بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسي رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى بأبي بشر وبأبي الربيع وهو ينتمي إلى بني عبد الأشهل أحد بطون قبيلة الأوس إحدى القبيلتين العربيتين الرئيسيتين الكبيرتين اللتان كانتا تسكنان المدينة المنورة قبل هجرة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم إليها وهما الأوس والخزرج وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين هاتين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين وشكلت القبيلتان الأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكان من أشهر من ينتمون لقبيلة الأوس غير الصحابي عباد بن بشر الصحابة الكرام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وكانا من سادات القبيلة ومحمد بن مسلمة وبشير بن سعد وعبد الله بن سهل وعاصم بن قيس بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين وكان ميلاد الصحابي الجليل عباد بن بشر رضي الله عنه بالمدينة المنورة في العام الثالث والثلاثين قبل الهجرة وكان إسلامه علي يد الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم من أسلم من أهل المدينة المنورة القرآن الكريم وفرائض الإسلام وكان إسلامه أثناء وجوده في دار أسعد بن زرارة رضي الله عنه الذى نزل به عند قدومه إلى المدينة وقبل إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما فكان واحدا من الأبرار الذين فتح الله قلوبهم للخير حيث أقبل على مجلس مصعب وأصغى اليه ثم بسط يمينه يبايعه على الإسلام وإستمع إلى مصعب وهو يرتل القرآن بصوته الفضي الدافئ نبرته الشجية الآسرة فشغف بكلام الله حبا وأفسح له في سويداء فؤاده مكانا رحبا وجعله شغله الشاغل فكان يردده في ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن ومن يومئذ أخذ مكانه بين الأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه فكان من فضلاء الصحابة كما أنه كان سيدا كبير القدر ويتصف بمعالم وملامح الإقدام والسيادة فكان أحد الشجعان الموصوفين وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة آخى بينه وبين الصحابي أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة رضي الله عنه والذى كان من السباقين إلى الإسلام حيث أسلم قديما في مكة المكرمة مع بداية الدعوة وقبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وعن أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فسمع صوت عباد بن بشر يصلي في المسجد فقال يا عائشة أصوت عباد هذا قالت نعم قال اللهم إرحم عباد وفي رواية اخرى اللهم إغفر له وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها أيضا ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا كلهم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ وعباد بن بشر وأسيد بن حضير وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء فلما خرجا من عنده أضاءت عصا أحدهما فكانا يمشيان في ضوئها فلما تفرقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا .
ومرت الأيام وجاءت غزوة بدر في شهر رمضان عام 2 هجرية وبعد إنتصار المسلمين في بدر كان الصحابي عباد بن بشر رضي الله عنه أحد أفراد المفرزة التي قامت بقتل عدو الله كعب بن الأشرف والذى بعد أن بلغه أول خبر عن إنتصار المسلمين وقتل صناديد قريش في بدر حين قدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما من بدر يبشرون أهل المدينة بالنصر قال أحق هذا هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله إن كان محمد قد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها وكان الأشرف أبو كعب عربيا من بني نبهان من قبيلة طئ وكان قد إرتكب جريمة قتل في شبابه فخرج هاربا من ديار قومه ويمم وجهه إلى المدينة المنورة وهناك إرتبط بصلات المودة والصداقة مع يهود بني النضير إحدى قبائل اليهود الثلاثة التي كانت تسكن المدينة المنورة فحالفهم وصار ينسب إليهم كما جرت العادة في ذلك الزمان ولم تقف العلاقة بين الأشرف وبني النضير عند حدود الموالاة والتحالف