بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني رضي الله عنه صحابي جليل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومحدث وفقيه وحافظ وكان أكثر من رووا الحديث النبوى الشريف حيث بلغ مجموع ما رواه عدد 5374 حديث وهو ينتمي إلى قبيلة دوس وهي قبيلة عربية شهيرة من الأزد وكانت مواطنها الأصلية بمنطقة مأرب ببلاد اليمن ثم بعد إنهيار سد مأرب في القرن الثاني الميلادى إنتقلت هذه القبيلة إلى منطقة السراة وهي المنطقة الممتدة من خليج العقبة شمالا وحتى حدود اليمن جنوبا بمحاذاة الساحل الشرقي للبحر الأحمر وكان ميلاد الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه في ديار قبيلته دوس في حدود عام 19 قبل الهجرة وسمي عبد شمس لكن بعد إسلامه سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ومات أبوه وهو في سن صغيرة فنشا يتيما ولقب بأبي هريرة حيث عرف بعطفه الكبير على الحيوان فكانت له هرة أى قطة صغيرة كان يحنو عليها ويطعمها ويرعاها فكانت تلازمه وتذهب معه في كل مكان وكان يدخلها في كمه فأطلق عليه أبو هريرة وحدث أن أسلم من قبيلته أحد ذوى المكانة والرأى فيها وهو الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه والذى كان أيضا من أشراف العرب المرموقين وواحدا من أصحاب المروءات المعدودين حيث كان يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويجير المستجير وفضلا عن ذلك فقد كان أديب أريب لبيب وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر وكان إسلامه في السنة السابعة للبعثة بعد أن سمع عن ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة فإرتحل إليها فإستقبلته قريش وقالوا له يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذى بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وأبيه وبين الرجل وأخيه وبين الرجل وزوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا فما زالوا به حتى حشي أذنيه كرسفا خوفا من أن يبلغه شئ منه وكانت قريش تفعل ذلك مع كل زائر ومع كل من يأتي مكة للحج أو للتجارة من قبائل العرب فلما ذهب الطفيل إلى الكعبة المشرفة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عندها فقام منه قريبا فلما رجع النبي إلى بيته لحقه وقال يا محمد إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرفس لئلا أسمع قولك ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك فسمعته قولا حسنا فإعرض علي أمرك فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من القرأن فقال والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى قومه دوس يدعوهم إلى الإسلام فلم يستجب منهم إلا القليل وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وجاءت غزوة بدر ثم أحد ثم الخندق ثم صلح الحديبية وفي أواخر العام السادس للهجرة كان قد إستجاب لدعوة الطفيل بن عمرو رضي الله عنه للإسلام حوالي ثمانين بيتا من دوس وكان ممن أسلموا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه فوفد بهم الطفيل المدينة المنورة فوصلها في شهر المحرم من العام السابع للهجرة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج في غزوة خيبر فلحق به الطفيل وأبو هريرة رضي الله عنهما ومن أسلموا من دوس فأسهم لهم النبي صلى الله عليه وسلم مع المسلمين ومنذ ذلك الوقت لزم أبو هريرة رضي الله عنه المسجد النبوى الشريف في أهل الصفة الذين لم يكن لهم مأوى ولا أهل وظل مرافقا للنبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين أى حتى وفاة النبي وإنقطع ابو هريرة خلال نلك السنوات عن الدنيا ليلازم النبي صلى الله عليه وسلم عاش خلالها حياة المساكين ويدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت نسائه ويخدمه ويحفظ منه الأحاديث .
