بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
وبعد إنقضاء غزوة الخندق وغزوة بني قريظة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه في أوائل شهر المحرم عام 6 هجرية في سرية إلى القرطاء بنجد من أجل تأديب بني بكر بن كلاب أحد قبائل نجد الذين كانوا قد شاركوا المشركين واليهود في غزوة الأحزاب وكان عدد قوات هذه السرية ثلاثين صحابي وتحركت السرية إلى القرطاء بناحية تسمى ضرية بأرض نجد بوسط شبه الجزيرة العربية وكان بين ضرية والمدينة المنورة مسافة 300 كم تقطع في سبع ليال فلما وصلت السرية إلى هدفها أغارت على القوم فهربوا فإستاق المسلمون نعما وشاء وقدموا المدينة المنورة ومعهم ثمامة بن أثال الحنفي أحد سادة بني حنيفة والذى كان قد خرج متنكرا لإغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من مسيلمة الكذاب وكان أيضا أحد سادة بني حنيفة وكان يريد أن يشركه النبي معه في النبوة فوقع في أيدى محمد بن مسلمة ورفاقه ولما جاءوا به ربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ماذا عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ماشئت فتركه ثم مر به مرة أخرى فقال له مثل ذلك فرد عليه كما رد عليه أولا ثم مر مرة ثالثة فقال بعد ما دار بينهما الكلام السابق أطلقوا ثمامة فأطلقوه فذهب إلى نخل قريب من المسجد فإغتسل ثم جاءه فأسلم وقال للنبي واللّٰه ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك أما الآن فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي واللّٰه ما كان في الأرض من دين أبغض إلي من دينك والآن قد أصبح دينك أحب الأديان إلي وخمس رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ما جاءت به السرية وفضَ على أصحابه ما بقي فعدلوا البعير بعشرة من الغنم وكانت النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة وقد تلت هذه السرية سرية أخرى في شهر ربيع الآخر عام 6 هجرية حيث أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه أيضا إلى ذى القصة وهو موضع قريب من المدينة المنورة في عشرة من الصحابة لبني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة بذى القصة فورد عليهم ليلا فكمن القوم وكانوا مائة رجل للسرية وأمهلوهم حتى ناموا وأحدقوا بهم فما شعروا إلا وقد خالطهم القوم فوثب محمد بن مسلمة رضي الله عنه فصاح في أصحابه السلاح فوثبوا وتراموا ساعة ثم حمل القوم عليهم بالرماح فقتلوهم ووقع الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه جريحا فضربوا كعبه فلم يتحرك فظنوا موته فجردوه من الثياب وإنطلقوا ومر بمحمد بن مسلمة رضي الله عنه وأصحابه رجل من المسلمين فإسترجع فلما سمعه محمد بن مسلمة رضي الله عنه يسترجع تحرك له فأخذه وحمله إلى المدينة المنورة وعند ذلك بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية أخرى بقيادة الصحابي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في أربعين رجلا إلى ذى القصة لتعقب اثر الجناة الذين قتلوا رفاق الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فإنحدروا بها إلى المدينة المنورة ومما يذكر أنه في العام السادس الهجرى وقعت عدة غزوات وسرايا عديدة كان لها تأثير كبير في رفع الروح المعنوية للمسلمين كما أنها أضفت مكانة منيعة للمسلمين بين القبائل العربية وأصبحت تلك القبائل تخشي إظهار العداوة للمسلمين أو التعرض لهم وكان الشهر الواحد يشهد أحيانا عدة سرايا فكان الصحابة يستطيبون المشقة لأجل رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وفي شهر ذي القعدة عام 6 هجر ية لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه 1400 من الصحابة قاصدين مكة لأداء العمرة وإعترضتهم قريش وإنتهى الأمر بتوقيع صلح الحديبية بين المسلمين ومشركي قريش