فحسب بل تخطت ذلك لتصل إلى المصاهرة حيث يتحدث البلاذرى وغيره من المؤرخين عن زواج الأشرف من عقيلة بنت أبي الحقيق وكانت إبنة لأحد زعماء يهود بني النضير وبذلك فقد أصبح على الأرجح يهوديا تبعا لديانة أمه وأصبحت له مكانة وكلمة مسموعة لدى اليهود ويبدو أن كل ذلك قد أهله ليكون واحدا من الذين شهدوا على عهد الرسول مع اليهود بعد الهجرة إلى المدينة المنورة لكنه كان من أشد اليهود حنقا على الإسلام والمسلمين وكان غنيا مترفا معروفا بجماله في العرب وشاعرا من شعرائهم وكان حصنه في جنوب شرق المدينة خلف ديار بني النضير ولما تأكد الخبر لدى كعب إنبعث عدو الله بكل نشاط دون كلل ولا ملل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويمدح عدوهم ويحرضهم عليهم ويدعوه إلى حربهم وإلى إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرض بهذا القدر حتى ركب إلى قريش فنزل مكة وجعل ينشد الأشعار يبكي فيها على قتلى المشركين ويثير بذلك حفائظهم ويذكي حقدهم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوهم إلى حربه وسأله أبو سفيان والمشركون أديننا أحب إليك أم دين محمد وأصحابه وأى الفريقين أهدى سبيلا فقال أنتم أهدى منهم سبيلا وأفضل وفي ذلك أنزل الله تعالى قوله في سورة النساء أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ثم عاد كعب إلى المدينة على تلك الحال وأخذ يشبب أي يتغزل في أشعاره بجمال نساء الصحابة الكرام ويؤذيهم بسلاطة لسانه أشد الإيذاء وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه وكان صديقا لكعب قبل الإسلام أنا يا رسول الله أتحب أن أقتله فوافق الرسول على ذلك وقال نعم ورخص له في أن يبدى إمتعاضه من الإسلام ومنه أمام كعب لطمأنته وتهدئته وإنتدبه النبي صلى الله عليه وسلم على رأس مجموعة من المسلمين من قبيلة الأوس ضمت كل من عباد بن بشر وسلكان بن سلامة والمعروف بأبي نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة والحارث بن أوس وأبو عبس بن جبر وأتى محمد بن مسلمة كعب فقال له إن هذا الرجل أى النبي قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا فقال كعب والله لتملنه فقال إبن مسلمة فإنا قد إتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أى شئ يصير شأنه وقد أردنا أن تقرضنا وسقا أو وسقين فقال كعب نعم أرهنوني فقال إبن مسلمة أى شئ تريد فقال كعب أرهنوني نساءكم فقال إبن مسلمة كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب فقال كعب إذن فترهنوني أبناءكم فقال إبن مسلمة كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال إنه رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللامة يعني السلاح وواعده أن يأتيه وصنع أبو نائلة مثل ما صنع إبن مسلمة ودار الحوار بينه وبين كعب على نحو ما دار مع إبن مسلمة ثم قال أبو نائلة لكعب إن معي أصحابا لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك وبذلك نجح إبن مسلمة وأبو نائلة في هذا الحوار إلى ما قصدا فلن يخشى كعب شيئا إذا جاءاه ومعهما السلاح والأصحاب بعد هذا الحوار وفي ليلة مقمرة ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول عام 3 هجرية إجتمعت مفرزة إبن مسلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم قائلا إنطلقوا على إسم الله اللهم أعنهم ثم عاد إلى بيته وطفق يصلى ويناجي ربه ووصلت المفرزة إلى حصن إبن الأشرف فهتف به أبو نائلة فنزل إليهم وهو متطيب ينفح رأسه وتحدث معهم ساعة ثم قال أبو نائلة هل لك يا إبن الاشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث بقية ليلتنا فقال إن شئتم فخرجوا يتماشون فقال أبو نائلة وهو في الطريق ما رأيت كالليلة طيبا أعطر وزهي كعب بما سمع فقال عندى أعطر نساء العرب فقال أبو نائلة أتأذن لي أن أشم رأسك فقال نعم فأدخل يده في رأسه فشمه وأشم أصحابه وكرر ذلك مرتين وفي المرة الثانية لما إستمكن منه قال دونكم عدو الله فإختلفت عليه أسيافهم وأخذ محمد بن مسلمة معولا ضربه به فوقع عدو الله قتيلا وصاح صيحة شديدة أفزعت من حوله فلم يبق حصن إلا أوقدت عليه النيران .
