بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأحد السابقين إلى الإسلام كان أبوه رباح الحبشي مولى لأمية بن خلف الجمحي أحد سادات مكة المكرمة وأحد رؤوس قريش وكبارهم وأما أمه فكان إسمها حمامة وكان ميلاد بلال رضي الله عنه في مكة المكرمة بعد عام الفيل بحوالي 3 سنوات ونشأ بها وكان شديد السمرة طويل القامة نحيف الجسم خفيف العارضين كثير الشعر وكان أحيانا ما يكنى بأمه ويقال له يا إبن حمامة ولما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإسلام كان بلال أحد السابقين إلى الإيمان بدعوته وتتلحص قصة إسلامه في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق رضي الله عنه إعتزلا في غار وبينما هما كذلك إذ مر بهما بلال وهو في غنم لسيده فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الغار ونادى عليه قائلا يا راعي هل من لبن فقال بلال ما لي إلا شاة منها قوتي فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اِئت بها فجاء بها فدعا رسول الله بإناء وسمى الله وحلب الشاة فيه حتى ملأه فشرب حتى روى ثم حلب حتى ملأه فسقى أبا بكر ثم إحتلب حتى ملأه فسقى بلالا حتى روى ثم أرسل الشاة وهي أحفل ما كانت ثم قال لبلال هل لك في الإسلام فإني رسول الله فأسلم بلال وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم إكتم إسلامك ففعل وإنصرف بغنمه وبات بها وقد أضعف لبنها فقال له أهله لقد رعيت مرعى طيبا فعليك به فعاد إليه ثلاثة أيام يستقيهما ويتعلم الإسلام وكان سيده أمية بن خلف من الذين حاربوا الإسلام ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم منذ بدايتها وصد عنها ووقف في وجه كل من يتبعها خاصة الفقراء والمستضعفين وفي يوم جاء رجل مشرك إلى أمية بن خلف وهو في مجلس لقريش وناداه قائلا أو ما بلغك الخبر لقد شهدت عبدك بلالا يختلي مع محمد وصحبه فقام أمية من مجلسه ودخل داره منتظرا عودة بلال ولما قربت الشمس على الغروب دخل بلال على أمية فقال ما هذا الذى بلغني عنك أيها العبد الحبشي أحقا أنك إتبعت دين محمد فأجاب بلال أما وأنه بلغك أمرى وعلمت بإسلامي فإني لا أخفي عليك أني قد آمنت بالله ورسوله وأنا من جنوده فأجابه أمية لست أيها العبد إلا مملوك لا تملك من أمرك شيئا وأقسم أن يذيق بلالا صنوف العذاب ليرغمه على الرجوع إلى الكفر والشرك كما كان فأعد الحبال وشد بها أقدام بلال وقيدت يداه إلى الخلف وجره على الأرض وسط الصحراء ثم أمر بالصخرة العظيمة توضع على صدره وكان يتركه في الصحراء من الظهيرة إلى غروب الشمس ويأتيه قائلا ما رأيك الآن يا بلال أذقت العذاب وهل آن لك أن تعود إلى عبادة اللات والعزى وكان بلال يقول أحد أحد ويقول لو كنت أعلم كلمةً تغيظهم أكثر منها لقلتها لهم وأبى أن يعود إلى الشرك ومضت الأيام وبلال يعذب أشد العذاب حتى مر أبو بكر الصديق يوما فآلمه ما رأى من عذاب بلال فقال لأمية متى تترك هذا المسكين فقال أمية إنه عبدي وملكي وإذا كنت مشفقا عليه فإشتره فوافق أبو بكر فطلب منه أمية 9 أوقيات من الفضة ثمنا له فقبل أبو بكر فتعجب أمية وقال لأبي بكر لو كنت قد عرضت علي أن تشتريه بأوقية واحدة لقبلت فقال له أبو بكر وأنت لو طلبت ثمنا له مائة أوقية وليس تسع لإشتريته بها وهكذا إشتراه أبو بكر رضي الله عنه وأعتقه وذات يوم قيل لبلال رضي الله عنه بعد أن سطع نجم الإسلام في سماء العالم كيف كنت تصبر على تعذيب عدو الله أُمية بن خلف لك فقال كنت أخلط حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فأصبر وجدير بالذكر أنه لم يكن بلال بن رباح رضي الله عنه هو الوحيد الذى عذب من الصحابة الرجال المستضعفين حيث عذب أيضا كل من خباب بن الأرت ومصعب بن عمير وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وأبوه ياسر رضي الله عنهم جميعا ولم يقتصر التعذيب على الرجال فقط بل نال أيضا الصحابيات الذين دخلوا في الإسلام واللائي كان منهن السيدة سمية بنت خياط وزنيرة الرومية والنهدية وإبنتها وأم عبيس وحمامة أم بلال ولبيبة جارية بني المؤمل وفاطمة بنت الخطاب وغيرهن رضي الله عنهن جميعا .
