الأحد, 8 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عبادة بن الصامت الأنصارى

 عبادة بن الصامت الأنصارى
عدد : 11-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


عبادة بن الصامت بن قيس بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن بن عوف بن الخزرج الأنصارى الخزرجي رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتمي إلى بني غنم بن عوف أحد بطون قبيلة الخزرج التي كانت إحدى القبائل العربية الرئيسية في المدينة المنورة وكانت القبيلة الأخرى هي قبيلة الأوس وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين وشكلت القبيلتان الأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكان من أشهر رجال قبيلة الخزرج غير الصحابي عبادة بن الصامت الصحابة الكرام سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج وإبنه قيس بن سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وعمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام وإبنه راوى الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم جميعا وكان ميلاد الصحابي الجليل عبادة بن الصامت في العام الثامن والثلاثين قبل الهجرة بالمدينة المنورة وأبوه هو الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام ومات على دين قومه أم أمه فهي الصحابية قرة العين بنت عبادة بن نضلة الخزرجية وقد أسلمت وبايعت النبي صلى عليه وسلم لما قدم المدينة المنورة مهاجرا من مكة المكرمة ضمن نساء الأنصار اللائي بايعن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو شقيق الصحابي أوس بن الصامت زوج الصحابية خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها التي نزلت فيها الآيات الأولى من سورة المجادلة عندما دخل عليها زوجها يوما فراجعته بشئ وإحتدم الخلاف بينهما فغضب وقال لها أنت علي كظهر أمي وهو قسم جاهلي كان شائعا قبل الإسلام ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة ثم دخل على زوجته وهو يظن أن الأمر بينه وبين زوجته قد إنتهي وأراد أن يجامعها فأبت ثم خرجت لكي تستشير رسول الله صلي الله عليه وسلم وجلست بين يديه وذكرت له ما لقيته من زوجها وجعلت تشكو إليه ما تلقاه من سوء خلقه وكانت بذلك تريد أن تستفتيه وتجادله في الأمر ونادت ربها اللهم إني أشكو إليك ما نزل بي فجاءها الرد من الله سبحانه وتعالي من فوق سبع سماوات حيث تغشى النبي ما كان يتغشاه حين ينزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال لها يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ثم قرأ عليها قوله تعالي في أوائل سورة المجادلة قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ اَلِيمٌ وأخيرا فقد كانت زوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه هي أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وكانت من نساء الأنصار السابقين إلي الإسلام هي وأختها أم سليم بنت ملحان أم الصحابي وخادم الرسول صلي الله عليه وسلم أنس بن مالك وكذلك أخواها سليم وحرام رضي الله عنهما اللذان شهدا غزوتي بدر وأحد وكان حرام في سرية المنذر بن عمرو يوم حادثة بئر معونة التي وقعت في شهر صفر في العام الرابع الهجرى وكان أول من إستشهد فيها وكانت هي من أطلق عليها شهيدة البحر حيث رافقت زوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنه في غزوة فتح قبرص في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعد أن إنتصر المسلمون وأثناء نزولها من المركب على اليابسة تعثرت دابتها فسقطت من عليها وإستشهدت رضي الله عنها وأرضاها .

