الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أبو قتادة الأنصارى

أبو قتادة الأنصارى
عدد : 12-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

أبو قتادة الحارث بن ربعي بن بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة بن علي بن أَسد بن ساردة بن يزِيد بن جشم بن الخزرَج الأنصارى السلمي الخزرجي المدني رضي الله عنه صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان واحدا من رجال الأنصار الذين إمتلأت قلوبهم بالإيمان وعرف عنهم الصبر والشجاعة وقوة الإيمان ومن الشخصيات الذين يشهد تاريخ الإسلام لهم بأنهم أخلصوا لله الواحد القهار وعاشوا وخلدهم إيمانهم ومواقفهم القوية دفاعا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها ومن ثم فقد تركت هذه الشخصيات أثرا كبيرا محفوظا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق ففاحت عطور فضائلهم وعبقت في ديار الإسلام حيث إجتمعت فيه العديد من صفات البر والصلاح والزهد والعبادة وإمتاز بالكرم والجود والسخاء والعفو والتسامح وسار في درب السعداء وهو ينتمي إلى بني سلمة وهم أحد أكبر بطون قبيلة الخزرج الأزدية القحطانية وكان موطنهم شمال المدينة المنورة غرب جبل سلع وكانت فيه حصونهم والتي كان لها أهمية بالغة في حماية الحدود الشمالية للمدينة المنورة وكانت قبيلة الخزرج إحدى القبائل العربية الرئيسية في المدينة المنورة وكانت القبيلة الأخرى هي قبيلة الأوس وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين وشكلت القبيلتان الأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكان من أشهر رجال قبيلة الخزرج غير الصحابي الجليل أبو قتادة الأنصارى الصحابة الكرام سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج وإبنه قيس بن سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وعمرو بن الجموح وأبو الدرداء وعبد الله بن عمرو بن حرام وإبنه راوى الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم جميعا وكان ميلاد الصحابي أبي قتادة الأنصارى رضي الله عنه في العام السادس عشر قبل الهجرة بالمدينة المنورة وأسلم مبكرا وهناك إختلاف في أنه قد شهد غزوة بدر في شهر رمضان عام 2 هجرية فهناك من قال بأنه قد شهدها وهناك من قال إنه لم يشهدها أما غزوة أحد والتي وقعت في شهر شوال عام 3 هجرية فقد شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ممن ثبتوا في هذا اليوم حول الرسول صلى الله عليه وسلم حتي أنه أراد الهجوم بمفرده على فرسان قريش عندما غضب لما أصاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم من حزن كبير في هذه الغزوة بسبب تصرفات الأعداء وسلوكهم وتمثيلهم بشهداء الإسلام إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك ودعاه إلى التؤدة والحلم وبعد ذلك شهد غزوة الخندق أو الأحزاب في شهر شوال عام 5 هجرية وغزوة بني قريظة في شهر ذى القعدة من نفس العام وإشتهر بلقب فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الرسول قد شهد له بذلك حيث قال خير فرساننا أبو قتادة حيث كان أبو قتادة رضي الله عنه في الغزوات المذكورة وما تلاها فارسا شجاعا ومحاربا فذا لا يخاف ولا يهاب الموت ويرى في الإستشهاد النعمة الكبرى والفوز العظيم .

