بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام الهذلي رضي الله عنه صحابي جليل من كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ويلتقي معه في الجد الخامس عشر مدركة بن إلياس بن نزار بن معد وكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عبد الرحمن وكان حليفا لبني زهرة أحد بطون قبيلة قريش والذين كانت ديارهم في مكة المكرمة تقع في الجهة اليمانية للكعبة المشرفة وعمل العديد من أبنائها بالتجارة وحققوا من خلالها أرباحا وأموالا وفيرة وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت أم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة آمنة بنت وهب الزهر ية القرشية تنتمي إليهم كما كان من أعلام ومشاهير هذه القبيلة الصحابيان الجليلان عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما وهما من السباقين إلى الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة وقد أسلما في بداية الدعوة على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وغير معلوم لدينا بالتحديد تاريخ ميلاد الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثلما هو الحال مع الكثير من الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم وإن كان أنه من المؤكد أنه ولد بمكة المكرمة قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ونشأ بها حيث كان قد وفد إليها وإستقر بها أبوه مسعود بن غافل في الجاهلية قبل الإسلام وحالف عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الذى زوجه من حفيدته أم عبد بنت عبد ود بن سواءة الهذلية إبنة إبنته هند بنت عبد بن الحارث فأنجبت له عبد الله وتوفي أبوه في الجاهلية قبل الإسلام وهو صغير ولذلك فأحيانا ينسب إلى أمه والتي أسلمت بمكة وكانت تكنى بأم عبد وبالتالي كان يقال له أحيانا إبن أم عبد ويقول الصحابي عبد الله بن مسعود عن أول لقاء له مع النبي صلى الله عليه وسلم وعن قصة إسلامه كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط أحد سادات قريش في الجاهلية فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه فقالا يا غلام هل عندك من لبن تسقينا فقلت إني مؤتمن ولست ساقيكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل عندك من شاة حائل لم ينز عليها الفحل قلت نعم فأتيتهما بها فإعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا ربه فحفل الضرع ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فإحتلب فيها فشرب أبو بكر رضي الله عنه ثم شربت ثم قال للضرع إقلص فقلص فأتيت النبي بعد ذلك فقلت علمني من هذا القول الذى قلته عندما مسحت على ضرع الشاة فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه وقال إنك غلام معلم ويقول إبن مسعود عن ذلك لقد أخذت من فيهِ سبعين سورةً ما نازعني فيها بشر وكان أن أسلم عبد الله بن مسعود فكان من السابقين في الإسلام حيث كان سادس ستة دخلوا في الاسلام وأسلمت أيضا أمه وذلك قبل أن يدخل النبي دار الأرقم بن أبي الأرقم ومنذ أن أسلم إبن مسعود النبي محمد في مكة وكان جريئا في إظهار إسلامه للمشركين وكان رضي الله عنه أول من جهر بالقرآن الكريم عند الكعبة المشرفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ذات يوم إجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط فمن رجل يسمعهم فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنا فقالوا إنا نخشاهم عليك إنما نريد رجلا له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه فقال دعوني فإن الله سيمنعني فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عبد الله عند المقام فقال رافعا صوته بأوائل سورة الرحمن بسم الله الرحمن الرحيم الرّحْمن * عَلّمَ القُرْآن * خَلَقَ الإنْسَان * عَلّمَهُ البَيَان فتأملوه فجعلوا يقولون ما يقول إبن أم عبد ثم قالوا إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا فجعلوا يضربونه في وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ثم إنصرف إلى أصحابه فلما رأوه تأثروا بما أصاب وجهه فقالوا هذا الذى خشينا عليك فقال ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن ولئن شئتم فوالله لغاديتهم بمثلها غدا فقالوا له حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون .
وكان عبد الله بن مسعود رقيق البنية نحيل الساقين قصير القامة لم يكتس جسمه بكثير من اللحم طيب الرائحة نظيف الملبس لكنه بالإيمان القوى واليقين الراسخ تكاملت في نفسه التقوى فكان الأقرب إلى الله تعالى وتعرض كما تعرض الكثير من المستضعفين في مكة للأذى والإضطهاد الشديدين من المشركين فسمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة قائلا لهم إن فيها ملك لا يظلم عنده أحد فهاجر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ضمن من هاجروا إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة بعد ذلك إلى أن بدأت الهجرة إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة الثانية فهاجر إلى المدينة ونزل بدار الصحابي الأنصارى سعد بن خيثمة الأوسي رضي الله عنه والذى كان قد بايع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية وكان أحد نقباء الأنصار الإثنا عشر ولما بدأت الهجرة إلى المدينة المنورة كان سعد رضي الله عنه ممن يستضيفون المهاجرين في بيوتهم ولما هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إتخذ من داره مقرا يجلس فيه للناس يعلمهم دينهم وقد شهد سعد غزوة بدر في شهر رمضان عام 2 هجرية وإستشهد فيها وآخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وإختطّ النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله وأخيه عتبة بن مسعود رضي الله عنهما دارا مع دور بني زهرة بن كلاب في ناحية مؤخرة المسجد النبوى الشريف والذى كان قد أسلم أيضا مبكرا في مكة وهاجر مع أخيه إلى الحبشة ثم هاجر أيضا مع أخيه إلى المدينة المنورة وشهد أُحدا وما بعدها من المشاهد كلها وتوفي في خلافة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبكاه أخوه عبد الله فقيل له أتبكي فقال أخي وصاحبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي المدينة المنورة لزم إبن مسعود وأمه خدمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكان يلبس النبي محمد نعليه ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعه وأعطاه العصا فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل النبي صلى الله عليه وسلم داره وكان يدخل حجراته أمامه بالعصا كما أنه أصبح صاحب سواك النبي صلى الله عليه وسلم وسره وفراشه وطهوره إذا سافر وكان هو من يستر النبي صلى الله عليه وسلم إذا إغتسل ويوقظه إذا نام ويؤنسه إذا مشي لذا فقد كان كثير الولوج على النبي صلى الله عليه وسلم كما أعطاه النبي مالم يعط لغيره حين قال له إذنك علي أن ترفع الحجاب فكان له الحق بأن يطرق باب الرسول الكريم في أى وقت من الليل أو النهار حتى ظن أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه حين هاجر من اليمن إلى المدينة المنورة أن إبن مسعود رضي الله عنه وأمه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة دخولهما وخروجهما عليه حيث قال قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله ودخول أمه عليه صلى الله عليه وسلم .
وهكذا فقد حظى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بمنزلة ومكانة كبيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فقد قال عنه لو كنت مؤمرا أحدا من غير مشورة أمرت عليهم إبن أم عبد وقد عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حينما أمر عبد الله بن مسعود بصعود شجرة لكي يأتيه منها بشئ فضحكوا من نحافة ودقة ساقيه فقال صلى الله عليه وسلم ما تضحكون لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل أحد وبلا شك فقد كانت ملازمة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم سببا رئيسيا في تأثره بهديه حتى قال فيه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من إبن أم عبد وكان إبن مسعود من علماء الصحابة رضي الله عنهم وحفظة القرآن الكريم البارعين فيه وإنتشر علمه وفضله في الآفاق بكثرة أصحابه والآخذين عنه الذين تتلمذوا على يديه وتربوا وذات يوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه بعض آيات من القرآن فقال له إقرأ علي فقال إبن مسعود يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني أحب أن أسمعه من غيرى يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقرأت عليه من سورة النساء حتى وصلت إلى قوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حسبك قال إبن مسعود رضي الله عنه فإلتفت اليه فإذا عيناه تذرفان وعن التابعي مسروق بن الأجدع قال ذكر عبد الله بن مسعود عند الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال ذاك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إستقرئوا القرآن الكريم من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعا كما كان يقول أيضا من أحب أن يسمع القرآن غضا كما أنزل فليسمعه من إبن أم عبد رضي الله عنه وعن أبي عطية الوادعي قال دخلت أنا ومسروق بن الأجدع على أمنا
السيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقلنا يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة قالت أيهما الذى يعجل الإفطار ويعجل الصلاة قال قلنا عبد الله يعني إبن مسعود قالت كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الصحابي الجليل أبو الدرداء الأنصارى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم خطب خطبة خفيفة فلما فرغ من خطبته أمر أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقام فخطب فقصر دون النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر عمر رضي الله عنه فقام فخطب فقصر دون أبي بكر ثم نادى آخر فقام فخطب فشقق القول فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إسكت أو إجلس فإن التشقيق من الشيطان وإن البيان من السحر ثم قال يا إبن أم عبد قم فإخطب فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن الله عز وجل ربنا وإن الإسلام ديننا وإن القرآن إمامنا وإن البيت قبلتنا وإن هذا نبينا وأومأ إلى النبي صلى الله عليه وسلم رضينا ما رضي الله لنا ورسوله صلى الله عليه وسلم وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله والسلام عليكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصاب إبن أم عبد وصدق رضيت بما رضي الله لأمتي وإبن أم عبد وكرهت ما كره الله لأمتي وإبن أم عبد وذات يوم دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد النبوى ومعه الصحابيان الجليلان وزيراه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فوجدا الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يصلي ويقرأ القرآن وله دوى كدوى النحل ولما إنتهي من صلاته أخذ يدعو ربه فقال النبي صلى الله عليه وسلم سل تعطى يا إبن مسعود سل تعطى يا إبن مسعود .
