بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عمرو بن أمية ويكنى بأبي أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد الله بن ناشرة بن كعب بن جدى بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام بن خليل الله إبراهيم عليه السلام الكناني الضمرى صحابي من صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو يلتقي معه في الجد الثالث عشر كنانة بن خزيمة بن مدركة وكان أحد أَنجاد العرب وأشهر رجالها نجدةً وجراءةً وشجاعة وإقداما وفاتكا من فتاكهم في الجاهلية وهو ينتمي إلي بني ضمرة وهي إحدى القبائل العربية العدنانية وإحدى بطون قبيلة بني كنانة التي كانت تسكن إقليمي الحجاز وتهامة ولم تذكر لنا المصادر التاريخية أي معلومات عن تاريخ ميلاد الصحابي عمرو بن أمية الضمرى مثل الكثير من الصحابة والصحابيات الكرام وإن كان من المؤكد أنه ولد قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولما بلغ سن الزواج تزوج من السيدة سخيلة بنت عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وأبوها عبيدة بن الحارث هو إبن عم النبي صلى الله عليه وسلم والذى كان من السابقين إلى الإسلام ومن أوائل المهاجرين إلى المدينة وكان أول شهيد من المسلمين في غزوة بدر إثر إصابته أثناء مبارزته لشيبة بن ربيعة وجدها هو الحارث بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر أبناء عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم والذى قام معه بإعادة حفر بئر زمزم في الجاهلية قبل الإسلام بعد أن كانت قد طمرت وأنجبت السيدة سخيلة لزوجها عدد 3 أبناء هم جعفر والفضل وعبد الله ولما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإسلام لم يستجب عمرو بن أمية لدعوته وبعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة شارك في صفوف المشركين في غزوتي بدر وأحد ثم اسلم بعد إنصراف المشركين من الغزوة وهاجر إلى المدينة المنورة وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام وكانت أولى مشاهده في الإسلام سرية بئر معونة أو سرية الصحابي الجليل المنذر بن عمرو رضي الله عنه في شهر صفر عام 4 هجرية أى بعد غزوة أحد بأربعة شهور والتي أرسل فيها النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي المنذر بن عمرو في سبعين رجلا إلى أهل نجد ليعلموهم القرآن الكريم فغدروا بهم وقتلوا معظمهم إلا واحد هو الصحابي كعب بن زيد رضي الله عنه والذى شفي من جراحه وإستشهد في غزوة الخندق وقد دعا النبي ثلاثين صباحا دعاء القنوت على قبائل رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين قتلوا الصحابة الكرام وتتلخص أحداث هذه السرية في أنه قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر الملقب بملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه فلم يدخل فيه لكنه قال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي المنذر بن عمرو رضي الله عنه أخا بني ساعدة والملقب بالمعنق في سبعين رجلا من أصحابه الكرام وكانوا كلهم من قراء وحفظة القرآن الكريم ومن خيار المسلمين حيث كان فيهم الصحابة الكرام القراء الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو بني عدى بن النجار وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوا بعثوا الصحابي حرام بن ملحان رضي الله عنه بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل لعنه الله فلما أتاه لم ينظر في الكتاب حتى عدا على الرجل فقتله ثم إستصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم وقالوا لن نخالف أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فإستصرخ عليهم قبائل من بني سليم وهم عصية ورعلا وذكوان والقارة فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم .
ولما رأى المسلمون مهاجميهم أخذوا أسيافهم ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا عن آخرهم إلا الصحابي كعب بن زيد رضي الله عنه أخو بني دينار بن النجار فإنهم تركوه به رمق وبه جراح وعاش حتى إستشهد يوم غزوة الخندق في شهر شوال عام 5 هجرية وقبل مقتلهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا وأتى رجل حراما بن ملحان من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام فزت ورب الكعبة وكان في هذه السرية رجلان هما عمرو بن أمية الضمرى ورجل من الأنصار من بني عمرو بن عوف كانا خلف القوم الذين قتلوا فأفلتا من هذه المؤامرة ولم ينبئهما بمقتل القوم إلا الطير تحوم حول العسكر فقالا والله إن لهذه الطير لشأن فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصارى لعمرو بن أمية ماذا ترى فقال أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الأنصارى لكني لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو وما كنت لأخبر عنه الرجال فقاتل القوم حتى إستشهد وأخذ عمرو أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فيما زعم ثم خرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة وهو في طريقه للمدينة المنورة أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا في ظل هو فيه وكان مع الرجلين العامريين عهد من الرسول صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلمه عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا من أنتما قالا من بني عامر فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما وقتلهما وهو يرى أن قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن أمية على الرسول أخبره بالخبر فقال الرسول لقد قتلت قتيلين معهما عهد وجوار ولأدفعن ديتهما ثم قال الرسول هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا وقال النبي لأصحابه إن أصحابكم أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا ولما بلغ ذلك أبا براء فشق عليه ما أصاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره وقام النبي صلى الله عليه وسلم بجمع دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى رضي الله عنه مع أنه كان بإمكانه أن يعتبر عمله إنتقاما وثأرا لما فعل بأصحابه لكنه الوفاء النبوى للعهود الذى لم يعرف له مثيل في التاريخ وشهد به الأعداء قبل الأصدقاء وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لما شرع في جمع دية قتيلي بني عامر خرج إلى يهود بني النضير يستعينهم في دية هذين القتيلين وكان بين بني النضير وبني عامر عَقد وحلف فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما إستعنت بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم فَمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فقال أحدهم أنا لذلك فصعَدَ ليلقي على النبي صلى الله عليه وسلم صخرة لكن الوحي كان قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المكيدة فقام وإنصرف وكانت هذه الواقعة سببا في إجلاء بني النضير عن المدينة بعد حصار ديارهم لخيانتهم العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت حادثة بئر معونة المسلمين بمصيبة يوم أحد حيث كان عدد شهداء سرية بئر معونة مساويا تقريبا لشهداء أحد إلا أن شهداء أحد كان إستشهادهم في قتال واضح بينما إستشهد شهداء بئر معونة في خيانة وغدر وأيضا فكان قبل شهرين على هذه السرية تهيأت بنو أسد للإغارة على المدينة المنورة ثم قامت قبائل عضل وقارة بمكيدة تسببت في قتل عشرة من الصحابة فيما عرف في السيرة النبوية بسرية يوم الرجيع وقاموا بأسر الصحابي الأوسي الأنصارى خبيب بن عدى ثم باعوه إلى أناس من مكة فأخذه أبو سروعة عقبة بن الحارث ليقتله بأبيه الذى قتل في غزوة بدر فحبسه لديه مدة ثم خرج به إلى التنعيم فإستأذنهم في صلاة ركعتين قبل أن يقتلوه فأذنوا له فكان أول من إستن سنة الصلاة قبل القتل صبرا وبعد أن أنهاها قال لهم والله لولا أن تظنون أني أطلت في الصلاة جزعا لزدت ثم دعا عليهم قائلا اللهم أحصهم عددا وإقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ثمّ أنشد قائلا ولست أبالي حين أُقتل مسلما على أى جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزعِ ثم قاموا بصلبه على الخشبة وبعث النبي صلى الله عليه وسلم الصحابيين المقداد بن عمرو والزبير بن العوام رضي الله عنهما ليقوما بإنزال خبيب رضي الله عنه عن الخشبة التي صلب عليها وعندما وصلا إليه أنزلاه ثم حمله الزبير رضي الله عنه على فرسه وكان جسده غضا طريا وعندما أحس المشركون بهما خرجوا في طلبهما وعندما أدركوهما قذف الزبير رضي الله عنه جسد خبيب على الأرض فإبتلعته فسمي بعد ذلك ببليع الأرض وبلا شك فقد كان لكل هذه الوقائع والأحداث أثر كبير في زيادة حزن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته .
وفي حقيقة الأمر فقد كانت كبوة المسلمين في غزوة أحد لها أثر كبير في إضعاف هيبتهم في نفوس أعدائهم وظهور الشماتة من اليهود والمشركين والمنافقين ومن قبائل الجزيرة العربية المعادية للإسلام فكانت هذه الأحداث الموجهة ضد المسلمين وقد شجع ذلك قريش على تدبير مؤامرة لإغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بعد حادثة بئر معونة حيث قال أبو سفيان لنفر من قريش ألا أحد يغتال لنا محمدا فإنه يمشي في الأسواق وحده فأتاه رجل من الأعراب وقال قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم عدوا فإذا أنت فديتني خرجت إليه حتى أغتاله فإن معي خنجرا كجناح النسر وإني عارف بالطريق فقال له أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال له إطو أمرك فخرج ليلا إلى أن قدم المدينة المنورة ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل عليه وكان في مسجد بني عبد الأشهل فعقل راحلته وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال إن هذا يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريد فجاء ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه الصحابي أسيد بن حضير رضي الله عنه بداخلة إزاره فإذا بالخنجر فأخذ أسيد يخنقه خنقا شديدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقني فقال وأنا آمن فقال نعم فأخبره بأمره فخلى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال يا رسول الله ما كنت أخاف الرجال فلما رأيتك ذهب عقلي وضعفت نفسي ثم إطلعت على ما هممت به فما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق وأن حزب أبى سفيان بن حرب وقريش هو حزب الشيطان فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم وردا على هذه المؤامرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي عمرو بن أمية الضمرى وسلمة بن أسلم بن حريش إلى مكة وقال لهما إذا أتيتما أبا سفيان بن حرب فإن أصبتما منه غرة فإقتلاه ووصل عمرو بن أمية إلى مكة ودخل البيت وطاف به ليلا فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه فأخبر قريش بمكانه فخافوه لأنه كان فاتكا في الجاهلية وقالوا لم يأت عمرو بخير وإشتدوا في طلبه وفي رواية لما قدما مكة حبسا جمليهما ببعض الشعاب ثم دخلا ليلا فقال له صاحبه يا عمرو لو طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ثم طلبنا أبا سفيان فقال له عمرو أنا أعلم بأهل مكة منك إنهم إذا أظلموا رشوا أفنيتهم ثم جلسوا بها فقال كلا إن شاء الله فقال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا لطلب أبي سفيان فلقيني رجل من قريش فعرفني فأخبر قريشا بي فهربت أنا وصاحبي وصعدنا أحد جبال مكة فخرجوا في طلبنا فدخلنا كهفا في الجبل فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك بن عبيد التيمى يختلى لفرسه حشيشا فقال عمرو لسلمة بن أسلم إذا أبصرنا أشعر بنا أهل مكة وقد إنفضوا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف عليهم فخرج إليه عمرو فطعنه طعنة تحت الثدى بخنجره فسقط وصاح فإجتمع أهل مكة فأقبلوا بعد تفرقهم ورجع عمرو إلى الكهف فدخل فيه وقال لصاحبه لا تتحرك فأقبلوا حتى أتوا عثمان بن مالك وقالوا من قتلك فقال عمرو بن أمية الضمرى فقال أبو سفيان قد علمنا أنه لم يأت لخير ولم يستطع أن يخبرهم بمكان عمرو وسلمة حيث كان بآخر رمق فمات وإنشغل القوم عن عمرو وسلمة بصاحبهم فحملوه فمكثا ليلتين فى مكانهما حتى سكن عنهما الطلب ثم خرجا إلى التنعيم وأخذا طريقهما نحو المدينة المنورة وفي الطريق إذا برجلين بعثهتما قريش يتجسسان الأخبار فقال عمرو رضي الله عنه لهما إستأسرا فأبى أحدهما فرماه عمرو فقتله فلما رأى ذلك الآخر إستأسر فشد عمرو وثاقه ثم أقبل إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأتاه بالرجل الأسير فإبتسم ودعا له بخير .
وفي أواخر العام السادس الهجرى وبعد الإنصراف من صلح الحديبية كان عمرو بن عطية الضمرى أحد سفراء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والحكام والأمراء في عصره حيث كان سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة وقد حمل إليه كتابين الأول يدعوه فيه إلى الإسلام وكان نصه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول لله إلى النجاشي ملك الحبشة سلام عليك إني أحمد الله إليك الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه كما خلق آدم بيده وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فإقبلوا نصحي والسلام على من إتبع الهدى فلما قرأ النجاشي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذا الكتاب بين أظهرهم وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ردا على كتابه بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة السلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته الذى لا إله إلا هو الذي هداني للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام فورب السماء والأرض إن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يزيد على ما ذكرت وقد عرفنا ما بعث به إلينا وقد قربنا إبن عمك وأصحابه يعني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من المسلمين رضي الله عنهم أجمعين فأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت إبن عمك وأسلمت على يده لله رب العالمين ونلاحظ هنا أن كتاب النبي للنجاشي خاطبه فيه بالأسلوب المناسب له ووفق مسؤوليته وقيمته وطبيعة إيمانه حيث وضح له ولجنوده شمولية الدين الإسلامي في أسلوب معجز وترابط في الكلمات فنبي الله يدعوه فيه إلى حياة أفضل سيخيم عليها لا محالة إن شاء الله الطمأنينة والأمان فنجد كلام رسول الله يتمحور حول إثبات حقيقة النبي عيسى عليه السلام وأنه نبي من عند الله ولد بطريقة غير بيولوجية طبيعية حيث نفخ الله في مريم العذراء من روحه وإثبات حقيقة آدم عليه السلام بأن قال له كن فكان مما يدل على أن آدم عليه السلام بدوره خلق بطريقة لا تخضع للقوانين البيولوجية وبعد ذلك إشتمل الكتاب على الدعوة بالتي هي أحسن من أجل إتباع الرسول والإيمان بما جاء به وهكذا نلاحظ أن رسائل النبي سجلت حدثا بارزا تاريخيا في فترات عصيبة وفي نفس الوقت كانت بمثابة ظهور علم جديد هو علم الإعلام في عصر لم يعرف سوى وأد البنات وحرب العشائر .
