بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر والذى يكنى بقريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام القرشي الزهرى رضي الله عنه صحابي من كبار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة وهو يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجد الخامس كلاب بن مرة بن كعب وهو ينتمي إلى بني زهرة أحد بطون قبيلة قريش وكانت ديارهم في مكة المكرمة تقع في الجهة اليمانية للكعبة المشرفة وعمل العديد من أبنائها بالتجارة وحققوا من خلالها أرباحا وفيرة وهم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت أم النبي صلى الله عليه وسلم السيدة آمنة بنت وهب الزهرية القرشية تنتمي إليهم كما كان من أعلام هذه القبيلة غير عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الصحابيان الجليلان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد السابقين إلى الإسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة وإبن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه ومما يذكر أن كلا من الصحابيين الجليلين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص قد أسلما في بداية الدعوة على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وذلك قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم وكان ميلاد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف بمكة المكرمة بعد عام القيل بحوالي عشر سنوات فهو يصغر الرسول صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات ويكون مولده قبل البعثة بثلاثين عاما وقتل أبوه عوف بن عبد عوف في الجاهلية على يد بني جذيمة إحدى قبائل بني كنانة في الغميصاء وهي قرية تقع جنوبي مكة وأما أمه فهي الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة وكانت من أولاد عمومة أبيه وكانت ممن أسلموا قديما في مكة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت إلى المدينة المنورة وقد وصفه الواقدى بأنه كان رجلا طوالا حسن الوجه واسع العينين طويل الأنف بشرته بيضاء رقيقة مشربة بالحمرة ضخم الكفين غليظ الأصابع ويقول إبن إسحق كان ساقط الثنيتين أهتم أعسر أعرج حيث كان قد أصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جرحا بعضها في رجله فعرج ويروى عنه أنه كان يحرم الخمر في الجاهلية وكان من أسباب إسلامه مقابلته لعسكلان بن عواكن الحميرى الذى كان تاجرا كبيرا يسكن بمناطق قبيلة حمير بأرض اليمن والتي كانت من أكبر وأقدم القبائل العربية وكان يبشر ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقال الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في ذلك سافرت إلى بلاد اليمن قبل البعثة بحوالي عام فنزلت على عسكلان بن عواكن الحميرى وكان شيخا كبيرا طاعنا في السن وكنت إذا قدمت نزلت عليه فلا يزال يسألني عن مكة وأحوالها وهل ظهر فيها من خالف دينهم أو لا حتى قدمت اليمن وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد بعث في مكة وأنا غائب فيها فنزلت عليه فقعد وقد شد عصابة على عينيه وقال لي إنتسب يا أخا قريش فقلت له أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة قال حسبك ألا أبشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة قلت بلى قال أتيتك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة إن اللَّه قد بعث في الشهر الأول من قومك نبيا إرتضاه صفيا وأنزل عليه كتابا وفيا ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الإسلام يأمر بالحق ويفعله وينهى عن الباطل ويبطله وهو من بني هاشم وإن قومك لأخواله يا عبد الرحمن فآزره وصدقه فقدمت مكة فلقيت أبا بكر وكان لي خليطا فأخبرته الخبر فقال هذا محمد بن عبد اللَّه قد بعثه اللَّه إلى خلقه رسولا فأتيته وهو في بيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها فأخبرته بما قاله عسكلان فقال صلى الله عليه وسلم أما إن أخا حمير من خواص المؤمنين ورب مؤمن بي ولم يرني ومصدق بي وما شهدني أولئك إخواني حقا .
