السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

نعيم بن مسعود الأشجعي

 نعيم بن مسعود الأشجعي
عدد : 11-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام بن نبي الله إبراهيم عليه السلام الأشجعي الغطفاني رضي الله عنه ويكنى أبا سلمة الأشجعي صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلتقي معه في الجد السابع عشر مضر بن نزار بن معد وهو ينتمي لقبيلة أشجع أحد بطون قببيلة غطفان وهي قبيلة عربية كبيرة من قبائل الجاهلية وصدر الإسلام وتعد واحدة من قبائل العرب الكبرى سكنوا بادية نجد والحجاز جهة بوادى المدينة المنورة ووادى القرى الذى يقع شمال شرق المدينة المنورة وكان من قبيلة أشجع عدد من الصحابة السباقين إلى الإسلام وعدد من التابعين نذكر منهم عوف بن مالك الأشجعي ومعقل بن سنان الأشجعي وزاهر بن حزام الأشجعي وطارق بن الأشيم الأشجعي وسلمة بن قيس الأشجعي وقد جاء في الحديث الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالي ليس لهم مولى من دون الله ورسوله وغير معلوم لنا بالتحديد مكان وتاريخ ميلاد الصحابي نعيم بن مسعود رضي الله عنه وإن كان من المؤكد أنه ولد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته إلى المدينة المنورة ولما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام إلى العالمين أعرض نعيم بن مسعود عن الدين الجديد أشد الإعراض خوفا من أن يحول هذا الدين بينه وبين متعه وملذاته هذا الوهم الكبير الذى يتوهمه الكثير من الناس وأنهم إذا تدينوا فسوف يحرمون من مباهج ومتع الحياة ومن الملذات والمسرات والنزهات هكذا يتوهم البعض ولو علم هؤلاء المتوهمون أن في الدين سعادة لا تعدلها سعادة ولو إطلع عليها الملوك لقاتلوا عليها أهلها ولكنهم لا يعلمون فقد تستمتع بشئ منحه الله بعض الجمال فكيف إذا أقبلت على منبع الجمال أبيت عند ربي يطعمني ويسقين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجد نعيم بن مسعود نفسه مساقا إلى الإنضمام شاء أو أبى إلى خصوم الإسلام والإنسان لا يستطيع أن يخفي هويته دائما فأحيانا تضعه الظروف في مواقف حرجة فإن لم يعلنها مدوية أنه مسلم فسوف يجر إلى مواقف محرجة جدا فكثير من الأشخاص يعتذر عن شرب الخمر ويقول محرجا يصيب معدتي منها حموضة ولا يقول إنه مسلم وأن الإسلام قد حرم شرب الخمر وهكذا كان نعيم بن مسعود محبا لشرب الخمر والنساء والغناء والسهرات الصاخبة وكان كلما تاقت نفسه لذلك شد رحاله من منازل قومه في نجد ويمم وجهه شطر المدينة المنورة حيث يبذل المال ليهودها بسخاء ليبذلوا له المتعة بسخاء أكثر ومن هنا كان نعيم بن مسعود كثير التردد على المدينة المنورة وتوطدت صلاته وعلاقاته بمن فيها من اليهود وبخاصة يهود بني قريظة ومن ثم أعرض عن الإسلام أشد الإعراض وفي شهر شعبان عام 4 هجرية عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الموعد وتسمى أيضا بدر الصغرى وبدر الآخرة وبدر الثانية وكان السبب في وقوعها أنه لما إنصرف أبو سفيان بن حرب قائد المشركين يوم أحد ومن معه نادى إن موعدكم بدر فقال رسول الله لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينك موعد وقبل أن يخرج أبو سفيان إلى بدر بعث نعيم بن مسعود ليخيف المسلمين في المدينة المنورة من كثرة أعداد قريش وقوتها وجعل له عشرين بعيرا إن أدى هذه المهمة ولم يخرج محمد وقال له إنه بدا لي أن لا أخرج وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزداد المسلمون جرأة فلأن يكون الخلف من قبلهم أحب إلي من أن يكون من قبلي فإذهب إلى المدينة وأعلمهم إننا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندى من الإبل عشرون أدفعها لك على يد سهيل بن عمرو ووصل نعيم إلى المدينة المنورة وبدأ يبث إشاعاته وساعده في ذلك المنافقون واليهود وقالوا لا يفلت محمد من هذا الجمع .


