الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أبو لبابة الأنصارى

 أبو لبابة الأنصارى
عدد : 12-2023
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

أبو لبابة بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر بن زبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسي المدني رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتمي إلى بني عمرو بن عوف بن مالك الذين كانوا يسكنون قباء وقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم أولا عند قدومه المدينة المنورة في ديارهم عندما وفد إليها مهاجرا من مكة المكرمة ومكث لديهم أربعة أيام أسس فيها مسجد قباء ثم قدم بعد ذلك إلى المدينة المنورة ونزل بدار الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه ومما يذكر أن يني عمرو بن عوف بطن من بطون قبيلة الأوس إحدى القبيلتين العربيتين الرئيسيتين الكبيرتين اللتان كانتا تسكنان المدينة المنورة قبل هجرة النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم إليها وهما الأوس والخزرج وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين هاتين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة حيث أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين قلوبهم من خلال إستيعاب كلا الفصيلين في المجتمع المسلم ومنع سفك الدماء بين المسلمين وتم تضمين كل من القبيلتين في دستور المدينة بكونهم مسلمين في دولة واحدة ومجتمع واحد وشكلت القبيلتان الأنصار وكان ميلاد الصحابي الجليل أبي لبابة بالمدينة المنورة في حدود العام الرابع والأربعين قبل الهجرة وليس لدينا معلومات كافية عن حياته ونشأته قبل الإسلام إلا أنه كان حليفا ليهود بني قريظة في الجاهلية وعلى الأرجح كان إسلامه على يد الصحابي سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة مصعب بن عمير رضي الله عنه والذى أوفده الرسول صلى الله عليه المدينة المنورة بعد بيعة العقبة الأولى ليعلم أهلها الذين دخلوا في الإسلام فرائضه ويعلمهم القرآن الكريم ولكي يدعو إلى الإسلام في المدينة ثم كان بعد ذلك من أهل بيعة العقبة الثانية وكان من نقباء الأوس الثلاثة مع أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وإستقر بها وجاءت غزوة بدر في شهر رمضان في العام الثاني الهجرى إستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة وفرض له سهم مفاتل مثل من شارك في تلك الغزوة ومما يذكر عنه أيضا أن الصحابي الجليل زيد بن الخطاب الأخ غير الشقيق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما قد تزوج من إبنته لبابة التي كان يكنى بإسمها والتي كانت قد أسلمت مع ابيها فأنجبت له في العام الخامس للهجرة إبنه الأكبر عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب رضي الله عنه فأخذه جده أبو أمه أبو لبابة رضي الله عنه في كنفه فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما هذا الذى معك يا أبا لبابة فقال إبن إبنتي يا رسول الله ما رأيت مولودا قط أصغر خلقة منه فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على رأسه ودعا فيه بالبركة فما رئي عبد الرحمن بن زيد رضي الله عنه بعد أن كبر وأصبح في سن الشباب مع قوم في صف إلا نزعهم طولا وزوجه عمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبنته فاطمة بنت عمر رضي الله عنها فولدت له عبد اللَّه بن عبد الرحمن والذى تولي إمارة مكة المكرمة في عهد الخليفة الأموى الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ولما إستشهد زيد بن الخطاب رضي الله عنه يوم اليمامة في شهر شوال عام 11 هجرية تزوجت لبابة رضي الله عنها الصحابي أبو سعيد بن أوس بن المعلى بن لوذان رضي الله عنه .