وكان إسم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قبل الإسلام عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فغير الرسول صلى الله عليه وسلم إسمه إلى عبد الرحمن وكان المسلمون الأوائل يجتمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وبقوا فيها شهرا حتى بلغوا ما يقارب أربعين رجلا وإمرأة فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها ثم هاجر عبد الرحمن رضي الله عنه الهجرة الأولى إلى الحبشة إذ لما إشتد إيذاء قريش للمسلمين دعاهم النبي للخروج إلى أرض الحبشة مادحا ملكها أصحمة النجاشي بأنه ملك لا يظلم عنده أحد فهاجر عبد الرحمن مع مجموعة من المسلمين في شهر رجب من العام الخامس بعد البعثة وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة فخرجوا من مكة حتى وصلوا ساحل البحر الأحمر ثم أمروا عليهم الصحابي الجليل عثمان بن مظعون رضي الله عنه وكان ضمن المهاجرين الصحابة الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود ومصعب بن عمير وعثمان بن عفان وزوجته السيدة رقية إبنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة وزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو وأبو سلمة بن عبد الأسد وزوجته أم سلمة هند بنت أبي أمية والتي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها وصارت من أمهات المؤمنين رضي الله عنهم جميعا ووجدوا سفينتين فركبوا مقابل نصف دينار لكل منهم وعلمت قريش فأسرعت في تعقبهم إلى الساحل ولكنهم كانوا قد أبحروا ولكن لم يلبثوا في الحبشة طويلا حيث عادوا إلى مكة بعد أن وصلتهم أنباء تفيد بأن أهل مكة قد أسلموا فعاد عبد الرحمن رضي الله عنه إلى مكة وتبين عدم صحة هذا النبأ وأنه مجرد إشاعة غير صحيحة ولم يذكر المؤرخون عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فيمن هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة الهجرة الثانية ثم هاجر عبد الرحمن رضي الله عنه مع المسلمين إلى المدينة المنورة ونزل في رجال من المهاجرين على الصحابي الجليل سعد بن الربيع الأنصارى رضي الله عنه ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة مهاجرا من مكة آخى بين المهاجرين والأنصار فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع رضي الله عنهما فعرض عليه سعد رضي الله عنه أن يناصفه أهله وماله فقال إني أكثر الأنصار مالا فأقسم مالي نصفين بيني وبينك فقال عبد الرحمن رضي الله عنه بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق فدلوه على سوق بني قينقاع وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تاجرا ماهرا فربح شيئا من أقط وسمن وتزوج إمرأة من الأنصار وجاء بعد أيام للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أخباره فقال يا رسول الله تزوجت إمرأة من الأنصار قال فما سقت فيها أى ماذا كان مهرها فقال وزن نواة من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة فكان عبد الرحمن رضي الله عنه يقول فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا رجوت أن أصيب تحته ذهبا أو فضة .
ومرت الأيام بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين في المدينة المنورة وجاءت غزوة بدر في شهر رمضان عام 2 هجرية وشهدها الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان في ميمنة المسلمين يومذاك ويقول الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن ذلك اليوم كنت واقفا في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما ثم يقول فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم فما حاجتك إليه قال أنبئت أنه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سواده سوادى حتى يموت الأعجل منا ثم يقول فغمزني الآخر فقال لي كما قال الأول قال فعجبت لذلك قال فلم ألبث أن رأيت أبا جهل في الناس قال فقلت لهما ألا تريان ها ذاك صاحبكما الذى تسألان عنه قال فإبتدراه بسيفيهما يغربانه حتى أوقعاه عن فرسه فجاء الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأجهز عليه ولما إشتدت المعركة وحمي الوطيس إحتمى عدو الله ورسوله أمية بن خلف عليه لعنة الله بالصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وذلك لما كان بينهما من مكاتبة بأن يحفظ أمية بن خلف عبد الرحمن في مكة المكرمة على أن يحفظ عبد الرحمن أمية في المدينة المنورة فأخذه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كأسير عنده وكان يعلم بما فعله أمية ببلال رضي الله عنه في مكة المكرمة قبل الهجرة فكان حريصا على ألا يراه بلال لكن شاء الله أن يرى بلال أمية فلما رآه قال لا نجوت إن نجا وصاح بجماعة من الأنصار فأحاطوه فإنقض عليه بلال رضي الله عنه فثأر منه وقتله وبعد ذلك شهد عبد الرحمن بن عوف غزوة أحد وكما أسلفنا أصيب يومذاك فهتم وجرح عشرين جرحا بعضها في رجله فأصابه بعض العرج وشهد الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعد ذلك غزوة الخندق في شهر شوال عام 5 هجرية وغزوة بني قريظة في شهر ذى القعدة من العام نفسه وفي شهر شعبان عام 6 هجرية بعث رسول الله سرية حربية بقيادة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى عشيرة بني عدى بن جناب والذين كانوا يدينون بالنصرانية وكان رئيسهم الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم بن عدى بن جناب الكلبي نصرانيا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من إبنة ملكهم إذا فتح الله عليه فأخذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه اللواء وسار بجيشه وكان قوامه 700 مقاتل إلى وجهته التي كلفه بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولما وصل رضي الله عنه بجيشه إلى دومة الجندل مكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فدخل ملكهم الأصبغ بن ثعلبة في الإسلام الذى كان الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه قد سبق أن دعاه إليه في اليوم الثالث وأسلم معه أناس كثيرون من قومه وأقام الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من لم يسلم وبقي على النصرانية بالجزية وتزوج إبنة ملكهم تماضر بنت الأصبغ وقدم بها المدينة المنورة فأنجبت له إبنه أبا سلمة في عام 22 هجرية قرب أواخر عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبلا شك فقد كان إسلام الكثير من عشائر قبيلة بني كلب بدومة الجندل قوة للإسلام والمسلمين فقد أخذ العشرات من فرسان ورجال قبيلة كلب أماكنهم في الصفوف المؤمنة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان منهم الكثير الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأداء العمرة في شهر ذي القعدة عام 6 هجرية وإنتهى الأمر ببيعة الرضوان وبعقد صلح الحديبية حيث تم الصلح والمهادنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش وقد شهد الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هذين المشهدين ايضا .