وفي شهر شعبان عام 6 هجرية شهد أبو قتادة رضي الله عنه غزوة الغابة أو ذى قرد وهو شعب به ماء يقع قرب المدينة المنورة وكانت هذه الغزوة صورة من صور العداء القبلي للمسلمين فمنذ أن إصطفى الله رسوله الكريم من قريش ومضر كانتا ما زالت العصبية القبلية الجاهلية تشتعل في قلوب جفاة العرب وأعرابهم من ربيعة وغطفان وغيرهما من القبائل العربية التي كانت تأمل أن تنال هذا الشرف لفهمها الخاطئ للنبوة التي هي محض إصطفاء وإختيار من الله عز وجل لذلك كانت هذه القبائل دائمة العداء والمجاهرة بالسوء للمسلمين ورسولهم وتكررت إعتداءاتهم على المسلمين وكانت هذه القبائل آخر العرب إسلاما ومنها من إرتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وكانت غزوة الغابة أو ذى قرد بين عدد 500 إلى 700 من قوات المسلمين بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم طاردوا خلالها 40 راكبا كان على رأسهم سيد ذبيان عيينة بن حصن الفزارى وهو الملقب بالأحمق المطاع الذين أغاروا في خيل من غطفان على حدود المدينة في منطقة يقال لها الغابة أو ذى قرد ترعى فيها لقاح النبي صلى الله عليه وسلم أى حوامل الإبل ذات اللبن فوجد بها إبن للصحابي أبي ذر الغفارى رضي الله عنه وإمرأته وراعي الإبل فقتلوا راعي الإبل والغفارى وأخذوا إمرأته وقتلوا حارسها وإحتملوا إمرأته مع الإبل وفروا نحو أرض نجد فرأى ذلك غلام للصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فدخل المدينة مسرعا ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك قبل أذان الفجر بوقت قصير فكان أول من صادفه الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فأخبره بالأمر فقام سلمة على جبل تجاه المدينة ونادى بأعلى صوته يا صباحاه ثلاث مرات فأسمع أهل المدينة كلهم ثم إنطلق وحده مسرعا خلف العدو ومعه سيفه ونبله وهم بالمئات وهو وحده على قدميه وكان أسرع العرب حتى أنه كان يسبق الخيل على قدميه حتى وصل خلف العدو وإرتجز قائلا أنا إبن الأكوع واليوم يوم الرضع وأخذ يرميهم بالسهام فإذا أرادوا الرجوع إليه فر هاربا بسرعة لا يدركه أحد وإذا عادوا عاد ورائهم بسرعة يرميهم بالسهام وصعد على ثنية جبل وهم يسقون إبلهم فرماهم بالحجارة فلقوا منه شدة ودخلهم خوف عظيم من هذا السبع الضارى حتى إنهم تخففوا من غنائمهم التي نهبوها فألقوا ثلاثين رمحا وثلاثين بردة حتى أمضوا في الهرب وظنوا أنهم قد نجوا منه فجلسوا يستريحون وكان الوقت ضحى فإذا بالسبع يطلع عليهم من رأس جبل فإرتاعوا لما رأوه وقال لهم عيينة بن حصن لولا أن هذا الرجل وراءه طلبا ما ترككم ليقم إليه نفر منكم فقام إليه أربعة رجال فقال لهم إبن الأكوع أتعرفونني أنا إبن الأكوع والذى كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني ولا أطلبه فيفوتني فخافوا منه ورجعوا عنه .


