلام بن مشكم والذى كان فارس قومها ومن كبار شعرائهم ولكنها لم تستمر معه طويلا ثم تزوجها من بعده كنانة بن أبي الحقيق والذى قتل في ساحة المعركة يوم خيبر ومما يذكر أن أم السيدة صفية رضي الله عنها هي برة بنت سموال وكانت من يهود بني قريظة وهي أخت الصحابي رفاعة بن سموال .


وعاش اليهود في عزلة عن أهل المدينة وأطلقوا سيل المؤامرات والدسائس كمحاولة منهم للقضاء على الدولة الإسلامية وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم التفاهم معهم فجمعهم في سوقهم ونصحهم وذكرهم بمصير قريش في غزوة بدر فردوا عليه قائلين يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا يعنون قلة خبرتهم في الحروب لا يعرفون القتال إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا وكانت أول الجماعات اليهودية إعلانا لهذه العداوة بنو قينقاع الذين كانوا يسكنون أطراف المدينة حيث لم يتوقفوا لحظة عن إحداث الشقاق وإثارة المشكلات بين صفوف المسلمين وكانوا مصدر إيحاء وتحريض وتوجيه للمنافقين وتأييد وتشجيع للمشركين كما هي عادة اليهود وبالفعل فقد نقضت بنو قينقاع عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في شهر شوال عام 2 هجرية بعد غزوة بدر حيث كانت قد ذهبت إمرأة مسلمة إلى أحد صاغتهم فراودوها فأبت فقام الصائغ بربط ثوبها بالكرسي الذى كانت تجلس عليه وهي غافلة فلما نهضت إنكشفت عورتها واخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فولولت وصاحت تستنجد من يعينها عليهم فوثب رجل عربي مسلم فقتل الصائغ ثم شدت اليهود على العربي المسلم فقتلوه فإستصرخ أهل القتيل بالعرب المسلمين وغضب النبي صلى الله عليه وسلم لما وقع من يهود بني قينقاع حيث إعتبر أن ما فعلوه خيانة وغدر ونقض للعهد فحاصر المسلمون حصنهم بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم لمدة 15 ليلة وحاول رأس النفاق في المدينة عبد الله بن أبي بن سلول التدخل من أجل تخليصهم حيث أنهم كانوا من حلفائه وطالب الرسول بتركهم فرفض وساطته وفي النهاية إضطرهم إلى الإستسلام والنزول على حكمه الذى قضى بإخراجهم من ديارهم وكان عددهم 700 رجل فجلوا عن المدينة فذهب بعضهم إلى الشام وبعضهم إلى خيبر تاركين وراءهم أموالهم وأسلحتهم وأدوات صياغتهم وبعد حوالي عام وبعد غزوة أحد حاول يهود بني النضير والذين كانوا يسكنون جنوبي المدينة المنورة إغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يلقوا صخرة عليه من أعلى منزل أثناء جلوسه بينهم للتفاوض في أمر دية قتيلين إلا أن الوحي أعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة فقام من مكانه وإنصرف وفشلت المحاولة وردا على ذلك صمم الرسولُ صلى الله عليه وسلم على محاربة بني النضير الذين نقضوا العهد والمواثيق معه .


وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ لقتال بني النضير والسير إليهم وأرسل محمد بن مسلمة إليهم وقال له إذهب إلى يهود بني النضير وقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم أن إخرجوا من بلادي لقد نقضتم العهد الذى جعلت لكم مما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد منكم ضربت عنقه ولم يجدوا جوابا يردون به سوى أن قالوا لمحمد بن مسلمة أبلغ محمد ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس فقال النبي تغيرت القلوب ومحا الإسلام العهود فقالوا نتحمل فمكثوا أياما يعدون العدة للرحيل وفي تلك المدة أرسل إليهم عبد الله بن أبي بن سلول من يقول لهم إثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم ولا تخرجوا فإن معي من العرب وممن إنضوى إلى قومي ألفين فأقيموا فهم يدخلون معكم حصونكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يصلوا إليكم فعادت لليهود بعض ثقتهم وتشجعَ كبيرهم حيي بن أخطب وأرسل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له إنا لن نريم أى لن نبرح دارنا فإصنع ما بدا لك فكبر الرسول وكبَّر المسلمون معه وقالوا إذن هي الحرب يا يهود وإنقضت الأيام العشرة ولم يخرج يهود بني النضير من ديارهم فتحركت جيوش المسلمين صوبهم وإستعمل النبي محمد على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وسار إليهم وكان الإمام علي بن أبي طالب يحمل اللواء فلما إنتهى إليهم فرض عليهم الحصار لمدة خمس عشرة ليلة ولجأ بنو النضير إلى حصونهم فأقاموا عليها يرمون بالنبل والحجارة وكانت نخيلهم وبساتينهم عونا لهم في ذلك فأمر الرسول بقطعها وتحريقها وفي النهاية أدرك بنو النضير أن لا مفر من جلائهم بعد أن دب اليأسُ والرعب في قلوبهم وخاصة بعد أن أخلف عبد الله بن أبي بن سلول وعده بنصرهم وعجز إخوانهم أن يسوقوا إليهم خيرا أو يدفعوا عنهم شرا فأرسلوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يلتمسون منه أن يؤمنهم حتى يخرجوا من ديارهم فوافقهم على ذلك وقال لهم إخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة وهي الدروع والسلاح فرضوا بذلك وحملوا معهم كميات كبيرة من الذهب والفضة حتى أن سلام بن أبي الحقيق وحده حمل جلد ثور مملوءا ذهبا وفضة وكان يقول هذا الذى أعددناه لرفع الأرض وخفضها وإن كنا تركنا نخلا ففي خيبر النخل وحملوا أمتعتهم على ستمائة بعير وخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن من خلفهم حتى لا يشمت بهم المسلمون فقصد بعضهم خيبر وسار آخرون إلى الشام وأسلم منهم رجلان فقط يامين بن عمرو وأبو سعد بن وهب وقد تولى عملية إخراجهم من المدينة محمد بن مسلمة بأمر من الرسولِ صلى الله عليه وسلم وكان من أشرافهم الذين ساروا إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وصحبته إبنته السيدة صفية رضي الله عنها فلما نزلوها دان لهم أهلها ورحبوا بهم ونزلت في غزوة بني النضير سورة الحشر بأكملها فوصفت طرد اليهود وفضحت مسلك المنافقين وبينت أحكام الفئ وأثنت على المهاجرين والأنصار وبينت جواز القطع والحرق في أرض العدو للمصالح الحربية وأن ذلك ليس من الفساد في الأرض وأوصت المؤمنين بإلتزام التقوى والإستعداد للآخرة ثم ختمت بالثناء على الله تعالى وبيان أسمائه وصفاته وكان الإمام عبد الله بن عباس رضي الله عنه يقول عن سورة الحشر قل سورة النضير .