ولعبت هذه الإشاعات دورها مما جعل أبو بكر الصديق وعمر بن الخطابـ رضي الله عنهما يقولان للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله مظهر نبيه ومعز دينه وقد وعدنا القوم موعدا لا نحب أن نتخلف عنه فيرون أن هذا جبن فسر لموعدهم فوالله إن في ذلك لخيرا فسر النبي مما قاله صاحباه وأعلن أنه في طريقه إلى بدر وقال والذى نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنادى رسول الله في الناس للخروج فإجتمع حوله ألف وخمسمائة مقاتل وإستعمل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه على المدينة المنورة وكانت الخيل عشرة أفراس وحمل اللواء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونزل النبي صلى الله عليه وسلم بدرا وأقام فيها ثمانية أيام ينتظر جيش المشركين وأبا سفيان والذى خرج من مكة على رأس قوة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل وقيل ألفان وخمسمائة وقيل ألفا مقاتل وفي نفسه رغبة ألا يحدث هذا اللقاء الذى ينتظر نتيجته كثير من رجال القبائل والأعراب وأهل المدن إذ قضت المدينة ومكة قرابة العام بعد غزوة أحد في الإستعداد له وكان في خروج أبي سفيان محاولة لإخافة المسلمين وإرهابهم كي لا يخرجوا فيكونوا هم الذين نكلوا عن الخروج ووصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر في جيشه وعسكر هناك ومكث ثمان ليال كما أسلفنا ينتظر قريشا ولكنها لم تأت إذ عادت جموعها من عسفان وهي على بعد 80 كم من مكة المكرمة على الطريق المؤدى للمدينة المنورة خوفا من اللقاء وكانت حجتها في ذلك أن الظروف غير ملائمة للحرب إذ كانت سنة جدب وقال أبو سفيان يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر وتشربون اللبن وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فإرجعوا فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم تشربون السويق لا للقتال وأثناء وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنتظاره لأبي سفيان لميعاده أتاه مخشي بن عمرو الضمرى وهو الذى كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان والتي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحدث فيها قتال وكانت في شهر صفر عام 2 هجرية فقال يا محمد أجئت لملاقاة قريش على هذا الماء قال نعم يا أخا بني ضمرة وإن شئت رددنا إليك ما كان بيننا وبينك قال لا والله يا محمد ما لنا بذلك منك من حاجة وظل نعيم بن مسعود على هذا الحال من العداوة للإسلام والإعراض عنه حتى غزوة الخندق والتي وقعت في شهر شوال عام 5 هجرية ولأنه أحد وجهاء قبيلة غطفان والتي توجهت لمحاربة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ضمن جيش الأحزاب بغرض إقتحام المدينة المنورة والقضاء على المسلمين فكان لا يسنطيع إلا أن يخرج مع قبيلته ليحارب النبي صلى الله عليه وسلم .