وعلى الطرف الآخر عندما نادى سلمة في أهل المدينة سمع النبي صراخه فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنتهى إليه ثمانية فرسان منهم المقداد بن عمرو وأبو قتادة ومحرز بن نضلة الملقب بالأخرم وغيرهم رضي الله عنهم جميعا فأمر عليهم سعد بن زيد رضي الله عنه وأمرهم باللحاق بالعدو على أن يلحق بهم النبي صلى الله عليه وسلم مع باقي الناس فإنطلقت كتيبة الفرسان حتى أدركوا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وهو يرمي الناس بالنبل فكان أول الفرسان وصولا للعدو الأخرم رضي الله عنه وعلى أثره أبو قتادة رضي الله عنه فارس الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ سلمة بن الأكوع بزمام فرس الأخرم وقال له يا أخرم إحذر القوم فإني أخاف أن يقتطعوك فإنتظر حتى يلحق بك الناس فقال الأخرم رضي الله عنه يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة فخليت فرسه فإنطلق فلقيه حبيب بن عيينة فقتله وكان قبل ذلك بيوم قد رأى رؤيا أن السماء قد إنفتحت حتى السماء السابعة وقيل له هذه منزلتك فقصها على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان أعبر الناس للرؤيا فقال له يا أخرم تموت شهيدا بإذن الله لذلك قال ما قال لسلمة ولحق أبو قتادة بحبيب بن عيينة فقتله وتلاحق الفرسان المسلمون فقتل الصحابي عكاشة بن محصن رضي الله عنه أوبارا الفزارى وولده عمرا بضربة رمح واحدة وهما على بعير واحد وتلاحق الناس مع النبي وإنطلق أبو قتادة في مقدمة الناس فإلتقى مع مسعدة الفزارى وكان ابو قتادة قد لقيه قبل ذلك في سوق المدينة وهو يشتري فرسه الذى يركب عليه فقال له مسعدة وهو مشرك ما هذا الفرس فقال أبو قتادة فرس أردت أن أربطها مع رسول الله فقال مسعدة ما أهون قتلكم وأشد جرأتكم فقال أبو قتادة أما إني أسأل الله أن ألقينك وأنا عليها فقال مسعدة آمين فإلتقى أبو قتادة مع مسعدة بالفعل هاهنا فقتله أبو قتادة بيديه ووضع عليه بردة حتى يعرف الناس أنه قتيله فلما تلاحق الناس ورأوه إسترجعوا وظنوا أنه أبو قتادة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة ووضع عليه بردة لتعرفوا أنه صاحبه ودعا له النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقال اللهم بارك له في شعره وبشره ونفله سلاح وفرس مسعدة وقال له ‬بارك الله لك فيه ولاحظ النبي أن هناك جرح في وجه أبي قتادة فقال له ‬فما هو الذى‮ ‬بوجهك ‬فقال ‬سهم رميت به‮ ‬قال‮ فإدن مني ‬فبصق عليه‮ ‬فما فشفي الجرح ‬بإذن الله فما آلمه ولا فسد مكانه وتكامل الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا على ذى قرد فمكثوا فيها يوما وليلة وجاء سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لإستنفذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ملكت فأسجح إنهم الآن ليغبقون في غطفان أى يتعشون وعاد النبي مع القوم إلى المدينة المنورة وقال في هذه المعركة وسام تكريم لبطلي المعركة خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع وأعطى سلمة سهم الفارس والراجل جميعا وكان قد أردفه خلفه على بعيره عند الدخول للمدينة المنورة تكريما له .


وبعد هذه الغزوة بأشهر قليلة شهد الصحابي أبو قتادة رضي الله عنه بيعة الر ضوان وصلح الحديبية في شهر ذي القعدة عام 6 هجرية ثم شهد غزوة خيبر في شهر المحرم عام 7 هجرية ثم عمرة القضاء في شهر ذى القعدة من العام نفسه وفي شهر شعبان من العام الثامن للهجرة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في سرية ومعه 15 رجلا تسمى سرية خضرة بأرض إقليم نجد بوسط شبه الجزيرة العربية وكان الهدف من هذه السرية مواجهة قبيلة غطفان التي كانت قد حشدت حشدا بأرض محارب بنجد بهدف الإغارة على المدينة المنورة ومن جانب