وقد شهد الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بيعة العقبة الأولى وقال عن ذلك كنت ممن حضر العقبة الأولى وكنا إثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وقال لنا الرسول فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم ذلك فأمركم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر وفي العام التالي الثاني عشر قبل الهجرة شهد عبادة بن الصامت بيعة العقبة الثانية وكان أحد نقباء الأنصار الذين بايعوا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة هذه البيعة والتي كان فيها النصر والحماية وقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فقالوا يا رسول الله نبايعك فقال تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره والنفقة في العسر واليسر لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فبايعوه على ذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار أخرجوا منكم إثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس فكان عبادة بن الصامت رضي الله عنه أحد نقباء الخزرج وبعد الهجرة النبوية آخى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بينه وبين الصحابي أبي مرثد الغنوى رضي الله عنه وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدرا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومنذ إسلامة أصبح الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه واحدا من رجال الأنصار الذين إمتلأت قلوبهم بالإيمان وعرف عنهم الصبر والشجاعة وقوة الإيمان ومن الشخصيات الذين يشهد تاريخ الإسلام لهم بأنهم أخلصوا لله الواحد القهار وعاشوا وخلدهم إيمانهم ومواقفهم القوية دفاعا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها ومن ثم فقد تركت هذه الشخصيات أثرا كبيرا محفوظا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة ونبراسا لنا في الطريق ففاحت عطور فضائلهم وعبقت في ديار الإسلام حيث إجتمعت فيه العديد من صفات البر والتقوى والصلاح والزهد والعبادة والجهاد في سبيل الله والشجاعة والبسالة وإمتاز بالكرم والجود والسخاء والعفو والتسامح وسار في درب السعداء وفضلا عن ذلك كان عبادة بن الصامت رضي الله عنه واحدا ممن جمع القرآن الكريم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في ذلك جمع القرآن الكريم في زمان النبي خمسة كلهم من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصارى وأبو الدرداء وقد شهد الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان وصلح الحديبية وخيبر وعمرة القضاء وفتح مكة وحنين وحصار الطائف وتبوك كما إستعمله النبي محمد صلى الله عليه وسلم على جمع الصدقات من بعض قبائل العرب وقال له عندما كلفه بذلك إتقِ الله ألا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها ثواج فقال عبادة رضي الله عنه فوالذى بعثك بالحق لا أعمل عمل إثنين وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يخاف في الله لومة لائم .

وبعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومع توسع حركة الفتوحات في بلاد الشام والعراق ودخول العديد من أهل البلاد المفتوحة في الإسلام في عهد الخليفتين الراشدين الأول والثاني أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كتب يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه أحد قادة جيوش المسلمين في بلاد الشام كتابا قال فيه للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن ويحتاجون إلى من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم فأعني برجال يعلمونهم فدعا عمر أهل مشورته فقال إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم في الدين فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم أنتدبهم فليخرجوا فقالوا ما كنا لنتساهم هذا شيخ كبير لأبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه وأما هذا فسقيم لأبي بن كعب الأنصارى رضي الله عنه فخرج الصحابة الكرام عبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء رضي الله عنهم أجمعين فقال عمر رضي الله عنه إبدأوا بحمص فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين فقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه وخرج الصحابي أبو الدرداء رضي الله عنه إلى دمشق بينما خرج معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى فلسطين فمات في طاعون عمواس عام 18 هجرية ثم صار عبادة بن الصامت رضي الله عنه بعد ذلك إلى فلسطين ولما توجه الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه في أواخر عام 18 هجرية لفتح مصر بعد موافقة الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودخل عمرو مصر من طريق القوافل المعروف وذلك بأن ينحدر من غزة نحو