وبالعودة إلى الوراء قليلا ففي العام الخامس الهجرى وبعد أن إستقر يهود بني النضير بخيبر أخذوا يرسمون الخطط للإنتقام من المسلمين فإتفقت كلمتهم على التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب المسلمين وكونوا لهذا الغرض وفدا يتكون من عشرين رجلا من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلى قريش بمكة على رأسهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس ووصل الوفد إلي مكة وبدأ يحرض مشركيها على غزو الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة والقضاء على المسلمين ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم فأجابتهم قريش ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان فدعاهم إلى ما دعا إليه قريشا فإستجابوا لذلك ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك فإستجاب له من إستجاب وهكذا نجح سادة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب المشركين على الرسول ودعوته والمسلمين وقد وافقت قريش على غزو المدينة لأنها شعرت بمرارة الحصار الإقتصادى الذى ضربه عليها المسلمون ووافقت غطفان طمعا في خيرات المدينة وفي السلب والنهب وقد قال وفد اليهود لمشركي مكة إن دينكم خير من دين محمد وأنتم أولى بالحق منه وفي ذلك نزلت الآيات أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا وقد أبرم الوفد اليهودى مع زعماء أعراب غطفان إتفاقيةً ضد المسلمين وكان أهم بنود هذا الإتفاق هو أن تكون قوة غطفان في جيش الإتحاد هذا ستة آلاف مقاتل وأن يدفع اليهود لقبائل غطفان مقابل ذلك كل تمر خيبر لسنة واحدة وفعلا خرجت من الجنوب قريش في أربعة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان صخر بن حرب حتى نزلوا وادى العقيق ووافاهم بنو سليم وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس وخرجت من الشرق بنو أسد يقودهم طليحة بن خويلد الأسدى وقبائل غطفان بنو فزارة يقودهم عيينة بن حصن وبنو مرة وهم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف وبنو أشجع وهم أربعمائة يقودهم مسعر بن رخيلة ونزلت غطفان بجانب أحد ثم إتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانت قد تعاقدت عليه وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش يبلغ عدده عشرة آلاف مقاتل أربعة آلاف من قريش وأحلافها وستة آلاف من غطفان وأحلافها بني أسد وسليم وكانت إستخبارات الدولة الإسلامية على حذر تام من أعدائهم لذا فقد كانوا يتتبعون أخبار الأحزاب ويرصدون تحركاتهم ويتابعون حركة الوفد اليهودى منذ أن خرج من خيبر في إتجاه مكة وكانوا على علم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودى وبين قريش أولا ثم غطفان ثانيا وبمجرد حصول المدينة على هذه المعلومات عن العدو شرع الرسول محمد في إتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة ودعا إلى إجتماع عاجل حضره كبار الصحابة وقادة جيش المسلمين من المهاجرين والأنصار وبحث فيه معهم هذا الموقف الخطير فأشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي على الرسول محمد بحفر خندق شمالي المدينة قائلا يا رسول الله إنا كنا في أرض فارس إذا حوصرنا وخوفتنا الخيل خندقنا علينا فهل لك يا رسول الله أن تخندق وكان الجانب الشمالي من المدينة هو الجانب المكشوف أمام العدو والذى يستطيع منه دخول المدينة وتهديدها أما الجوانب الأخرى فهي حصينة منيعة تقف عقبةً أمام أى هجوم يقوم به الأعداء أو أى محاولة لدخول المدينة من تلك الجهات حيث كانت الدور من ناحية الجنوب متلاصقة عالية كالسور المنيع وكانت حرة واقم من جهة الشرق وحرة الوبرة من جهة الغرب تقومان مقام حصن طبيعي وكانت حصون بني قريظة في الجنوب الشرقي كفيلة بتأمين ظهر المسلمين إذ كان بين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبني قريظة عهد ألا يمالئوا عليه أحدا ولا يناصروا عدوا ضده وأَعجب المسلمون برأى سلمان رضي الله عنه وقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار سلمان منا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت .


وعندما إستقر الرأى بعد المشاورة على حفر الخندق ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم هو وبعض أصحابه لتحديد مكانه وإختار للمسلمين مكانا تتوافر فيه الحمايةُ للجيش وبدأ على الفور حفر الخندق والذى إقترن بصعوبات جمة فقد كان الجو باردا والريح شديدة والحالة المعيشية صعبة بالإضافة إلى الخوف من قدوم العدو الذى كان متوقعا في كل لحظة ويضاف إلى ذلك العملُ المضني حيث كان الصحابة يحفرون بأيديهم وينقلون التراب على ظهورهم ولا شك في أن هذا الظرف بطبيعة الحال يحتاج إلى قدر كبير من الحزم والجد وكانت هناك مجموعة من الأنصار تقوم بحراسة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كل ليلة وعلى رأسهم الصحابي الأنصارى عباد بن بشر رضي الله عنه وقد قسم الرسول صلى الله عليه وسلم أعمالَ حفر الخندق بين الصحابة كل أربعين ذراعا لعشرة منهم ووكل بكل جانب جماعة يحفرون فيه وشارك الرسول صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق وهو يقول إن الخير خير الآخرة فإغفر للأنصار والمهاجرة وفي النهاية تم حفر الخندق بعد مجهود جبار قبل أن تصل الأحزاب إلى المدينة وكان طوله 5544 مترا ومتوسط عرضه 4.62 مترا ومتوسط عمقه 3.62 مترا ولما وصل الأحزاب فوجئوا بهذا الخندق حيث لم يكن حفر الخنادق من الأمور المعروفة لدى العرب في حروبهم بل كان الأخذ بهذا الأسلوب غريبا عنهم ولم يعتادوه وبهذا يكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من إستعمل الخندق في الحروب في تاريخ العرب والمسلمين ومن ثم كانت المفاجأة مذهلة لأعداء الإسلام أبطلت وأفسدت خطتهم التي رسموها ولذا فتلك الغزوة تسمى أيضا غزوة الخندق ولما عجزت الأحزاب عن دخول المدينة المنورة ضربوا حصارا محكما عليها دام ثلاثة أسابيع وحاول المشركون في بعض الأيام إقتحام الخندق لكن المسلمون نجحوا في التصدى لهم وأفسدوا محاولاتهم المتكررة لإقتحامه حيث قاموا برشقهم بالنبل والسهام وناضلوهم أشد النضال وعندما نجح بعض قادة المشركين في عبور الخندق كان منهم فرسان من أكبر فرسانهم وهم عمرو بن عبد ود وضرار بن الخطاب الفهرى وعكرمة بن أبي جهل وتصدى لهم المسلمون وبارزوهم حتى قتل عمرو بن عبد ود على يد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهرب بقيتهم وبذلك فشل المشركون ولم يفلحوا في إقتحام الخندق وقد أدى هذا الحصار إلى تعرض المسلمين في المدينة المنورة للأذى والمشقة والجوع وإشتد عليهم البلاء وبلغ منهم الجهد والضنك كل مبلغ حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم وأخذ بعض المسلمين يظنون بالله الظنون .

وفي أحد ليالي حصار الأحزاب للمدينة المنورة يقول نعيم بن مسعود كنت مستلقيا في خيمتي وبدأت أفكر ويقول لنفسه يا نعيم لماذا جئت لمحاربة هذا الرجل الصالح هل تحاربه لأنه سفك دما حراما أم هل تحاربه لأنه إغتصب مالا حلالا أم هل تحاربه لأنه فعل ما فعل وأرد على نفسي قائلا إنه ما فعل شيئا وأيعقل يا نعيم أن تحارب رجلا صالحا يا نعيم أين عقلك أين ذكاؤك هؤلاء الذين حول النبي ماذا فعلوا آمنوا به وصدقوه وإتبعوا النور الذى أنزل معه كيف تحاربهم أيليق بك أن تحاربهم وكان هذا الحوار الذاتي وهذه المناقشة الذاتية من جانب نعيم بن مسعود سببا في أنه وقف وتسلل إلى معسكر المسلمين ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال له يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت نعيم بن مسعود قال نعم يا رسول الله فقال له ما جاء بك فقال جئت مسلما جئت لأشهد أنه لا إله إلا الله وأنك رسول الله والآن فلتأمرني بما تريد وكان المسلمون آنذاك يخشون غدر يهود بني قريظة الذين يسكنون في جنوب شرق المدينة فيقع المسلمون حينئذ بين نارين اليهود خلف خطوطهم والأحزاب بأعدادهم الهائلة من أمامهم ونجح اليهودى زعيم بني النضير حيي بن أخطب في إستدراج كعب بن أسد زعيم بني قريظة وصاحب عقدهم وعهدهم لينضم مع الأحزاب لمحاربة المسلمين حيث إنطلق إلى ديار بني قريظة فأتى كعب وكان بينه وبين الرسول عهد على أن ينصره إذا أصابته حرب فضرب عليه حيي الباب فأغلقه كعب دونه فما زال يكلمه حتى فتح له بابه فقال حيي إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها وقد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاءا بالعهد فلم يزل حيي بكعب يحرضه على المسلمين حتى أعطاه عهدا وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن يدخل معه في حصنه فنقض بذلك كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين المسلمين ودخل مع المشركين في المحاربة ضدهم وسرت الشائعات بين المسلمين بأن بني قريظة قد نقضت عهدها معهم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخشى أن تنقض بنو قريظة العهد الذي بينهم وبينه ولذلك إنتدب الزبير بن العوام رضي الله عنه ليأتيه بأخبارهم فذهب الزبير فنظر ثم رجع فقال يا رسول الله رأيتهم يصلحون حصونهم ويمهدون طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم وبعد أن كثرت القرائن الدالة على نقض بني قريظة للعهد أرسل الرسول سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم إنطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فإلحنوا لي لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فإجهروا به للناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم قد نقضوا العهد فرجعوا فسلموا على الرسول وقالوا عضل والقارة فعرف الرسول مرادهم ومعنى إلحنوا لي لحنا أى قولوا لي كلاما لا يفهمه أحد سواى وعضل والقارة قبيلتان من كنانة سبق منهما الغدر بأصحاب الرسولِ في ذات الرجيع وإستقبل الرسول صلى الله عليه وسلم غدر بني قريظة بالثبات والحزم وإستخدام كل الوسائل التي من شأنها أن تقوى روح المؤمنين وتصدع جبهات المعتدين فأرسل في الوقت نفسه سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريظة وفي هذه الأثناء إستعدت بنو قريظة للمشاركة مع الأحزاب فأرسلت إلى جيوشها عشرين بعيرا كانت محملة تمرا وشعيرا وتينا لتمدهم بها وتقويهم على البقاء إلا أنها أصبحت غنيمة للمسلمين الذين إستطاعوا مصادرتها وأتوا بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .


ولما طلب نعيم بن مسعود من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمره بما شاء قال له إنما أنت فينا رجل واحد فما إستطعتَ أن تخذل عنا الناسَ فخذل فقال للنبي أفعل ولكن يا رسول الله ماذا أقول فقال النبي قل ما بدا لك فأنت في حل وإنما الحرب خدعة فذهب إلى بني قُريظة وقال لهم إكتموا عني فقالوا نفعل فقال لهم إني لكم نديم وصديق قد عرفتم ذلك فقالوا صدقت فقال تعلمون والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة إن البلد لبلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلادهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا فرصة أصابوها وإلا إستمروا إلى بلادهم وتركوكم تواجهون محمدا وأنتم لا طاقة لكم به فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا قالوا لقد أشرت بالرأى السديد علينا والنصح لنا ثم خرج إلى أبي سفيان بن حرب قائد مشركي قريش وقال له قد جئتك بنصيحة فإكتم عني قال أفعل قال تعلم أَن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وأرادوا إصلاحه ومراجعته أرسلوا إليه وأنا عندهم إنا سنأخذ من قريش وغطفان سبعين رجلا من أشرافهم نسلمهم إليك تضرب أعناقَهم ونكون معك على قريش وغطفان حتى نردهم عنك وترد جناحنا الذى كسرتَ إلى ديارهم يعني بني النضير فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهنا فلا تدفعوا إليهم أحدا وإحذروهم ثم أتى غطفان فقال لهم يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فإكتموا عني فقالوا نفعل فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم فصدقوه وأرسل بنو قريظة إلى قريش إنا والله ما نخرج فنقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب وإشتد عليكم القتال أن تنصرفوا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه فقال أبو سفيان هذا ما قاله نعيم وأرسلوا إلى غطفان بمثل ما أرسلوا إلى قريش فقالوا لهم مثل ذلك وقالوا جميعا إنا والله ما نعطيكم رهنا ولكن إخرجوا فقاتلوا معنا فقالت اليهود نحلف بالتوراة إن الخبر الذى قال نعيم لحق وجعلت كلا من قريش وغطفان يقولون الخبر ما قال نعيم بن مسعود ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء وهؤلاء من نصر هؤلاء وإختلف أمرهم وتفرقوا وبذلك فقد نجح نعيم بن مسعود في تمزيق صفوف الأحزاب وتفريق كلمتهم وأرسل اللهُ على قريش وأحلافها ريحا صرصرا عاتية فجعلت تقتلع خيامهم وتكفأ قدورهم وتطفئ نيرانهم وتصفع وجوههم وتملأ أعينهم ترابا فلم يجدوا مفرا من الرحيل فرحلوا تحت جنح الظلام ولما أصبح المسلمون وجدوا أعداء الله من قريش والأحزاب قد ولوا مدبرين فجعلوا يهتفون ويهللون لا إِله إِلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شئ بعده وهكذا فبعد إنفضاض الأحزاب ظهر بوضوح الدور الذى لعبه الصحابي نعيم بن مسعود رضي الله عنه بإحداثه الوقيعة بين بني قريظة وغطفان وقريش وخذل بعضهم عن بعض فأسهم في تفريق شملهم وإفشال حصارهم علي المدينة وكفي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مؤونة الدخول في مواجهة دامية مع الأحزاب في وقت يضربون الحصار علي المدينة المنورة ويهددون بإقتحامها على المسلمين وقتل رجالهم وسبي نساءهم وذراريهم فكان الصحابي نعيم بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يقول متفاخرا أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه وأنا أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على سره .