وشهد ابو هريرة رضي الله عنه في شهر جمادى الأولى عام 8 هجرية غزوة مؤتة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل بالعديد من الرسائل إلى ملوك وحكام وأمراء وقادة الأمم والشعوب والقبائل والجماعات التي كانت موجودة في عصره يدعوهم فيها إلى الإسلام وكان ممن تم مراسلتهم ملك بصرى بجنوب سوريا وكان مبعوث النبي له هو الصحابي الحارث بن عمير الأزدى إلا أن شرحبيل بن عمرو الغساني والي البلقاء بشمال غرب الأردن الواقع تحت الحماية الرومانية إعترض طريقه وقبض عليه وأوثقه وضرب عنقه قبل أن يبلغ رسالة النبي محمد إلى ملك بصرى وكان من المتعارف عليه بين الملوك وزعماء القبائل أن الرسل لا تقتل ولا يجوز لأحد أن يتعرض لهم لأنهم يحملون مجرد رسائل من أقوامهم وقد مثل قتل الحارث بن عمرو الأزدى إنتهاكا كبيرا لهذا العرف وكان هذا بمثابة إعلان الحرب على المسلمين ولذا فقد إشتد غضب النبي محمد حين نقلت إليه أخبار مقتل مبعوثه إلى ملك بصرى فجهز جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل وكان هذا هو أكبر جيش إسلامي تم جمعه آنذاك فلم يتم جمع مثل هذا العدد قبل ذلك إلا في غزوة الخندق إلا أن الغساسنة قد حشدوا 100 ألف مقاتل من قبائل لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي ودعمهم الرومان حلفاؤهم بعدد 100 ألف مقاتل آخرين فضلا عن فارق العتاد ويقول ابو هريرة عن ذلك شهدت غزوة مؤتة فلما دنا منا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب فبرق بصرى وهال أبا هريرة كثرة جموع الروم والذين كانت أعدادهم أضعاف أضعاف جيش المسلمين وهو أمر قد يعرض لأى مقاتل ولما لاحظ الصحابي ثابت بن أرقم رضي الله عنه حال أبي هريرة وكان قد شهد بدرا وأحد والخندق قال له يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة فقال نعم فقال له ثابت رضي الله عنه لكي يثبته إنك لم تشهد بدرا معنا إنا لم ننصر بالكثرة وإنتهت هذه الغزوة بإنسحاب جيش المسلمين بعد أن تولى قيادة الجيش سيف الله المسلول الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد إستشهاد القادة الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وإصطلح جند المسلمين على خالد بن الوليد فوضع خطة عبقرية للتخلص من المعركة الغير متكافئة وتم تنفيذها بكل دقة وعاد بالجيش سالما إلى المدينة المنورة وإستشهد في هذه الغزوة من المسلمين عدد 12 شهيدا منهم القادة الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم أما الغساسنة والرومان فقتل منهم 3350 رجل ومن الطريف أن بسطاء المسلمين كانوا غير متصورين أن ينسحب الجيش ويترك أرض المعركة غير مدركين أن هذا كان هو القرار الصائب والذى أنقذ به خالد بن الوليد جيش المسلمين من الدمار في ظروف غاية في الصعوبة خاصة بعد إستشهاد القادة الثلاثة الذين سبقوه وخرجوا لإستقبال الجيش العائد من مؤتة وأخذوا يقذفون الجند بالحجارة والطوب ويلقون بالتراب في وجوههم وعلى رأسهم قائد الجيش خالد بن الوليد والصحابة الكرام الذين شهدوا الغزوة ومنهم ثابت بن أرقم وأبو هريرة ويقولون يا فرار يا فرار فررتم من الزحف إلا أن الرسول نهاهم عن ذلك قائلا بل هم الكرار بإذن الله وإن خالد ليس بالفرار بل هو سيف من سيوف الله يفتح الله على يديه .
وبعد مؤتة شهد الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه فتح مكة في شهر رمضان عام 8 هجرية وغزوة حنين في شهر شوال وحصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام ثم غزوة تبوك في شهر رجب عام 9 هجرية وأخيرا حجة الوداع في أواخر عام 10 هجرية وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وهو عنه راض ولما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة ووقعت فتنة الردة عن الإسلام شارك الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه في حروب الردة ولما إنتهت شارك في الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفتين الراشدين الأول والثاني أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ثم إستعمله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه واليا على البحرين فقدم من ولايته عليها إلى المدينة المنورة بعشرة آلاف درهم فإتهمه الخليفة عمر في تلك الأموال فأنكر أبو هريرة رضي الله عنه إغتصابه لتلك الأموال وقال له إنها نتاج خيله ومن تجارته في الغلال وما تجمع له من أُعطيات فتقصى الخليفة عمر رضي الله عنه الأمر وحقق فيه بدقة فتبين له براءة وصدق مقولة أبي هريرة وأراد عمر بعدئذ أن بعيد أبا هريرة رضي الله عنه إلى ولايته على البحرين فأبى ذلك الأخير وإمتنع وأقام في المدينة المنورة يحدث طلاب الحديث ويفتي الناس في أمور دينهم ودنياهم وقد كان الصحابة الكرام عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدرى وأبو هريرة وجابر بن عبد الله يفتون بالمدينة المنورة ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن توفاهم الله وكذلك قال الإمام على بن حزم الأندلسي في كتاب الإحكام في أصول الأحكام وهو كتاب في أصول الفقه كان فيما رووا من فتاوى أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وأم سلمة وسعد بن أبي وقاص وانس بن مالك وأبو هريرة وأبو سعيد الخدرى وأبو موسى الأشعرى وسلمان الفارسي وعبد الله بن الزبير وجابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعا هذا ولم يكن الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه بمعزل عما يدور حوله من أحداث فقد شارك في مناصرة المدافعين عن الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم أن قتل في داره وهو ما حفظه الأمويون له ورغم حسن علاقته بالأمويين إلا أنه عنف مروان بن الحكم ولم يكن وقتها واليا على المدينة المنورة لممانعته دفن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما مع جده النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذى كانت وفاته على الأرجح عام 49 هجرية حيث قال له أبو هريرة رضي الله عنه إنك تتدخل فيما لا يعنيك وتريد ان تنال رضا الغائب يعني أبو هريرة بذلك الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان .
ولننتقل الآن إلى رواية الصحابي الجليل أبي هريرة للحديث النبوى الشريف حيث أصبح منذ أن أسلم وهاجر إلى المدينة المنورة وعلى الرغم من قصر المدة التي قضاها في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بحديثه فكان السابقون من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا يسألونه عن الحديث لمعرفتهم ملازمة أبي هريرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم فقد تمكن في تلك الفترة القصيرة التي قضاها في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم من حفظ وإستيعاب ونقل قدر كبير من أحاديثه وأفعاله وقد ساعده على ذلك قُدرته الكبيرة على الحفظ وأيضا تميزه بالجراءة على سؤال النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره وفضلا عن ذلك فقد أوكل النبي محمد صلى الله عليه وسلم له بعض المهام والأعمال مثل حفظ أموال زكاة رمضان كما بعثه النبي صلى عليه وسلم ونفرا من الصحابة الكرام قبل وقت قصير من وفاته صلى الله عليه وسلم مع الصحابي العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه عندما أرسل هذا الأخير واليا على البحرين وذلك لكي يفقهوا أهلها في الدين ويعرفونهم فرائض وأصول الإسلام ويقرأوا عليهم القرآن الكريم وقال أبو هريرة رضي الله عنه في ذلك بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه إلى البحرين فأوصاه بي خيرا فلما فصلنا قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصاني النبي بك خيرا فإنظر ماذا تحب قال قلت تجعلني أؤذن لك ولا تسبقني بآمين وكما أسلفنا فقد ساعدت سعة حفظ أبي هريرة رضي الله عنه على إستيعاب عدد كبير من الأحاديث النبوية وفد ذكر الإمام والمؤرخ شمس الدين الذهبي في ترجمته لأبي هريرة رضي الله عنه في كتابه سير أعلام النبلاء أن أحاديث أبي هريرة بلغت في مسند الإمام والمحدث الأندلسي بقي بن مخلد القرطبي عدد 5374 حديث إتفق الإمامان البخارى ومسلم على عدد 326 حديث منها وإنفرد البخارى بعدد 93 حديثا ومسلم بعدد 98 حديثا كما أحصى له المحقق والمحدث شعيب الأرناؤوط الدمشقي في تحقيقه لمسند الإمام أحمد بن حنبل عدد 3870 حديثا وقد جمع راوى الحديث الثقة أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكرى البصرى في القرن الثالث الهجرى مسند أبي هريرة وتوجد نسخة منه محفوظة في مكتبة كوبريللي بمدينة إسطنبول بتركيا كما جمع الإمام والعالم سليمان بن أحمد الطبراني مسندا لأبي هريرة في مصنف وكان لذلك أثره الكبير في إلتفاف الكثيرين من طلبة الحديث النبوى حوله وقدر الإمام البخارى عددهم بأنهم جاوزوا عدد 800 رجل وإمرأة رووا عن أبي هريرة وقد شهد لأبي هريرة معاصروه بأوليته في سعة الحفظ بينما ذكر أبو هريرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان أحفظ منه نظرا لتدوين عبد الله لما كان يحفظه من أحاديث بينما لم يكن أبو هريرة يكتب وقد أخذ عنه راوى الحديث والتابعي المدني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وقد إختبر مروان بن الحكم حفظ أبي هريرة وذلك بعد أن تولى منصب والي المدينة المنورة في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بأن دعا أبا هريرة رضي الله عنه وسأله أن يحدثه وأمر كاتبه أن يجلس خلف ستار يكتب ما يسمعه فجعل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث مروان ثم أرسل بعد فترة يسأل أبا هريرة أن يحدثه مرة أخرى وأمر كاتبه بأن يقارن ماكتبه في المرة الأولى بما كتبه في المرة الثانية فما وجد ابو هريرة غير حرفا عن حرف وعندئذ قال له مروان تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع فقال أبو هريرة وقد فعلت قال نعم قال فإقرأه علي فقرأه فقال أبو هريرة أما إنكم قد حفظتم وإن تطعني تمحه فمحاه مروان وقال أبو هريرة رضي الله عنه إرو كما روينا .
