بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
المغيرة أبو عبد الله بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف رضي الله عنه صحابي من كبار صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو ينتمي إلى قبيلة ثقيف وهي قبيلة عربية تقيم منذ ما قبل الإسلام وإلى اليوم في مدينة الطائف وما حولها بغرب شبه الجزيرة العربية وهي تابعة لمنطقة مكة المكرمة وتبعد عنها 75 كم تقريبا وتعد قبيلة ثقيف إحدى قبائل قيس عيلان المعروفة بالقبائل القيسية وهي مجموعة كبيرة جدا من القبائل العربية يقال لهم مضر السوداء وينتسبون لقيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام وهي تضم عدة أفرع أبرزها هوازن وغطفان وبنو سليم التي إنحدرت منها شعوب وقبائل عديدة وقيس عيلان هو شقيق إلياس بن مضر الذى تنحدر منه قبائل خندف أو العرب الخندفية أو الإلياسية وهي مجموعة كبيرة من القبائل العربية تعرف بإسم مضر الحمراء وهي تنتسب لإلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام وبنو خندف عدة فروع أبرزها تميم وهذيل وبنو أسد وكنانة التي إنحدرت منها شعوب وقبائل كثيرة على رأسها فبيلة قريش التي إنحدرت من كنانة بالإضافة إلى فروع أصغر هي الرباب وقبيلة ضبة ومزينة وعضل وبني كعب وكان من أبرز شخصيات قبيلة ثقيف غير الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة الصحابة عروة بن مسعود وأبو عبيد بن مسعود والحكم بن مسعود وأبو محجن الثقفي وكان ميلاد الصحابي المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه في العام الثالث والعشرين قبل الهجرة بمدينة الطائف وبها نشأ وعرف عنه الشجاعة والمكيدة والدهاء فكان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجا ولا يلتبس عليه أمران إلا أظهر الرأى في أحدهما ولذلك فقد لقب بمغيرة الرأى وفد حدث عنه بعض أصحابه قائلا صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها وما غلبه أحد في الدنيا كما كان يقول إلا شاب من قبيلة بلحارث بن كعب حين خطب المغيرة رضي الله عنه إمرأة فقال له الشاب أيها الأمير لا تنكحها فإني رأيت رجلا يقبلها فإنصرف عنه فتزوجها الشاب فقال له المغيرة ألم تقل إنك رأيت رجلا يقبلها قال بلى رأيت أباها يقبلها وهي صغيرة كما أنه كان عملاقا ضخم الجسم وعظيم الطول مفتول العضلات بعيد ما بين المنكبين طويل الشعر وكان شعره الطويل المسدل يزيد من هيبة شكله وكان كثير الأسفار خارج الطائف وقد ظل هو وقبيلته في عداء سافر مع الإسلام ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة متجها إلى الطائف وكان بصحبته مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه والذى كان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كله أمل أن تكون أرض خير وإسلام لكن كانت المفاجأة السيئة لما بدأ صلى الله عليه وسلم بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر فكلمهم عن الإسلام ودعاهم إلى الله فردوا عليه ردا قاسيا وقالوا له إخرج من بلادنا ولم يكتفوا بهذا الأمر بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة وزيد بن حارثة رضي الله عنه يحاول أن يحميه حتى شجت رأسه فأصيب عليه الصلاة السلام في قدميه حتى سالت منها الدماء وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن والتعب ما جعله يسقط على وجهه الشريف ولم يفق إلا وملك الوحي جبريل عليه السلام قائم عنده يخبره بأن الله بعث معه ملك الجبال برسالة يقول فيها إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين فأتى الجواب منه عليه الصلاة والسلام بالعفو عنهم قائلا أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا فقال له الملك صدق من سماك الرؤوف الرحيم وفي العام الخامس الهجرى وبعد غزوة الخندق أو الأحزاب وفد المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه المدينة المنورة وقابل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأسلم بين يديه وبايعه . وروى الصحابي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قصة إسلامه فقال كنا متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم فأجمع نفر من بني مالك أحد بطون فبيلة بجيلة وكانوا يسكنون جنوب الطائف بمنطقة السراة الوفود على المقوقس عظيم القبط في مصر وإهداء هدايا له فقررت الخروج معهم فإستشرت عمي عروة بن مسعود الثقفي فنهاني وقال ليس معك من بني أبيك أحد فأبيت وسرت معهم وما معهم من الأحلاف غيرى حتى دخلنا العاصمة المصرية الإسكندرية فوجدنا المقوقس في مجلس مطل على البحر فركبت زورقا حتى حاذيت مجلسه فأنكرني وأمر من يسألني فأخبرته بأمرنا وقدومنا فأمر أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافة ثم أدخلنا عليه فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه منه وأجلسه معه ثم سأله أكلكم من بني مالك قال نعم سوى رجل واحد فعرفه بي فكنت أهون القوم عليه وسر بهداياهم وأعطاهم الجوائز وأعطاني شيئا لا ذكر له وخرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم ولم يعرض علي أحد منهم مواساة وخرجنا من الإسكندرية قاصدين ديارنا وحملوا معهم الخمر فكنا نشرب وكانت نفسي تأبى أن تدعني ينصرفون عائدين إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم الملك ويخبرون قومي بتقصيره بي وإزدرائه وإهماله إياى فأجمعت على قتلهم جميعا فتمارضت وعصبت رأسي فوضعوا شرابهم فقلت رأسي يصدع ولكني أسقيكم فلم ينكروا فجعلت أصرف لهم وأترع لهم الكأس وراء الكأس فيشربون ولا يدرون حتى ناموا سكرا فوثبت عليهم وقتلتهم جميعا واحدا وراء الآخر وأخذت ما معهم ثم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة فوجدته جالسا في المسجد النبوى وسط أصحابه وكانت علي ثياب سفرى فسلمت عليه بسلام الإسلام فعرفني أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث كان بي عارفا فقال لى أنت إبن أخ عروة بن مسعود الثقفي فقلت نعم وقد جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرفني وعندما أسلمت بين يديه الحمد لله الذى هداك للإسلام فقال أبو بكر رضي الله عنه أمن مصر أقبلت قلت نعم قال ما فعل المالكيون قلت كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب من الضغينة ونحن على دين الشرك فقتلتهم جميعا وأخذت أسلابهم وكل ما معهم وجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها أو ليرى فيها رأيا فهي غنيمة من المشركين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إسلامك فنقبله ولا آخذ من أموالهم شيئا لأن هذا غدر وليس عمل في سبيل الله ولا خير في الغدر فأخذني ما قرب وما بعد وقلت إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت الساعة قال فإن الإسلام يجب ما كان قبله ومما يذكر أنه لما وصل نبأ قتل المغيرة بن شعبة الثقفي للمالكيين كاد أن ينشب القتال بين قبيلتي ثقيف وبني مالك لإصرار بني مالك على أن يأخذوا بثأر قتلاهم وبعد مفاوضات شاقة بين الطرفين إضطر عروة بن مسعود الثقفي عم المغيرة وأحد سادات ثقيف إلى أن يدفع دية المالكيين الذين قتلهم إبن أخيه حقنا للدماء .
وكان أول المشاهد التي شهدها الصحابي المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وصلح الحديبية في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم في صحبة 1400 من الصحابة لأداء العمرة فمنعهم مشركو مكة ونزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه ليخبر قريش بأنهم جاءوا لأداء العمرة لا للقتال وإنتشرت شائعة بأن عثمان قد قتل فبايع الصحابة النبي على الثأر لمقتل عثمان وكانت هذه البيعة هي بيعة الرضوان وتبين بعد ذلك عدم صحة هذه الإشاعة ودارت بعض المفاوضات بين النبي صلى الله عليه وسلم ومشركي قريش وكان من بين الذين أرسلتهم قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ليتفاوض معه عروة بن مسعود الثقفي وهو عم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كما أسلفنا وإبن أخت أبي سفيان وكان رجل ثقة في قريش كما في بلده الطائف فطفق عروة وهو يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس لحيته وكانت هذه عادة عند العرب عندما يتحدث شخصان مع بعضهما وكان المغيرة في ذلك اليوم قائما على حراسة النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وهو مقنع بالحديد فكان كلما مس عروة لحية الرسول صلى الله عليه وسلم قرع يده بجراب السيف فلما تكرر منه ذلك أكثر من مرة ضربه المغيرة ضربة قوية على يده فأوجعته وقال له كف يدك عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تعود إليك قاصدا أنه لو مس لحية النبي صلى الله عليه وسلم مرة اخرى فإنه سيقوم بقطع يده فغضب عروة وقال ليت شعرى من هذا يا محمد من هذا الذى أرى من بين أصحابك فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إبن أخيك المغيرة بن شعبة فقال أى غدر والله ما غسلت عنك غدرتك إلا بالأمسِ لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر أتدرى يا محمد ما صنع هذا لقد خرج في ركب من قومه فلما ناموا وثب عليهم وقتلهم وأخذ حرائبهم وكل ما معهم وفر منهم وحملت أنا الدية عن من قتلهم وبعد ذلك عاد عروة إلى قريش ووصف لهم ما رآه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم يا قوم إني قد وفدت عَلَى الملوك كسرى وهرقل والنجاشي وإنى والله ما رأيت ملكا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت وما يكفيه إلا أن يشير إلى أمر فيفعلون وما يتنخم وما يبصق إلا وقعت في يدى رجل منهم يمسح بها جلده وما يتوضأ إلا إزدحموا عليه أيهم يظفر منه بشئ وقد حزرت القوم وإعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم وقد رأيت قوما ما يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم وودافعوا عنه حتى يقتلوا دونه ولم يكونوا ليسلمنه أبدا فترووا في رأيكم وإياكم وإضجاع الرأى وقد عرض عليكم خطة فمادوه ويا قوم إقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح وإني أخاف ألا تنتصروا عليه إنه رجل أتى هذا البيت معظما له ومعه الهدى ينحره وينصرف فقالت قريش لا تتكلم بهذا لو غيرك تكلم بهذا للمناه ولكن نرده عن البيت في عامنا هذا وليرجع في العام المقبل وإنتهي الأمر بتوقيع صلح الحديبية بين النبي ومشركي قريش وإتفق على أن تتوقف الحروب بين الطرفين لمدة 10 سنوات وأن ينصرف المسلمون عائدين إلى المدينة المنورة على أن يفدوا في العام القادم وستقوم قريش بإخلاء مكة لهم لمدة 3 ايام لكي يقوموا بأداء العمرة .