آخر قصد النبي صلى الله عليه وسلم إظهار المنعة أمام الأعراب والمشركين ممن تربصوا برسول الله والمسلمين في تلك الفترة وأغضبهم السرايا المتلاحقة الناجحة التي يشنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسار أبو قتادة رضي الله عنه ومعه رجال سريته كعادة البعوث التي كان يرسلها الرسول ضد القبائل ليلا وكمن نهارا وباغت عددا كبيرا منهم وقاتل أبو قتادة منهم رجالا وساق النعم والسبايا وجاء أن أبا قتادة رضي الله عنه خطب في أصحابه المجاهدين واوصاهم بتقوى الله عز وجل وجعل كل رجلين سويا لا يتفارقان إلا إن قتل أحدهما وأمرهم بالتكبير إن كبر والحمل على المشركين إن فعل أى أن يحذوا حذوه وتأسى بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم في عدم الإمعان بطلب العدو إن فر من أرض المعركة وعدم قتل النساء والصبية ومما يذكر أنه قبل خروج هذه السرية أن عبد الله بن حدرد رضي الله عنه أحد من شاركوا في هذه السرية قد أمعن في طلب رجل سخر من المسلمين وجرد سيفه وقال لهم مستفزا مشاعرهم هلموا إلى الجنة أى بملاحقته وقتله فأمعن في طلبه وقتله رميا بالنبل ولامه أمير السرية حتى أخبره الأخير بما كان من هذا الرجل وكانت غنيمة المسلمين 200 بعير ومن الغنم 2000 شاة وتم عزل الخمس كما أمر الله تعالى وتم توزيع الباقي على من حضر السرية وفي أوائل رمضان من نفس العام 8 هجرية وقبل فتح مكة مباشرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في سرية أخرى ومعه حوالي ثمانية من الصحابة صوب بطن وادى إضم وهو وادى يربط المدينة المنورة بوادى القرى في شمالها يسمى إضم ويقع بين ذى الخشب وذى المروة من جبال الجزيرة العربية بهدف تضليل المشركين عن الهدف الرئيسي الذى يقصده المسلمون وهو فتح مكة ليظن المشركون أن وجهتهم ستكون إلى هناك ويتمكنوا بعدها من التوجه نحو مكة فاتحين ويفاجئون مشركيها بقدومهم وكان من أحداث هذه السرية أنه مر بالمسلمين رجل من بني سليم وهم في الطريق يسوق رعيه في الصحراء يسمى عامر الأشجعي وألقى عليهم تحية الإسلام فما كان من أحد المسلمين المشاركين في السرية وهو محلم بن جثامة إلا أن قتله وسلب رعيه وكان عامر قد أسلم بالفعل ولم يكن أحد يعلم بذلك فقتله محلم ظنا منه أنه ألقى السلام إتقاءا للقتل لا أكثر وكأنه شق عن قلبه ولما عادت السرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم بما حدث غضب أشد الغضب ونزل قول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً وندم الصحابي محلم بن جثامة أشد الندم وعرض النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القتيل قبول الفداء وكانوا مصرين على إدخال الحزن على نساء القاتل دما بدم وبعد جولة من المفاوضات قبلوا بالفداء .


وقد حققت هذه السرية هدفها بنجاح بالتمويه على المشركين وصرفت أعيتهم عن الهدف الحقيقي الذى يخطط له النبي صلى الله عليه وسلم وهو فتح مكة وبالفعل فبعد أيام قلائل بدأ جيش المسلمين زحفه نحو مكة لفتحها وكان أبو قتادة ضمن لواء الأنصار في جيش الفتح ولم يفصح الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية عن وجهته حتى إقترب الجيش من مكة فعلم الصحابة أن الهدف هو فتح مكة فكانت المفاجأة الكبرى التي وقعت على رؤوس مشركيها عندما فوجئوا بجيش المسلمين الذى كان قوامه عشرة آلاف مقاتل فإستسلموا ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا بغير قتال وهدمت الأصنام التي كانت حول الكعبة المشرفة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح بأن يصعد فوق سطح الكعبة ويؤذن للصلاة لأول مرة في مكة فخلع بلال لباس الحرب وصعد فوق الكعبة وقام برفع الآذان نداء الحق وعفا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهلها الذين كذبوه وآذوه