وعن جهاد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقد شهد المشاهد كلها مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث شهد بدر وكان هو من أجهز على أبي جهل يوم بدر بعد أن ضربه الفتيان معاذ ومعوذ إبنا عفراء رضي الله عنهما واللذان كان لهما شرف إصابة فرعون هذه الأمة أبي جهل عمرو بن هشام إصابة قاتلة فعن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال إني لواقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما ثم يقول فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه قال أنبئت أنه يسب رسول الله والذى نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سواده سوادى حتى يموت الأعجل منا ثم يقول فغمزني الآخر فقال لي كما قال الأول قال فعجبت لذلك قال فلم ألبث أن رأيت أبا جهل في الناس قال فقلت لهما ألا تريان ها ذاك صاحبكما الذى تسألان عنه قال فإبتدراه بسيفيهما يغربانه حتى أصاباه إصابة قاتلة وأوقعاه من على فرسه ثم إنصرفا لكن كانت ما تزال فيه الروح فمر به الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكان أبو جهل قد إحتقره يوما وهو في مكة ولم يكن يعلم حينها أن موته سيكون على يد هذا الصحابي النحيل الذى يزدريه فوجده لا يزال على عناده رغم الحال الذى وصل إليه فضربه إبن مسعود وأوقع السيف من يده ووضع قدمه على رقبته وسأله هل أخزاك الله يا عدو الله فرد عليه أبو جهل وبماذا أخزاني أأعمد من رجل قتلتموه أو هل فوق رجل قتلتموه ثم سأل إبن مسعود رضي الله عنه لمن الغلبة اليوم فرد عليه قائلا لله ورسوله يا عدو الله فقال له أبو جهل عدو الله ورسوله لقد إرتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم فإحتز إبن مسعود رضي الله عنه رأسه وجاء مسرعا يطير من فرحه يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بمقتل عدو الله أبي جهل فصحبه ليرى ماذا فعل الله تعالى بفرعون هذه الأمة وفرح المسلمون بمقتله والإنتهاء من مكره وعدائه وعجبا لهذا الرجل الذى كان في الرمق الأخير ولم يتخل عن عناده ويدعو إبن مسعود بإستهزاء ويصغر من شأنه ويدعوه بصيغة التصغير قائلا يا رويعي الغنم بدلا من يا راعي الغنم وهكذا كان هذا الرجل قد تملكه الشيطان فإلى قاع جهنم وبئس المصير والعياذ بالله ونفل النبي محمد صلى الله عليه وسلم إبن مسعود يومها سيف أبي جهل وبعد بدر وفي غزوة أحد في شهر شوال عام 3 هجرية كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أحد أربعة ثبتوا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن تقهقر عنه أصحابه وبعد ذلك شهد إبن مسعود غزوة الخندق وبني قريطة وبيعة الرضوان وصلح الحديبية وخيبر وعمرة القضاء وفتح مكة وحنين وحصار الطائف وتبوك وحجة الوداع وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض ومما يذكر لعبد الله بن مسعود أنه أثناء العودة من غزوة تبوك قام في إحدى الليالي من جوف الليل فرأى شعلة من نار في ناحية العسكر فإتبعها ينظر إليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما وإذا بالصحابي الشاب عبد الله المعروف بذى البجادين رضي الله عنه قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يدليانه إليه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول أدنيا إلي أخاكما فدلياه إليه فلما هيأه للحده قال اللهم إني أمسيت عنه راضيا فإرض عنه فقال عبد الله فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة .
وبعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم شارك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود في الفتح الإسلامي لبلاد الشام خلال عهد الخليفتين الراشدين الأول والثاني أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وشهد فيها معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية وتولى يومها قسمة الغنائم وشهد معركة فحل ثم فتح دمشق عام 15 هجرية ثم فتح حمص وإختار بعد إنتهاء الفتح الإقامة في حمص إلى أن جاءه أمر من الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام 20 هجرية بالإنتقال إلى الكوفة التي كانت قد تأسست في عام 17 هجرية على يد الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ليعلم أهلها أمور دينهم ويقرأ عليهم القرآن وليعاون أميرها الجديد الصحابي عمار بن ياسر رضي الله عنه والذى خلف سعد رضي الله عنه في إمارة الكوفة وكتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة فقال إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرا وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر فإقتدوا بهما وأطيعوا وإسمعوا قولهما وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي فكان أن علم وأثر وإقتدى بهدى النبي الكريم في الصلاة والعبادة والعلم والقرآن وأخذ عنه قراءة القرآن أبي عبد الرحمن السلمي ومن ثم عاصم ثم حفص وهي القراءة المشهورة في بلاد المسلمين وأوصى الوصايا النافعة التي ظلت خالدة في التاريخ يقتدى بها المسلمون في كل زمان ومكان وحدث أن بلغ الخليفة عمر بن الخطاب أن هناك رجل في الكوفة يمشي بين الناس يتلو آيات من القرآن الكريم ويقول للناس إكتبوا عني ما تسمعون مني من كتاب الله فإنزعج إنزعاجا شديدا خوفا من أن يكون فيما يقوله هذا الرجل تحريف لآيات الله وسأل من هذا الرجل فقيل له إنه عبد الله بن مسعود فإطمأن عمر وزال إنزعاجه وقال فليفعل إبن مسعود ما يشاء ثقة فيه وأنه بالتأكيد يتلو آيات كتاب الله تلاوة صحيحة بلا تحريف ولا نقصان وفد بقي إبن مسعود رضي الله عنه بالكوفة باقي مدة خلافة عمر وبداية خلافة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن عزله عثمان وبعث إليه يأمره بالعودة إلى المدينة المنورة فإجتمع أهل الكوفة وقالوا لعبد الله أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شئ تكرهه فقال إن للخليفة علي حق الطاعة وإِنها ستكون أمور وفتن فلا أحب أن أكون أول من فتحها ورد الناس وخرج عائدا إلى المدينة المنورة إمتثالا لأمر الخليفة وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قد شق عليه كون عثمان لم يقدمه على كتابة المصحف بعد أن دخلت العديد من الشعوب الغير عربية الإسلام وحدث لحن في قراءة القرآن الكريم فأراد الخليفة رضي الله عنه أن يوحد القراءات وامر بنسخ عدد 7 نسخ وتوزيعها على الأمصار الإسلامية وقدم في ذلك من يصلح أن يكون ولده وهو الصحابي الجليل زيد بن ثابت الأنصارى ولم يكن لذلك سببا إلا وجود إبن مسعود آنذاك في الكوفة ولأن زيدا كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن زيدا هو الذى ندبه الخليفة أبو بكر الصديق لكتابة المصحف وجمع القرآن وقد ورد أن إبن مسعود رضي وتابع عثمان ولما تولى الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه الخلافة وكان إبن مسعود قد توفاه الله قبل سنوات حدث أن إجتمع نفر من الصحابة عنده فقالوا له يا أمير المؤمنين ما رأينا رجلا كان أحسن خلقا ولا أرفق تعليما ولا أحسن مجالسة ولا أشد وَرَعا من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال الإمام علي رضي الله عنه ناشدتكم الله أهو صدق من قلوبكم فقالوا نعم فقال اللهم إني أشهدك اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا أو أفضل لقد قرأ القرآن الكريم فأحل حلاله وحرم حرامه فقيه في الدين عالم بالسنة وقد شهد العديد من الصحابة الكرام للصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعلو منزلته ومكانته من النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى حذيفة بن اليمان قول النبي إقتدوا باللذين من بعدى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإهتدوا بهدى عمار وتمسكوا بعهد إبن أم عبد كما قيل للصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه في مرض موته وقد أصابه الهم قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك فقال والله ما أدرى ما كان ذاك منه أحب أو كان يتألفني ولكن أشهد على رجلين أنه مات وهو يحبهما إبن أم عبد أى عبد الله بن مسعود وإبن سمية أى عمار بن ياسر .