العريش الحالية ثم يتجه نحو الإسماعيلية الحالية ثم يتجه عبر الصحراء إلى بلبيس والتي صالح أهلها على الجزية ثم إتجه إلى مصر القديمة وهنا أدرك البيزنطيون الذين كانوا يحتلون مصر لخطر الجيش الإسلامي فحشدوا جيشا إستعدادا للقتال وجرت بين الجيش الإسلامي وبين البيزنطيين بعض المناوشات على مدى عدة أسابيع لم تسفر عن نتيجة حاسمة لأى من الطرفين وبدأ المسلمون يشعرون بتناقص عددهم بمن كان يقتل منهم في الوقت الذى لم يتأثر البيزنطيون كثيرا بفقدان بعض جندهم فإضطر عمرو أن يرسل إلى الخليفة عمر في المدينة المنورة يستحثه في إرسال إمدادات على وجه السرعة فوعده بذلك والواقع أن موقف عمرو كان حرجا فقد علم من خلال العيون التي بثها في المنطقة أنه لن يستطيع أن يحاصر حصن بابليون والذى يقع بمصر القديمة أو يفتحه بمن بقي معه من الجند فإتجه أولا إلى مدينة منف وهي البدرشين الحالية وتمكن من فتحها ولكن فمن جانب آخر كان يتعذر عليه التراجع حتى لا يفت ذلك في معنويات جنوده فيقوى عليهم عدوهم غير أنه كان لديه بصيص أمل من واقع وعد الخليفة بِإمداده بالمساعدة وبالفعل وصلت الإمدادات إلى عمرو بصحبة إبنه عبد الله وكان عمرو قد طلب مددا من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدره ثمانية آلاف مقاتل فأرسل له الخليفة مع إبنه عبد الله عدد أربعة آلاف مقاتل بالإضافة إلي عدد أربعة من أشجع فرسان المسلمين منهم الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه بالإضافة إلى الصحابي الجليل حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو ومسلمة بن مخلد الأنصارى رضي الله عنهم جميعا وأرسل رسالة لعمرو بن العاص قال فيها أرسلت لك ما طلبته أربعة آلاف مقاتل علي رأس كل ألف منهم رجل بألف رجل وهكذا كان عبادة بن الصامت رضي الله عنه ممن وصفهم الخليفة عمر بن الخطاب بأنه يعادل ألف رجل وبلا شك كان لهؤلاء الأربعة دور كبير ومشهود تقوية عزيمةُ جيش المسلمين وفي إستكمال فتح مصر ودخولها تحت الحكم الإسلامي .

وكان هدف عمرو بن العاص فتح حصن بابليون قبل أن يتوجه إلى مدينة الإسكندرية عاصمة البلاد لفتحها إذ لم يشأ أن يشتت قواته ويضعفها فيذر قسما منها على حصار الحصن ويسير بالقسم الآخر إلى الشمال حتى يبلغ الإسكندرية مما قد يشكل خطرا على إنجازاته التي حققها حتى ذلك الحين من واقع رد فعل البيزنطيين الذين سوف يستغلون هذه الفرصة ليقوموا بحركات إرتدادية يستعيدون بواسطتها ما فقدوه من أراض ويطردون المسلمين من مصر لِذلك ركز جهوده العسكرية على فتح الحصن أولا فسار إليه في شهر شوال عام 19 هجرية الموافق شهر سپتمبر عام 640م وحاصره وكان عدد من حكام الروم من ضمن المتحصنين في حصن بابليون وما أن علموا بقدوم المسلمين بعد إنتصارهم في منف ومساعدة بعض المصريين لهم بادروا بالخروج إلى الإسكندرية تاركين الحامية تتولى مهمة الدفاع عنه ومما زاد في إحباطهم وخوفهم أن بعض المصريين إعتنقوا الإسلام وإنضموا إلى الجيش الإسلامي الذى يقوده عمرو بن العاص فكانوا له خير أعوان وأدلاء يصحبونه ويدلونه على الطرق والمواقع ويخبروه عن أسرار وأوضاع الروم وتراشق الطرفان بالمجانيق من جانب البيزنطيين والسهام والحجارة من جانب المسلمين مدة شهر حتى بدأ فيضان النيل في الإنحسار وأدرك المقوقس أن المسلمين صابرون على القتال وأنهم سيقتحمون الحصن لا محالة كما يئس من وصول إمدادات من الخارج فإضطر إلى عقد إجتماع مع أركان حربه للتشاور في الأمر وتقرر بذل المال لهم ليرحلوا عنهم وأن يذهب المقوقس بنفسه للتفاوض مع قائد المسلمين عمرو بن العاص في هذا الشأن بشكل سرى حتى لا يعلم أحد من المدافعين عن الحصن فتهن عزائمهم فخرج من الحصن تحت جنح الظلام مع جماعة من أعوانه وركب سفينة إلى جزيرة الروضة فلما وصل إليها أرسل رسالةً إلى عمرو مع وفد ترأسه أُسقف الحصن يعرض عليه أن يرسل وفدا لإجراء مفاوضات بشأن التفاهم على حل معين وتعمد عمرو بن العاص الإبطاء في الرد مدة يومين وأبقى أعضاء الوفد عنده رغبة منه أن يطلع المقوقس وأهل مصر على بأس المسلمين وحالهم ومهما يكن من أمر فقد عاد أعضاء الوفد بعد يومين يحملون رد عمرو بتخيير المقوقس بين الإسلام أو الجزية أو القتال وكان من الصعب على المقوقس وجماعته التخلي عن المسيحية وإعتناق الإسلام ذلك الدين الذى لا يعرفون عنه شيئا وبذلك رفضوا الشرط الأول وخشوا إن هم قبلوا بدفع الجزية أن يستضعفهم المسلمون ويذلوهم في الوقت الذى إستبعدوا فيه فكرة الحرب خشية الهزيمة وبِخاصة بعد أن وصف أعضاء الوفد وضع جيش المسلمين الجيد وتضامنهم وجاهزيتهم للقتال ومع ذلك فقد قبل المقوقس الدخول في الصلح وطلب من قائد المسلمين عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يرسل إليه جماعةً من ذوى الرأى للتباحث بشروطه فأرسل إليه وفدا كان علي رأسه الصحابي الجليل عبادة بن الصامت الأنصارى رضي الله عنه .

