الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

لكنها رحلت!

لكنها رحلت!
عدد : 10-2023
بقلم الدكتور/ محمود رمضان


توسلت لي بنظرة انكسار لتروي قصتها، قالت:
لم تكن أمي فحسب، بل دنياي وربيعي، صديقتي وابنتي، وفور تخرجي في الجامعة تركتني وحيدة، وأنا الابنة الوحيدة، كنا نلعب ونلهو معا كطفلتين، وتلبي طلباتي قبل أن أتفوه بها، لم ينقطع حبلها السري عني منذ كنت في رحمها حتى فارقتني.
أنفاسها العطرة كانت تحتويني وهي ترضعني حليبها، وهي تغني لي بثغرها الباسم كي ارتوي من ثدييها، تهدهدني في مهدي حتى أنام، مترعة بالحب والحنان، لأسبح في أحلام وردية، ملائكية.
كبرت والتحقت بالصف الأول الابتدائي، كانت تنتظرني أمام البيت حينما توقفت الحافلة التي أعادتني من المدرسة، تغمرني بقبلاتها، وتقبل يدي، وتحتضنني بشوق ولهفة، كأني غبت عنها لسنوات.
تخلع عني زي المدرسة، وتلبسني ملابس البيت الأنيقة، وأحكي لها ما دار خلال اليوم حكايات الطفولة الرقيقة البريئة، حتى يعود أبي من عمله، فنتناول غداءنا، ونخلد لقيلولة قد تمتد لساعتين.
أصحو لأجدها أعدت لي العصير والحلوى التي أحبها، تستذكر معي دروسي، تشجعني على التفوق والتميز، وتنفخ في من روحها ما يجعلني أستمتع بالحياة.
وتمر السنوات كأنها دقائق، ومع أنها أمي وصديقتي، إلا أنني خجلت منها وأنا أروي لها أول علامات طبيعية لترك الطفولة والولوج إلى مرحلة البلوغ، فاحتضنتني، وقالت: ماشاء الله بنتي كبرت وهتبقى عروسة، لا تخجلي، هكذا خلقنا الله، وتلك ظواهر طبيعية جداً، وسوف أقول لك ماذا عليك فعله.
تمر سنوات قليلة، وأتخرج في الجامعة، أقامت لي حفلاً أسطورياً في شقتنا الواسعة، ضم الأهل والأصدقاء والصديقات، وبعد أيام أخذتني في حضنها، وقالت: اليوم أصبحت شابة، وردة جميلة، لكني لن أراك بثوب زفافك الأبيض، فقد اقترب أجلي، كان المرض ينهشني في صمت، ولم أرغب في مصارحتك كي لا تحزنين، وعديني أن تترحمي علي وتدعين لي في كل صلاة.
انهمرت دموعي وقبلت يديها وقدميها، واغرورقت عيناها بدمع غزير، وأسلمت روحها إلى بارئها، صرخت بكل ما أوتيت من قوة، لا تتركيني يا أمي، لم أشبع منك بعد، ليس لي سواك، أهكذا يترك المحب حبيبه.
والآن، أتلمس ذكراها كطيف شفيف، بين غمام الخوف والرهبة، انهار حصني المنيع، أعيش بين الضياع والشتات، أصبح الألم أنيسي الأزلي، أتشمم رائحة ملابسها وآخذها في حضني كل ليلة، دموعي تحرقني، نيرانها تلتهمني بشراسة، رحلت من كانت تربت على قلبي بحنانها الدافق.