وأما الكتاب الثاني الذى حمله عمرو بن أمية الضمرى رضي الله عنه للنجاشي فكان بخصوص زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة أم حبيبة رملة بنت ابي سفيان رضي الله عنها فبعد أن إنقضت عدتها بعد وفاة زوجها الأول عبيد الله بن جحش أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب إِلى النجاشيِ ملك الحبشة يطلب منه أن يكون وكيله في الزواج من السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان وأن يبعث بها إليه مع من عنده من المسلمين وأخذ النجاشي كتابي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلهما ووضعهما على رأسه وعينيه ونزل عن سريره تواضعا وأمر بحق من العاج حفظ فيه الكتابين وخرج عمرو بن أمية من عند النجاشي فرآه عمرو بن العاص أثناء خروجه وكان قد وفد على النجاشي فلما دخل عليه قال للنجاشي أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا قد وترنا وقتل أَشرافنا وخيارنا فأعطنيه فأقتله فغضب النجاشي غضبا شديدا ورفع يده فضرب بها أَنف عمرو بن العاص ضربة ظن معها أنه كسره وأصابه كما يقول من الذل ما لو إنشقت له الأرض لدخل فيها وقال للنجاشي أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه فإستحيا الملك وقال يا عمرو تسألني أَن أُعطيك رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتيه الناموس الأكبر الذى كان يأتي نبي الله موسى والذى كان يأتي نبي الله عيسى بن مريم لتقتله فقال عمرو وغير الله قلبي عما كنت عليه وقلت في نفسي عرف هذا الحق العرب والعجم وتخالف أَنت فقلت وتشهد أيها الملك بهذا قال نعم أشهد به عند الله يا عمرو فأطعني وإتبعه والله إنه لعلى الحق وليظهرن على كل من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده فقال عمرو أفتبايعني له على الإسلام قال نعم فبسط الملك يده فبايعه على الإسلام ثم عاد إلى مكة ودخل على زوجته ريطة بنت منبه فقالت ما بالك قال لقد فر إبنك إلى المدينة المنورة وتبع محمدا فقالت وماذا أنت فاعل فقال وقد شرح الله صدره للإسلام أرى أن نلحق بهذا الدين لأن الناس قد دخلوا فيه أفواجا وأعدد نفسه وتهيأ ومضى مهاجرا إلى المدينة المنورة فإلتقى في الطريق بخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة رضي الله عنهما وهما يتجهان إلى المدينة المنورة ليدخلا في الإسلام فدخل ثلاثتهم المدينة المنورة في شهر صفر عام 8 هجرية معلنين إسلامهم ثم إلتقيا برسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوى فبايعه أولا خالد بن الوليد رضي الله عنه وأسلم ثم إقترب عمرو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له يا رسول الله إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما قبله وإن الهجرة تجب ما كان قبلها وحينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن مكة قد ألقت إلينا بفلذات أكبادها .