وإستقبل الروم والمصريون الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان عبادة أسود اللون طويل القامة يتعدى طوله المترين ولما تقدم عبادة هابه المقوقس وقال لوفد المسلمين نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني فقالوا جميعا إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به أمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله فقال المقوقس وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم فقالوا لا إنه وإن كان أسودا كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا وأفضلنا سابقة وعقلا ورأيا وليس ينكر السواد فينا ثم قال المقوقس لعبادة تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك وإن إشتد كلامك علي إزددت لذلك هيبة فتقدم إليه عبادة وقال قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادا مني وأفظع منظرا ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي وأنا قد وليت وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوى لو إستقبلوني جميعا وكذلك أصحابي وذلك أنا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في سبيل الله وإتباع رضوانه وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا ولا طلبا للإستكثار منها إلا أن الله قد أحل ذلك لنا وجعل ما غنمنا من ذلك حلالا وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهما لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره وشملة يتلحفها فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله وإقتصر على هذا الذى بيده ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء وإنما النعيم والرخاء فى الآخرة وبذلك أمرنا ربنا وأمرنا به نبينا وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته ويستر عورته وتكون همته وشغله فى رضا ربه وجهاد عدوه فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندى من منظره وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك ولعمرى ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدة ما يبالى أحدهم من لقي ولا من قاتل وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرا وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا طاقة لكم به .


وعند هذا الحد أدرك عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن المقوقس لم يدرك أن المسلمين لم يخرجوا طمعا في مال أو غنيمة وإنما هم خرجوا لنشر دين الله في الأرض فقام بعرض مطالب المسلمين عليه فقال له إنظر الذى تريد فبينه لنا فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث فإختر أيها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل إلينا إما أجبتم إلى الإسلام الذى هو الدين الذى لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه فان فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله فان قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم فإن أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شئ نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شئ من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا وان أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم هذا ديننا الذى ندين الله به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فإنظروا لأنفسكم فقال له المقوقس هذا ما لا يكون أبدا ما تريدون إلا أن تتخذونا لكم عبيدا ما كانت الدنيا قال له عبادة بن الصامت هو ذاك فإختر ما شئت فقال له المقوقس فلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الثلاثة خصال فرفع عبادة يديه فقال لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شئ ما لكم عندنا خصلة غيرها فإختاروا لأنفسكم فإلتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه وقال قد فرغ القوم فما ترون فقالوا أو يرضى أحد بهذا الذل أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا ما لا يكون أبدا أن نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدا فالموت أيسر من ذلك لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارا كان أهون علينا فقال المقوقس لعبادة قد أبى القوم فما ترى فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون فقام عبادة رضي الله عنه وأصحابه فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث فوالله ما لكم بهم طاقة ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين فقالوا وأى خصلة نجيبهم إليها قال أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم ولابد من الثالثة فقالوا أفنكون لهم عبيدا أبدا قال نعم تكونوا عبيدا مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيدا تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدا أنتم وأهليكم وذراريكم فرفض أغلبهم هذا الرأى وقالوا الموت أهون علينا من ذلك الذى تراه .