وعلى أن يقدم المسلمون في العام التالي إلى مكة لأداء العمرة فقبيل توقيع الصلح وكانت قريش قد بدأت تفكر جديا في الصلح أرادت مجموعة من شباب قريش المتهورين أن يقطعوا كل طريق للصلح وعملوا على فرض القتال على المسلمين وعلى قريش فقامت هذه المجموعة وهم حوالي 50 من شباب المشركين بالتسلل لمعسكر المسلمين ليلا وكان الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه ومجموعته في إنتظارهم فإعتقلهم جميعا وساق الصيد الثمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمكن الله منهم فأمر صلى الله عليه وسلم بإطلاق سراحهم تأكيدا لنيته في الصلح ونزل في ذلك قوله تعالى في سورة الفتح وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا وبعد إنقضاء العام وفي شهر ذى القعدة عام 7 هجرية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألفين من أصحابه بخلاف النساء والصبيان وهم بملابس الإحرام وحمل معه سلاحا كثيفا وأخذ عدة حرب كبيرة تحسـبا لأى خيانة من قريش وبعد أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى ذي الحليفة وهي ميقات أهل المدينة قدم النبي الخيل أمامه وهي 200 فرس وجعل محمد بن مسلمة رضي الله عنه قائدهم ولكنه كان ينوى دخول مكة لأداء العمرة كما إتفق مع أهلها في العام المنصرم طبقا لصلح الحديبية بسلاح المسافر فقط ورأت عيون قريش الأسلحة فَفزعت وأرسلت وفدا ليستوضحوا حقيقة الأمر فقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن يأجج بمنطقة مر الظهران على مقربة من مكة المكرمة فقالوا له يا محمد والله ما عرفناك صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح الحرم على قومك وقد شرطتَ ألا تدخل إلا على العهد وأنه لن يدخل الحرم غير السيوف في أغمادها ونلاحظ هنا أن قريش كانت قد وصلت إلى حالة من الضعف لا تستطيع فيها أن تواجه قوة المسلمين فكان هذا الفزع من القوة الإسلامية وكان من الممكن أن يستغل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفزع والهزيمة النفسية وكان من الممكن أن يستغل إقترابه من مكة إلى هذه الدرجة وهو في ألفين من رجاله مدججين بالسلاح كان من الممكن أن يستغل ذلك كله في غزو مكة بحجة إسترداد الحقوق أو بحجة المعاملة بالمثل جزاء حصار الكفار للمدينة في غزوة الأحزاب كان من الممكن كل ذلك لو كان القائد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان الشرع الحاكم غير الإسلام حيث أن المسلمين عند عهودهم مهما كانت الظروف ولذلك أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقة لا ندخلها إِلا كذلك وسمع وفد قريش الكلمة وطار مسرعا إلى مكة يقول لأهلها إن محمدا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذى شرط لكم ولقد قال الوفد هذه الكلمات وهو على يقين من تحققها وما دام قد قال النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أنه صادق وسيفي بالعهد ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح خارج مكة وترك معه الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه في مائتي فارس لحمايته ودخل هو وبقية الصحابة الكرام لأداء مناسك العمرة بالسيوف في أغمادها كما وعد وبعد ان أدوا المناسك أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم مائتين من الصحابة لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه لكي يتسلموا منه السلاح ويدخل هو ورفاقه مكة لأداء مناسك العمرة وفي شهر رمضان عام 8 هجرية شارك إبن مسلمة رضي الله عنه في فتح مكة ثم شارك في غزوة حنين في شهر شوال عام 8 هجرية وبعدها شارك في حصار الطائف وكانت الغزوة الوحيدة التي لم يشارك فيها إبن مسلمة رضي الله عنه هي غزوة تبوك في شهر رجب عام 9 هجرية حيث إستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة .
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إستمر الصحابي الجليل محمد بن مسلمة رضي الله عنه في نفس المهمة التي كان يقوم بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهي رئاسة جهاز المخابرات والإستطلاع والشرطة العسكرية في عهدي الخليفتين الراشدين الأول والثاني أبي بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان الولاة في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصابون بالرعب إذا زارهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه فهو رئيس مخابرات أمير المؤمنين ولم يأت إلا لأمر جلل حيث لم يكن الفاروق عمر يدع أحدا من ولاته من غير مراقبة ولا مسائلة حتى لو كان من أقرب المقربين أو من أشهر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وكان من المهمات التي كلف بها الفاروق عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة التوجه للكوفة بعد أن جاءته أخبار تفيد بأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والي الكوفة قد إتخذ بيتا للإمارة أطلق عليه العامة قصر سعد في حين أنه كان بيتا بسيطا وكان هذا البيت مطلا على سوق وإتخذ سعد له غرفة يطل منها عليه وكان يجلس فيها مع أصحابه فكان لا يكاد يسمع ما يقوله جلساؤه من جلبة وغوغاء السوق فأمر من صنع له بابا كان يتركه مفتوحا أثناء النهار ويغلقه ليلا لكي ينقطع الصوت حتى يستطيع أن يقوم الليل يتعبد فيه لله سبحانه وتعالى فنقل لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن سعدا إتخذ بيتا وأنه إحتجب فيه عن الناس حيث صنع له بابا حتى لا يسمع كلامهم فكتب الخليفة رسالةً لسعد بن أبي وقاص وبعث بها محمد بن مسلمة إلى الكوفة وقال له إعمد إلى بيت سعد حتى تحرق بابه ثم إرجع على الفور فخرج رسول الخليفة حتى قدم الكوفة فإشترى حطبا ثم أتى به بيت سعد فأحرق الباب ولما أتى سعد الخبر فقال لابد من أنه رسول أرسل لهذا الشأن وبعث لينظر من هو فعلم أنه محمد بن مسلمة فأرسل إليه رسولا ليدخل عنده فأبى فخرج إليه سعد فأراده على النزول فأبى وعرض عليه نفقة لعودته إلى المدينة فلم يأخذها ودفع كتاب عمر إليه وكان فيه بلغني أنك بنيت بيتا إتخذته حصنا ويسمى قصر سعد وجعلت بينك وبين الناس بابا فإعلم أنه ليس بقصرك فإنزل منه منزلا مما يلي بيوت الأموال ولا تجعل على القصر بابا يمنع الناس من دخوله فتنفيهم به عن حقوقهم فليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت فحلف سعد إنه ما قال الذى قالوا لأمير المؤمنين فقال له محمد بن مسلمة نقصد الذى أمرنا ونؤدى عنك ما تقول ثم ركب راحلته حتى قدم المدينة فلما أبصره عمر رضي الله عنه قال لولا حسن الظن بك ما رأينا أنك أديت فذكر أنه أسرع السير وقال قد فعلت وإن سعدا يعتذر ويحلف بالله ما قال فقال عمر هل أمر لك بشئ قال ما كرهت من ذلك إن أرض العراق أرض رقيقة وإن أهل المدينة يموتون حولي من الجوع فخشيت أن آمر لك فيكون لك البارد ولي الحار أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يشبع المؤمن دون جاره وفي الصحاح من حديث جابر أخبرنا إبن عيينة عن موسى بن أبي عيسى قال أتى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة رضي الله عنه فقال يا محمد كيف تراني قال أراك كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير قويا على جمع المال عفيفا عنه عدلا في قسمته ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف فقال الفاروق عمر رضي الله عنه الحمد لله الذى جعلني في قوم إذا ملت عدلوني .
ولما توجه الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه لفتح مصر عام 18 هجرية بعد أن سمح له الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك كان محمد بن مسلمة ضمن جيش الفتح وكان مع الزبير بن العوام رضي الله عنه في حصار حصن بابليون بمصر القديمة حتى تم فتحه وبعد ان تم فتح مصر بأكملها عام 21 هجرية وتعيين عمرو بن العاص واليا عليها بلغ عمر بن الخطاب أن عمرو بن العاص قد تضخمت ثروته وزاد ماله وزادت أملاكه فكتب عمر إلى عمرو من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص سلام عليك أما بعد فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وعبيد وعهدى بك قبل ذلك أن لا مال عندك فإكتب إلي من أين أصل هـذا المال ولا تكتمه فكان جواب عمرو من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هـو أما بعد فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وأنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص وأني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله وليس في رزق أمير المؤمنين سعة وبالله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ولعمرى إن عندك من يذم معيشته ولا تذم له وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هـو خير مني فأنى كان ذلك ولم نفتح قفلك ولم نشركك في عملك فكتب إليه عمر أما بعد فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع وما يغني عنك أن تزكي نفسك وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك فإنكم أيها الأمراء جلستم على عيون المال ثم لم يعوزكم عذر تجمعون لأبنائكم وتمهدون لأنفسكم أما إنكم تجمعون العار وتورثون النار والسلام فلما قدم عليه محمد بن مسلمة صنع له طعاما كثيرا فأبى محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئا فقال له عمرو أتحرمون طعامنا فقال لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته ولكنك قدمت إلي طعاما هـو تقدمة شر والله لا أشرب عندك الماء فإكتب لي كل شئ هـو لك ولا تكتمه فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى وإرتضى عمرو ما أمر به الخليفة وجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاسم أموال كثير من عماله ممن هـو أفضل من عمرو بن العاص رضي الله عنه إيمانا وورعا وتقوى وسابقة في الإسلام ولم يقتصر على مقاسمة عمرو بن العاص رضي الله عنه وحده حيث كان عمر رضي الله عنه يحب أن يبقى عماله مثلا رفيعا في النقاء والبعد عن الشبهات حتى يكونوا موضع ثقة رعيتهم الكاملة المطلقة فكان يحاسبهم حرصا عليهم ورغبة في إستكمال سيطرتهم على رعيتهم وتبادل الثقة الكاملة المطلقة بين الحكام والمحكومين والثقة المتبادلة أهم كثيرا من المال وأجدى للحاكم والمحكوم ومن كان يجده منهم قد أساء التصرف أو أسرف حتى لو كان من ماله الخاص كان يبادر بعزله فورا .