وبعد فقد يسأل سائل لماذا أتي إسلام نعيم بن مسعود في هذا الوقت بالذات ومن أين أتته فكرة الوقيعة بين الأحزاب وكيف تم تطبيقها وكيف وقع فيها اليهود وكيف وقع فيها حكماء قريش وغطفان ولماذا لم يتم التحقق من قوله لكل من اليهود وقريش وغطفان لكشف الحقيقة والإجابة ببساطة في قوله تعالى إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وقوله تعالى مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا وبذلك كان نعيم بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أحد جنود الرحمن في الأحزاب ومنذ ذلك اليوم أصبح الصحابي نعيم بن مسعود رضي الله عنه موضع ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر هو وولده وسكن المدينة المنورة وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع معقل بن سنان الأشجعي إلى قبيلتهما أشجع بعد إسلامها يأمرانهم بحضور المدينة المنورة للتوجه لفتح مكة وفي يوم الفتح كان الصحابي نعيم بن مسعود رضي الله عنه هو من حمل راية قبيلته غطفان ولما وقف أبو سفيان بن حرب يستعرض جيش المسلمين فرأى رجلا يحمل راية غطفان فقال لمن معه من هذا فقالوا هذا نعيم بن مسعود فقال بئس ما صنع بنا يوم الخندق والله لقد كان أشد الناس عداوة لمحمد وها هو ذا يحمل راية قومه بين يديه ويمضي لحربنا تحت لوائه وعند خروج النبي محمد صلى الله عليه وسلم لغزوة تبوك في شهر رجب عام 9 هجرية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أيضا إلى قومه ليستنفرهم إلى غزو عدوهم وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تذكر لنا المصادر التاريخية أي تفاصيل عن حياته في عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين عاصرهم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا إلا أن وفاته كانت على الأرجح في أواخر عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وإن كنا نتوقع أنه من المؤكد أنه كان له موقف من ردة قبيلته غطفان في بداية خلافة الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم بعد ذلك المشاركة في فتوحات بلاد العراق والشام رحم الله الصحابي الجليل نعيم بن مسعود وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء ومن جانب آخر كان للصحابي نعيم بن مسعود رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم رواها عنه ولداه سلمة وزينب وله حديث عند الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وغيره فعن عبد اللّه بن أَحمد قال حدثني أَبي حدثنا إِسحاق بن إِبراهيم الرازى حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا محمد بن إِسحاق حدثني سعد بن طارق الأَشجعي وهو أَبو مالك عن سلمة بن الصحابي نعيم بن مسعود الأَشجعي عن أَبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين قرأَ كتاب مسيلِمة الكذاب الذى يطالب فيه النبي صلى الله عليه وسلام أن يشركه معه في أمر النبوة فقال لرسوليه فما تقولان أَنتما قالا نقول كما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما وكان مسيلمة يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في معجزاته فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في بئر فغزر ماؤه فبصق في بئر فغاض ماؤه أى قل وذهب في الأرض بالكلية وفي أخرى فصار ماؤه أُجاجا شديد الملوحة والمرارة وتوضأ وسقى بماء وضوئه نخلا فيبست وكان قد كتب هذا الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدعي فيه مشاركته في الرسالة ويساومه في إقتسام الملك والسيادة في جزيرة العرب فقال من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الإسلام سلام عليك أما بعد فإني قد أُشركت في الأمر معك وإِن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم يعتدون فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أتشهدان أني رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما .
 
 
الصور :