بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن الثقفي رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتمي إلى قبيلة ثقيف وهي قبيلة عربية تقيم منذ ما قبل الإسلام وإلى اليوم في مدينة الطائف وما حولها بغرب شبه الجزيرة العربية وهي تابعة لمنطقة مكة المكرمة وتبعد عنها 75 كم تقريبا وتعد قبيلة ثقيف إحدى قبائل قيس عيلان المعروفة بالقبائل القيسية وهي مجموعة كبيرة جدا من القبائل العربية يقال لهم مضر السوداء وينتسبون لقيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام وهي تضم عدة أفرع أبرزها هوازن وغطفان وبنو سليم التي إنحدرت منها شعوب وقبائل عديدة وقيس عيلان هو شقيق إلياس بن مضر الذى تنحدر منه قبائل خندف أو العرب الخندفية أو الإلياسية وهي مجموعة كبيرة من القبائل العربية تعرف بإسم مضر الحمراء وهي تنتسب لإلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام وبنو خندف عدة فروع أبرزها تميم وهذيل وبنو أسد وكنانة التي إنحدرت منها شعوب وقبائل كثيرة على رأسها قبيلة قريش التي إنحدرت من كنانة بالإضافة إلى فروع أصغر هي الرباب وقبيلة ضبة ومزينة وعضل وبني كعب وكان من أبرز شخصيات قبيلة ثقيف غير الصحابي الجليل عروة بن مسعود الصحابة المغيرة بن شعبة وأبو عبيد بن مسعود والحكم بن مسعود وأبو محجن الثقفي وكان ميلاد الصحابي عروة بن مسعود بالطائف وغير معلوم لنا تاريخ ميلاده بالتحديد مثله مثل العديد من الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم جميعا وإن كان من المؤكد أنه كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ونشأ في بيت عز وشرف فأبوه مسعود بن معتب كان زعيم ثقيف وقيس عيلان في حرب الفجار أمام قبائل كنانة والتي منها قريش وهي إحدى حروب العرب في الجاهلية ووقعت بين قبائل كنانة وبين قبائل قيس عيلان وسميت بالفجار لما إستحل فيه هذان الحيان من المحارم بينهم في الأشهر الحرم ولما قطعوا فيه من الصلات والأرحام بينهما وكانت بدايتها بسبب خلافات بين أفراد من الحيين على بعض المعاملات التجارية بسوق عكاظ تحولت إلي خصومة وعداء وقتال إستمر قرابة 10 سنوات من عام 43 قبل الهجرة حتى عام 33 قبل الهجرة وقد حضر عروة بن مسعود تلك الحروب هو وإخوته الأسود ونويرة ووحية وهم يومئذ غلمان فكانوا في يوم عكاظ إحدى أيام حرب الفجار يجيرون قومهم ويدخلونهم خباء أمهم سبيعة بنت عبد شمس وكانت قد أمرتهم بذلك ليسودوا وبذلك تحققت له السيادة والشرف من الصغر فأصبح مقدما لدى قومه وأحد وجوه العرب وأشرافها وفي هذا اليوم تقدمت قبائل قيس عيلان على قبائل كنانة في أول النهار ثم تقدمت كنانة على قيس عيلان باقي النهار وقتل من الفريقين عدد كبير وقيل إن عروة بن مسعود هو أحد المقصودين بقوله تعالى في سورة الزخرف وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ وكان المقصود بالقريتين مكة والطائف وبالرجل إما الوليد بن المغيرة من أهل مكة أوعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف .
وقد ظل عروة بن مسعود هو وقبيلته في عداء سافر مع الإسلام ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة متجها إلى الطائف وكان بصحبته مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه والذى كان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كله أمل أن تكون أرض خير وإسلام لكن كانت المفاجأة السيئة لما بدأ صلى الله عليه وسلم بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر فكلمهم عن الإسلام ودعاهم إلى الله فردوا عليه ردا قاسيا وقالوا له إخرج من بلادنا وعلى الرغم من هذه المقابلة السيئة والكلام الخشن لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم دعوته بل مكث عشرة أيام في الطائف يتردد على منازل أهلها يدعوهم إلى دين التوحيد ولكن دون فائدة ولم ير منهم سوى الإستهزاء والسب والشتم والطرد ولما لم يجد أى إستجابة طلب منهم أن لا يخبروا أهل مكَة بمجيئه إليهم حتى لا يظنوا أنه جاء للطائف ليستعدى أهلها على أهل مكة ولكن أهل الطائف تخلوا عن أبسط مظاهر الخُلق العربي وهو إكرام الضبف الغريب إذ كانوا أشد خسةً ودناءة مما توقعه النبي عليه الصلاة والسلام وقاموا بإرسال رسول منهم إلى مكة ليخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لمحمد في الطائف ولَم يكتفوا بهذا بل تخلوا عن أخلاق العرب كلها فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء ووقفوا صفين عند إنصرافه من بلدهم وأخذوا يرمونه بالحجارة ويسخرون منه ويسبونه بأقبح السباب والشتائم حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع قدما ولا يضعها إلا على الحجارة وسالت الدماء من قدميه الشريفتين وشج رأس سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنه الذى حاول الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي النهاية لجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة وشيبة إبني ربيعة ولم يَجِد النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جلس والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين إلا أن يتوجه إلى ربه وراح النبي صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابه الذين يجلدون ويعذبون في مكة وتذكر زوجته الحبيبة الراحلة خديجة رضي الله عنها وتذكر أبا طالب فلم يجد بدا من أن يرفع هذه الشكوى إلى الله قائلا اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك وهكذا وعلى الرغم من الموقف الصعب الذى كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يطلب من الله أن ينتقم من أهل الطائف وأن تسيل دماءهم وألا يبقي على أرض الطائف من الكافرين ديارا بل لم نسمع كلمة ذم واحدة في حق الذين طاردوه وسبوه وأدموا قدميه بالحجارة كان كل همه صلى الله عليه وسلم في تلك اللَّحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه وفي هذه اللحظة جاءه ملك الوحي جبريل عليه السلام يخبره بأن الله قد بعث معه ملك الجبال برسالة يقول فيها إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين فأتى الجواب منه عليه الصلاة والسلام بالعفو عنهم قائلا أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا فقال له الملك صدق من سماك الرؤوف الرحيم .
وفي واقع الأمر كان من الطبيعي ألا تقبل ثقيف دعوة الإسلام وعندهم صنمهم المعبود المقدس الذى كانوا يسمونه الربة أو اللات الذي تزوره العرب أيام الصيف الحار حيث تفد إلى الطائف للتمتع بجوها المعتدل صيفا فتستفيد ثقيف منهم أما لو دخَلوا في دين الإسلام فلن يَزورهم أحد وسيحرمون من الأرباح الطائلة التي يجنونها فكيف إذن تقبل ثقيف دعوة الإسلام ويقبلون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى مبدأ المساواة بين العبيد والسادة ويحرم الربا والزنا وشرب الخمر ومن ثم فإن دين الإسلام سيضرب مصالحهم المادية لذلك إستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إستقبالا سيئا وردوه ردا عنيفا وعن السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم الطائف إذ عرضت نفسي على إبن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فإنطلقت على وجهي وأنا مهموم وبعد عودة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبصحبته زيد بن حارثة رضي الله عنه من الطائف وقد لقي من ثقيف ما لقي من إيذاء وإستهزاء وضرب بالحجارة كما أسلفنا منعه أهل مكة من دخولها ولما وصل إلى حراء أرسل رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدى يسأله أن يدخل مكة محمد وزيد في جواره فقال المطعم مع أنه كان مشركا نعم ودعا بنيه وقومه فقال تلبسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى إنتهى إلى المسجد الحرام فقام المطعم بن عدى على راحلته فنادى يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا فلا يهجه أحد منكم فإنتهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى الركن فإستلمه وصلى ركعتين وإنصرف إلى بيته والمطعم بن عدى وولده محيطون به ولأجل ذلك قال عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم إستشفعني في هؤلاء يعني أسرى بدر لشفعته فيهم وأطلقتهم بلا فداء كما أنه كان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب بمقاطعتهم فلا يشترون منهم ولايبيعون لهم ولا يتزوجوا منهم وحتى يسرى الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم وتكريما له وإعلاءا لمقامه أسرى الله به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليصلى إماما بالأنبياء ثم عرج به حتى سدرة المنتهى وليرى من آيات ربه الكبرى وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه لما عرج بي عرض عليه الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال آدم أى أسمر البشرة مجعد الشعر كأنه من رجال شنوءة وهي مجموعة من القبائل العربية تنتمي إلى الأزد اليمنيين ورأيت المسيح عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود الثقفي ورأيت أبي إبراهيم الخليل فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم وأشار إلى نفسه .