ولما قُتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه إعتزل الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه الفتنة ولم يحضر موقعة الجمل ولا صفين وإتخذ سيفا من خشب وذلك بعد حياة حافلة بالجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على رأس 15 سرية وكان إبن مسلمة يفخر بذلك ويقول يا بني سلوني عن مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لم أتخلف عنه في غزوة قط إلا واحدة في تبوك خلفني على المدينة وسلوني عن سراياه صلى الله عليه وسلم فإنه ليس منها سرية تخفى علي إما أن أكون فيها أو أن أعلمها حين خرجت وهكذا كانت حياة الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه الفارس العملاق الذي لم تنصفه الكتب ولم ينصفه المؤرخون ولم يفردوا له الأبحاث فلقد كان زاهد مخلصا محبا لله ورسوله لم يطلب مالا ولا منصبا وبإعتزاله الفتنة إنتقل إبن مسلمة رضي الله عنه إلى الربذة وهي منطقة تقع في شرق المدينة المنورة وتبعد عنها قرابة 170 كم وتعد إحدى محطات القوافل على درب زبيدة الممتد من العراق إلى مكة المكرمة فأقام بها بوصية من النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث روى أبو بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه مر بالربذة فمر بخيمة الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه فقال له لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت فقال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا محمد ستكون فرقة وفتنة وإختلاف فإكسر سيفك وإقطع وترك وإجلس في بيتك ففعلت ما أمرني كما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تضره الفتن وقد خلف الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه من الولد عشرة بنين وست بنات عبد الرحمن وأم عيسى وأم الحارث أمهم أم عمرو بنت سلامة بن وقش من بني عبد الأشهل من قبيلة الأوس وعبد الله وأم أحمد أمهما عمرة بنت مسعود بن أوس الظفرية الأوسية وسعد وجعفر وأم زيد أمهم قتيلة بنت الحصين بن ضمضم من بني مرة بن عوف من قيس عيلان وعمر أمه زهراء بنت عمار بن معمر من بني مرة من بني خصيلة من قيس عيلان أيضا وأنس وعمرة أمهما من بطن من بطون قبيلة كلب وقيس وزيد ومحمد ومحمود وحفصة أمهاتهم أمهات أولاد ومما يذكر أيضا عن مناقب الصحابي الجليل محمد بن مسلمة بخلاف جهاده في سبيل الله وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان من رواة الحديث النبوى الشريف وروى عنه المسور بن مخرمة وسهل بن أبي حثمة وقبيصة بن ذؤيب وعبد الرحمن الأعرج وعروة بن الزبير بن العوام وأبو بردة بن أبي موسى الأشعرى وقبيصة بن حصن والمغيرة بن شعبة الثقفي وإبنه محمود بن محمد بن مسلمة وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام والحسن البصرى وضبيعة بن حصين وأبو الأشعث الصنعاني وأخيرا فقد كانت وفاة الصحابي الجليل محمد بن مسلمة رضي الله عنه على الأرجح في شهر صفر عام 46 هجرية بالمدينة المنورة في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان بعد أن إقتحم عليه منزله رجل من أهل الأردن كان قد تغيظ إعتزاله للفتنة وقام بقتله غيلة وغدرا وكان عمره يومها 77 عاما وصلى عليه مروان بن الحكم والي المدينة آنذاك رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
|