ومن اجل طمأنة الروم إستضاف عمرو بن العاص عقب هذا اللقاء وفد من الروم ومن معهم من المصريين وأكرم ضيافتهم وأمر أصحابه أن يجلسوا علي ركبهم إلى جانب الروم في محاولة منه لتهدئة روعهم والتأكيد على أن المسلمين لم يأتوا للإعتداء على الأهالي وسلبهم نفائسهم ومقدساتهم ولكن كما أسلفنا لم يكن القبول بقرار الصلح والإستسلام هو رأى الأغلبية فقد وجدت فئة كبيرة من الجند رفضت الصلح مع المسلمين وكانت بقيادة قائد الحصن المعروف بإسم الأعيرج وأصرت على الإستمرار في المقاومة المسلحة وعند ذلك طلب المقوقس من عمرو هدنة لمدة شهر للوصول إلي قرار نهائي بشأن المصالحة أو إستمرار القتال فمنحهُ ثلاثة أيام فقط ولم تلبث أنباء المفاوضات أن إنتشرت بين عامة الجند فثارت ثائرتهم ضد المقوقس ولما إنتهت أيام الهدنة إستؤنف القتال بين الطرفين وأحرز المسلمون بعض الإنتصارات مما دفع المقوقس إلى تجديد الدعوة لأركان حربه للإستسلام فقبلوا مكرهين وإختار المقوقس خيار دفع الجزية وإشترط موافقة هرقل إمبراطور الروم وتجميد العمليات العسكرية حتى يأتي الرد من القسطنطينية وعلي أن تبقى الجيوش في أماكنها خلال ذلك وتعهد أن يبعث بعهد الصلح إلى القسطنطينية علي وجه السرعة للحصول علي موافقة الإمبراطور وغادر المقوقس حصن بابليون وتوجه إلى الإسكندرية حيث أرسل عهد الصلح إلى القسطنطينية وطلب موافقة هرقل عليه لكن الأخير لم يقتنع بوجهة نظر المقوقس بشأن الصلح مع المسلمين ورأى أن بحوزة المقوقس قوة عسكريةٌ كبيرة تفوقُ في العدد قوة المسلمين كما أن حصن بابليون كان متينا ويصعب على المسلمين إقتحامه فلا يعقل والحالةُ هذه أن ينتصر المسلمون وإتهم المقوقس بالتقصير والخيانة والتخلي للمسلمين عن مصر ونفاه بعد أن شهر به ورفض عرض الصلح مع المسلمين ولما علم المسلمون برفض هرقل لعهد الصلح وكان ذلك في شهر ذى الحجة عام 19 هجرية الموافق شهر ديسمبر عام 640م فإنتهت بذلك الهدنة بينهم وبين الروم وإستأنف الطرفان القتال وكان المدافعون عن الحصن قد قل عددهم بسبب فرار كثير منهم إلى الإسكندرية كما أنه لم تأتهم أى إمدادات من الخارج وإنتهى فيضان النيل وغاض الماء عن الخندق حول الحصن فأضحى بمقدور المسلمين الآن أن يهاجموه وتشير بعض المصادر التاريخية إلي جهود الروم التي بذلت للدفاع عن الحصن ومقاومة الفتح الإسلامي وتراشقوا مع المسلمين بالمجانيق والسهام وأتى الروم وهم على هذه الحال نبأ وفاة الإمبراطور هرقل في شهر ربيع الأول عام 20 هجرية الموافق شهر فبراير عام 641م ففت ذلك في عضدهم وإضطربوا لموته وتراجعت قدرتهم القتالية مما أعطى الفرصة للمسلمين لتشديد الحصار قبل أن يقتحموا الحصن في يوم 21 ربيع الآخر عام 20 هجرية الموافق يوم 9 أبريل عام 641م حيث رأى الزبير بن العوام خللا فى الحصن فنصب سلما وأسنده إلى الحصن وقال إنى أهب نفسى لله عز وجل فمن شاء فليتبعنى فما شعر الروم إلا والصحابي والبطل العربى المسلم الزبير بن العوام ومعه الصحابي مسلمة بن مخلد على رأس الحصن يكبران ومعهما سيفيهما فإندفع الناس على السلم وكبر الزبير فأجابه المسلمون من الخارج فظن الروم أن المسلمين قد إقتحموا الحصن فهرب الروم تاركين مواقعهم فنزل الزبير وأصحابه وفتحوا باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه وإتفق أهل الحصن مع عمرو على رد ما أخذ منهم عنوة والإبقاء على السبايا وأجروا من دخل في صلحهم من الروم والنوب أى أهل