الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سعيد بن عامر الجمحي

 سعيد بن عامر الجمحي
عدد : 01-2024
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"

سعيد بن عامر بن جذيم بن سلامان بن ربيعةَ بن سعد بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر المكنى بقريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن نبي الله إسماعيل عليه السلام بن نبي الله إبراهيم عليه السلام الجمحي القرشي الكناني رضي الله عنه صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلتقي معه في الجد السابع كعب بن لؤى وهو ينتمي إلى بني جمح وهم بطن من بطون قريش وكان فيهم الإيسار وهو تولية قداح الأصنام للإستقسام وهم أخوة لبني سهم وهم عشيرة الصحابة عمرو بن العاص وهشام بن العاص وعبد الله بن حذافة وخنيس بن حذافة ويشكلون معا بني هصيص لأنهم أبناء عمرو بن هصيص بن كعب وكان من أعلام بني جمح غير الصحابي سعيد بن عامر الصحابة عمير بن وهب وإبنه وهب وصفوان بن أمية وعثمان بن مظعون وأخته زينب بنت مظعون زوجة الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان ميلاد الصحابي سعيد بن عامر رضي الله عنه في مكة المكرمة وغير معلوم لنا بالتحديد تاريخ ميلاده مثل الكثير من الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم جميعا وإن كان من المؤكد أنه قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإسلام في مكة أعرض سعيد بن عامر عن الإسلام وكان من المناوئين للدين الجديد وظل على هذا الحال طوال فترة الدعوة في مكة وحتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وفي العام الرابع الهجرى لما ظفر مشركو قريش بالصحابي الأنصارى الخزرجي خبيب بن عدى رضي الله عنه والذى كان قد شارك في غزوة أحد في شهر شوال عام 3 هجرية ثم شارك في سرية المنذر بن عمرو التي بعثها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجد ليعلموهم القرآن فأُحيط بهم وقتل معظمهم في الحادثة التي عرفت بإسم حادثة بئر معونة ووقع خبيب في الأسر فباعوه إلى أناس من مكة فأخذه أبو سروعة عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه الذى قتل في غزوة بدر فخرج به إلى منطقة التنعيم لكي يقتله وكان سعيد بن عامر رضي الله عنه ممن خرجوا ليشاهدوا قتل خبيب رضي الله عنه وهو يقدم إلى خشبة الصلب وسمع صوته الثابت الهادئ من خلال صياح النسوة والصبيان وهو يقول إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فإفعلوا فأذنوا له فكان أول من إستن سنة الصلاة قبل القتل صبرا ونظر سعيد رضي الله عنه إليه وهو يستقبل الكعبة ويصلي ركعتين يا لحسنهما ويا لتمامهما ثم رآه يقبل على زعماء القوم ويقول والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعا من الموت لإستكثرت من الصلاة ثم أنشد خبيب قبل أن يقتلوه قائلا ولست أبالي حين أُقتل مسلما على أى جنب كان لله مصرعي وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع ولست بمبد للعدو تخشعا ولا جزعا إني إلى الله مرجعي ثم شهد سعيد قومه بعيني رأسه وهم يمثلون بخبيب حيا فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت ناج فيقول والدماء تنزف منه والله ما أحب أن أكون آمنا وادعا في أهلي وولدي وأن محمدا يوخز بشوكة فيلوح الناس بأيديهم في الفضاء ويتعالى صياحهم أن إقتلوه إقتلوه ثم أبصر سعيد بن عامر خبيبا يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب ويقول اللهم أحصهم عددا وإقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا ثم لفظ أنفاسه الأخيرة وبه ما لم يستطع إحصاءه من ضربات السيوف وطعنات الرماح ثم عادت قريش إلى مكة ونسيت في زحمة الأحداث الجسام خبيبا ومصرعه وقد تأثر سعيد بن عامر رضي الله عنه تأثرا بالغا بهذه الحادثة ووقع في نفسه إستنكار ما فعلته قريش من جهة والأخلاق السمحة التي شاهدها في خبيب من جهة أخرى فكان ما سمعه وشاهده منه هو السبب الرئيسي الذي حرك في نفسه الرغبة القوية للدخول في الإسلام وكانت هذه الحادثة لا تفارقه منذ أن رآها بعيني رأسه في يقظته ومنامه وتعلم من ذلك مدى الصدق في الإيمان ورسوخ العقيدة وقد تمثل له ذلك في خبيب بن عدى الذي سمع ما إرتجزه قبل مقتله كما أنه تعلم منه أمرا آخر وهو أن الرجل الذى يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبي مرسل ومؤيد من السماء .