وعلاوة على كل ماسبق كان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه شديد الورع وكان أشد ما يخشاه هو أن يحدث بشئ عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيغير شيئا أو حرفا ويقول في ذلك التابعي عمرو بن ميمون إختلفت الى عبد الله بن مسعود سنة ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه قال رسول الله فعلاه الكرب حتى رأيت العـرق يتحدر عن جبهته ثم قال مستدركا قريبا من هذا قال الرسول وقال علقة بن قيس كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقوم عشية كل خميس متحدثا فما سمعته في عشية منها يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة واحدة فنظرت إليه وهو معتمد على عصا فإذا عصاه ترتجف وتتزعزع وكان للصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قدرة كبيرة على التعبير والنظر بعمق للأمور فهو يقول عما نسميه نسبية الزمان إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه كما يقول عن العمل إني لأمقت الرجل إذ أراه فارغا ليس في شئ من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة ومن كلماته الجامعة خير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى وشر العمى عمى القلب وأعظم الخطايا الكذب وشر المكاسب الربا وشر المأكل مال اليتيم ومن يعف يعف الله عنه ومن يغفر يغفر الله له وكان من اقوال إبن مسعود رضي الله عنه لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسَادوا أهل زمانهم ولكنهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا عليهم وقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول من جعل الهموم هما واحدا همه المعاد كفاه الله سائر همومه ومن شعبته الهموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أى أوديتها هلك فكان رجلا عظيما واعظاً ذو حكمة ورأى سديد وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ولم يكن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى العلم بمن هو أكثر رواية للحديث والعلم ولكن كان يراه بمن هو أخشى وأتقى يرى الإنسان بأنه ضيف في الدنيا وماله أمانة عنده فالضيف إلى رحيل والأمانة إلى أصحابها والليل والنهار عنده ممر والأعمال إلى الله هي المفر والمزرع ولكل ما زرع فإن كان خيرا فهو خير وإن كان شر فهو شر وكان المتقون عنده أسياد والفقهاء عنده هم القادة وفي مجالستهم يكون الإيمان وكان أكثر ما يكره إبن مسعود رضي الله عنه الرجل التافه الفارغ ليس له عمل أو هم في الدنيا ولا عمل للآخرة ويرى في الصلاة قرع لباب الملك ومن أكثر قرع الباب كاد أن يفتح له وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضا قال والله الذى لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أُنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أُنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .
وقبل وفاته بفترة قصيرة مرض عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ويقول الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه دخلنا على عبد الله بن مسعود نعوده في مرضه فقلنا كيف أصبَحتَ أبا عبد الرحمن قال أصبحنا بنعمة الله إخوانا قلنا كيف تجدكَ يا أبا عبد الرحمن قال أجد قلبي مطمئن بالإيمان فقلنا له ما تشتكي أبا عبد الرحمن قال أشتكي ذنوبي و خطاياى قلنا ما تشتهي شيئا قال أشتهي مغفرة الله ورضوان قلنا ألا ندعو لك طبيبا قال الطبيب أمرضني وفي رواية أخرى الطبيب أنزل بي ما ترون ثم بكى عبد الله وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد إذا مرض يقول الرب تبارك وتعالى عبدى في وثاقي فإن كان نزل به المرض في فترة منه قال إكتبوا له من الأمر ما كان في فترته فأنا أبكي أنه نزل بي المرض في فترة ولوددتُ أنه كان في إجتهاد مني وزاره الخليفة عثمان وقال له ماذا تشتهي قال رحمة ربي فقال له الخليفة إن لك ثلاث بنات فسنأمر لك بعطاء فقال إبن مسعود رضي الله عنه لا حاجة لهم في عطاءك يا أمير المؤمنين فقال له عثمان رضي الله عنه وكيف وهم بغير زواج فقال إبن مسعود لقد تركت فيهم ما هو خير من عطائك يا أمير المؤمنين لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لا تصيبه فاقة أبدا فعلمتها لهن يقرأنها كل ليلة فلم أخاف عليهن وأطلب لهن المال وقد ترك لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو خير من المال ولما أحس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بدنو أجله دعا إبنه وقال له يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود إني موصيك بخمس خصال فإحفظهن عني أظهر اليأس للناس فإن ذلك غنى فاضل ودع مطلب الحاجات إلى الناس فإن ذلك فقر حاضر ودع ما يعتذر منه من الأمور ولا تعمل به وإن إستطعت ألا يأتي عليك يوم إلا وأنت خير منك بالأمس فإفعل وإذا صليت صلاة فصل ِصلاة مودع كأنك لا تصلي صلاة بعدها وأخيرا كانت وفاته رضي الله عنه على الأرجح في عام 32 هجرية في أواخر عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن عمر يناهز الثلاثة والستين عاما وصلى عليه الخليفة والزبير بن العوام رضي الله عنهما ودفن بالبقيع وذلك بعد أن قضى عمرا مباركا ساهم فيه بالعلم الغزير والفقه الواضح في بناء صرح متين للدين وللقراءة الغضة التي خلدت إسمه وجعلت الأجيال تتغني بسيرته إلى يوم الدين وتقتدى أثره بالقرآن الكريم فلم يكن صاحب مال ولا جاه لكن الإسلام منحه التقوى لما دخل الإيمان قلبه وإستغنى بالله عن الدنيا فكانت إرادته وعزيمته القوية التي ساهمت في تغيير مجرى التاريخ وتقربه من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومن ثم إستحق أن يذكره التاريخ ويصبح رمزا من رموز الصحابة الكرام وألا يدركه رضي الله عنه أحد في علمه وفقهه وورعه رحم الله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
|