وأخرجوه منها بعد أن جمعهم وسألهم ما تظنون أني فاعل بكم فقالوا خيرا أخ كريم وإبن أخ كريم فقال لهم لا تثريب عليكم اليوم إذهبوا فأنتم الطلقاء وبعد فتح مكة شهد أبو قتادة رضي الله عنه غزوة حنين في شهر شوال عام 8 هجرية وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم لما حاقت الهزيمة بالمسلمين أول الأمر مع نفر من الصحابة وإستطاع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفئة الصغيرة الباسلة أن يحول هزيمة أصحابه إلى نصر وأن يحمي المسلمين الفارين من أن يفتك بهم المشركون وذلك بعد أن طلب من عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه الذى ثبت معه أن ينادى عليهم ويذكرهم بيوم بدر ويوم بيعة الرضوان وغيرها من المشاهد وأخذ يحثو التراب في وجوه المشركين وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا إبن عبد المطلب وفي النهاية تحقق النصر للمسلمين وبعد حنين شهد أبو قتادة حصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام الثامن الهجرى وفي شهر رجب عام 9 هجرية شهد أبو قتادة مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك وقد أورد الطبرى في تفسيره قصة كعب بن مالك رضي الله عنه عندما تخلف عن رسول الله في هذه الغزوة وما نزل عليه من البلوى التي محص الله بها إيمانه فتاب عليه سبحانه وعلى صاحبيه وفي صِلة القصة بأبي قتادة قال كعب حتى لما طالت جفوة المسلمين لي مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو إبن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله فسكت قال فعدت فناشدته فسكت فعدت وناشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناى وتوليت حتى تسورت الجدار وتدلنا هذه القصة على أن أبا قتادة رضي الله عنه قد قدم طاعة الله ورسوله بنهيه عدم الحديث مع كعب وزميليه اللذين تخلفا عن غزوة تبوك الصحابيين مرارة بن ربيع وهلال بن أبي أمية حتى يأذن الله في أمرهم بما يشاء على صلة القربى ولم يخالف المناشدة ففوض الأمر لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم ما قد يكون خامر قلب كعب بعدما كان من أمره ما كان وهذا من الورع وحسن الإستجابة والإمتثال لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم جميعا .


وبعيدا عن ميادين الحرب والجهاد كان للصحابي الجليل أبي قتادة الأنصارى عدة مواقف مع النبي صلى الله عليه وسلم منها ما قاله أبو قتادة رضي الله عنه قال ‬خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬فقال ‬إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم‮ ‬وتأتون الماء إن شاء الله‮ ‬غدا ‬فإنطلق الناس لا‮ ‬يلوى‮ ‬أحد على أحد‮ ‬قال أبو قتاد‮ة ‬فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يسير حتى إبهار الليل أي‮ ‬مضى نصف الليل وأنا إلى جنبه‮ ‬قال‮ ‬فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬فمال عن راحلته‮ ‬فأتيته فدعمته من‮ ‬غير أن أوقظه حتى إعتدل على راحلته‮ ‬قال ‬ثم سار حتى تهور الليل ‬يعني‮ ‬أدبر وإنهدم وذهب أكثره مال عن راحلته‮ ‬قال‮ ‬فدعمته من‮ ‬غير أن أوقظه حتى إعتدل على راحلته‮ ‬قال ‬ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر‮ ‬مال ميلة هي‮ ‬أشد من الميلتين الأوليين‮ ‬حتى كاد‮ ‬ينجفل أى‮ ‬ينقلب ويسقط فأتيته فدعمته‮ ‬فرفع رأسه‮ ‬فقال من هذا ‬قلت ‬أبو قتادة‮ ‬قال‮ متى كان هذا مسيرك مني ‬قلت‮ ‬ما زال هذا مسيرى‮ ‬منذ الليلة‮ ‬قال حفظك الله بما حفظت به نبيه‮ ‬ثم قال‮ هل ترانا نخفى على الناس‮ ‬ثم قال هل ترى من أحد قلت‮ ‬هذا راكب‮ ‬ثم قلت‮ ‬هذا راكب آخر‮ ‬حتى إجتمعنا فكنا سبعة ركاب‮ ‬قال ‬فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق‮ ‬فوضع رأسه‮ ‬ثم قال‮ إحفظوا