وظلت هذه الحادثة لا تفارق سعيد بن عامر رضي الله عنه في يقظته وفي منامه فكان يراه بخياله وهو مستيقظ ويراه في حلمه إذا نام لكنه تعلم منه مدى الصدق في الإيمان ورسوخ العقيدة وعند ذلك شرح الله صدره إلى الإسلام وذات يوم قام في ملأ من الناس وأعلن براءته من آثام قريش وأوزارها وخلعه لأصنامها وأوثانها ودخوله في دين الله وهاجر إلى المدينة المنورة ولزم رسول الله صلوات الله عليه وعاش إلى جواره مثلا فريدا فذا للمؤمن الذى إشترى الآخرة بالدنيا وآثر مرضاة الله وثوابه على سائر رغبات النفس وشهوات الجسد وشهد معه غزوة خيبر في شهر المحرم عام 7 هجرية ثم عمرة القضاء في شهر ذى القعدة من نفس العام ثم فتح مكة في شهر رمضان عام 8 هجرية وغزوة حنين في شهر شوال من نفس العام وحصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام أيضا ثم غزوة تبوك أو غزوة العسرة في شهر رجب عام 9 هجرية والتي كانت آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ثم شهد حجة الوداع في أواخر العام العاشر الهجرى وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وهو عنه راض وظل سعيد من بعده سيفا مسلولا في أيدى خليفتيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما واللذان كانا يعرفان له صدقه وتقواه ويستمعان إلى نصحه ويصغيان إلى قوله وفي خلافة أبي بكر رضي الله عنه ومع بداية فتوحات بلاد الشام بلغ سعيد بن عامر رضي الله عنه أن الخليفة أبا بكر رضي الله عنه يريد أن يبعثه مددا للجيش الذى يقوده يزيد بن أبي سفيان وهو أحد الجيوش الأربعة التي أرسلها الخليفة أبو بكر الصديق لفتح بلاد الشام وكانت وجهته دمشق ومكث أياما لا يذكر أبو بكر ذلك له فقال سعيد يا أبا بكر والله لقد بلغني أنك تريد أن تبعثني في هذا الوجه ثم رأيتك قد سكت فما أدرى ما بدا لك فإن كنتَ تريد أن تبعث غيرى فإبعثني معه فما أرضاني بذلك وإن كنت لا تريد أن تبعث أحدا فما أرغبني بالجهاد إئذن لي رحمك الله حتى ألحق بالمسلمين فقد ذكر لي أنه قد جمعت لهم جموع كثيرة فقال له الخليفة أبو بكر رحمك الله الله أرحم الراحمين يا سعيد فإنك ما علمت من المتواضعين المتواصلين المخبتين المجتهدين بالأسحار الذاكرين الله كثيرا فقال سعيد يرحمك الله نعم الله علي أفضل له الطول والمن وأنت ما علمتك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم صدوق بالحق قوام بالقسط رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين تحكم بالعدل ولا تستأثر بالقسم فقال له حسبك يا سعيد إخرج رحمك الله فتجهز فإني باعث إلى المؤمنين جيشا ممدا لهم ومؤمرك عليهم وأمر بلالا فنادى في الناس ألا إنتدبوا أيها الناس مع سعيد بن عامر إلى الشام وجاء سعيد بن عامر وهو مرتحل إلى الشام ومعه راحلته حتى وقف على باب أبي بكر والمسلمون جلوس فقال لهم أما إن هذا الوجه وجه رحمة وبركة اللهم فإن قضيتَ لنا يعني البقاء فعلى عادتك وإن قضيتَ علينا الفرقة فإلى رحمتك وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ثم ولى سائرا فقال أبو بكر عباد الله إدعوا الله أن يصحب صاحبكم وإخوانكم معه ويسلمهم فإرفعوا أيديكم رحمكم الله أجمعين فرفع القومُ أيديهم وهم أكثر من خمسين فقال علي بن ابي طالب ما رفع عدد من المسلمين أيديهم إلى ربهم يسألونه شيئا إلا إستجاب لهم ما لم يكن معصية أو قطيعة رحم .