وبعد بدر إستخلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة أبضا علي المدينة المنورة لما خرج في غزوة السويق وكانت بعد غزوة بدر بثلاثة أشهر في شهر ذى الحجة عام 2 هجرية حيث كان أبو سفيان بعد أن عاد من بدر بعد هزيمة المشركين إلى مكة المكرمة قد خرج في مائتي راكب فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم فسقاه ونطق له من خبر الناس ثم أصبح في أصحابه وأمر بقطع أصوار من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له ثم كر راجعا وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فخرج في طلبه مع جماعة من المسلمين فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون وألقوا شيئا كثيرا من أزوادهم من السويق فسميت غزوة السويق ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة وفي العام التالي وفي شهر شوال عام 3 هجرية شهد أبو لبابة رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أحد ثم شهد معه أيضا غزوة الخندق أو الأحزاب في شهر شوال عام 5 هجرية وبعد إنسحاب قريش واليهود والقبائل التي كانت متحالفة معهما وإنتهاء غزوة الخندق كانت غزوة بني قريظة الذين خانوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وتآمروا مع الأحزاب غير مكترثين بما إتفقوا عليه مع المسلمين وعرضوا حياة المسلمين للخطر فنزل الملك جبريل عليه السلام وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم التوجه لحصار بني قريظة وصحبه محمد بن مسلمة رضي الله عنه ووقف يحرسه طوال أيام الحصار التي بلغت 15 يوما كاملة وفي النهاية وبعد أن طالت مدة الحصار قال زعيم بني قريظة كعب بن أسد لقومه والله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم ثم عرض عليهم ثلاث خصال إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم ويخرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالسيوف يقاتلونهم حتى يظفروا بهم أو يقتلوا عن آخرهم وإما أن يهجموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم السبت على حين غرة لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث ولم يبق لبني قريظة بعد رفض هذه الإقتراحات من زعيمهم إلا أن يستسلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم أرادوا أن يتكلموا مع أحد من المسلمين لعلهم يعرفون ماذا سيحل بهم في حال إستسلامهم فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا أبا لبابة نستشيره وكان حليفا لهم في الجاهلية كما أسلفنا وكانت أمواله وولده في منطقتهم فلما رأوه قام إليه الرجال وجهشَ النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه في إشارة إلى أنهم سيذبحون .


وعند ذلك أدرك أبو لبابة أنه قد خان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقال أبو لبابة في ذلك فو الله ما زالت قدماى ترجفان حين عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم إنطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد النبوى وربط نفسه إلى عمود من أعمدته وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وكان قد إستبطأه قال أَما لو جاءني لإستغفرت له فأما إذ فعل الذى فعل ما أنا بالذى يطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه وعلى الرغم مما أشار إليه أبو لبابة لبني قريظة فقد قرروا النزول على النحكيم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه كان بإستطاعتهم أن يتحملوا الحصار الطويل لتوافر المواد الغذائية والمياه والآبار لديهم بالإضافة إلى مناعة حصونهم ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد والجوع الشديد وهم في العراء مع شدة التعب الذى إعتراهم لمواصلة الأعمال الحربية منذ أن قاموا بحفر الخندق شمالي المدينة بطول حوالي 5 كيلو مترات وعمق أكثر من 3 أمتار وعرض حوالي 5 أمتار ثم خوضهم غزوة الأحزاب وتحملهم حصار المدينة المنورة لمدة حوالي 3 أسابيع إلا أن الله قد قذف في قلوب يهود بني قريظة الرعب وإنهارت معنوياتهم فبادروا إلى الموافقة على التحكيم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرتضوا بأن يقوم سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه بالتحكيم بينهم وكان سعد حليفا لهم في الجاهلية فظنوا أنه سيرأف بهم وكان سعد يعالج في الخيمة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإقامتها في المسجد النبوى من إصابته بسهم فحمل حتى أتى النبي وأصدر حكمه بأن يقتل المقاتلة من الرجال وتسبى النساء وتقسم الأموال وتؤخذ الديار وتوزع على المهاجرين دون الأنصار فقال الرسول صلى الله عليه وسلم له لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات وأَمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الصحابي محمد بن مسلمة رضي الله عنه رئيس مخابراته وحارسه الشخصي بالتعامل مع الخونة فكتف إبن مسلمة الرجال الذين حكم عليهم بالقتل وأخرج النساء والأطفال فكانوا في ناحية أخرى وكان حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير قد دخل مع بني قريظة في حصنهم بعد جلاء الأحزاب عن المدينة طبقا لإتفاقه مع كعب بن أسد زعيم بني قريظة ونفذ حكم الإعدام في عدد أربعمائة في سوق المدينة حيث حفرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات وكان منهم حيي بن أخطب الذى جئ به ويداه مجموعة إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فتم ضرب عنقه وكذلك جئ بكعب بن أسد زعيم بني قريظة وتم ضرب عنقه ومما يذكر أنه قد نجت مجموعة قليلة جدا من يهود بني قريظة وهم الذين أوفوا بعهدهم مع المسلمين ودخلوا في الإسلام وكان هذا هو الجزاء العادل الذى إستحقه من أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين فكان جزاؤهم من جنس عملهم حين عرضوا بغدرهم وخيانتهم أرواح المسلمين للقتل وأموالهم للنهب ونساءهم وذراريهم للسبي فكان أن عوقبوا بذلك جزاءا وفاقا على ما إقترفته أيديهم .


