بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عبد الله بن أنيس الجهني الأنصارى والمكنى بأبي يحيي صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت نشأته في المدينة المنورة حليفا لبني سلمة أحد أكبر بطون قبيلة الخزرج الأزدية القحطانية وكان موطنهم شمال المدينة المنورة غرب جبل سلع وكانت فيه حصونهم والتي كان لها أهمية بالغة في حماية الحدود الشمالية للمدينة المنورة وكانت قبيلة الخزرج إحدى القبائل العربية الرئيسية في المدينة المنورة وكانت القبيلة الأخرى هي قبيلة الأوس وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين وشكلت القبيلتان الأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكان من أشهر رجال قبيلة الخزرج غير الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس الأنصارى الصحابة الكرام سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج وإبنه قيس بن سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وعمرو بن الجموح وأبو الدرداء وعبد الله بن عمرو بن حرام وإبنه راوى الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم جميعا وكان عبد الله بن أنيس واحدا من رجال الأنصار الذين إمتلأت قلوبهم بالإيمان وعرف عنهم الصبر والشجاعة وقوة الإيمان ومن الشخصيات الذين يشهد تاريخ الإسلام لهم بأنهم أخلصوا لله الواحد القهار وعاشوا وخلدهم إيمانهم ومواقفهم القوية دفاعا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها ومن ثم فقد تركت هذه الشخصيات أثرا كبيرا محفوظا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق ففاحت عطور فضائلهم وعبقت في ديار الإسلام حيث إجتمعت فيه العديد من صفات البر والصلاح والزهد والعبادة وإمتاز بالكرم والجود والسخاء والعفو والتسامح وسار في درب السعداء وغير معلوم لدينا مكان وتاريخ ميلاد الصحابي عبد الله بن أنيس مثلما هو الحال مع الكثير من الصحابة والصحابيات وإن كان من المؤكد أنه ولد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقبل هجرته إل ى المدينة المنورة ولا نعلم عن فترة ما قبل إسلامه غير أنه نشأ بالمدينة المنورة حليفا لبني سلمة كما أسلفنا وقد أكرمه الله بالسبق إلى الإسلام فكان ممن آمن على أيدى من بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى وسرعان ما إنضم إلى صفوف الدعاة في المدينة المنورة فأخذ يدعو الناس وينصحهم حتى إذا جاء موسم الحج خرج مع قومه إلى مكة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية على نصرة الله ونصرة رسوله وما إن عاد إلى المدينة حتى بدأ بالعمل فخرج مع بعض أصحابه كان منهم الصحابيان الجليلان معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة رضي الله عنهما إلى أصنام بني سلمة وحطموها وهو أمر إلهي واجب التفاذ وسنة نبوية محققة سار عليها النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم من بعده وعندما رأى بنو سلمة أوثانهم محطمة خافوا أن تنتقم منهم لكن الأيام مرت بسلام فأدركوا أن هذه الأوثان لا تضر ولا تنفع فأخذوا يدخلون في دين الله أفواجا وبعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وبعد أن إستقر فيها وتم بناء المسجد النبوى الشريف الذى أصبح مكان إلتقاء المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم لكي يتعلموا منه أمور دينهم وأيضا مكان إلتقاءهم ببعضهم البعض والذى من شأنه تقوية الأواصر بينهم أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من ديارهم التي كانت بعيدة في أطراف المدينة المنورة حتى يكونوا قرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يدركوا الصلوات معه ويتلقوا من علمه فبلغ ذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ترك ديارهم وقال لهم ديارَكم تكتب آثاركم والمعنى هو أن إلزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد وفزتم بأكبر ثواب فإستقروا في ديارهم بعد أن علموا أن خطاهم محسوبة لهم فسروا وفرحوا بذلك فرحا شديدا وندموا أن فكروا في التحول وقالوا في أنفسهم وللناس لو أنا تحولنا ما كنا مسرورين بهذا التحول .