وكان عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه واحدا من الذين أرسلتهم قريش للتفاوض مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديبية قرب مكة لما قدم هو وعدد 1400 من الصحابة لأداء العمرة في شهر ذى القعدة عام 6 هجرية ومنعتهم قريش من دخول الحرم وقد بدات المفاوضات بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش بأن أرسلت قريش للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من قبيلة خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا البيت ومعظما لحرمته فرجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد إن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا هذا البيت فقالوا لهم وإن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب ومما يذكر أن قبيلة خزاعة كانت عينا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان يحدث بمكة وبعد ذلك بعثت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم مكرز بن حفص بن الأخيف العامرى القرشي فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا رجل غادر فلما إنتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكلمه قال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا مما قال لبديل بن ورقاء وأصحابه فعاد إلى قريش فأخبرهم بما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعثت قريش حليفهم الحليس بن علقمة الكناني وكان يومئذ سيد الأحابيش وهو من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ليفاوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي قال إن هذا من قوم يتألهون وإنه رجل يعظم شعائر الله فإبعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رآى الهدى عاد إلى قريش ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فأخبرهم بما رأى فقالوا له إجلس فإنما أنت أعرابي لا علمَ لك فغضب منهم وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاء معظما له والذى نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به وهنا قال عروة بن مسعود وكان رجل ثقة في قريش كما في بلده الطائف دعوني آته ربما يكون هناك أمور أخرى في المفاوضات فيقول قولا آخر بخلاف ما قاله لبديل بن ورقاء وقال لكي يؤكد أمانته ألستم مني بمنزلة الوالد وعادة لا يخدع الولد والده قالوا بلى قال ألست منكم بمنزلة الولد يعني أنتم مني بمنزلة الوالد وأنا منكم بمنزلة الولد يعني أن مسالة خيانة قريش غير واردة قالوا بلى قال إذن دعوني آته فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء فقال عروة بن مسعود يا محمد إنها واحدة من إثنتين إذا قامت الحرب بيننا وبينك وإجتحت قومك وغلبتهم ووضعت أنوفهم في التراب فهل علمت أحدا إجتاح قومك قبلك كأنه يذكره أن هذا ليس من مكارم الأخلاق وإنك إن ظفرت بقومك وأهلك وعشيرتك فإنك تفعل فيهم كل ذلك وما أخالك تستطيع أن ترضى أن تفعل ذلك وإذا قامت الحرب فوالله ما أرى حولك إلا أوباشا خليقا أن يفروا ويدعوك وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه حاضرا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سمع هذا القول من عروة بن مسعود قال أنحن نفر وندعه وسبه سبا مقزعا هو وآلهته اللات فقال عروة من هذا يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو إبن أبي قحافة فقال له والله لولا أن لك علي يدا لأجبتك . وكان عروة وهو يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس لحيته وكانت هذه عادة عند العرب عندما يتحدث شخصان مع بعضهما وكان الصحابي المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في ذلك اليوم قائما على حراسة النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وهو مقنع بالحديد فكان كلما مس عروة لحية الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم معه قرع يده بجراب السيف فلما تكرر منه ذلك أكثر من مرة وعندما قال عروة على الصحابة أنهم أوباش وسيفرون ضربه المغيرة ضربة قوية على يده فأوجعته وقال له كف يدك عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تعود إليك قاصدا أنه لو مس لحية النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فإنه سيقوم بقطع يده فغضب عروة وقال ليت شعرى من هذا يا محمد من هذا الذى أرى من بين أصحابك فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إبن أخيك المغيرة بن شعبة فقال أى غدر والله ما غسلت عنك غدرتك إلا بالأمس لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر أتدرى يا محمد ما صنع هذا لقد خرج في ركب من قومه فلما ناموا وثب عليهم وقتلهم وأخذ حرائبهم وكل ما معهم وفر منهم وحملت أنا الدية عن من قتلهم وكان قد جاء وقت صلاة الظهر فاراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف عروة بن مسعود بمكانته ومنزلته لدى أصحابه وحتى يرى عدوه أن هؤلاء الصحابة لو دخلوا في حرب لا يسلمونه أبدا مهما حدث فقال آتوني بوضوء وجئ بوضوء فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فإغتسل أصحابه على وضوئه ما سقطت قطرة ماء على الأرض ولما رأى عروة بن مسعود ذلك