النوبة مجرى أهل مصر وبعد فتح حصن بابليون سار عمرو بجيشه نحو الإسكندرية وحاصر المسلمون حصونها وتذكر بعض المصادر التاريخية أن المقوقس طلب من عمرو بن العاص في أثناء هذا الحصار الصلح والمهادنة لمدة معينة فرفض عمرو وتذكر بعض الروايات أن رجلا يسمى إبن بسامة وكان على أحد أبواب المدينة قد طلب الأمان من عمرو بن العاص على نفسه وأرضه وأهل بيته على أن يفتح له باب المدينة فأجابه عمرو إلى ذلك ودخل عمرو والمسلمون من جهة القنطرة التي كان يقال لها قنطرة سليمان وبذلك تمكن جيش المسلمين من الإستيلاء على المدينة وطرد الرومان من البلاد وبذلك إستكمل الفتح الإسلامي لمصر لإقليم الوجه البحرى المصرى ودخلت تحت ظل الراية الإسلامية وأصبحت ولاية إسلامية ويتم تعيين عمرو بن العاص واليا عليها .


وقد أحسن عمرو بن العاص رصي الله عنه التعامل مع المصريين فلم يجبر أحدا علي الدخول في الإسلام ومنح الجميع حرية العقيدة وأمن الأقباط علي كنائسهم ومقدساتهم ودورهم وأموالهم وأملاكهم وأراضيهم ونفذ العديد من الإصلاحات في البلاد منها إصلاح العديد من الطرق القائمة وإنشاء عدد كبير من الطرق كما تم إقامة الجسور حول نهر النيل لحماية الأراضي من حوله من أخطار الفيضان وبالإضافة إلي ذلك قام ببناء أول عاصمة إسلامية لمصر في منطقة مصر القديمة شرقي نهر النيل وسميت الفسطاط وأنشأ بها أول مسجد جامع في مصر وفي قارة أفريقيا بأكملها والمعروف بإسمه حتى وقتنا الحاضر وكان من أثر هذه الإصلاحات أن تحسنت أحوال المصريين وزادت ثرواتهم وإطمأنوا على أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم ونعموا بالهدوء والإستقرار وإزداد التآلف بينهم وبين المسلمين مع مرور الوقت ودخل كثير منهم في الإسلام تدريجيا وكان الرأي السائد آنذاك أن يبقى المسلمون الذين أقاموا بمصر على رباطهم وتكون مهمتهم حماية البلاد من أى إعتداء خارجي ولا يشتغلون بالزراعة ومع الوقت رفع ذلك الحظر عنهم وأُبيح لهم أن يتملكوا الأراضي وأن يعملوا بالزراعة إذا شاءوا وقام قائد جيش المسلمين ووالي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه بتكليف الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه بالتوجه جنوبا لتطهير بلاد الصعيد من الرومان وإستكمال الفتح الإسلامي لأقاليم مصر الجنوبية فوصل إلى قرية حفن التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا بوسط صعيد مصر والتي تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل وكانت تسمى في البداية بسا وهو إله فرعوني قديم ثم أقيمت عليها مدينة هيبنوآتي نسبةً إلى الطبيب الخاص للملك الفرعوني رمسيس الثاني ثم حملت القرية إسم أنتينيو بوليس بعدما أعاد بناءها الإمبراطور الروماني هادريان وسماها بإسم غلامه تخليدا لذكراه وفي العصور التالية أطلق على القرية إسم حفن وعلم من الأهالي أنها المنطقة التي جاءت منها زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة مارية القبطية رضي الله عنها فقرر البقاء هناك وبنى مسجدا بجوار المكان الذى كان يوجد به منزل أسرة السيدة مارية رضي الله عنها وكان هذا هو أول مسجد في ملوى وجعل الصحابي عبادة بن الصامت مقر إقامته طوال مدة وجوده في مصر بتلك القرية لتسمى القرية بعد ذلك بإسمه قرية الشيخ عبادة وهو الإسم المعروفة به حتى الآن وهذا المسجد مايزال قائما حتى الآن وتم توسيعه وترميمه وتقام به الشعائر إلى يومنا هذا .