وكان من أبرز من روى عنهم أبو هريرة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتان الراشدان الأول والثاني أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما والصحابة الكرام أبي بن كعب والفضل بن العباس بن عبد المطلب وأسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعا أما من رووا عنه فكانوا كثيرين منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وقبيصة بن ذؤيب وسليمان بن يسار وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وحفص بن عاصم بن عمر وعيسى بن طلحة بن عبيد الله ومروان بن الحكم وعبد العزيز بن مروان بن الحكم ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار وعامر بن سعد بن أبي وقاص والحسن البصرى وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وقد زكى العديد من الصحابة والتابعين والأئمة ورواة الحديث الصحابي أبا هريرة رضي الله عنه فقد نقل أبو سعيد الخدري عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه أبو هريرة وعاء من العلم وقال له عبد الله بن عمر بن الخطاب كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه وقال عالم العقيدة والمفسر كعب بن رافع بن ذى هجن المعروف بكعب الأحبار ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي كان أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره وقال الإمام والمحدث ابو نعيم الفضل بن مكين عنه كان ابو هريرة رضي الله عنه أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بأن يحببه إلى المؤمنين وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر وقدم المدينة المنورة مهاجرا وسكن الصفة وبخلاف الحديث حفظ أبو هريرة القرآن الكريم وقرأه على أبي بن كعب رضي الله عنه كما إجتهد أبو هريرة رصي الله عنه في العبادة فهذا حفيده نعيم بن المحرر بن أبي هريرة يقول بأن جده كان له خيط فيه ألفا عقدة فكان لا ينام حتى يسبح به كما ذكر أبو عثمان النهدى أنه حل ضيفا على أبي هريرة لسبعة أيام فوجده وإمرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثا يصلي أحدهم ثم يوقظ الآخر وأثنى رجل من قبيلة تدعى الطفاوة على كرم أبي هريرة فقال نزلت على أبي هريرة بالمدينة 6 أشهر فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف من أبي هريرة وعلاوة على كل ذلك كان أبو هريرة دائم الإقرار بفضل ربه عليه فقد روى أنه صلى بالناس يوما فلما سلم رفع صوته فقال الحمد لله الذى جعل الدين قواما وجعل أبا هريرة إماما بعد أن كان أجيرا لإبنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله فزوجنيها الله فهي إمرأتي .
وقبل أن نختم مقالنا هذا عن الصحابي الجليل وراوى الحديث أبي هريرة رضي الله عنه نذكر أنه لم يتقبل بعض الصحابة إكثار أبي هريرة من رواية الحديث النبوى كالخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذى قال لأبي هريرة لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس وكان لعمر في ذلك وجهة نظر حيث رأى ضرورة الإقلال في رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في زمان خلافته مخافة إنشغال الناس بالحديث عن القرآن الكريم ولكن بعد فترة سمح عمر لأبي هريرة بالتحديث وقال له كنت معنا يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت فلان فقال أبو هريرة نعم وقد علمت لأى شئ سألتني فقال عمر ولم سألتك فرد أبو هريرة قائلا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فقال عمر له إذهب فحدث وهي إجازة من عمر لأبي هريرة بالتحديث كما روى أن الصحابي أبا هريرة دخل يوما على أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر فقالت له متعجبة أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله فقال إى والله يا أماه ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ولا الدهن فقالت عائشة لعله وبلغ عبد الله بن عمر رواية أبي هريرة لحديث من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل أحد فقال إبن عمر أكثر علينا أبو هريرة فأخذه أبو هريرة إلى السيدة عائشة يسألها عن الحديث فصدقته فما كان من إبن عمر إلا أن قال له كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه هذا ولم يكن هذا الإنتقاد فقط بين جموع الصحابة بل كان أيضا محل ريبة من جانب بعض العوام الذين سأل أحدهم طلحة بن عبيد الله يوما فقال يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني يعني أبا هريرة أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم أم هو يقول على رسول الله ما لم يقل فرد طلحة قائلا أما أن يكون سمع ما لم نسمع فلا أشك سأحدثك عن ذلك إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار وكان هو مسكينا ضيفا على باب رسول الله يده مع يده فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ولا تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله ما لم يقل وقد أزعجت أبا هريرة تلك الإنتقادات لكثرة رواياته فقال إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت إمرؤ مسكينًا من مساكين الصفة ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوما إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى مقالته جمعتها إلى صدرى فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شئ هذا ولم تكن تلك الإنتقادات على كثرة رواية الأحاديث فقط بين معاصريه فقد كان بعض التابعين وتابعي التابعين وتابيعهم وحتى وقتنا الحاضر لا يأخذون ببعض حديثه ويشككون في مصداقيته حتى وصل الحال ببعضهم في وفتنا الحاضر لإنكار كل كتب الحديث والعياذ بالله وأخيرا كانت وفاة الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه عام 58 هجرية عن عمر بناهز 77 عاما بالمدينة المنورة ودفن بالبقيع رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
|