وبعد إنجاز المفرزة لمهمتها بنجاح أخذت طريق العودة فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وهللوا وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم فعرف أنهم قد قتلوا كعب بن الأشرف عدو الله فكبر فلما إنتهوا إليه قال أفلحت الوجوه فقالوا ووجهك يا رسول الله ورموا برأس الطاغية بين يديه فحمد الله على قتله ولما علمت اليهود بمصرع طاغيتها كعب بن الأشرف دب الرعب في قلوبهم العنيدة وعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتوانى في إستخدام القوة حين يرى أن النصح لا يجدى نفعا لمن يخون العهد ولا يحترم المواثيق ولمن يريد العبث بالأمن وإثارة الإضطرابات فلم يحركوا ساكنا لقتل طاغيتهم بل لزموا الهدوء وتظاهروا بإيفاء العهود وإستكانوا وأسرعت الأفاعي إلى جحورها تختبئ فيها وبعد أشهر قليلة وفي شهر شوال عام 3 هجرية كانت غزوة أحد وشارك فيها عباد بن بشر رضي الله عنه ثم كانت غزوة الخندق في شهر شوال عام 5 هجرية وأثناء حفر الخندق كان الصحابي عباد بن بشر على رأس مجموعة من الأنصار تقوم بحراسة قبة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ليلة وقال الشاعر في ذلك من ينم عن لهدم أو محدم فإبن بشر ساهـر لم ينم يحس القبة ما فيها سوى حارس الجيش أو حارس العلم وشارك عباد رضي الله عنه في تلك الغزوة وأبلى فيها بلاءا حسنا ثم حضر مع النبي بيعة الرضوان وصلح الحديبية في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية وغزوة خيبر في شهر المحرم عام 7 هجرية وبعد العودة من خيبر وفي شهر ربيع الأول عام 7 هجر ية كانت غزوة ذات الرقاع ضد بني ثعلبة وبني محارب وهما من قبائل غطفان بعد أن أبلغت الإستخبارات الإسلامية النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعدون العدة لغزو المدينة المنورة فخرج إليهم في أربعمائة من المسلمين وقيل في سبعمائة وإستخلف على المدينة المنورة الصحابي الجليل أبا ذر الغفارى رضي الله عنه وسار النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه متوغلا في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل ولقي جمعا من غطفان لكن لم يقع قتال وصلى النبي بالصحابة صلاة الخوف لأول مرة في الإسلام ولما علمت قبائل غطفان بقدوم المسلمين إنسحبت وعاد المسلمون منتصرين وفي طريق العودة إشتد الحر عليهم وجاء وقت القيلولة فنزلوا في واد كثير الأشجار وتفرق المسلمون يستظلون فيه ونام الرسول تحت شجرة وعلق سيفه بها فإذا بأعرابي كافر يأتي فيأخذ السيف فشعر به الرسول وإستيقظ من نومه فقال الأعرابي من يمنعك مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله وإذا بالأعرابي يرتعد ويسقط السيف من يده، فأخذه النبي ثم عفا عن الأعرابي وتركه وقد نزلت في هذه الحادثة الآية الحادية عشرة من سورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ولما جاء الليل نزل المسلمون مكانا يبيتون فيه وإختار الرسول للحراسة نفرا من الصحابة يتناوبونها .