وهناك خلاف على أن الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس قد شهد غزوة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم والتي وقعت في شهر رمضان عام 2 هجرية لكنه شهد معه بعد ذلك في العام التالي 3 هجرية غزوة أحد في شهر شوال من العام المذكور وفي شهر المحرم من السنة الرابعة للهجرة بلغ مسامعَ المسلمين أن خالد بن سفيان زعيم قبيلة هذيل يعد العدة لغزو المدينة المنورة ويجمع الجموع في مكان قريب من المدينة يدعى نخلة وكانت هذه القبيلة قبيلة عربية كبيرة من قبائل العرب المضريه العدنانية وكانت ديارهم بالحجاز وتهامة غرب الجزيرة العربية وكان لهم إمتداد في إقليم نجد بوسط شبه الجزيرة العربية وبرز منهم فرسان وشعراء في الجاهلية وبرز منهم إثنان في بداية الدعوة الإسلامية وكانا من السباقين إلى الإسلام أولهما سادس من دخل الإسلام من الرجال وأول من جهر بالقران الكريم في مكة المكرمة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وثانيهما شقيقه الصحابي الجليل عتبة بن مسعود رضي الله عنه وفي هذا التوقيت الذى أعقب كبوة المسلمين في غزوة أحد كان لهذه الكبوة أثر كبير في إضعاف هيبة المسلمين في نفوس أعدائهم وظهور الشماتة من اليهود والمشركين والمنافقين ومن قبائل الجزيرة العربية المعادية للإسلام ومن ثم طمعت العديد من القبائل في الجزيرة العربية في المدينة المنورة وفي المسلمين وتعرضوا لهم في بعض المواضع فيما عرف بحادثة يوم الرجيع التي قتل فيها حوالي عشرة من الصحابة وحادثة بئر معونة التي قتل فيها حوالي سبعون من الصحابة وذلك ظنا من أعداء الإسلام أن المسلمين قد إنكسرت شوكتهم فكان لابد من إظهار القوة لتلك القبائل وتأديبهم وإستعادة الهيبة ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجموع المشار إليها في السطور السابقة تجتمع حول خالد بن سفيان فإذا قتل خالد تفرق الجمع وإنتهى الأمر وفكر فيمن ينتدبه لهذه المهمة فإستدعى عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه وأجلسه بجانبه وقال له إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان يجمع لي الناس ليغزوني وهو بنخلة فإئته وإقتله لكي يلحق بأبي جهل وعتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وولده الوليد وأمية بن خلف وأخوه أبي وعقبة بن أبي معيط وغيرهم من أكابر المجرمين فقال صفه لي يا رسول الله حتى أعرفه فقال آيةُ ما بينك وبينه أنك إذا رأيته هبته وفرقت منه ووجدت له قشعريرة وأدرك الجندى أمر قائده لكن كيف الوصول إلى عدو الله خالد بن سفيان الهذلي والإقتراب منه لقتله فقال عبد الله رضي الله عنه يا رسول الله لابد لي في مهمتي هذه أن أخدع الرجل ببعض الكلام حتى أتمكن منه فأشار له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما بدا له فالحرب خدعة وإنطلق عبد الله رضي الله عنه إلى أداء مهمته حتى وصل نخلة فوجد خالد بن سفيان مع بعض نسائه يختار لهن منزلا قال فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة وكان قد حان وقت صلاة العصر فصليت وأنا أمشي نحوه أُومئ برأسي للركوع والسجود فلما وصلت إليه قال منِ الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لهذا قال أجل أنا في ذلك قال عبد الله رضي الله عنه فمشيت معه شيئا حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف حتى قتلته فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني قال أفلح الوجه قلت قتلته يا رسول الله قال صدقت وأعطاني عصاه وقال أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أنيس فقلت يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا قال آية بيني وبينك يوم القيامة فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه وأوصى بأن تدفن معه عندما يحين أجله وبالفعل فقد ضمت معه في كفنه ودفنت معه .