علينا صلاتنا‮ ‬فكان أول من إستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في‮ ‬ظهره‮ ‬قال‮ ‬فقمنا فزعين ‬ثم قال‮ إركبوا‮ ‬فركبنا فسرنا حتى إذا إرتفعت الشمس نزل‮ ‬ثم دعا بميضأة كانت معي‮ ‬فيها شئ من ماء‮ ‬قال‮ ‬فتوضأ منها وضوءا دون وضوء‮ ‬قال ‬وبقي‮ ‬فيها شئ من ماء‮ ‬ثم قال لأبي‮ ‬قتادة رضي الله عنه إحفظ علينا ميضأتك‮ ‬فسيكون لها نبأ‮ ‬ثم إن النبي‮ صلى الله عليه وسلم ‬دعا له اللهم بارك له في‮ ‬شعره وبشره‮ ‬أفلح وجهك فمات أبو قتادة رضي الله عنه وهو إبن سبعين عاما وكأنه إبن خمس عشرة عاما فرضي‮ ‬الله عن أبي‮ ‬قتادة وأرضاه لحفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من مواقف أبي قتادة أيضا مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما خرج في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية لأداء العمرة ومعه 1400 من الصحابة فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة رضي الله عنه فقال خذوا ساحل البحر حتى نلتقي فأخذوا ساحل البحر فلما إنصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة رضي الله عنه لم يحرم فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فنزلوا فأكلوا من لحمها وقالوا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحم الأتان فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله إنا كنا أحرمنا وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة رضي الله عنه فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها .

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وحدثت فتنة الردة شارك الصحابي أبو قتادة رضي الله عنه مع جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه الذى كان مكلفا بالتوجه نحو قبيلة أسد لقمع فتنة هذه القبيلة والتي كان يتزعمها طليحة بن خويلد الأسدى وبعد الإنتصار عليه في معركة البزاخة وفرار طليحة إلى الشام كانت المهمة التالية لجيش خالد بن الوليد هي مواجهة ردة بني تميم بالبطاح والتي كان يقودها مالك بن نويرة والذى كان قد إستعمله النبي صلى الله عليه وسلم عندما أسلم على صدقات قومه وظل كذلك إلى أن مات النبي وهنا إضطرب أمره ولم يواظب على ما تعهد به حيث توقف عن إيتاء الزكاة وإتبع سبيل سجاح التميمية التي إدعت النبوة وذلك وفقا لبعض الروايات وعندما علم مالك بقدوم خالد بن الوليد وجيشه إليه أدرك أنه لا قبل له بخالد وجيشه فآثر السلامة وإنطلق إلى خالد يحادثه بشأن إمتناعه عن إيتاء الزكاة فما كان من خالد إلا أن أخبره أنه إذا إمتنع عن ذلك الأمر قتله فقال له مالك أتقتل رجلا يقيم الصلاة فأجابه خالد أما علمت بأن الصلاة والزكاة معا لا تقبل واحدة دون أخرى فقال مالك ما كان صاحبك يقصد النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول ذلك فقال خالد وما تراه صاحبك والله هممت أن أضرب عنقك وتجادلا معا حتى قال له خالد إني قاتلك ثم أمر ضرار بن الأزور بضرب عنقه وتكلم أبو قتادة رضي الله عنه مع خالد رضي الله عنه فيما صنع وتقاولا في ذلك وغضب أبو قتادة أشد الغضب وترك خالد وقفل عائدا إلى المدينة المنورة وشكا خالد إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فغضب عليه أبو بكر لتركه الجيش والعودة للمدينة وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تكلم عن خالد مع أبي قتادة وقال للصديق إعزله فإن في سيفه رهقا فقال أبو بكر والله لا أشيم سيفا سله الله على الكفار وكلمه في أمر أبي قتادة فلم يرض إلا أن يعود إلى خالد ويقيم معه فعاد إليه ولم يزل معه حتى قدم خالد المدينة بعد أن إستدعاه الخليفة ليناقشه ويستجوبه في أمر قتله لمالك بن نويرة وفسر خالد بن الوليد الأمر لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقبل منه الصديق رضي الله عنه وأعاده أميرا على الجيش مرة أخرى بعد أن قام بما أمره رضي الله عنه في حرب قبيلة أسد ثم قبيلة بني تميم وإنتصر في المعركتين إنتصارا ساحقا وجاء متمم بن نويرة شقيق مالك فجعل يشكو إلى الصديق خالدا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يساعده وينشد أبا بكر الصديق رضي الله عنه ما قال في أخيه من المراثي فوداه الصديق رضي الله عنه من عنده وقال في شأن خالد بن الوليد لقد تأول فأخطأ وإنتهى الأمر على ذلك وجدير بالذكر أنه قد رويت العديد من الروايات في هذا الأمر وبالطبع لا يمكننا أن نحكم على مدى صحتها وما نستطيع قوله هو أن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد إعتبر ان خالد رضي الله عنه قد قتل مالك نويرة بتأويل أنه قد رآه مرتدا وأنه قد فرق بين الصلاة والزكاة ولما بدأت حروب الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإستمرت في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه شارك الصحابي أبو قتادة الأنصارى رضي الله عنه في فتوحات بلاد فارس وفي إحدى المعارك بين جيوش المسلمين والفرس قتل أحد قادة الفرس الكبار وكان عليه منطقة قدرت قيمتها بخمسة عشر ألفا فنفله إياها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولما قامت في أواخر عام 35 هجرية فتنة مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان صحب أبو قتادة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا والذى إستعمله لفترة على مكة ثم عزله وولى قثم بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما كما شهد مع الإمام علي رضي الله عنه معاركه كلها الجمل وصفين والنهروان حيث كان من جملة فرسانه المرافقين والملازمين له ‮.‬


وقد حظي الصحابي الجليل أبو قتادة الأنصارى رضي الله عنه أيضا بشرف رواية الحديث النبوى الشريف حيث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كما روى عنه كل من أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام وعطاء بن يسار وعلي بن رباح اللخمي وعبد الله بن رباح الأنصارى وعمرو بن سليم الزرقي وعبد الله بن معبد الزماني ومعبد بن كعب بن مالك وإبناه عبد الله بن أبي قتادة وثابت بن أبي قتادة ومولاه أبو محمد نافع الأقرع وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعبد الرحمن بن كعب بن مالك وإياس بن حرملة الشيباني وعامر بن سعد البجلي ومحمد بن عمرو بن عطاء وسعيد بن كعب بن نافع ومحمد بن سيرين ومحمد بن المنكدر وأبو سعيد الخدرى ومغيث بن أبي مغيث مولى أسماء بنت أبي بكر وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ويحيى بن النضر الأنصاري وكبشة بنت كعب بن مالك زوجة إبنه عبد الله وكان مما رواه أبو قتادة ر ضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه وأيضا عن أبي قتادة الأنصارى رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية وسئل عن صوم يوم الإثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل علي فيه وعن أبي قتادة الأنصارى رضي الله عنه أيضا قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرس بليل أى نزل للنوم والراحة ليلا إضطجع على يمينه وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه أى مد يده ووضع رأسه على كفه وأخيرا فقد كانت وفاة الصحابي الجليل أبي قتادة الأنصارى رضي الله عنه على الأرجح في المدينة المنورة عام 54 هجرية في عهد الحليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن عمر يناهز السبعين عاما وترك من الولد عبد الله وعبد الرحمن وثابت وعبيد وأم البنين وأم أبان رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
 
 
الصور :