إنصرف عائدا إلى قريش وقال لهم يا قوم إني قد وفدت عَلَى الملوك كسرى وهرقل والنجاشي كل في بلاطه وإنى والله ما رأيت ملكا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت وما يكفيه إلا أن يشير إلى أمر فيفعلون وما يتنخم وما يبصق إلا وقعت في يدى رجل منهم يمسح بها جلده وما يتوضأ إلا إزدحموا عليه أيهم يظفر منه بشئ وقد حزرت القوم وإعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم وقد رأيت قوما ما يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم ودافعوا عنه حتى يقتلوا دونه ولم يكونوا ليسلمنه أبدا فترووا في رأيكم وإياكم وإضجاع الرأى وقد عرض عليكم خطة فمادوه ويا قوم إقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح وإني أخاف ألا تنتصروا عليه إنه رجل أتى هذا البيت معظما له ومعه الهدى ينحره وينصرف فقالت قريش لا تتكلم بهذا لو غيرك تكلم بهذا للمناه ولكن نرده عن البيت في عامنا هذا وليرجع في العام المقبل وعند هذا الحد أسرعت قريش بإرسال سهيل بن عمرو العامرى لعقد الصلح مع المسلمين فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال قد سهل الله لكم أمركم فقد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فتكلم وتناقش سهيل بن عمرو طويلا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحاول سهيل أن يحقق لقريش أكبر المكاسب ومما شجعه على ذلك التسامح النبيل والمجيد الذى كان الرسول عليه الصلاة والسلام يديره في التفاوض والصلح لإدراكه التام أن هذا الصلح سيكون في صالح الإسلام والمسلمين وفي النهاية إتفقا على شروط الصلح وتم توقيعه من الطرفين .
وفي شهر ذى القعدة من العام الثامن الهجرى وبعد فتح مكة في شهر رمضان من العام المذكور ثم إنتصار المسلمين على قبائل هوازن وثقيف في غزوة حنين في شهر شوال من العام نفسه حاصر المسلمون الطائف التي لجأ إليها الفارون من غزوة حنين وخلال الحصار رماهم أهل الحصن رميا شديدا حتى قتل إثنا عشر من المسلمين فأشار الصحابي الحباب بن المنذر الأنصارى رضي الله عنه أن يبتعد المسلمون عن الحصن حتى لا تصيبهم السهام وبالفعل عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم في مكان لاتصل إليه السهام ولكنه إستمر في حصار الطائف وجرب المسلمون أكثر من طريقة لضرب هذا الحصار حيث قام الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه بصناعة منجنيق لقذف حصون الطائف بالحجارة وصنعوا دبابةً خشبية كان يختبئ تحتها الجنود ليصلوا إلى القلاع والحصون دون أن تصيبهم السهام وبدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق الذى صنعه سلمان وسار المسلمون تحت الدبابة الخشبية وبالفعل كسروا جزءا من السور وكاد المسلمون أن يدخلوا داخل أسوار الطائف لولا أن أهل الطائف فاجئوا المسلمين بإلقاء الحسك الشائك المحمى في النار وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى إحمرت فألقوها على المسلمين ورغبة في إضعاف معنويات ثقيف أخذ المسلمون في تحريق نخلهم وهو أمر مشروع في الحروب لإضعاف العدو فناشدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم فإستجاب لهم ثم نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر فخرج منهم بضعة عشر رجلا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين ليقوم بشأنه وإحتياجاته وإستمر الحصار أربعين يوما وكان أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة مما إضطر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرفع الحصار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفك الحصار وأمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وكان عروة بن مسعود حين حاصر النبي أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات والمنجنيق ثم عاد إلى الطائف بعد أن إنصرف منها رسول الله صلى الله الله عليه وسلم فعمل الدبابات والمنجنيق والعرادات وأعد ذلك لمقاومة أى عدو يهاجم الطائف فيما بعد وأراد الله أن يقذف في قلبه الإسلام آنذاك فإتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم حتى أدركه وأسلم بين يديه ثم قال يا رسول الله إئذن لي فآتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام فوالله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به وقد سبقت يا رسول الله في مواطن كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فعلت فإنهم قاتلوك قال يا رسول الله لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم ثم إستأذنه الثانية فأعاد عليه الكلام الأول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إن فعلت فإنهم قاتلوك قال يا رسول الله لو وجدوني نائما ما أيقظوني وأنا أحب إليهم من أبصارهم وكان فيهم بالفعل محببا مطاعا وإستأذنه الثالثة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت فإخرج فخرج إلى الطائف لكي يدعو قومه إلى الإسلام فأظهر دينه رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف على قومه وكان الوقت ليلا دخل منزله فأنكر قومه دخوله منزله قبل أن يأتي الربة أى صتم اللات كما إعتاد عندما يأتي من سفر ثم قالوا قد يكون قد حصره السفر .