وفي شهر شوال من العام الخامس للهجرة شهد الصحابي عبد الله بن أنيس رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق وفي شهر ذي القعدة من نفس العام شهد غزوة بني قريظة وبداية من العام السادس الهجرى إتبع النبي صلى الله عليه وسلم إستراتيجية جديدة في التعامل مع أعداء الإسلام من القبائل المعادية للإسلام واليهود والمنافقين ترتكز على الضربات الإستباقية لأى مؤامرة تحاك ضد الإسلام والمسلمين ولأى تجمع يستهدف غزو المدينة المنورة ومن ثم ففي العام المذكور أخرج النبي صلى الله عليه وسلم عدد ٢٠ حملة عسكرية كاملة بما يعني حملة عسكرية كل 20 يوم كان منها عدد ١٧ سرية بقيادة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وعدد ٣ غزوات بقيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم وكان من هذه السرايا السرية التي توجهت إلى خيبر من أجل قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق ملك يهود بني النضير الذين طردوا من المدينة بعد غزوة أحد فرحلوا إلى خيبر فمنذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ووضع اللبنة الأولى للدولة الإسلامية ما لبث اليهود أن كشروا عن أنيابهم وأخذوا يكيدون للإسلام وأهله وكان أبو رافع هذا من أشد الناس عداوة لله ورسوله فقد أخذ يحرض على قتل النبي صلى الله عليه وسلم ويحث الأعراب على غزو المدينة ونهبها ويوفد الوفود للقبائل يدعوها للتحالف مع اليهود للإنقضاض على المسلمين فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عدو الله أبا رافع يستحق الموت جزاء ما يفعل فتطوع لأداء هذه المهمة جماعة من الخز رج حيث كانوا يودون أداء هذه المهمة بعد أن قام إخوانهم من الأوس بتنفيذ مهمة فدائية مماثلة عندما قتلوا عدو الله كعب بن الأشرف حليف بني النضير بالمدينة المنورة وكان في المجموعة التي تطوعت لقتل عدو الله أبي رافع عبد الله بن أُنيس ومسعود بن سنان وأبو قتادة وخزاعي بن أسود رضي الله عنهم جميعا وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي عبد الله بن عتيك رضي الله عنه أميرا عليهم لأنه يتقن لغة اليهود وإنطلقت المجموعة الفدائية إلى هدفها ليلة النصف من شهر جمادى الآخرة عام 6 هجرية فكانوا يسيرون ليلا ويكمنون نهارا كي لا يكتشف أمرهم حتى وصلوا خيبر فكمنوا حتى جن عليهم الليل وإستطاع ابن عتيك أن يدبر أمر دخولهم إلى حصن أبي رافع دون أن يشعر بهم أحد فإنتظروا حتى نام من في الحصن وهدأت الأصوات ثم تقدموا حتى وصلوا إلى غرفة أبي رافع فإستأذنوا عليه فخرجت عليهم إمرأته فقالت لهم من أنتم قالوا ناس من العرب نلتمس الطعام فقالت ذاكم صاحبكم فإدخلوا عليه فدخلوا وأغلقوا باب غرفته عليهم فصاحت إمرأته فأشهروا أسيافهم وهو فى فراشه ما يدلهم عليه إلا بياض لونه فى سواد الليل فإنقضوا عليه في فراشه وتناوشوه بسيوفهم في الظلام فأصابوه لكنه لم يمت فما كان من عبد الله بن أنيس رضي الله عنه إلا أن تقدم بثبات وأنفذ السيف في أحشائه حتى قتله وأخذت زوجته تصرخ فهرع من في الحصن إليها وأسرع المجاهدون بالنزول فإنزلق إبن عتيك حيث كان ضعيف البصر وكسرت رجله فحمله عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وكان أهل الحصن قد أوقدوا نيرانهم وأسرعوا فى طلب إبن عتيك وأصحابه فإختبأوا حتى إذا يئس أهل الحصن من العثور عليهم رجعوا إلى صاحبهم فخرجت المجموعة الفدائية من الحصن وتساءل إبن عتيك وأصحابه كيف لنا ان نعلم ان عدو الله قد مات فقال رجل من هذه المجموعة الفدائية أنا أذهب فأنظر لكم فإنطلق حتى دخل فى الناس فوجد إمرأة أبي رافع ورجال من قومه حوله وفي يدها مصباح تنظر فى وجهه وتحدثهم قائلة أما والله قد سمعت صوت إبن عتيك ثم كذبت نفسى وقلت أنى لإبن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت على زوجها تنظر فى وجهه ثم قالت لقد مات فلما سمع الفدائي المسلم هذه الكلمة اخذته الفرحة وعاد لأصحابه مسرعا فأخبرهم بالخبر وإفتقد عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قوسه وظن أنها سقطت منه في الحصن فعاد ودخل وإختلط برجال الحصن وتظاهر أنه يبحث عن القاتل مثلهم حتى وجد قوسه فأخذها وإنسل خارجا بسلام وعادت المجموعة الفدائية إلى المدينة المنورة فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إبتسم وقال أفلحت الوجوه فقالوا أفلح وجهك يا رسول الله وجاء بإبن عتيك رضي الله عنه وقال له النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلك فأرسلها فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في يده ومسح بها على رجله فبرأت وتحلق الصحابة الكرام حولهم يستمعون لما كان منهم وتنازع الفدائيون فيمن قتل عدو الله أبي رافع سلام بن أبي الحقيق فكل منهم يقول سيفي هو الذى قتله فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيوفهم فإستعرضها ثم قال إن سيف عبد الله بن أنيس هو الذى قتله أرى فيه أثر الطعام .