وفي العام الخامس الهجرى وبعد أن إستقر يهود بني النضير بخيبر أخذوا يرسمون الخطط للإنتقام من المسلمين فإتفقت كلمتهم على التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين وكونوا لهذا الغرض وفدا يتكون من عشرين رجلا من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة على رأسهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وأبي عمار ووصل الوفد إلي مكة وبدأ يحرض مشركيها على غزو الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة والقضاء على المسلمين ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم فأجابتهم قريش ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان فدعاهم إلى ما دعا إليه قريشا فإستجابوا لذلك ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك فإستجاب له من إستجاب وهكذا نجح سادة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب المشركين على الرسول ودعوته والمسلمين وقد وافقت قريش على غزو المدينة لأنها شعرت بمرارة الحصار الإقتصادى الذي ضربه عليها المسلمون ووافقت غطفان طمعا في خيرات المدينة وفي السلب والنهب وقد قال وفد اليهود لمشركي مكة إن دينكم خير من دين محمد وأنتم أولى بالحق منه وفي ذلك نزلت الآيات أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا وقد أبرم الوفد اليهودى مع زعماء أعراب غطفان إتفاقيةً ضد المسلمين وكان أهم بنود هذا الإتفاق هو أن تكون قوة غطفان في جيش الإتحاد هذا ستة آلاف مقاتل وأن يدفع اليهود لقبائل غطفان مقابل ذلك كل تمر خيبر لسنة واحدة وفعلا خرجت من الجنوب قريش في أربعة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان صخر بن حرب حتى نزلوا وادى العقيق ووافاهم بنو سليم وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس وخرجت من الشرق بنو أسد يقودهم طليحة بن خويلد الأسدى وقبائل غطفان بنو فزارة يقودهم عيينة بن حصن وبنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف وبنو أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعر بن رخيلة ونزلت غطفان بجانب أحد ثم إتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل أربعة آلاف من قريش وأحلافها وستة آلاف من غطفان وأحلافها بني أسد وسليم وكانت إستخبارات الدولة الإسلامية على حذر تام من أعدائهم لذا فقد كانوا يتتبعون أخبار الأحزاب ويرصدون تحركاتهم ويتابعون حركة الوفد اليهودى منذ أن خرج من خيبر في إتجاه مكة وكانوا على علم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودى وبين قريش أولا ثم غطفان ثانيا وبمجرد حصول المدينة على هذه المعلومات عن العدو شرع الرسول محمد في إتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة ودعا إلى إجتماع عاجل حضره كبار الصحابة وقادة جيش المسلمين من المهاجرين والأنصار وبحث فيه معهم هذا الموقف الخطير فأشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي على الرسول محمد بحفر خندق شمالي المدينة قائلا يا رسول الله إنا كنا في أرض فارس إذا حوصرنا وخوفتنا الخيل خندقنا علينا فهل لك يا رسول الله أن تخندق وكان الجانب الشمالي من المدينة هو الجانب المكشوف أمام العدو والذي يستطيع منه دخول المدينة وتهديدها أما الجوانب الأخرى فهي حصينة منيعة تقف عقبةً أمام أى هجوم يقوم به الأعداء أو أى محاولة لدخول المدينة من تلك الجهات حيث كانت الدور من ناحية الجنوب متلاصقة عالية كالسور المنيع وكانت حرة واقم من جهة الشرق وحرة الوبرة من جهة الغرب تقومان مقام حصن طبيعي وكانت حصون بني قريظة في الجنوب الشرقي كفيلة بتأمين ظهر المسلمين إذ كان بين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبني قريظة عهد ألا يمالئوا عليه أحدا ولا يناصروا عدوا ضده وأَعجب المسلمون برأى سلمان رضي الله عنه وقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار سلمان منا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت .

وعندما إستقر الرأى بعد المشاورة على حفر الخندق ذهب الرسول هو وبعض أصحابه لتحديد مكانه وإختار للمسلمين مكانا تتوافر فيه الحمايةُ للجيش وبدأ على الفور حفر الخندق والذى إقترن بصعوبات جمة فقد كان الجو باردا والريح شديدة والحالة المعيشية صعبة بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الذى كان متوقعا في كل لحظة ويضاف إلى ذلك العملُ المضني حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم وينقلون التراب على ظهورهم ولا شك في أن هذا الظرف بطبيعة الحال يحتاج إلى قدر كبير من الحزم والجد وكانت هناك مجموعة من الأنصار تقوم بحراسة الرسول محمد في كل ليلة وعلى رأسهم الصحابي الأنصارى عباد بن بشر رضي الله عنه وقد قسم الرسول أعمالَ حفر الخندق بين الصحابة كل أربعين ذراعا لعشرة منهم ووكل بكل جانب جماعة يحفرون فيه وشارك الرسول صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق وهو يقول إن الخير خير الآخرة فإغفر للأنصار والمهاجرة وفي النهاية تم حفر الخندق بعد مجهود جبار قبل أن تصل الأحزاب إلى المدينة وكان طوله 5544 مترا ومتوسط عرضه 4.62 مترا ومتوسط عمقه 3.62 مترا ولما وصل الأحزاب فوجئوا بهذا الخندق حيث لم يكن حفر الخنادق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبا عنهم ولم يعتادوه وبهذا يكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من إستعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين ومن ثم كانت المفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام أبطلت وأفسدت خطتهم التي رسموها ولذا فتلك الغزوة تسمى أيضا غزوة الخندق ولما عجزت الأحزاب عن دخول المدينة ضربوا حصارا محكما عليها دام ثلاثة أسابيع وحاول المشركون في بعض الأيام إقتحام الخندق لكن المسلمون نجحوا في التصدى لهم وأفسدوا محاولاتهم لإقتحامه حيث قاموا برشقهم بالنبل والسهام وناضلوهم أشد النضال وعندما نجح بعض قادة المشركين في عبور الخندق كان منهم عمرو بن عبد ود وضرار بن الخطاب الفهرى وعكرمة بن أبي جهل تصدى لهم المسلمون وبارزوهم حتى قُتل عمرو بن عبد ود على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهرب بقيتهم وبذلك فشل المشركون ولم يفلحوا في إقتحام الخندق وقد أدى هذا الحصار إلى تعرض المسلمين في المدينة المنورة للأذى والمشقة والجوع وإشتد عليهم البلاء وبلغ منهم الجهد والضنك كل مبلغ حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم وأخذ بعض المسلمين يظنون بالله الظنون ولم تكن قريش وأحلافها من المشركين في هذه الساعات الحاسمات بأحسن حالا من المسلمين فقد صب عليها الله عز وجل من غضبه ما أوهن قواها وزلزل عزائمها فأرسل عليها ريحا صرصرا قلبت خيامها وقلبت قدورها وأطفأت نيرانها وقذفت وجوهها بالحصباء وسدت عيونها وخياشيمها بالتراب فقرر أبو سفيان بن حرب قائد المشركين الإنسحاب إلى مكة قائلا يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار قرار لقد هلكت رواحلنا وتخلت عنا بنو قريظة ولقينا من شدة الريح ما ترون فإرتحلوا إني مرتحل وبالفعل قام أبو سفيان إلى جمله ففك عقاله وجلس عليه ثم ضربه فوثب قائما وأخذ طريقه نحو مكة ومن وراءه جيش قريش وكذلك إنسحبت غطفان وحلفاؤها .


وقبل إنسحاب مشركي قريش كان المسلمون يخشون غدر يهود بني قريظة الذين يسكنون في جنوب شرق المدينة فيقع المسلمون حينئذ بين نارين اليهود خلف خطوطهم والأحزاب بأعدادهم الهائلة من أمامهم ونجح اليهودي زعيم بني النضير حيي بن أخطب في إستدراج كعب بن أسد زعيم بني قريظة وصاحب عقدهم وعهدهم لينضم مع الأحزاب لمحاربة المسلمين حيث إنطلق إلى ديار بني قريظة فأتى كعب وكان بينه وبين الرسولَ عهد على أن ينصره إذا أصابته حرب فضرب عليه حيي الباب فأغلقه كعب دونه فما زال يكلمه حتى فتح له بابه فقال حيي إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها وقد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاءا بالعهد فلم يزل حيي بكعب يحرضه على المسلمين حتى أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن يدخل معه في حصنه فنقض بذلك كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين وسرت الشائعات بين المسلمين بأن بني قريظة قد نقضت عهدها معهم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخشى أن تنقض بنو قريظة العهد الذي بينهم وبينه ولذلك إنتدب الزبير بن العوام رضي الله عنه ليأتيه بأخبارهم فذهب الزبير فنظر ثم رجع فقال يا رسول الله رأيتهم يصلحون حصونهم ويمهدون طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم وبعد أن كثرت القرائن الدالة على نقض بني قريظة للعهد أرسل الرسول سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم إنطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فإلحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فإجهروا به للناس فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم قد نقضوا العهد فرجعوا فسلموا على الرسول وقالوا عضل والقارة فعرف الرسول مرادهم ومعنى إلحنوا لي لحنا أى قولوا لي كلاما لا يفهمه أحد سواى وعضل والقارة قبيلتان من كنانة سبق منهما الغدر بأصحاب الرسولِ في ذات الرجيع وإستقبل الرسول صلى الله عليه وسلم غدر بني قريظة بالثبات والحزم وإستخدام كل الوسائل التي من شأنها أن تقوي روح المؤمنين وتصدع جبهات المعتدين فأرسل في الوقت نفسه سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريظة وفي هذه الأثناء إستعدت بنو قريظة للمشاركة مع الأحزاب فأرسلت إلى جيوشها عشرين بعيرا كانت محملة تمرا وشعيرا وتينا لتمدهم بها وتقويهم على البقاء إلا أنها أصبحت غنيمة للمسلمين الذين إستطاعوا مصادرتها وأتوا بها إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم .


وبإنسحاب قريش وغطفان إنتهت غزوة الخندق وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه جبريل عند الظهر وهو يغتسل في بيت أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها فقال له أو قد وضعت السلاح فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم وما رجعت الآن إلا من طلب القوم فإنهض بمن معك إلى بني قريظة فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم وأقذف في قلوبهم الرعب فسار جبريل في موكبه من الملائكة فأمر الرسول محمد مؤذناً فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة وإستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب وقدمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالةً قبيحةً لرسول الإسلام محمد وضرب المسلمون الحصار على ديار بني قريظة الذين خانوا عهدهم مع المسلمين وناصروا الأحزاب وتآمروا معهم على المسلمين خمسا وعشرين ليلة ولما إشتد الحصار وعظم البلاء على بني قريظة أرادوا الإستسلام والنزول على أن يحكم الرسول فيهم سيد الأوس الصحابي سعد بن معاذ رضي الله عنه وقبلوا أن ينزلوا على حكمه ظنا منهم أنه سيرأف بهم بسبب الحلف الذى كان بينهم وبين قومه الأوس فجئ بسعد رضي الله عنه محمولا حيث كان قد أصابه سهم في ذراعه يوم الخندق فقضى بأن تقتل المقاتلة الذين ناصروا الأحزاب وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم وأن تؤخذ منهم الديار وتوزع على المهاجرين دون الأنصار فأقره الرسولُ محمد وقال له لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات وكان حيي بن أخطب قد دخل مع بني قريظة في حصنهم بعد الجلاء حين رجعت عنهم قريش وغطفان طبقا لإتفاقه مع كعب بن أسد ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات وكان منهم حيي بن أخطب الذى جئ به ويداه مجموعة إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فتم ضرب عنقه وكذلك جئ بكعب بن أسد زعيم بني قريظة وتم ضرب عنقه ومما يذكر أنه قد نجت مجموعة قليلة جدا من يهود بني قريظة وهم الذين أوفوا بعهدهم مع المسلمين ودخلوا في الإسلام وكان هذا هو الجزاء العادل الذى إستحقه من أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين فكان جزاؤهم من جنس عملهم حين عرضوا بغدرهم وخيانتهم أرواح المسلمين للقتل وأموالهم للنهب ونساءهم وذراريهم للسبي فكان أن عوقبوا بذلك جزاءا وفاقا على ما إقترفته أيديهم .