وكان من أفراد الحراسة هذه الليلة الصحابيان عمار بن ياسر وعباد بن بشر رضي الله عنهما في نوبة واحدة ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذ صاحبه من الراحة حظا يمكنه من إستئناف الحراسة بعد أن يستيقظ ورأى عباد رضي الله عنه أن المكان من حوله آمن فلم لا يملأ وقته إذن بالصلاة فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة فقام يصلي وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب بصوته الشجي الندى العذب آيات من سورة الكهف جاء رجل فلما رآه أدرك أنه حارس القوم فوتر قوسه وتناول سهما من كنانته ورماه به فأصاب عضده فنزعه وإستمر في صلاته ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثان نزعه أيضا وأنهى تلاوته ثم ركع وسجد وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم فمد يمينه وهو ساجد إلى صاحبه النائم بجواره وظل يهزه حتى إستيقظ ثم قام من سجوده وتلا التشهد وأتم صلاته وإستيقظ عمار على كلماته المتهدجة المتعبة وهو يقول له قم للحراسة مكاني فقد أصبت فوثب عمار محدثا ضجة وهرولة أخافت المتسللين ففروا ثم إلتفت الى عباد رضي الله عنه وقال له سبحان الله هلا أيقظتني أول ما رميت فأجابه عباد رضي الله عنه كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن الكريم ملأت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها ووالله لولا أن أضيع ثغرا أمرني الرسول صلى الله عليه وسلم بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها وحقا فقد كان عباد بن بشر رضي الله عنه شديد الولاء والحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه وكان هذا الولاء يستغرق حياته كلها وحسه كله وذلك منذ سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول مخاطبا الأنصار الذين هو منهم يا معشر الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار فلا أوتين من قبلكم ومنذ سمع عباد رضي الله عنه هذه الكلمات من رسوله ومعلمه وهاديه الى الله صلى الله عليه وسلم وهو يبذل روحه وماله وحياته في سبيل الله وفي سبيل رسوله ومما يذكر أن هذه الغزوة سميت ذات الرقاع نظرا لما كان الصحابة يربطونه على أرجلهم من الخرق بعد أن تقطعت أحذيتهم وسقطت اظافرهم من شدة الحر وفي العام التالي وفي شهر رمضان عام 8 هجرية شهد الصحابي عباد بن بشر رضي الله عنه فتح مكة وفي الشهر التالي شوال عام 8 هجرية شهد غزوة حنين ضد قبائل هوازن وثفيف ثم شهد حصار الطائف وجعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم على قسمة غنائم غزوة حنين بعد الإنصراف من حصار الطائف في شهر ذي القعدة عام 8 هجرية كما جعله قائدا على حرسه في غزوة تبوك في شهر رجب عام 9 هجرية والتي كانت آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وفي أواخر العام التالي العاشر الهجرى شهد الصحابي عباد بن بشر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع .
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادى عشر للهجرة وإستخلاف الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ووقعت فتنة الردة عن الإسلام بأشكال متعددة شارك الصحابي عباد بن بشر رضي الله عنه في جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه الذى كلفه الخليفة بالخروج أولا إلى بني أسد فإذا إنتهى منه فعليه التوجه إلى مالك بن نويرة في البطاح فإذا إنتهى منه عليه التوجه إلى اليمامة لمواجهة بني حنيفة الذين إرتدوا عن الإسلام وكان على رأسهم مسيلمة الكذاب الذى إدعى النبوة وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أشركه في الأمر وكان الخليفة قد وجه عكرمة بن أبي جهل لمسيلمة وحذره من الدخول في معركة معه حيث كان الغرض من توجهه إليه هو تثبيته فلا يقدم على معاونة باقي المرتدين لكن عكرمة تعجل ودخل في معركة مع مسيلمة ولم يستطع الصمود أمام جيشه فتراجع فوجهه الخليفة إلى اليمن لمواجهة المرتدين هناك وأرسل شرحبيل بن حسنة لتثبيت مسيلمة لكنه أخطا نفس خطأ عكرمة وتراجع في إنتظار وصول خالد بن الوليد بجيشه والذى كان يضم عددا كبيرا من كبار الصحابة والقراء وحفظة القرآن الكريم فلما سمع مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بمنطقة تسمى عقرباء وإستنفر الناس فجعلوا يخرجون إليه حتى بلغوا 40 ألف رجل تبعه أكثرهم من باب العصبية حتى قيل إن بعضهم كان يشهد أن مسيلمة كذاب وأن محمدا رسول الله لكنهم كانوا يقولون كذاب ربيعة أى مسيلمة أحب إلينا من صادق مضر أى النبي صلى الله عليه وسلم وفي الطريق إلى اليمامة إلتقى خالد وجيشه بفرقة من جيش مسيلمة كانت قد خرجت للثأر لبني عامر فأسرهم جميعا وسألهم عن مسيلمة فردوا منكم نبي ومنا نبي فأمر خالد بقتلهم جميعا عدا قائدهم مجاعة بن مرارة لعله يستفيد من خبرته ومكانته في قومه وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه والعرب على راياتها فكان بينهم وبين المسلمين يوم شديد الهول ثبت فيه بنو حنيفة وقاتلوا عن أنفسهم وأحسابهم قتالا شديدا حتى إنكشف المسلمون وكادوا أن يهزموا لولا رجال من ذوى الدين والحمية الذين ثبتوا وصرخوا في الناس يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال وقال سالم مولى أبي حذيفة بئس حامل القرآن أنا إذا لم أثبت وأمرهم خالد بأن يمتازوا حتى يعلم من أين يؤتوا فأثارت هذه الصيحات روح الإستشهاد في نفوس المسلمين فحملوا على جيش مسيلمة حملة إستطاعوا بها أن يزحزحوا جيوشه عن موقفهم الأول ثم شد المسلمون حتى فر بنو حنيفة إلى الحديقة التي تسمى حديقة الرحمن وكانت منيعة الجدران فتحصنوا بها إلا أن المسلمين إستطاعوا أن يقتحموها بمعونة الصحابي البراء بن مالك رضي الله عنه الذى رفعوه فوق سور الحديقة ونزل إلى بابها ففتحه ودخل المسلمون وهم يكبرون وقتل فيها مسيلمة وكان قاتله هو وحشي بن حرب قاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد سميت هذه الحديقة بعد ذلك بحديقة الموت وكانت المعركة التي دارت بها معركة فاصلة ففيها إنتصر المسلمون وهزم أعداؤهم بعد معركة من أعنف المعارك قتل فيها مسيلمة الكذاب وعدد 21 ألف من قومه وبلغ عدد شهداء المسلمين يومذاك 1200 شهيد منهم زيد بن الخطاب وأبو دجانة وعباد بن بشر وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولى أبي حذيفة والطفيل بن عمرو وغيرهم كثير من كبار الصحابة وحفظة وقراء القرآن الكريم رضي الله عنهم جميعا .
وكانت معركة اليمامة هي آخر حروب الردة في شبه الجزيرة العربية وبلا شك فقد مثلت هذه الحروب حدثا كبيرا ترك أثرا على أوضاع المسلمين والعرب بصفة عامة حيث أن تلك الحروب كانت قد شملت كافة أنحاء شبه الجزيرة العربية كرقعة جغرافية وقد أتاحت تلك الحروب تحقيق الوحدة السياسية في شبه الجزيرة العربية تحت قيادة الخليفة أبي بكر الصديق وذلك بعد أن تحققت الوحدة الدينية وتم تعبئة كل طاقات العرب وحشدها للأعمال العسكرية التي تلتها وهي الفتوحات في العراق والشام كما كانت حروب الردة تعد أول تدريب عسكرى عملي على الأرض لكافة العرب المسلمين في شبه الجزيرة العربية على مستوى الجيوش الكبيرة بداية من الحشد والتعبئة العامة إلى التحركات والسير والإلتحام إلى أعمال الدوريات والحصار والإستخبارات والتدابير اللوجستية وعليه فقد كانت هذه الحروب بمثابة جسر عبر المسلمون العرب عليه إلى خارج شبه الجزيرة العربية بهدف الفتح كما بينت حروب الردة أن إمبراطوريتي الفرس والروم كانتا وراء العديد من حركات الردة بالدعم الفني والخططي بعد أن تبين لهما بروز دولة الإسلام الفتية التي تزداد قوتها تدريجيا بما يمثل تهديد لهما وفضلا عن ذلك فقد كانت حروب الردة فرصة مواتية لبروز قيادات عسكرية إكتسبت خبرة في ميادين القتال وتدرجت من قيادة عمليات صغيرة محدودة الإمكانات والأعداد إلى قيادة عمليات على نطاق أوسع وكان من بين هذه القيادات خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وسعد بن أبي وقَّاص والقعقاع بن عمرو التميمي وأخاه عاصم والمثنى بن حارثة الشيباني والنعمان بن مقرن المزني وإخوته وغيرهم كثير وعلاوة على كل ذلك كان من أهم نتائج حروب الردة أنها كانت هي السبب الرئيسي الذى دفع الخليفة أبا بكر الصديق لتجميع القرآن الجمع الأول في كتاب واحد بعد مشورة من عمر بن الخطاب نظرا لإستشهاد العديد من حفظة وقراء القرآن الكريم في تلك الحروب .
|