وبعد أن تم الفتح الإسلامي لمصر عاد الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه إلى بلاد الشام وعاد أيضا الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه الذى كان أيضا قد وفد مصر وأقام في الإسكندرية لكي يعلم من دخل في الإسلام القرآن الكريم وفرائض الإسلام ويدرس الفقه ويعلم الناس الدين الجديد عليهم وأحكامه ولما تولى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الشام بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه في أواخر عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ساءت العلاقة بين عبادة ومعاوية لأشياء أنكرها عليه عبادة كان منها ما رواه التابعي المحدث والفقيه البصرى أبو قلابة الجرمي قال كنت بالشام في حلقة فيها التابعي والمحدث والفقيه البصرى مسلم بن يسار فجاء التابعي راوى الحديث والفقيه أبو الأشعث الصنعاني فقال الحضور أبو الأشعث أبو الأشعث أبو الأشعث فجلس فقلت له حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت فقال نعم غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو إزداد فقد أربى فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه فقام خطيبا فقال ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت رضي الله عنه فأعاد القصة ثم قال لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية ولما إحتدمت الخلافات بينهما قال عبادة لمعاوية لا أساكنك بأرض ورحل إلى المدينة المنورة فقال له عمر ما أقدمك فأخبره بفعل معاوية فقال له إرحل إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك فلا إمرة له عليك ومما يذكر أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يستطع أن يحمله على قبول منصب ما إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين فهذا هو العمل الوحيد الذى آثره عبادة بن الصامت رضي الله عنه مبتعدا بنفسه عن الأعمال الأخرى المحفوفة بالزهو وبالسلطان وبالثراء والمحفوفة أيضا بالأخطار التي يخشاها على مصيره ودينه وبعد وفاة عمر بن الخطاب وتولى الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة حدث أن كان عبادة بن الصامت مع معاوية يوما فقام خطيب يمدح معاوية ويثني عليه فقام عبادة بتراب في يده فحشاه في فم الخطيب فغضب معاوية فقال له عبادة إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف في الله لومة لائم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم المداحين فإحثوا في أفواههم التراب فكتب معاوية إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله فإما أن تكفه إليك وإما أن أخلي بينه وبين الشام فكتب إليه عثمان أن يرحل عبادة حتى يرجعه إلى داره بالمدينة المنورة فلما قدم المدينة المنورة دخل علي عثمان رضي الله عنه فلما شاهده قال له يا عبادة ما لنا ولك فقام عبادة بين ظهراني الناس وقال سمعت رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم يقول سيلي أموركم بعدى رِجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرِفون فلا طاعة لمن عصى ولا تضلوا بربكم .