وأما أبو لبابة رضي الله عنه فقد ظل مرتبطا بالعمود الذى ربط نفسه فيه لمدة ست ليال تأتيه زوجته أو إبنته في كل وقت صلاة فتحل رباطه لكي يؤدى الصلاة ثم يعود مرتبطا بالعمود ويقول لن أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليَ مما صنعت وكان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يترقبون وينتظرون نزول الوحي على النبي في شأنه ويتساءلون هل ستقبل توبة أبي لبابة ومتى وكيف وكان أبو لبابة يستطيع أن يخفي ما فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يطلع عليه أحد من المسلمين وأن يستكتم اليهود أمره ولكنه تذكر رقابة الله عليه وعلمه بما يسر ويعلن وتذكر حق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وهو الذى إئتمنه على ذلك السر ففزع لهذه الزلة فزعا عظيما وأقر بذنبه وإعترف به وبادر إلى الصدق والتوبة فكانت نجاته إنها صورة تطبيقية لقوله تعالى في سورة النساء إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ولم يطل الإنتظار طويلا وفي الليلة الأخيرة التي قضاها أبو لبابة مرتبطا بعمود المسجد وكان الوقت هو وقت السحر وإذا بجبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة أبي لبابة وكان النبي في منزل زوجته السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فسمعته يضحك فقالت يا رسول الله مما تضحك أضحك الله سنك قال نزلت توبة أبي لبابة فقالت أفلا أبشره يا رسول الله قال بلى إن شئت فقامت على باب الحجرة وذلك قبل أن يضرب على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن الحجاب وقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك وما أن سمع الناس ذلك سارعوا ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح تقدم منه وحل وثاقه وهنا وقف أبو لبابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ليعاهد الله قائلا والله إني سأهجر الدار التي كانت منها معصيتي وإني سأخرج من كل مالي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يكفيك أن تخرج من ثلث مالك وقيل إن الآية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في توبة أبي لبابة هي قوله تعالى في سورة التوبة وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ هذا وفي قصة الصحابي أبي لبابة رضي الله عنه ظهر حب الصحابة رضوان الله عليهم لبعضهم وعِظم مقام التوبة والفرح بها إذ التوبة تعني عودة العبد إلى الدخول تحت رضوان الله تعالى وهو أعلى هدف ينشده المسلم في حياته ومن ثم فقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أجمعين بتوبة الله على أبي لبابة رضي الله عنه وبادرت أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنها بتهنئته وبشرته بقبول الله توبته ومما يذكر أن عمود المسجد الذى ربط أبو لبابة رضي الله عنه نفسه فيه ما يزال حتى وقتنا الحاضر في المسجد النبوى الشريف بالمدينة المنورة ومكتوبا عليه أسطوانة التوبة إشارة إلى توبة الصحابي الجليل أبي لبابة الأنصارى وقبول الله تعالى لتوبته .