وبعد خروجه من المدينة للشام شارك سعيد بن عامر رضي الله عنه في فتوحات تلك البلاد وكان من قادة الجند في معركة أجنادين والتي وقعت في شهر جمادى الأولى عام 13 هجرية الموافق شهر يوليو عام 634م تحت قيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه والذى إستدعاه الخليفة من جبهة العراق وأمره على جيوش الشام فبعد سقوط بصرى إستنفر هرقل إمبراطور الروم قواته وأدرك أن الأمر جد لا هزل فيه وأن مستقبل الشام بات في خطر ما لم يواجه المسلمين بكل ما يملك من قوة وعتاد حتى تسلم الشام وتعود طيعة تحت إمرته فحشد العديد من القوات الضخمة وجهز جيشا ضخما قوامه سبعين ألف مقاتل ووجهه إلى سهل أجنادين إلى الغرب من القدس الشريف وإنضم إليه نصارى العرب والشام وشكل خالد بن الوليد جيشه الذى كان قوامه حوالي ثلاثين ألف مقاتل ونظمه ميمنة وميسرة وقلب ومؤخرة فجعل على الميمنة معاذ بن جبل وعلى الميسرة سعيد بن عامر وعلى المشاة في القلب أبا عبيدة بن الجراح وعلى الخيل سعيد بن زيد وأقبل خالد يمر بين الصفوف لا يستقر في مكان يحرض الجند على القتال ويحثهم على الصبر والثبات ويشد من أزرهم وأقام النساء خلف الجيش يبتهلن إلى الله ويدعونه ويستصرخنه ويستنزلن نصره ومعونته ويحمسن الرجال وتهيأ جيش الروم للقتال وجعل قادته الرجالة في المقدمة يليهم الخيل وإصطف الجيش في كتائب ومد صفوفهم حتى بلغ كل صف نحو ألف مقاتل وأمر خالد جنوده بالتقدم حتى يقتربوا من جيش الروم وأقبل على كل جمع من جيشه يقول لهم إتقوا الله عباد الله قاتلوا في الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم ولا تهنوا من عدوكم ولكن أقدموا كإقدام الأسد وأنتم أحرار كرام فقد أبيتم الدنيا وإستوجبتم على الله ثواب الآخرة ولا يهولكم ما ترون من كثرتهم فإن الله منزل عليهم رجزه وعقابه ثم قال أيها الناس إذا أنا حملت فإحملوا وكان خالد بن الوليد يرى تأخير القتال حتى يصلوا الظهر وتهب الرياح وهي الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب القتال فيها ولو أدى ذلك أن يقف مدافعا حتى تحين تلك الساعة وأعجب الروم بكثرتهم وغرتهم قوتهم وعتادهم فبادروا بالهجوم على الميمنة حيث يقف معاذ بن جبل فثبت المسلمون ولم يتزحزح أحد فأعادوا الكرة على الميسرة حيث سعيد بن عامر فلم تكن أقل ثباتا وصبرا من الميمنة في تحمل الهجمة الشرسة وردها فعادوا يمطرون المسلمين بنبالهم فتنادى قادة المسلمين طالبين من خالد أن يأمرهم بالهجوم حتى لا يظن الروم بالمسلمين ضعفا ووهنا ويعاودون الهجوم عليهم مرة أخرى فأقبل خالد على خيل المسلمين وقال إحملوا رحمكم الله على إسم الله فحملوا حملة صادقة زلزلت الأرض من تحت أقدام عدوهم وإنطلق الفرسان والمشاة يمزقون صفوف العدو فإضطربت جموعهم وإختلت قواهم وفي هذه المعركة أبلى المسلمون بلاءا حسنا وضربوا أروع الأمثلة في طلب الشهادة وإظهار روح الجهاد والصبر عند اللقاء وبرز في هذا اليوم من المسلمين ضرار بن الأزور الأسدى رضي الله عنه أحد أشجع فرسان المسلمين وكان يوما مشهودا له وبلغ جملة ما قتله من فرسان الروم ثلاثين فارسا كما قتلت الصحابية الجليلة أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية رضي الله عنها زوجة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أربعة من الروم بعمود خيمتها وبلغ قتلى الروم في هذه المعركة أعدادا هائلة تجاوزت الآلاف وإستشهد من المسلمين 450 شهيدا وبعد أن إنقشع غبار المعركة وتحقق النصر أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه برسالة إلى الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يبشره بالنصر وما أفاء الله عليهم من الظفر والغنيمة جاء فيها أما بعد فإني أخبرك أيها الصديق إنا إلتقينا نحن والمشركين وقد جمعوا لنا جموعا جمة كثيرة بأجنادين وقد رفعوا صلبهم ونشروا كتبهم وتقاسموا بالله لا يفرون حتى يفنون أو يخرجونا من بلادهم فخرجنا إليهم واثقين بالله متوكلين على الله فطاعناهم بالرماح ثم صرنا إلى السيوف فقارعناهم في كل فج فأحمد الله على إعزاز دينه وإذلال عدوه وحسن الصنيع لأوليائه فلما قرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه الرسالة فرح بها وقال الحمد لله الذى نصر المسلمين وأقر عيني بذلك وكانت هذه المعركة أول لقاء كبير بين جيوش الخلافة الراشدة والروم البيزنطيين في الصراع على الشام وبعد أجنادين شهد الصحابي سعيد بن عامر معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية تحت قيادة خالد بن الوليد أيضا والتي إنتصر فيها المسلمون على جيش الروم إنتصارا ساحقا مما فتح الطريق أمام المسلمين لفتح سائر بلاد الشام .