وأخيرا نذكر أنه كان للصحابي عبادة بن الصامت من الولد الوليد وأمه جميلة بنت أبي صعصعة أخت الصحابي قيس بن أبي صعصعة الأنصارى الخزرجي رضي الله عنه والذى شهد بيعة العقبة الثانية وبدر وأحد وأيضا شهد اليرموك أميرا على أحد الكراديس ومحمد وأمه أم حرام بنت ملحان وداود وعبيد الله لم تذكر أمهاتهم وعلاوة على تقوى وزهد وورع وجهاد وبطولة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت الأنصارى رضي الله عنه وأرضاه فقد كان من رواة الحديث النبوى الشريف حيث روى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وروى عنه كثيرون منهم أبو أمامة الباهلي وأنس بن مالك وأبو مسلم الخولاني وجبير بن نفير وجنادة بن أبي أمية ومحمود بن الربيع وأبو إدريس الخولاني وأبو الأشعث الصنعاني وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام وحكيم بن جابر الأحمسي والمقدام بن عمرو بن معديكرب وإبن زوجته أبو أبي أنس بن أم حرام وكثير بن مرة ورفاعة بن رافع بن مالك وأوس بن عبد الله الثقفي وشرحبيل بن حسنة وثابت بن السمط والأسود بن ثعلبة اليربوعي وحبيش بن شريح وربيعة بن ناجذ الأزدى وشرحبيل بن السمط وعبد الرحمن بن غنم وعبادة بن نسي الكندى وعامر الشعبي وبنوه عبد الله وداود والوليد وعبيد الله بن عبادة بن الصامت وحفيداه يحيى وعبادة إبنا الوليد بن عبادة بن الصامت وشعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن خليفة وعطاء بن يسار وعمرو بن الوليد بن عبدة وقبيصة بن ذؤيب ويعلى بن شداد بن أوس الأنصارى وعبد الله بن محيريز الجمحي وقد أورد له بقي بن مخلد في مسنده 181 حديث وكان من مروياته عن أنس بن مالك قال أخبرني عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم إلتمسوها في السبع والتسع والخمس ويروى إبن شهاب الزهرى عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وعن جنادة بن أبي أمية حدثني عبادة بن الصامت عن النبي قال من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال اللهم إغفر لي أو دعا أستجيب له فإن توضأ وصلى قبلت صلاته ولما حضرت الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه الوفاة قال أخرجوا فراشي إلى الصحن ثم قال إجمعوا لي موالي وخدمي وجيراني ومن كان يدخل علي فجمعوا له فقال إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا وأول ليلة من الآخرة وإني لا أدرى لعله قد فرط مني إليكم بيدى أو بلساني شئ وهو والذى نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة وأُحرج على أحد منكم في نفسه شئ من ذلك إلا إقتص مني قبل أن تخرج نفسي فقالوا بل كنت مؤدبا قال اللهم إشهد ثم قال أما لا فإحفظوا وصيتي أحرج على إنسان منكم يبكي علي فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل إنسان منكم المسجد فيصلي ثم يستغفر لعبادة ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى قال في سورة البقرة وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ولا تتبعني نار ولا تضعوا تحتي أرجوانا وكانت وفاته عام 34 من هجرة رسول الله عن عمر يناهز الإثنين وسبعين عاما ودفن رضي الله عنه بالقدس الشريف في مقبرة باب الرحمة والتي تعد إحدى أشهر المقابر الإسلامية في القدس وتقع تحديدا عند السور الشرقي للمسجد الأقصى حيث تمتد من باب الأسباط وحتى نهاية سور المسجد الأقصى بالقرب من القصور الأموية في الجهة الجنوبية وتبلغ مساحتها حوالي 23 دونما وتحوى العديد من قبور الصحابة وأبرزهم غير عبادة بن الصامت رضي الله عنه الصحابي الأنصارى وراوى الحديث شداد بن أوس إبن أخ شاعر الرسول الخزرجي حسان بن ثابت رضي الله عنهما وتحوى أيضا قبور لمجاهدين إشتركوا في فتح القدس أثناء الفتحين العمرى عام 16 هجرية والأيوبي عام 1187م وللأسف الشديد تنوى حكومة الإحتلال الإسرائيلية تحويل جزء منها إلى حديقة توراتية في إطار خطتها التي تستهدف تهويد المدينة وطمس هويتها الإسلامية والعربية .