وجاء إليه قومه فحيوه بتحية الشرك فقال لهم عليكم بتحية أهل الجنة السلام وقال يا قوم أتتهمونني ألستم تعلمون أني من أوسطكم نسبا وأكثركم مالا وأعزكم نفرا فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب فإقبلوا نصحي ولا تستعصوني فوالله ما قدم وافد على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم فإتهموه وإستغشوه وقالوا قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الربة ولم تحلق رأسك عندها إنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه وحلم عليهم وإستمر يدعوهم إلى دينه ونصح لهم فإستمر عصيانهم له وأسمعوه من الأذى الشئ الكثير وخرجوا من عنده وهم يأتمرون به فلما حان وقت الفجر قام على غرفة له فأذن لصلاة الفجر فرموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم رماه به رجل من بني مالك فسقط على الأرض فحمله أهله إلى داره وهناك قيل له ما ترى في دمك حيث كان قومه من بني متعب يريدون الثأر من قاتله فقال لهم قد تصدقت بدمي على صاحبه لأصلح بذلك بينكم وإنها لكرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فإدفنوني معهم فلما أسلم الروح دفنوه معهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلى الله فقتلوه ويقصد الرسول قصة الرجل المذكور في سورة يس حيث أنها تشبه قصة الصحابي عروة بن مسعود الثقفي فكل منهما رغب في هداية ونصيحة قومه لما ينفعهم في الدنيا وفي الآخرة لكنهم قتلوه ظلما وعدوانا ولما قتل عروة رضي الله عنه قال إبنه أبو مليح بن عروة بن مسعود وإبن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف لا نجامعكم على شئ أبدا وقد قتلتم عروة ثم لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا من شئتما قالا نتولى الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وخالكما أبو سفيان بن حرب حالفاه ففعلا ونزلا على المغيرة بن شعبة وأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف بعد أشهر قليلة في شهر رمضان عام 9 هجرية وذلك بعد أن تشاور زعماء ثقيف وقالوا إنه قد كان من أمر هذا الرجل يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم ما قد رأينا وقد أسلمت قبائل العرب كلها وليست لنا بهم طاقة وإنما نحن في حصننا هذا ما بقاؤنا فيه وهذه أطرافنا تصاب ولا نأمن من أحد منا يخرج شبرا واحدا من حصننا هذا فإنظروا في أمركم فقال زعيمهم وكبيرهم كنانة بن عبد يا ليل الثقفي قد والله رأيت هذا فما إستطعت أن أتقدم به فإئتمرت ثقيف فيما بينها وقال بعضهم لبعض ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج منكم أحد إلا إقتطع وأرادوا أن يرسلوا رسولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما خرج عروة بن مسعود رضي الله عنه إليه ورأوا أن يبعثوا رأسهم وكبيرهم كنانة بن عبد يا ليل فكلموه فأبى أن يفعل وخشى إن رجع إلى قومه مسلما أن يصنع به إذا عاد من عند النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع بعروة حتى يبعثوا معه رجالا فأجمعوا على أن يرسلوا وفدا منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة .
وفي شهر رمضان عام 9 هجرية قدم وفد ثقيف المدينة المنورة وكان مكونا من عدد 12 رجلا على رأسهم كبيرهم كنانة بن عبد ياليل الثقفي وتركوا رحالهم خارج المدينة وتركوا أصغرهم سنا وهو عثمان بن أبي العاص وكان عمره سبعة وعشرين عاما لحراستها ورآهم المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه وهم يدخلون المدينة وعلمهم كيف يحيون الرسول صلى اللَّه ععليه وسلم فلما دخلوا عليه لم يحيوه كما علمهم المغيرة رضي الله عنه بتحية الإسلام وإنما حيوه بتحية الجاهلية حيث كانوا مازالوا على عنادهم حتى ذلك الوقت وأنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد وأحسن ضيافتهم حتى يكون ذلك أرق لقلوبهم ولكي يستمعوا الى الرسول صلى الله عليه وسلم ويشاهدوا أحوال المسلمين ويتعلموا الإسلام ويسمعوا القرآن الكريم فكانوا يمكثون في المسجد ثم يذهبون الى رحالهم للقيلولة أو غير ذلك فكانوا اذا ذهبوا الى رحالهم تركهم عثمان بن أبي العاص وذهب الى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعلم على يديه وإذا لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس الى أبي بكر الصديق أو أبي بن كعب رضي الله عنهما ويتعلم منهما القرآن وحفظ عثمان بن أبي العاص سورة البقرة ثم أتي الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وقال يا رسول الله إن القرآن يتفلت مني فوضع الرسول صلى اللَّه عليه وسلم يده على صدره وقال يا شيطان إخرج من صدر عثمان يقول عثمان رضي الله عنه فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه ومرة أخرى جاء عثمان بن أبي العاص إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه وإتفل عن يسارك ثلاثا فإذا أحسست بوسوسة الشيطان في الصلاة فيجوز لك بل يستحب أن تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فتقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تلتفت برأسك فقط جهة اليسار وتتفل ثلاثة مرات وإذا كنت في صلاة جماعة فيكفي أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بعثمان بن أبي العاص وأحبه ورأى فيه خيرا كثيرا وبعد مناقشات ومحاورات عديدة مع وفد ثقيف حاولوا خلالها الحصول على إستثناءات من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسمح لهم بشرب الخمر والربا والزنا وأن يعفيهم من الصلاة وبالطبع رفض النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك فتشاور أعضاء الوفد وفي النهاية قبلوا الإسلام كما أراده النبي صلى الله عليه وسلم منهم وبقي أمر ما كانوا يسمونه الربة وهي صنم اللات الذى كانوا يعبدونه فسألوا الرسول ماذا يفعلون به فقال لهم عليكم بهدمه فطلبوا من الرسول أن يمنحهم مهلة ثلاث سنوات فرفض فقالوا سنتين فرفض فقالوا سنة فرفض فقالوا شهر فرفض فقالوا إذن تول أنت هدمها فأما نحن فإنا لا نهدمها أبدا فأجابهم الرسول صلى الله عليه إلى ذلك وقال سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها فقالوا إئذن لنا قبل رسولك ثم إبعث في آثارنا فإنا أعلم بقومنا ودعنا نمهد لثقيف هذا الأمر فوافقهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وبعد ذلك قال وفد ثقيف للنبي يا رسول الله أمر علينا رجلا يؤمنا من قومنا فأمر عليهم عثمان بن أبي العاص مع أنه كان أصغرهم سنا وهو الذى كانوا يتركونه في رحالهم خارج المدينة كما أسلفنا حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجده أحرص القوم على تعلم الإسلام وفرائضه ووجد فيه كفاءة قيادية ورفض أن يؤمر عليهم زعيمهم كنانة بن عبد ياليل لأنه وضح من خلال مناقشته للرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يدخل الإيمان كاملا في قلبه وعاد وفد ثقيف إلى الطائف وبقي عندهم مشكلة مواجهة قومهم بكل ما حدث معهم في المدينة فقد كانوا يعلمون أن غالبية ثقيف