ولم يكن بلال رضي الله عنه هو الوحيد الذى إشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من حر ماله ثم أعتقه بل إشترى أيضا مولاه عامر بن فهيرة وأم عبيس والنهدية وإبنتها ولبيبة جارية بني المؤمل وزنيرة وأعتقهم جميعا ومما يذكر أن زنيرة قد أصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان فرد الله بصرها وقد قيل فيمن أظهروا الإسلام في مكة كان أول من أظهر إسلامه بمكة سبعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وبلال بن رباح وخباب بن الأرت وصهيب الرومي وعمار بن ياسر وسمية أم عمار رضي الله عنهم أجمعين فأما النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه الله وأما أبو بكر فمنعه قومه وأما الآخرون فأُخذوا وأُلبسوا أدراع الحديد ثم أصهروا في الشمس وقت الظهيرة فكان بلال وصهيب وعمار ممن يعذبون ليتركوا دين الإسلام حتى يغيبوا عن الوعي ولا يدرون ما يقولون وفي المستضعفين الذين عذبوا من المسلمين نزلت آية ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ كما روى الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن جماعة من قريش مرت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وكان معه بلال بن رباح وخباب بن الأرت وصهيب الرومي وعمار بن ياسر فقالوا أرضيت بهؤلاء إستهزاءا بهم فنزلت الآيات وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وعن نفسه وعن هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبشة وأضاف وسلمان سابق الفرس ولما إشتد إيذاء المشركين للمسلمين بمكة أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة قائلا لهم إن فيها ملك لا يظلم عنده أحد وبعد ذلك وبعد بيعة العقبة الثانية بدأت الهجرة إلى المدينة المنورة وكان بلال بن رباح رضي الله عنه ممن هاجروا إلى المدينة ونزل على الصحابي الأنصارى سعد بن خيثمة الذى حضر بيعة العقبة الثانية وكان أحد نقباء الأنصار الإثنى عشر وكان ممن فتحوا بيوتهم لإستقبال وإستضافة المهاجرين ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إتخذ النبي من داره مقرا يجلس فيه للناس يعلمهم دينهم وآخى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين بلال وبين إبن عمه الصحابي عبيدة بن الحارث بن المطلب رضي الله عنه وقيل بينه وبين الصحابي أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأمين هذه الأمة كما أطلق عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان المسلمون بمكة قليلي العدد يستخفون كثيرا في صلاتهم ولا يكادون يجتمعون وإذا إجتمعوا ترقبوا دخول الوقت وقدروا حينه وزمنه ثم قاموا إلى الصلاة دون أذان أو إقامة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإستقر بها هو والمسلمون وكثر الناس ولم يعودوا يخشون الجهر بالعبادات وبدأ بناء المسجد النبوى كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلوات ولم يكن هناك من ينادى بها فتكلموا يوما في ذلك فإستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في وسيلة يجمع بها الناس للصلاة فقال بعضهم نرفع راية فإذا رآها المسلمون علموا أنه قد حان وقت الصلاة فجاءوا ورد هذا الإقتراح لأن الذين سيرون الراية قلة من المسلمين ثم هي لا ترى بالليل فلا تنفع للإعلان عن وقت العشاء والفجر فقال بعضهم نوقد نارا عند حلول وقت الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم إن رفع النار من فعل المجوس ولا نحب أن نقتدي بهم وقال بعضهم نتخذ بوقا مثل بوق اليهود ننفخ فيه فيرتفع الصوت فيسمعه من يريد الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم إتخاذ البوق من فعل اليهود ولا نحب أن نفعل مثلهم فقال بعضهم نتخذ ناقوسا مثل ناقوس النصارى نضربه عند حلول وقت الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم إتخاذ الناقوس من فعل النصارى وسكت صلى الله عليه وسلم يفكر أليس النصارى أقرب الناس مودة للذين آمنوا أليست المشابهة في عمل من أعمالهم