ومن قصة الصحابي الجليل أبي لبابة رضي الله عنه نتعلم عدة دروس أولها أن على المؤمن أن يكون فطنا ذكيا وحذرا وبصيرا في إدارة مهامه ومسؤولياته وفي تعامله مع الناس فلا يتعامل ولا سيما في القضايا الهامة والحساسة بسذاجة أو طيبة فيقع أسير الكلمات العاطفية المخادعة أو تغره المظاهر الكاذبة وإلا فربما وقع في فخ الأعداء وكشف أسرار الجماعة المؤمنة وعرضها للمخاطر كما حدث مع أبي لبابة عندما غلبته العاطفة فزل لسانه وأخبر اليهود بنية النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب عليهم فعد بذلك بنص الآية الكريمة خائنا لله ولرسوله وخائنا للأمانة التي إؤتمن عليها في أن يكون مبعوثا صادقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموفدا أمينا إلى اليهود ولا شك أن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأئمة وأما ثاني الدروس التي نتعلمها من قصة الصحابي أبي لبابة فهي أن المؤمن إذا مسه طائف من الشيطان وزلت قدمه فإن عليه أن لا ييأس من رحمة الله بل عليه أن يرجع إلى الله تعالى ويلح عليه بالدعاء وطلب المغفرة وسوف يجد الله توابا رحيما والله تعالى يقول في سورة الأعراف إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ولكن من شروط قبول التوبة أن يصحح الموقف وعليه أن لا يتمادى مع النفس الأمارة بالسوء ومع وساوس الشيطان بل يتوقف ويتراجع تماما كما فعل أبو لبابة فإنه لما شعر أن قدمه قد زلت وخان الله ورسوله لم يكمل السير في طريق الخيانة والمعصية بل عاد إلى نفسه مؤنبا لها ومصمما على خوض معركة الجهاد الأكبر في مواجهة النفس الأمارة بالسوء حتى تنزل توبته من السماء ولم يستح من الناس أو يخجل منهم لأن فضيحة الدنيا أهون من فضيحة الآخرة كما جاء في الحديث النبوى الشريف فربط نفسه في عمود من أعمدة المسجد في شجاعة قل نظيرها وصمم أن لا تطأ رجله أرضا عصى فيها الله أبدا وأما ثالث الدروس في هذه القصة أنها تكشف عن غدر اليهود وعنادهم للحق وتحريفهم للتوراة فمع أنهم يعرفون الحق كما توحي بذلك كلمة كعب بن أسد حيث قال لهم تعالوا نتبع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل وأنه للذى تجدونه في التوراة وهذا ما أكد عليه الله تعالى في كتابه في قوله في سورة الأعراف الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وفي قوله أيضا في سورة الصف وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ولكنهم مع ذلك مكروا وصمموا على الغدر من خلال محاولتهم إستمالة أحد الصحابة وإستدرار عطفه ليتعرفوا منه على ما يخطط لهم وما سيلحق بهم وهكذا نجد أن كعبا يقترح عليهم أن يغدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم السبت مستفيدين من أنه لا يفتك بهم في يوم عطلتهم ولا يزال اليهود إلى يومنا هذا يمارسون أسلوب الغدر والخديعة والفتك بخصومهم ويستخدمون أسلوب التباكي ليستدروا عطف العالم كما نلاحظ في حكاية المحرقة الألمانية المزعومة التي تعرضوا لها وركزوا مظلوميتهم في أذهان العالم على أساسها حتى أصبح من يناقش في قضية المحرقة معاديا للسامية .