وبعد مقتل عدو الله أبي رافع سلام بن أبي الحقيق إجتمع زعماء اليهود بعد قتل ملكهم وإختاروا لهم ملكا جديدا هو أسير بن رزام وكان معروفا بالخديعة والمكر وسار على خطى من سبقه يحرض الأعراب والقبائل المجاورة على إعداد العدة لقتال المسلمين ويبذل المال لهم لهذه الغاية حتى وصلت أخباره إلى المدينة المنورة فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمره فقرروا أن يرسلوا إليه وفدا لإقناعه بالكف عن التآمر على المسلمين ليجنب قومه الحرب فخرج الصحابي عبد الله بن رواحة الأنصارى رضي الله عنه على رأس وفد فيه الصحابي عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حتى وصلوا خيبر فتحدثوا إلى أسير بن رزام وأقنعوه أن يأتي معهم إلى المدينة المنورة ليأخذ الأمان لقومه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإختار أسير مجموعة من شباب اليهود وخرج معهم بصحبة المسلمين قاصدين المدينة المنورة وأركب كل واحد من المسلمين أحد اليهود معه على راحلته فكان أسير رديف عبد الله بن أنيس وسار الركب متوجها نحو المدينة وفي الطريق أخذ أسير يفكر في أمره مع المسلمين فحدثته نفسه بالغدر فقرر أن يقتل عبد الله بن أنيس رضي الله عنه ويقوم مرافقوه بقتل من معهم من المسلمين ثم يعودون إلى خيبر فحاول أن يباغت عبد الله بن أنيس يريد أن ينتزع سيفه منه وهو يصيح يالثأرات اليهود لكن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه كان حذرا فسل سيفه بسرعة وضرب به ساق عدو الله فما كان من أسير إلا أن ضربه بعمود من خشب فشج رأسه وتمالك إبن أنيس على نفسه وكر على الغادر فقتله وبادر بقية اليهود كل يريد أن يفتك بصاحبه من المسلمين فأجهز المسلمون عليهم جميعا إلا رجل واحد منهم فقط فر عائدا إلى خيبر وعاد المسلمون إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثونه عن غدر اليهود بهم وما ذاقوه نتيجة خداعهم وبلا شك فإنها فراسة النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وتكليف كل منهم بما هو أهل له وإنها الجندية العالية والحصافة والشجاعة من عبد الله بن أنيس رضي الله عنه ورفاقه وإنه التكريم لشأن الجهاد في سبيل الله ولم يمر إلا عدد قليل من الشهور وبعد صلح الحديبية في شهر ذى القعدة عام 7 هجرية خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين إلى خيبر حيث كان لابد من عمل أكبر من مجرد التخلص من زعماء اليهود المتآمرين وما كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من مجابهة اليهود إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألد ألا وهو قريش وقد إختلفت تلك الغزوة عما قبلها من غزوات إذ أنها كانت أول غزوة تأتى بعد وقعة بني قريظة وصلح الحديبية لتدل بذلك على أن الدعوة الإسلامية قد دخلت مرحلة جديدة من بعد صلح الحديبية فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ هو أن نغزو أعداءنا قبل أن يغزونا ولا نسمح لهم بالإقتراب من المدينة المنورة حصن الإسلام الحصين وكانت الخطوة الأولى في هذه المرحلة هي ضرورة القضاء على هذه البؤرة التآمرية التي كانت تتخذ من خيبر قاعدة لها والتي كانت تهدد الإسلام والمسلمين والإستقرار والهدوء في شبه الجزيرة العربية وبعد العديد من المعارك الشرسة التي تمت بين المسلمين ويهود خيبر ومحاصرة حصونهم تم فتح هذه الحصون حصنا وراء الآخر وأرسل زعماء اليهود إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ننزل فنكلمك فقال النبي نعم