أقل خطرا على المسلمين من مشابهة غيرهم لم لا نتخذ ناقوسا حتى يأتي أمر الله فأمر صلى الله عليه وسلم بصنع ناقوس فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله والله لا نتشبه بالمجوس ولا باليهود ولا بالنصارى وينبغي أن نبعث رجلا إلى مكان مرتفع أو إلى باب المسجد ينادى للصلاة فيجتمع الناس لها فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المشورة وقال يا بلال قم فناد بالصلاة فقام بلال إلى باب المسجد ونادى بأعلى صوته الحسن الصلاة جامعة الصلاة جامعة وإنصرف الصحابة إلى بيوتهم تلك الليلة وهم مشغولون بما دار من حديث وكان فيهم الصحابي عبد الله بن زيد رضي الله عنه والذى قال إنصرفت وأنا مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في منامي وأنا بين النائم واليقظان رجلا يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وعلمه الإقامة أيضا فلما أصبح عبد الله بن زيد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى وكان الوحي قد نزل مؤيدا الأذان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد إنها لرؤيا حق قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى منك صوتا فقام فجعل يلقى وبلال يؤذن به وسمع ذلك عمر بن الخطاب وكان قد رأى نفس ما يسمع فخرج يجرى يجر رداءه فقال يا رسول الله والذى بعثك بالحق لقد رأيت مثل هذا فقال صلى الله عليه وسلم وما منعك أن تخبرنا قال سبقني عبد الله فقال صلى الله عليه وسلم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وهكذا كان بلال بن رباح رضي الله عنه هو أول من أذن للصلاة في الإسلام حيث إكتشف النبي صلى الله عليه وسلم موهبته ومهارته وصوته الندى فأمره أن يؤذن فكان أول مؤذن في الإسلام وكان أحد ثلاثة مؤذنين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أبي محذورة الجمحي القرشي رضي الله عنه وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمره برفع الأذان في مكة المكرمة بعد غزوة حنين وكان الثالث عبد الله وقيل عمرو بن أم مكتوم فكان بلال يؤذن للصلاة وهو يقيم لها أو العكس .
وجدير بالذكر أن زيادة الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في أذان الفجر فقد قالها بلال رضي الله عنه وأقره عليها النبي صلى الله عليه وسلم فعن بلال رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل هو نائم فقال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فأقرت في أذان الفجر وثبت الأمر على ذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم المرء بلال هو سيد المؤذنين ولا يتبعه إلا مؤذن والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة وهكذا زكاه النبي صلى الله عليه وسلم فقد تربى وتعلم في مدرسة النبوة ورافق النبي كثيرا مما كان له الأثر الكبير في شخصيته وعن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال إنطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده فحضرت الصلاة فقال لبعض أهله يا جارية إئتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح قال فأنكرنا ذلك عليه فقال سمعت رسول الله يقول قم يا بلال فأرحنا بالصلاة وهكذا كانت قصة الأذان الذى نسمعه كل يوم خمس مرات يتردد صداه في قلوبنا يبعث الحياة ويطرد الكسل ويجلب النشاط ويعانق قلوب المؤمنين قبل آذانهم يدخل عبيره بيوتهم فتطيب به نفوسهم إنه شعار الإسلام وعنوان التوحيد من أراد أن يعرف ما أراد الله فليتدبر معانيه إنه صوت الحق الذي ميزنا الله عز وجل به عن سائر الأمم وإصطفاه لنا حتى صار علامة لنا نعرف بها ونعمة نسأل الله أن يعيننا على شكرها ويحفظها لنا حتى نفتح بها مشارق الأرض ومغاربها ومما يذكر أن المسجد النبوى الشريف آنذاك كان لم يكتمل بناؤه بعد وكانت دار السيدة النوار بنت مالك الأنصارية رضي الله عنها أم كاتب الوحي وجامع القرآن الكريم وترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل زيد بن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أعلى