وبعد ذلك شهد الصحابي الجليل أبو لبابة الأنصارى رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم العديد من المشاهد بيعة الرضوان وصلح الحديبية في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية ثم غزوة خيبر في شهر المحرم عام 7 هجرية ثم عمرة القضاء في شهر ذى القعدة عام 7 هجرية ثم فتح مكة في شهر رمضان عام 8 هجرية وكان حامل راية بطون عمرو بن عوف وفي شهر شوال عام 8 هجرية شهد غزوة حنين ثم شهد حصار الطائف في شهر ذى القعدة عام 8 هجرية وقيل إنه تخلف عن غزوة تبوك في شهر رجب عام 9 هجرية وإعتذر للنبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذره وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحدثت فتنة الردة إنضم إلى جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه الذى كان يضم خيرة الصحابة الكرام ووجهه الخليفة أولا لقتال طليحة بن خويلد الأسدى في البزاخة ثم إلى البطاح لقتال مالك بن نويرة ثم إلى مسيلمة الكذاب بأرض اليمامة وبعد القضاء على فتنة الردة توجه مع جيش خالد بن الوليد إلى العراق ثم الشام وكان ضمن كتيبة من الخيالة المتحركة التي كانت بقيادة خالد بن الوليد في معركة اليرموك كما حضر فتح دمشق حيث كان على باب الجابية بصحبة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وحضر بعد ذلك فتح حلب وبعد ذلك إنضم إلى جيش عمرو بن العاص الذى إتجه بناءا على تعليمات الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفتح مصر وبعد فتح حصن بابليون بمصر القديمة قام قائد جيش المسلمين ووالي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه بتكليف الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه بالتوجه جنوبا لتطهير بلاد الصعيد من الرومان وإستكمال الفتح الإسلامي لأقاليم مصر الجنوبية فكان أبو لبابة ضمن القسم من الجيش الذى إصطحبه عبادة بن الصامت إلى صعيد مصر وإقتحم مع المجاهدين حصن البهنسا بمحافظة المنيا حاليا في عام 20 هجرية وكان حاملا للواء وبعد إستكمال فتح مصر ثم أفريقية وهي تونس حاليا في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه قدم أبو لبابة إلى تونس وتوفي في عهد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بضاحية مارث بالمكان المعروف بوادى الغيران من ولاية قابس تجنوب تونس وكان عمره حوالي 75 عاما تقريبا ونقل جثمانه الطاهر إلى ربوة أبي لوبابة بالسويدة من بلدة قابس حيث يوجد مقامه الآن والذى أصبح مزارا دينيا تشتهر به مدينة قابس حاليا وفي شهر رمضان من كل عام وحتى قيام الثورة التونسية في عام 2011م كان يقام مهرجان دولي يحمل إسم الصحابي أبي لبابة مخصص للمدائح والأذكار والإنشاد الصوفي وكان يشهد مشاركة مكثفة من أفضل الفرق التونسية والجزائرية والمغربية والليبية وكانت تفام به مسابقات لحفظ القرآن الكريم وترتيله للأطفال والشباب والكهول وكان يبدأ هذا المهرجان دائما مع بداية شهر رمضان المعظم ويستمر حتي منتصف الشهر بمسابقات حفظ القرآن الكريم وترتيله وفي النصف الثاني من الشهر تنطلق سهرات المدائح والأذكار ويبدأ هذا الجزء قبل إفطار اليوم السادس عشر من الشهر بتنظيم مسيرة تنطلق خلالها مختلف الفرق المشاركة من مركز إقامة الضيوف مشيا على الأقدام في إتجاه مقام أبي لبابة حيث تلتقي الفرق المشاركة وتعلن رمزيا إنطلاقة المهرجان الذي يتواصل على مدى أسبوع كامل بمعدل 4 عروض للمدائح والأذكار كل ليلة وذلك في حضور جمهور غفير من أبناء المدينة وضيوفها وتختتم بتتويج الفائزين في كل المسابقات وللأسف فقد تم تجميد هذا المهرجان منذ عام 2011م لدواعي أمنية وهو الأمر الذى حرم ساكني قابس والجنوب التونسي عموما من التمتع من خلال هذه التظاهرة الرمضانية بأطباق من الغذاء الروحي المرتبط أساسا بديننا الإسلامي السمح .
 
 
الصور :