وفي شهر المحرم عام 7 هجرية شهد الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غزوة خيبر ثم عمرة القضاء في شهر ذى القعدة عام 7 هجرية ثم فتح مكة في شهر رمضان عام 8 هجرية وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح خالد بن الوليد إِلى بني جذِيمة فقتل خالد نفرا منهم بعد أن تأول فأخطأ فودى النبي القتلى وأَعطاهم ثمن ما أُخذ منهم وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية كما أسلفنا عوف بن عبد عوف والد الصحابي عبد الرحمن بن عوف كما كانوا قد قتلوا الفاكه بن المغيرة عم خالد فقال له عبد الرحمن إِنما قتلتهم لأَنهم قتلوا عمك وقال خالد إِنما قتلوا أَباك وأَغلظ له في القول فنهاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدَكم لو أنفق مثل جبل اُحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه وبعد الفتح شهد عبد الرحمن رضي الله عنه غزوة حنين في شهر شوال عام 8 هجرية وحصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام ثم شهد غزوة تبوك أو غزوة العسرة في شهر رجب عام 9 هجرية وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي وراءه صلاة الفجر في أحد ايام هذه الغزوة لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الخروج للصلاة وكان قد حان وقتها فقدمه الصحابة ليؤمهم وجاء النبي بعد الركعة الأولى ودخل في الصلاة وبعد ان سلم قام النبي وأدى الركعة الثانية فكان هو الوحيد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذى أم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول سعيد بن جبير كان مقام أَبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءَه في الصلاة كما كان عبد الرحمن ممن يفتى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته كان له مكانة ومنزلة كبيرة في عهد الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان من مجلس شورته وفي عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له أيضا نفس المكانة والمنزلة وكان أيضا ضمن مستشاريه وهو من أشار عليه بإختيار سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قائدا لجيش المسلمين في العراق وذلك في شهر المحرم عام 14 هجرية بعد أن كان عمر يريد أن يخرج هو ليقود جيش المسلمين ضد الفرس في بلاد العراق ولما حدث طاعون عمواس ببلاد الشام عام 18 هجرية كان عمر يريد أن يذهب للشام وقتها فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوى الشريف إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا فرارا منه فإستمع عمر لنصيحته وبقي في المدينة المنورة ولما فتحت بلاد فارس وفي عام 23 هجرية إختلف الصحابة في أخذ الجزية من المجوس فجاء عبد الرحمن بن عوف وأخبر عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وهي الأحساء بالسعودية حاليا فأخذ عمر بشهادته وبعث كاتبا لجزء بن معاوية أن إنظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ الجزية من مجوس هجر وفي عام 23 هجرية إستخلف عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف على الحج وحج معه وكانت هذه آخر حجة حجها عمر قبل مقتله واذن عمر في هذا العام لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن بالحج فحملن في الهوادج وجعل أمرهن مع عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدا يدنو منهن وكان عبد الرحمن يسير من ورائهن على راحلته فلا يدعَ أحدا يدنو منهن وكن ينزلن مع عمر كل منزل فكان عثمان وعبد الرحمن ينزلان بهن في الشعاب فيقيلانهن في الشعاب وينزلان هما في أول الشعب فلا يتركان أحدا يمر عليهن أو يقترب منهن .