الدور التي حول المسجد النبوى الشريف فكان بلال بن رباح رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل إستكمال بناء المسجد النبوى الشريف يعلو دارها ليؤذن من فوقها للصلاة فكان بيتها أول منارة يؤذَّن من فوقها للصلاة في العالم وقد شهد بلال رضي الله عنه غزوة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في العام الثاني الهجرى ولما إشتدت المعركة وحمي الوطيس إحتمى عدو الله ورسوله أمية بن خلف عليه لعنة الله بالصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وذلك لما كان بينهما من مكاتبة بأن يحفظ أمية بن خلف عبد الرحمن في مكة المكرمة على أن يحفظ عبد الرحمن أمية في المدينة المنورة فأخذه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كأسير عنده وكان يعلم بما فعله أمية ببلال رضي الله عنه في مكة المكرمة قبل الهجرة فكان حريصا على ألا يراه بلال لكن شاء الله أن يرى بلال أمية فلما رآه قال لا نجوت إن نجا وصاح بجماعة من الأنصار فأحاطوه فإنقض عليه بلال رضي الله عنه فثأر منه وقتله وبعد غزوة بدر شاهد بلال مع النبي صلى الله عليه وسلم ما تلاها من مشاهد أحد وذات الرقاع والخندق وبيعة الرضوان وصلح الحديبية وخيبر وفتح مكة وحنين وتبوك .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكلف بلال أحيانا ببعض المهمات الخاصة منها أنه في غزوة ذات الرقاع كانت ناقة الصحابي الجليل وراوى الحديث جابر بن عبد الله هزيلة وضعيفة فتأخر جابر عن الجيش فسأل عنه النبي فوجده قادما من بعيد وناقته لا تقوى على المشي فذهب إليه وسأله ما بك يا جابر فأجابه يا رسول الله ناقتي ضعيفة فقال له إنزل عنها يا جابر وأمسك بعصاه ونخس بها الناقة عدة مرات وقال له إركب يا جابر ففوجئ بأن ناقته قد سبقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول أتبيعها لي فقال له جابر بلى فلما رجعوا إلى المدينة أخذ جابر الناقة وربطها أمام دار رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنصرف فخرج النبي فوجد الناقة فسأل عنها فقيل له أحضرها جابر بن عبد الله فإستدعى النبي بلال بن رباح رضي الله عنه ودفع إليه بأربعمائة درهم وكلفه بأن يذهب إلى جابر بن عبد الله ويسلمه الدراهم والناقة ويقول له إن النبي يقول لك إن المال مالك والناقة ناقتك ومن هذا الموقف نتبين كيف كان النبي يحافظ على شعور صحابته فلم يكلف أحدا من أغنياء الصحابة بهذه المهمة وإختار لها صحابي من نفس المستوى الإجتماعي لجابر بن عبد الله محافظة على شعوره وروى الإمام البخارى بسنده عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال سرنا مع النبي ليلة فقال بعض القوم لو عرست بنا يا رسول الله فقال أخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال أنا أوقظكم فإضطجعوا وأسند بلال رضي الله عنه ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام فإستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال يا بلال أين ما قلت قال ما ألقيت علي نومة مثلها قطُ فقال النبي إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء يا بلال قُمْ فأذن بالناس بالصلاة ويروى أنه لما إفتتح النبي حصن القموص بخيبر جئ له بصفية بنت حيي بن اخطب والتي تزوجها النبي بعد ذلك وأصبحت من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا وقريبة لها دون سنها فأرسلهما النبي مع بلال إلى رحله فمر بهما على القتلى من قومهما فصاحت البنت الصغيرة صياحا شديدا ولطمت على وجهها وعلم النبي بما صنع بلال فقال له عاتبا أنزعت منك الرحمة يا بلال حين تمر بجارية حديثة السن على القتلى من قومها فكان عذر بلال الذى إعتذر به أن قال يا رسول الله ما ظننت أنك تكره ذلك وأحببت أن ترى مصارع قومها وفي يوم فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلال بأن يعتلي سطح الكعبة ويرفع الأذان فخلع لباس الحرب وصعد فوق سطح الكعبة ورفع الأذان فكان رضي الله عنه أول من أذن بالكعبة .