وفي شهر المحرم عام 7 هجرية كانت غزوة خيبر حيث قرر الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج لهذه الغزوة بعد أن إطمأن من ناحية أقوى أجنحة الأحزاب الثلاثة الذين تحالفوا على المسلمين في غزوة الأحزاب أو الخندق وحاصروا المدينة خلالها والتي كانت في شهر شوال عام 5 هجرية وهو قريش حيث أمن من ناحية قريش تماما بعد صلح الحديبية الذى عقد في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحاسب الجناحين الباقيين من الأحزاب اليهود وقبائل نجد حتى يتم تحقيق الأمن والسلام ويسود الهدوء في منطقة شبه الجزيرة العربية ويستريح المسلمون من الصراع الدامي المتواصل لكي يتفرغوا إلى تبليغ رسالة الله والدعوة إلي دين الله الحنيف ولما كانت مدينة خيبر والتي تقع علي بعد حوالي 70 كم شمالي المدينة هي وكرة الدس والتآمر ومركز الإستفزازات العسكرية والتحرشات وإثارة الحروب ضد المسلمين فمن ثم كانت هي الجديرة بإهتمام المسلمين وضرورة غزوها للتخلص من هذا الوكر التآمرى وكانت هذه المدينة مليئة بالحصون وكان الجديد في تلك الغزوة وما يختلف عن الغزوات السابقة هي حصون اليهود وقلاعهم التي أقاموا بها فمحاولة الهجوم عليهم تتطلب جهداً ضخما وتعبئة مناسبة ومؤونة كافية للجيش لفترة طويلة والمسلمون لا يملكون هذه الطاقات في مقابل اليهود الذى قيل عنهم وهم أهل الحصون التي لا ترام وسلاح وطعام كثير وماء متوفر يشربونه في حصونهم ولو حوصروا لسنين لكفاهم وما كان لأحد بهم من طاقة كما أن المسلمون لم يكن لهم خبرة سابقة في قتال أهل الحصون إلا ما كان يوم حصارهم لبني قريظة يوم حربهم وفضلا عن ذلك فقد كان في هذه الحصون عشرة آلاف مقاتل من اليهود منهم آلاف يجيدون الرمي وكانت أيضا ممتلئة بالمال وكان اليهود يعملون بالربا مع جميع البلدان ولا ننسى أن أهل خيبر هم الذين كانوا قد حزبوا الأحزاب ضد المسلمين وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة ثم أخذوا في الإتصال بالمنافقين الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي وبقبائل غطفان وأعراب البادية وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال وعاش المسلمون بسببهم محنا متواصلة إضطرتهم إلى الفتك ببعض رؤوسهم أمثال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق وأسير بن زارم ولكن كان لابد من عمل أكبر من ذلك إزاء هؤلاء اليهود المتآمرين وما كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من مجابهتهم إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألد ألا وهو قريش وقد إختلفت تلك الغزوة عما قبلها من غزوات إذ أنها كانت أول غزوة تأتى بعد وقعة بني قريظة وصلح الحديبية لتدل بذلك على أن الدعوة الإسلامية قد دخلت مرحلة جديدة من بعد صلح الحديبية فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ هو أن نغزو أعداءنا قبل أن يغزونا ولا نسمح لهم بالإقتراب من المدينة المنورة حصن الإسلام الحصين وكانت الخطوة الأولى في هذه المرحلة هي ضرورة القضاء على هذه البؤرة التآمرية التي تهدد الإسلام والمسلمين والإستقرار والهدوء في شبه الجزيرة العربية .