لا تزال ترفض الإسلام فقال لهم كنانة بن عبد ياليل أنا أعلم الناس بثقيف فإكتموهم القضية وخوفوهم بالحرب والقتال وأخبروهم أن محمدا سألنا أمورا أبيناها عليه وسألنا أن نهدم اللات والعزى وأن نحرم الخمر والزنا والربا فلما وصلوا الى الطائف خرجت ثقيف لإستقبالهم فأظهر الوفد الحزن وإتجهوا الى اللات كما هي عادة ثقيف ونزلوا عندها ثم قالوا لهم أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما يشاء قد ظهر بالسيف وداخ له العرب يعنى خضع له العرب ودان له الناس فعرض علينا أمورا شدادا هدم اللات وترك الخمر والزنا والربا وأمرنا بالصلاة فقالت ثقيف والله لا نقبل هذا أبدا فقال لهم الوفد فتهيأوا للقتال وتعبأوا له ورمموا حصونكم ومكثت ثقيف يومين ثم ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب فجاءوا الى الوفد وقالوا لهم والله ما لنا به طاقة وقد داخ له العرب فإرجعوا إليه فأعطوه ما سأل وصالحوه عليه فلما رأى الوفد ذلك قالوا لهم فإنا قد صالحناه على ذلك ووجدناه أتقي الناس وأوفاهم فقالوا فلم كتمتمونا هذا الحديث وغممتمونا أشد الغم قالوا أردنا أن يذهب الله عنكم نخوة الشيطان وهكذا أسلمت كل ثقيف ولم تمض الا أيام حتى جاءت السرية التى أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لهدم صنم اللات وبرغم أن ثقيف كانت قد دخلت في الإسلام الا أن دخول الطائف وهدم صنمها كان أمرا غير مأمون على الإطلاق ومهمة شديدة الخطورة ولذلك أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم السرية وأمر عليها القائد الفذ خالد بن الوليد رضي الله عنه وجعل مع هذه السرية المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو من ثقيف فلا شك أن البطن الذى ينتمي اليه من ثقيف وهو بطن بنى متعب سيقوم بحمايته وحماية باقي أفراد السرية من المسلمين كما كان ضمن السرية أبو سفيان بن حرب وهذه أيضا إشارة هامة وحسن تدبير من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن زعيم الوثنية السابق هو الذى جاء بنفسه لهدم أشهر أصنام العرب ولما وصلت السرية المكلفة بهدم اللات إتجهت فورا اليها فخرجت كل ثقيف رجالا ونساءا وشيوخا وأطفالا وتجمعت تشاهد هذا الحدث الخطير وأغلب ثقيف تعتقد أنهم لن يستطيعوا هدم اللات حيث كان الإسلام لم يرسخ في قلوبهم بعد فقام المغيرة بن شعبة وقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف فأخذ المعول فضرب اللات ضربة ثم سقط على الأرض وأخذ يحرك جسده ورجليه كالمصروع فإضطربت كل ثقيف وأخذت تصيح وتقول قتلته الربة وفرحت ثقيف وصاحوا من شاء منكم فليقترب ويهدمها فوثب المغيرة وهو يقول قبحكم الله يا معشر ثقيف إنما هي حجارة لا تضر ولا تنفع فإقبلوا عافية الله وإعبدوه ثم قام المغيرة وقام معه المسلمون فهدموا اللات عن آخرها ثم قال سادن الصنم لئن هدموا الأساس ليخسفن بهم فسمع المغيرة ذلك فقال لخالد بن الوليد رضي الله عنه دعنى أحفر أساسها فحفر الأساس وهدمه فأسقط في يد ثقيف وبهتت وشيئا فشيئا حسن إسلامها ثم عادت السرية بسلام الى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة حاملة حلي وكسوة اللات التي كان أهل ثقيف يهبونها لها كقرابين فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين وحمد الله وأثنى عليه وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وتولي أبي بكر الصديق الخلافة وحدثت فتنة الردة في جميع أنحاء الجزيرة العربية وكاد أهل مكة وأهل الطائف أن يرتدوا إلا أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ثبت ثقيف وخطب فيهم قائلا كنتم آخر قبائل العرب إسلاما فلا تكونوا أول من يرتد وفي مكة ثبت أيضا سهيل بن عمرو أهل مكة وفي ذلك الوقت لم يكن يرفع آذان أو تقام جمعة إلا في ثلاث مدن هي المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف .
|