وروى الإمام مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدى في الجنة فقال بلال ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندى منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي وروى الإمام البخارى بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان عمر بن الخطاب يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا وقد عرف له النبي صلى الله عليه وسلم خصلة الأمانة وهو قائد الرجال الخبير بمناقب النفوس فأقامه في موضع الثقة وإئتمنه على مال المسلمين فكان خازنا للنبي صلى الله عليه وسلم وأيضا فقد إئتمنه النبي على طعامه ومؤنته وشخصه وإستصحبه في غزوه وحجه وحله وترحاله وأسلمه العنزة وهي الحائل الذى كان يضعه الرسول أمامه عند صلاته في غير مسجده يحملها بين يديه أيام العيد والإستسقاء ولم يعرف أحد من الصحابة لازمه عليه الصلاة والسلام كما لازمه هذا المؤذن الذى كان يقيم معه الصلاة وهذا الأمين الذى يحفظ له المال والطعام وهذا الرفيق الذى كان يظله بالقبة الستار من لفحات الهجير في رحلات الصيف وربما تقدمه فركب ناقته القصواء التي قلما كان يركبها سواه صلى الله عليه وسلم ولم يدخل الكعبة معه بعد فتح مكة غير عثمان بن طلحة صاحب مفاتيحها وأسامة بن زيد مولاه وبلال بن رباح وبعد أن دخلها أغلقها عليهم ثم مكث فيها ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسألت بلالا حين خرج ما صنع رسول الله قال جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حاول بلال أن يستمر في رفع الأذان للصلاة فكان كلما وصل إلى أشهد أن محمدا رسول الله يجهش بالبكاء ولا يستطيع أن يكمل الأذان فعزم رضي الله عنه على المرابطة في بلاد الشام ضمن جيوش الفتح التي أخرجها الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه فجاء إليه رضي الله عنه يستأذنه في الخروج إلى الشام فلم يأذن له في البداية بذلك فقال له بلال أأعتقتني لله أو لنفسك قال بل لله فقال فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله فأذن له فخرج إلى الشام ومكث بها حتى وافته المنية واثناء وجوده بالشام رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني فإنتبه من نومه حزينا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده فأقبل الحسن والحسين إبنا الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء إبنة النبي صلى الله عليه وسلم وسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما فجعل يضمهما ويقبلهما فقالا له نشتهي أن نسمع أذانك فعلا سطح المسجد ووقف فلما أن قال الله أكبر الله أكبر إرتجت المدينة كلها فلما أن قال أشهد أن لا إله إلا الله إزدادت رجتها فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله خرج العواتق من خدورهن فما رؤى يوم أشد بكاءا بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم .
وبعد ان تم فتح بيت المقدس في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب وخرج عمر إلى الشام في عام 16 هجرية ليتسلم مفاتيح بيت المقدس وإلتقى الخليفة بقادة وجند الإسلام في الجابية وكان منهم بلال رضي الله عنه طلبوا من الخليفة ان يطلب من بلال رفع الأذان فدعا أمير المؤمنين بلالا رضي الله عنه وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها فتردد بلال في البداية وقال لعمر إنك تعلم أنني منذ أن توفي النبي وانا لم أستطع أن أؤذن لغيره فقال له عمر إن هذا يوم يسعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد بلال رضي الله عنه على مكان عال ورفع الأذان فبكى جميع الصحابة الذين كانوا قد أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال رضي الله عنه يؤذن بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا وكان عمر رضي الله عنه أشدهم بكاءا وبعد حوالي سنتين لما تحدث الناس عن ما حققه خالد بن الوليد من إنتصارات مبهرة في أرمينية وكانوا قد تحدثوا من قبل بإنتصاراته في بلاد الشام والعراق فتغنى الشعراء بذلك فوهبهم خالد من ماله الخاص وأغدق عليهم وكان ممن وهبهم خالد الأشعث بن قيس الذى وهبه خالد عشرة الآف درهم وكان آنذاك واليا على قنسرين بشمال الشام فبلغ عمر في المدينة خبر جائزة خالد للأشعث فكتب عمر كتابا إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه القائم على الشام حمله إليه بلال بن رباح أمره فيه أن يستقدم خالد مقيدا بعمامته حتى يعلم أأجاز الأشعث من ماله أم من مال المسلمين فإن زعم أنها من مال المسلمين فتلك خيانة للأمانة وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف وفي كلتا الحالتين يعزل خالد من قيادته للجيوش ومن إمارة قنسرين فتحير أبو عبيدة وترك تنفيذ تلك المهمة لبلال بن رباح رسول الخليفة بالكتاب وأرسل يستدعي خالد من قنسرين ثم جمع الناس في مسجد دمشق وسأل بلال خالدا عما إذا كانت جائزته للأشعث من ماله أم من مال المسلمين فأجاب خالد إنها من ماله الخاص فأعلنت براءته مع تنازله بنصف ماله لبيت المال فإستجاب خالد وقال نسمع ونطيع للخليفة وفاجأ أبو عبيدة خالدا بأن الخليفة قد عزله وأنه مأمور بالتوجه للمدينة المنورة فذهب خالد للمدينة المنورة للقاء عمر محتجا على ما إعتبره ظلما بعزله إلا أن عمر أصر على قراره وكثر اللغط في الأمصار حول عزل عمر لخالد فأذاع في الأمصار إنه لم يعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة ولكن لأن الناس فتنوا به فخاف أن يوكلوا إليه ويبتلوا به فأراد أن يعلموا أن الله هو الصانع وألا يكونوا بعرض فتنة .
وأخيرا كان الصحابي الجليل بلال بن رباح راويا للحديث النبوى الشريف فقد روى عنه أحاديثَ للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين من الصحابة الكرام رضي الله عنهم منهم أسامة بن زيد بن حارثة والبراء بن عازب وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا وكان ممن روى عنه من التابعين الأسود بن يزيد بن قيس وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم وكان مما رواه بلال ما قاله الإمام إبن ماجة بسنده عن بلال بن رباح أن النبي قال له غداة جمع يا بلال أسكت الناس أو أنصت الناس ثم قال إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل إدفعوا بإسم الله وعن بلال قال أذَنت في غداة باردة فخرج النبي فلم ير في المسجد أحدا فقال أين الناس فقلت حبسهم القر فقال اللهم أذهب عنهم البرد قال فلقد رأيتهم يتروحون في الصلاة وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه عن بلال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال ألق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال قلت وكيف لي بذلك يا رسول الله قال إذا رزقت فلا تخبأ وإذا سئلت فلا تمنع قال قلت وكيف لي بذلك يا رسول الله قال هو ذاك وإلا فالنار وخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة فجاء بلال أبا بكر فقال حبس النبي فتؤم الناس قال نعم إن شئتم فأقام بلال الصلاة فتقدم أبو بكر فصلى فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول فأخذ الناس بالتصفيح وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثروا إلتفت فإذا النبي في الصف فأشار إليه مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى وكان من أقوال بلال رضي الله عنه ما قاله عن نفسه تواضعا إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا وعن هند زوجته قالت كان بلال إذا أخذ مضجعه قال اللهم تجاوز عن سيئاتي وإعذرني بعلاتي وكانت وفاة هذا الصحابي الجليل وأول مؤذن في الإسلام رضي الله عنه على الأرجح في عام 20 هجرية في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عن عمر يناهز السبعين عاما وعندما حضرته الوفاة قالت زوجته واحزناه فقال لها لا تقولي هكذا بل قولى وفرحتاه غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه ودفن في مقبرة الباب الصغير بالعاصمة السورية دمشق رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
|