وبعد العديد من المعارك الشرسة تم فتح حصون خيبر حصنا وراء الآخر بعد سلسلة من المحاصرات والقتال الشرس بين الطرفين وأرسل زعماء اليهود الحقيق إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ننزل فنكلمك فقال النبي نعم فنزلوا وصالحوا النبي على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين محمد وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء أي الذهب والفضة والكراع والحلقة أي السلاح إلا ثوبا على ظهر إنسان فقال النبي وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر وتخلص المسلمون من هذه البؤرة التآمرية التي هددت الأمن والإستقرار للإسلام والمسلمين وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر فقالوا يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها فنحن أعلم بها منكم ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه آنذاك غلمان يقومون عليها فوافق النبي على أن لهم الشطر من كل زرع ومن كل ثمر وكان الصحابي الأنصارى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وكيله عليهم وقسم أرض خيبر على ثلاثة آلاف وستمائة سهم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين وقد قسمها الرسول صلى الله عليه وسلم هكذا لأنها كانت طعْمةً من الله لأهل الحديبية مَن شهد منهم ومَن غاب وكانوا ألفا وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس لكل فرس سهمان فقسمت على ألف وثمانمائة سهم فصار للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم واحد وقام النبي بعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم لليهود وفي هذه الغزوة قتل كنانة بن أبي الحقيق زوج السيدة صفية رضي الله عنها والتي أخذت مع الأسرى فإصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وخيرها بين الإسلام والبقاء على دينها قائلا لها إختارى فإن إخترت الإسلام أمسكتك لنفسي أى تزوجتك وإن إخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك فقالت يا رسول الله لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني حيث صرت إلى رحلك وما لي في اليهودية أرب وما لي فيها والد ولا أخ وخيرتني الكفر والإسلام فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عتقها صداقها وذكر لها مفصلا ما حل به وبالمسلمين من أذى اليهود وأخبرها عما فعله قومها بهما حتى زال همها وحزنها وحتى لا يتزوجها وهى مبغضة له ولم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر حتى إستبرأت صفية رضي الله عنها وطهرت من حيضها والإستبراء في حالتها إنما يكون بأن تطهر من حيضة واحدة فقط ولا تجب عليها العدة لو كانت متزوجة من كافر سواء مات أو بقي حيا فحملها وراءه فلما صار إلى منزل على بعد ستة أميال من خيبر أراد أن يعرس بها فأبت عليه فوجد في نفسه ولم يفرض عليها من الأمر شيئا وتركها بما أرادت وأحسن معاملتها حتى إذا كان في مكان يسمى بسد الصهباء على بعد ستة عشر ميلا من خيبر وهو في طريقه إلى المدينة المنورة فنزل به فمشطتها أم سليم بنت ملحان الأنصارية وعطرتها وهيأتها للزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدتها له من الليل فسألها ما حملك على الإمتناع من النزول أولا بعد أن خرجنا من خيبر فقالت خشيت عليك من قرب اليهود فعظمت في نفسه لخوفها عليه فأصبح عروسا بها وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسوِيق وما كان فيها من لحم وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها فتساءل المسلمون هل تكون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمين النبي صلى الله عليه وسلم فلما حان وقت الرحيل إلى المدينة حوِى لها وراءه بعباءة ثم جلس عند بعيره ووضع ركبته لتضع السيدة صفية رجلها على ركبته حتى تركب ومد عليها الحجاب فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا .

وبحسب المؤرخين المسلمين كان هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من الزواج من السيدة صفية رضي الله عنها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها إلى جانب تعويضها خيرا عن ما فقدت من أهلها وقومها ويضاف إلى ذلك إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفف عداءهم ويمهد لقبولهم دعوة الإسلام التي جاء بها إلى جانب التأكيد على أن الإسلام يحفظ للإنسان مكانته ولا ينقص منها بل يزيدها ومن كان شريفا قبل إسلامه يزداد شرفا بالإسلام ومن كان عزيزا إزداد عزة فى الإسلام وأدركت السيدة صفية رضي الله عنها هذه الأهداف والمقاصد العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام وذاقت حلاوة الإيمان وتأثرت بخلق سيد الأنام حتى نافس حبه حب أبيها وذويها والناس أجمعين ولما بلغ أمر زواج نبى الله صلى الله عليه وسلم للسيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وأم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إشتدت الغيرة بهن من إبنة اليهود وقالت عائشة نحن أكرم على رسول الله منها فنحن أزواجه وبنات عمه وغضبن من هذه الزيجة إلا أنهن كن يعلمن أنها بأمر من الله ووراءها سبب لا يعلمه إلا الله ورسوله ومن الطريف أن بعض من أمهات المؤمنين كايدن السيدة صفية رضي الله عنها بقولهم لها يا يهودية فحزنت لذلك وبكت بكاءا شديدا وشكت للرسول صلى الله عليه وسلم فطيب خاطرها وقال لها إذا قلن لك هذا قولي لهم أبي نبي الله هارون وعمي نبي الله موسى وزوجي نبي الله محمد عليهم الصلاة والسلام جميعا ففيم تتفاخرن علي ومن منكن لها سهم مثل سهمي وقد زعمت بعض الكتب اليهودية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بالسيدة مارية القبطية والسيدة صفية اليهودية وهما على دينهما وكلها إدعاءات غير صحيحة فبالرغم من أن القرآن الكريم أحل الزواج من أهل الكتاب ولم يتضمن فى آية واحدة حديثا عدائيا ضدهم إلا أن محمد عليه الصلاة والسلام تزوج بالسيدة صفية بعد أن شرح الله صدرها للإسلام كما تزوج السيدة مارية القبطية بعد إسلامها حيث دخلت الإسلام حتى قبل أن تراه ويبقى الأصل فى الزواج من نساء أهل الكتاب عند جمهور المسلمين هو الإباحة فقد أحل الله لأهل الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم فى آية واحدة وهى من أواخر ما نزل فى القرآن الكريم عندما قال تعالى فى سورة المائدة وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان .

وكانت السيدة صفية رضي الله عنها شديدة الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الوقائع التى تؤكد ذلك عندما ذهبت لتزور المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو معتكف بالمسجد فى العشر الأواخر من رمضان فتحدثت معه ساعة بعد العشاء ثم قامت فقام معها رسول الله حتى إذا بلغا باب المسجد مر بهما رجلان من الأنصار فسلما عليه فقال لهما على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام إن الشيطان يجرى من إبن آدم مجرى الدم وإنى خشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا وثمة واقعة أخرى عندما إجتمع نساء النبى فى مرضه الذى توفى فيه قالت صفية إنى والله يا نبى الله لوددت أن الذى بك بى فتغامزن أزواجه بأبصارهن فقال النبي لهن مضمضن فقلن من أى شئ فقال من تغامزكن بها والله إنها لصادقة وعلاوة على ذلك كانت رضي الله عنها لا تدخر جهدا في النصح وهداية وإرشاد الناس ووعظهم وتذكيرهم بالله عز وجل ومن ذلك أن نفراً إجتمعوا في حجرتها يذكرون الله تعالى ويتلون القرآن الكريم حتى تليت آية كريمة فيها موضع سجدة فسجدوا فنادتهم من وراء حجاب قائلة هذا السجود وتلاوة القرآن فأين البكاء وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عاشت السيدة صفية حياة زاهدة وإزدادت تمسكا بسنته ومنهجه وكانت على قدر كبير من الدين والجود والورع وفى عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضى الله عنه جاءته جارية السيدة صفية رضي الله عنها لتخبره بأن سيدتها تحب يوم السبت وتصل اليهود فيه فلما سأل السيدة صفية عن ذلك الأمر أجابته قائلة فأما السبت لم أحبه بعد أن أبدلنى الله به بيوم الجمعة وأما اليهود فأصل رحمى ثم قالت للجارية ما حملك على ما صنعت فقالت الشيطان فقالت لها إذهبى فأنت حرة وكان عمر رضي الله عنه يكرم السيدة صفية رضي الله عنها لكونه كان على علم بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وإهتمامه بها وقد توفيت السيدة صفية رضى الله عنها فى زمن خلافة الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه قى شهر رمضان من عام خمسين للهجرة النبوية ودفنت بمقبرة البقيع وذلك بعد حياة قضتها في رحاب العبادة ورياض التأله دون أن تنسى معاني الأخوة والمحبة التي إنعقدت بينها وبين رفيقاتها من أمهات المؤمنين موصيةً بألف دينار لأم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما رحم الله أمنا أم المؤمنين صفية رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاها عنا وعنا الإسلام خيرا .

 
 
الصور :