ولما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أواخر شهر ذى الحجة عام 23 هجرية كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من أصحاب الشورى الستة الذين أوصى لهم عمر رضي الله عنه بإختيار الخليفة من بعده والذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم جميعا ورفض تسمية أحدهم بنفسه وأمرهم أن يجتمعوا في بيت النبي صلى الله عليه وسام الذى توفي ودفن به أى في حجرة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ويتشاوروا كما أمر بحضور إبنه عبد الله بن عمر مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من الأمر شيئا وأوصى أيضا صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه أن يصلي بالمسلمين ثلاثة أيام حتى تنقضي الشورى ويتم إختيار الخليفة الجديد وأرسل لأبي طلحة الأنصارى رضي الله عنه قبل أن يموت بساعة وقال له يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأَنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم سيجتمعون في بيت أمهم عائشة رضي الله عنها فقم على بابه بأصحابك ولا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم اللهم أَنت خليفتي عليهِم يا أَبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم وقال للمقداد بن عمرو إِذا وضعتموني في حفرتي فإجمع هؤلاء الرهط في بيت أمهم عائشة لكي يختاروا رجلا منهم وتابع قوله لأبي طلحة قم على رؤوس أصحاب الشورى فإن إجتمع خمسة وإرتضوا رجلا وأبى واحد إضرب رأسه بالسيف وإن إتفق أربعة وإرتضوا رجلا منهم وأبى إثنان فإضرب رأسيهما فإن إرتضى ثلاثة رجلا منهم وإرتضى الثلاثة الآخرون رجلا آخر فحكموا عبد الله بن عمر فأى الفريقين حكم له فليكن الخليقة من إختاره الفريق الذى حكم له فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف وإقتلوا الباقين إن رغبوا فيما إجتمع عليه الناس وبالفعل نفذ أبو طلحة الأنصارى رضي الله عنه أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وظل يحرس إجتماع هؤلاء الرهط من الرجال حتى تم بحمد الله إختيار الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة للمسلمين حيث ذهب أهل الشورى إلى الإجتماع في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها فقال لهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير جعلت أمرى إلى علي وقال طلحة جعلت أمرى إلى عثمان وقال سعد جعلت أمرى إلى عبد الرحمن بن عوف وبذلك أصبح المرشحون الثلاثة للخلافة علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وانا أخلع نفسي من هذا الأمر وإجعلوه إلي فقالوا نعم وأخذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير المسلمين وبعد صلاة صبح يوم البيعة إرتفى رضي الله عنه منبر النبي صلى الله عليه وسلم ووضع فوق رأسه عمامة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهداها له وأعلن البيعة لعثمان بن عفان وقال أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا وقال مخاطبا عثمان أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده وبايعه باقي أصحاب الشورى والناس جميعا المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون .
وفي عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حظي عبد الرحمن بن عوف بنفس المنزلة والمكانة التي كان يحظى بها في عهد الخليفتين الراشدين الأول والثاني أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان إلى جانب الخليفة مستشارا وناصحا له وفي عام 24 هجرية إستخلفه عثمان رضي الله عنه على الحج في ذلك العام وكان رضي الله عنه زاهدا في الإمارة ويروى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أرسل إليه رجلا وهو قائم يخطب أن إرفع رأسك إلى أمر الناس أى إدع إلى نفسك فقال عبد الرحمن ثكلتك أمك إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس وكان عثمان يريد أن يوصي له بالخلافة من بعده فلما إشتكى عثمان رعافا دعا كاتبه حمران وقال له إكتب لعبد الرحمن بن عوف العهد من بعدى فكتب له وإنطلق حمران إلى عبد الرحمن وقال له البشرى قال وما ذاك قال إن عثمان رضي الله عنه قد كتب لك العهد من بعده فقام عبد الرحمن رضي الله عنه يدعو بين قبر ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلا اللهم إن كان من تولية عثمان إياى هذا الأمر فأمتني قبله فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى توفي رضي الله عنه وكان ذلك بالمدينة المنورة على الأرجح في عام 32 هجرية وقيل عام 31 هجرية في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وقبل مقتل عثمان بحوالي 3 سنوات وكان عمره آنذاك يناهز 75 عاما فكان رابع من توفاهم الله من العشرة المبشرين بالجنة بعد أبي بكر الصديق وأبي عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا ودفن في مقبرة البقيع رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا وصلى عليه الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في جنازته أذهب عنك إبن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها وكان إبن عمه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيمن حمل جنازته فكان ممسكا بقائمتي السرير وهو تحته يقول واجبلاه وروى أنه أُغمي على عبد الرحمن بن عوف قبل وفاته ثم أفاق فقال إِنه أتاني ملكان فظان غليظان فقالا لي إنطلق نخاصمك إلى العزيز الأمين فلقيهما ملك فقال إلى أين تذهبان فقالا نحاكمه إلى العزيز الأمين فقال خليا عنه فإنه ممن سبقت له السعادة في بطن أمه ومما يذكر أنه يوجد في الأردن مقام ينسب للصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في منطقة الجبيهة شمال العاصمة الأردنية عمان وهذا المقام ليس ضريحا بل تذكارا يشير إلى إقامته في هذه المنطقة أو مروره منها وهو في طريقه لبلاد الشام .