فنزلوا وصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين محمد وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء أي الذهب والفضة والكراع والحلقة أى السلاح إلا ثوبا على ظهر إنسان فقال النبي صلى الله عليه وسلم وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر وتخلص المسلمون من هذه البؤرة التآمرية التي هددت الأمن والإستقرار للإسلام والمسلمين وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر فقالوا يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها فنحن أعلم بها منكم فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على أن لهم الشطر من كل زرع ومن كل ثمر وكلف الصحابي الأنصارى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بأن يكون وكيله عليهم .
وبخلاف جهاده في سبيل الله وإشتراكه في المهام الخاصة التي كان يكلفه بها النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابي عبد الله بن أنيس رضي الله عنه راويا للحدبث النبوى حيث روى له الإمام البخارى في الأدب المفرد والإمام مسلم وأصحاب السنن الأربعة الترمذى والنسائي وأبو داود وإبن ماجة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 24 حديثا وظل عبد الله بن أنيس رضي الله عنه ملازما للحبيب صلى الله عليه وسلم إلى ان جاء اليوم الذى أظلمت فيه المدينة المنورة بل أظلم فيه الكون بأسره بموت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحزن عليه عبد الله بن أنيس حزناً شديدا كاد أن يمزق قلبه ولكنه ظل ثابتا حتى نهاية حياته على دين الله متأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وإنطلق إلى بلاد الشام ليعيش هناك مع الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنهما وظل بها إلى أن إختاره الحق سبحانه وتعالى إلى جواره وقبل موته بساعات قليلة أخذ عصاه التي أعطاه إياها الحبيب صلى الله عليه وسلم وأوصى أهله بأن يدفنوا معه تلك العصا والتي كانت بمثابة وسام شرف أخروى منحه النبي له قل من يناله وهذا يدل على علو مكانته في الآخرة والتي نالها بحب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته والتضحية في سبيل الله عز وجل فقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم بشارة الخلود في جنة عرضها السموات والأرض أعطاه تلك العصا وجعلها علامة بينهما يوم القيامة يتكئ عليها وتأخذ بيده كما تأخذ صلاة الليل بيد صاحبها يوم القيامة إلى النجاة ومن ثم لم يترك عبد الله هذه العصا أبدا وأوصى أن تدفن معه في قبره وفاضت روحه الطاهرة ليلحق بالحبيب صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من الصحابة الكرام في جنة الرحمن وكان ذلك في عام 54 هجرية في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وكلمة أخيرة نختم بها هذا المقال وهي الرد القاطع على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام عن قتل الخونة وأعداء الإسلام غيلة وغدرا مثل كعب بن الأشرف وأبي رافع سلام بن أبي الحقيق وخالد بن سفيان الهذلي فالأول والثاني كانا قد نقضا عهودهما وخرجا يحرضان قريش على غزو المدينة والقضاء على الإسلام فكان لابد من معاقبة هذين الخائنين وردع أمثالهما من اليهود وأما الثالث فكان يجمع الحشود من قبيلته هذيل وغيرها لكي يغزو المدينة فكان لابد من القضاء عليه قبل تنفيذه لذلك الأمر اخذا بزمام المبادرة والتأكيد على قوة المسلمين بما يحفظ للدولة الإسلامية هيبتها .
|