وبعد بيعة الرضوان وصلح الحديبية وفي شهر المحرم عام 7 هجرية شهد الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر وفي شهر ذى القعدة من نفس العام شهد عمرة القضاء ثم فتح مكة في شهر رمضان عام 8 هجرية وغزوة حنين في شهر شوال عم 8 هجرية ثم حصار الطائف في شهر ذى القعدة عام 8 هجرية وفي شهر رجب عام 9 هجرية شهد غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وفي شهر رمضان عام 9 هجرية لما قدم وفد ثقيف المدينة المنورة وكان مكونا من عدد 12 رجلا على رأسهم كنانة بن عبد ياليل الثقفي تركوا رحالهم خارج المدينة وتركوا أصغرهم سنا وهو عثمان بن أبي العاص وكان عمره سبعة وعشرين عاما لحراستها ورآهم المغيرة بن شعبة وهم يدخلون المدينة وعلمهم كيف يحيون الرسول صلى اللَّه ععليه وسلم فلما دخلوا علبه لم يحيوه كما علمهم المغيرة بتحية الإسلام وإنما حيوه بتحية الجاهلية حيث كانوا مازالوا على عنادهم حتى ذلك الوقت وأنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد وأحسن ضيافتهم حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم ولكي يستمعوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم ويشاهدوا أحوال المسلمين ويتعلموا الإسلام ويسمعوا القرآن فكانوا يمكثون في المسجد ثم يذهبون الى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك فكانوا اذا ذهبوا الى رحالهم تركهم عثمان بن أبي العاص وذهب الى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعلم على يديه وإذا لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس الى أبي بكر الصديق أو أبي بن كعب رضي الله عنهما ويتعلم منهما القرآن وحفظ عثمان بن أبي العاص سورة البقرة ثم أتي الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وقال يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني فوضع الرسول صلى اللَّه عليه وسلم يده على صدره وقال يا شيطان إخرج من صدر عثمان
يقول عثمان فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه ومرة أخرى جاء عثمان بن أبي العاص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه وإتفل عن يسارك ثلاثا فإذا أحسست بوسوسة الشيطان في الصلاة فيجوز لك بل يستحب أن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فتقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تلتفت برأسك فقط جهة اليسار وتتفل ثلاثة مرات والتفل هو النفخ معه قليل من الريق وهو ليس مثل النفث فالنفث نفخ بلا ريق كما أنه غير البصق وإذا كنت في صلاة جماعة فيكفي أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بعثمان بن أبي العاص وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا وكان له بعد ذلك ذكرى طيبة وعطاء عظيم للدولة الإسلامية وكانت له فتوحات في بلاد فارس والهند وبعد مناقشات ومحاورات عديدة مع وفد ثقيف حاولوا خلالها الحصول على إستثناءات من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسمح لهم بشرب الخمر والربا والزنا وأن يعفيهم من الصلاة وبالطبع رفض النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك فتشاور أعضاء الوفد وفي النهاية قبلوا الإسلام كما أراده النبي صلى الله عليه وسلم منهم وبقي أمر ما كانوا يسمونه الربة وهي صنم اللات الذى كانوا يعبدونه فسألوا الرسول ماذا يفعلون به فقال لهم عليكم بهدمه فطلبوا من الرسول أن يمنحهم مهلة ثلاث سنوات فرفض فقالوا سنتين فرفض فقالوا سنة فرفض فقالوا شهر فرفض فقالوا إذن تول أنت هدمها فأما نحن فإنا لا نهدمها أبدا فأجابهم الرسول صلى الله عليه إلى ذلك وقال سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها فقالوا إئذن لنا قبل رسولك ثم إبعث في آثارنا فإنا أعلم بقومنا يعنى لا ترسل من يهدم اللات فورا ولكن دعنا نمهد لثقيف هذا الأمر فوافقهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وبعد ذلك قال وفد ثقيف للنبي يا رسول الله أمر علينا رجلا يؤمنا من قومنا فأمر عليهم عثمان بن أبي العاص مع أنه كان أصغرهم سنا وهو الذى كانوا يتركونه في رحالهم خارج المدينة كما أسلفنا حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام وفرائضه ووجد فيه كفاءة قيادية ورفض أن يؤمر عليهم زعيمهم كنانة بن عبد ياليل لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يدخل الإيمان كاملا في قلبه وكان تأمير الرسول صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص وهو شاب صغير ولم يؤمر عبد ياليل مماثلا لتأميره من قبل عتاب بن أسيد على مكة وهو أيضا شاب وعزل أبو سفيان حيث كان الإيمان لم يدخل قلبه كاملا أيضا وعاد وفد ثقيف إلى الطائف وبقي عندهم مشكلة مواجهة قومهم بكل ما حدث معهم في المدينة فقد كانوا يعلمون أن غالبية ثقيف لا تزال ترفض الإسلام فقال لهم كنانة بن عبد ياليل أنا أعلم الناس بثقيف فإكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والقتال وأخبروهم أن محمدا سألنا أمورا أبيناها عليه وسألنا أن نهدم اللات والعزى وأن نحرم الخمر والزنا والربا فلما وصلوا الى الطائف خرجت ثقيف لإستقبالهم فأظهر الوفد الحزن وإتجهوا الى اللات كما هي عادة ثقيف ونزلوا عندها ثم قالوا لهم أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب يعنى خضع له العرب ودان له الناس فعرض علينا أمورا شدادا هدم اللات وترك الخمر والزنا والربا وأمرنا بالصلاة فقالت ثقيف والله لا نقبل هذا أبدا فقال لهم الوفد فتهيأوا للقتال وتعبأوا له ورمموا حصونكم ومكثت ثقيف يومين ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فجاءوا الى الوفد وقالوا لهم والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب فإرجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه فلما رأى الوفد ذلك قالوا لهم فإنا قد صالحناه على ذلك ووجدناه أتقي الناس وأوفاهم فقالوا فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم قالوا أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان وهكذا أسلمت كل ثقيف ولم تمض الا أيام حتى جاءت السرية التى أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لهدم صنم اللات وبرغم أن ثقيف كانت قد دخلت في الإسلام الا أن دخول الطائف وهدم صنمها كان أمرا غير مأمون على الإطلاق ومهمة شديدة الخطورة ولذلك أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم السرية وأمر عليها القائد الفذ خالد بن الوليد رضي الله عنه وجعل مع هذه السرية المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو من ثقيف فلا شك أن البطن الذى ينتمي اليه المغيرة بن شعبة من ثقيف وهو بطن بنى متعب سيقوم بحمايته وحماية باقي أفراد السرية من المسلمين كما كان ضمن السرية أبو سفيان بن حرب وهذه أيضا إشارة هامة وحسن تدبير من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن زعيم الوثنية السابق هو الذى جاء بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب ولما وصلت السرية المكلفة بهدم اللات إتجهت فورا اليها فخرجت كل ثقيف رجالا ونساءا وشيوخا وأطفالا وتجمعت تشاهد هذا الحدث الخطير وأغلب ثقيف تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم اللات حيث كان الإسلام لم يرسخ في قلوبهم بعد فقام المغيرة بن شعبة وقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف فأخذ المعول فضرب اللات ضربة ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع فإضطربت كل ثقيف وأخذت تصيح وتقول قتلته الربة وفرحت ثقيف وصاحوا من شاء منكم فليقترب ويهدمها فوثب المغيرة رضي الله عنه وهو يقول قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع فإقبلوا عافية الله وإعبدوه ثم قام المغيرة رضي الله عنه وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها ثم قال سادن الصنم لئن هدموا الأساس ليخسفن بهم فسمع المغيرة ذلك فقال لخالد بن الوليد رضي الله عنه دعنى أحفر أساسها فحفر الأساس وهدمه فأسقط في يد ثقيف وبهتت وشيئا فشيئا حسن إسلامها ثم عادت السرية بسلام الى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة حاملة حلي وكسوة اللات التي كان أهل ثقيف يهبونها لها كقرابين فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين وحمد الله وأثنى عليه .
|