وهكذا كان النجاشي أحد أسباب إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه وتنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أرسل النجاشي إلى أم حبيبة رضي الله عنها يخبرها بخطبة رسول الله صلى عليه وسلم إياها عن طريق جارية إسمها أبرهة فأعطتها أم حبيبة بعض الحلي لزفها إليها هذا الخبر السعيد فقالت لها أبرهة إن الملك يقول لك أن توكلي عنك من يزوجك فوكلت الصحابي خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه حيث كان أقرب مسلمي الحبشة لها حيث كان من عشيرتها بني أمية وكان أبوه سعيد بن العاص إبن عم أبيها أبي سفيان بن حرب وأرسل النجاشي إلى الصحابي جعفر بن أبي طالب ومن كانوا معه من المسلمين بالحبشة فحضروا وخطب النجاشي فقال الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذى بشر به نبي الله المسيح عيسى بن مريم أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير ثم خطب وكيل العروس خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقبض الدنانير وأراد جعفر وخالد وباقي المسلمين رضي الله عنهم أجمعين أن يقوموا فقال لهم النجاشي إجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا وهكذا تم عقد النكاح فكان النجاشي وكيلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه وكيلا عن أم حبيبة رضي الله عنها ولم يكن في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من هي أكثر صداقا منها ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها ولما وصلت هذه الدنانير إلى أم حبيبة قدمت منها للجارية أَبرهةُ خمسين دينار وقالت لها سابقا أعطيتك شيئا يسيرا لأنه لم يكن عندى شئ والآن قد جاء الله عز وجل بهذا فخذيها وإستغني بها فقالت أبرهة قد أمرني الملك ألا آخذ منك شيئا وأن أرد إليك ما أخذته منك سابقا وأنا قد صدقت محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به وحاجتي إليك لأن تقرئيه مني السلام وتعلميه أني قد إتبعت دينه فوعدتها بذلك وكانت كلما دخلت عليها قبل مغادرتها الحبشة تقول لها لا تنسى حاجتي إليك وقام النجاشي بتجهيز السيدة ام حبيبة رضي الله عنها بالكامل وأرسل إليها مع أبرهة كل مستلزمات عرسها حتى العطور من العود والعنبر وإرتحلت السيدة أم حبيبة رضي الله عنها من الحبشة إلى المدينة المنورة مع باقي المسلمين الذين كانوا بالحبشة في سفينتين أعدهما لهم النجاشي فلما وصلت السيدة أم حبيبة رضي الله عنها المدينة المنورة في أوائل العام السابع الهجرى كان الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فإنتظرت قدومه فلما عاد وإلتقيا سألها عن النجاشي وما فعله معها فأخبرته كيف أكرمها وكيف كانت الخطبة ثم أخبرته بما فعلته معها أبرهة وأوصلت له سلامها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته وهكذا عادت هذه المهاجرة الصابرة السيدة أم حبيبة رضي الله عنها وصارت من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا بعد أن مكثت بالحبشة هي وباقي مهاجرى الحبشة الذين إستبقاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى حين ثلاثة عشر عاما يصلون ويصومون ويعبدون الله عز وجل وهم مبعدون عن وطنهم وأهلهم وذويهم فترة طويلة ولم يكن لهم من ذنب إقترفوه إلا أنهم يقولون ربنا الله .
وهكذا كان الصحابي عمرو بن أمية الضمرى رضي الله عنه من الصحابة الذين كان ينتدبهم النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المهام الخاصة وتوصيل رسائله إلى الملوك والحكام في عصره ولذا فقد أطلق عليه لقب ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضلا عن ذلك كان أيضا من مناقب الصحابي عمرو بن أمية الضمرى رضي الله عنه أنه كان من رواة الحديث النبوى الشريف وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين حديثًا إتفق الإمامان البخارى ومسلم على حديث وللبخارى آخر وقد روى عنه بنوه الثلاثة جعفر والفضل وعبد الله وآخرون وكان مما رواه عنه إبنه جعفر أَنه رأَى النبي صلى الله عليه وسلم أَكل من كتف عنز ثم دعي إِلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ وحدث أيضا عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرسل وأتوكل أو أقيد وأتوكل قال بل قيد وتوكل وقال أيضا دخلت فاطمة الزهراء رضي الله عنها على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالت قد أخبرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أني أول أهله لحوقا به ومما يذكر عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمرى أنه كان أخا للخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان من الرضاعة فوفد عليه في خلافته فجلس في مسجد دمشق وأهل الشام حوله يقولون الطاعة الطاعة فقال جعفر لا طاعة إلا لله فوثبوا عليه وتكاثروا حوله وقالوا توهن الطاعة طاعة أمير المؤمنين فما أفلت إلا بعد جهد وبلغ الخبر الخليفة عبد الملك بن مروان فأرسل إليه فأدخل عليه فقال أرأيت هذا من عملك أما والله لو قتلوك ما كان عندى مثل شئ ما دخولك في أمر لا يعنيك ترى قوما يشدون ملكي وطاعتي فتجئ فتوهنه أنت إياك إياك وكانت وفاته على الأرجح عام 95 هجرية قرب نهاية خلافة الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك بن مروان وقد عاش عمرو بن أمية الضمرى رضي الله عنه أيام الخلفاء الراشدين الأربعة وشهد وقائع كثيرة علت بها شهرته في البسالة وإستمر في أداء المهمة التي كان يؤديها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في توصيل رسائل الخلفاء للملوك والحكام في ذلك العصر وأيضا للقادة العسكريين المسلمين وولاة الأمصار الإسلامية وكانت وفاته بالمدينة المنورة على الأرجح عام 55 هجرية في خلافة الخليفة الأموى الأول معاوية بن ابي سفيان ودفن بالبقيع رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
|