وقبل أن نختم مقالنا هذا عن الصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه نذكر بعض من مناقبه فقد كان رضي الله عنه ينفق على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت السيدتان عائشة بنت أبي بكر الصديق وأم سلمة رضي الله عنهما تقولان سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه إن الذى يحنو عليكم بعدى لهو الصادق البار اللهم إسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة وقد أوصى لهن بحديقة بيعت بأربعمائة ألف وكان في حراستهما كما أسلفنا حين سمح لهن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالحج عام 23 هجرية وقال الزبير بن بكار عن ذلك كان عبد الرحمن بن عوف أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه وقد إشتهر رضي الله عنه بعظم ثروته وكان أكثر ماله من التجارة وكان تاجرا ماهرا وكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا فكان يدخل منه قوت أهله عام كامل ولما كثر ماله قدم له ذات يوم راحلة تحمل البر وتحمل الدقيق والطعام فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رَجة وكانت السيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر في بيتها فقالت ما هذا قالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام ويروى أن ميراثه كان من ذهب يقسم بالفؤوس حتى مجلت يدى الرجال منه وترك أربع نسوة أخرجت كل إمرأة من إرثها بثمانين ألفا كما إشتهر بكثرة إنفاقه وصدقاته وكثرت الأخبار في ذلك سواء في العهد النبوى أو في عهد الخلفاء الراشدين أيضا وكان من هذه الأخبار أنه تصدق بشطر ماله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم تصدق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة وباع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرقها جميعا على أهله من بني زهرة وأمهات المؤمنين وفقراء المسلمين وروى أنه أعتق 30 ألف بيت فكان طلحة بن عبد الله بن عوف يقول كان أهل المدينة المنورة عيالا على عبد الرحمن بن عوف ثلث يقرضهم ماله وثلث يقضي دينهم ويصل الثلث الباقي وحين وفاته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله فكان الرجل يعطى منها ألف دينار وأَوصى لمن بقي من أهل غزوة بدر لكل رجل أَربعمائة دينار وكانوا مائة فأَخذوها وأَخذها الخليفة عثمان فيمن أَخذ وأَوصى بأَلف فرس في سبيل الله وعلاوة على كل ذلك كان الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من رواة الحديث النبوى الشريف حيث روى 65 حديثا جمعها الإمام والفقيه بقي بن مخلد القرطبي الأندلسي في مسنده وله في صحيحي الإمامين البخاري ومسلم حديثان متفق عليهما وإنفرد له الإمام البخارى بخمسة أحاديث وله في مسند الإمام أحمد بن حنبل 31 حديثا وروى عنه من الصحابة عبد الله بن عباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وجبير بن مطعم والمسور بن مخرمة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عامر بن ربيعة وروى عنه بنوه إبراهيم وحميد وأبو سلمة وعمرو ومصعب والتابعي مالك بن أوس وكان من الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إِن اللَّه فرض صيام رمضان وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا وإحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة واخيرا نذكر أن الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مع غناه وكثرة ماله كان زاهدا وكان يخشى من كثرة ماله ويروى عنه أنه جاءه في يوم طعام وكان صائما فجعل يبكي ويقول قتل حمزة فلم نجد ما يكفن فيه إلا ثوبا واحدا وقتل مصعب بن عمير فلم نجد ما يكفن فيه إلا ثوبا واحدا لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ولما وضعت أمامه صحفة فيها خبز ولحم بكى وقال هَلكَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير فلا أرانا أخرنا لما هو خير لنا ويروى عنه ايضا أنه كان متواضعا أشد التواضع فلا يكاد يعرف من بين عبيده .
|