وبلغ سعيد بن عامر رضي الله عنه الدعاء الذى دعا به الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه والمسلمون له ولجنوده بعد خروجه من المدينة المنورة فقال رحم الله إخواني ليتهم لم يكونوا دعوا لي قد كنت خرجت وإني على الشهادة لحريص فما هو إلا أن لقيت العدو فعصمني الله من الهزيمة والفرار وذهب من نفسي ما كنت أعرف من حبي الشهادة فلما أن أخبرت أن إخواني دعوا لي بالسلامة علمت أني قد إستجيب لهم وبعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة دخل سعيد بن عامر رضي الله عنه عليه في أول خلافته فقال يا عمر أوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله وألا يخالف قولك فعلك فإن خير القول ما صدقه الفعل يا عمر أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك وإكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم فقال عمر رضي الله عنه ومن يستطيع ذلك يا سعيد فقال يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم وليس بينه وبين الله أحد وبعد فترة كان عمر في حاجة إلى من يوليه إمارة حمص وذلك بعد وفاة واليها الصحابي الجليل عياض بن غنم الفهرى رضي الله عنه فتلفت حواليه يبحث عمن يعهد إليه بهذه المهمة وكان من المعلوم أن أسلوب عمر في إختيار ولاته ومعاونيه أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر والدقة والأناة والحرص الشديد ذلك أنه كان يؤمن أن أى خطأ يرتكبه وال في أقصى الأرض سيسأل الله عنه إثنين عمر أولا وصاحب الخطأ ثانيا وكانت معاييره في تقييم الناس وإختيار الولاة مرهفة ومحيطة وبصيرة أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا وكانت حمص حاضرة كبيرة وكانت الحياة فيها قبل دخول الاسلام بقرون تتقلب بين حضارات مختلفة علاوة على أنها مركز هام للتجارة ومرتع رحيب للنعمة وهي بهذا ولهذا محل إغراء ولا يصلح لها في رأى عمر إلا قديس تفر كل شياطين الإغراء أمام عزوفه وإلا زاهد عابد قانت أواب وأخذ عمر يقدح زناد فكره فألهمه الله إلى إختيار سعيد بن عامر رضي الله عنه وقال في نفسه قد وجدته إلي بسعيد بن عامر فجاء إليه فعرض عليه أمير المؤمنين ولاية حمص وقال له يا سعيد إنا مولوك على أهل حمص وكانت تدعى الكويفة وهو تصغير للكوفة وتشبيه لحمص بها لكثرة شكوى أهلها من عمالهم وولاتهم كما كان يفعل أهل الكوفة فقال سعيد رضي الله عنه يا عمر ناشدتك الله ألا تفتنني فغضب عمر رضي الله عنه وقال ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني والله لا أدعك وإقتنع سعيد رضي الله عنه في لحظة فقد كانت كلمات عمر حرية بهذا الإقناع حيث أدرك سعيد أنه ليس من العدل أن يقلدوه أمانتهم وخلافتهم ثم يتركوه وحيدا وإذا إنفض عن مسؤولية الحكم أمثال سعيد بن عامر فأنى لعمر من يعينه على تبعات الحكم الثقال فكان أن ولاه عمر على حمص وقال ألا نفرض لك رزقا قال وما أفعل به يا أمير المؤمنين فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي وكتب عمر كتابا لسعيد رضي الله عنه يوصيه فيه بتقوى الله والجد في أمر الله والقيام بالحق الذى يجب عليه ويأمره بوضع الخراج والرفق بالرعية .


وإرتحل سعيد بن عامر رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى حمص وإصطحب معه زوجته وكانا عروسين جديدين فلما إستقرا في حمص قالت له عندى مال كثير أعطيك إياه تستنفقه لك أو تضعه في تجارة بيني وبينك فأخد المال فتصدق به في سبيل الله وزوجته تظن أنه قد وضع المال في تجارة ومرت الأيام وبين الحين والحين تسأله زوجته عن تجارتهما وكم حققت من أرباح فيجيبها إنها تجارة موفقة وإن الأرباح تنمو وتزيد وعندما شكت وإرتابت في الأمر ألحت عليه لتعرف فأخبرها بالحقيقة حيث قال لها أعطيناه شريكا يضاعف لنا به أضعافا على الدرهم الواحد إلى سبعمائة درهم فبكت وأسفت على المال ونظر إليها سعيد ثم قال لقد كان لي أصحاب سبقوني الى الله وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها وقال لها تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعا ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحي بهن من أجلك فصمتت وسكتت وأدركت أنه لا شئ أفضل لها من السير في طريق زوجها الصحابي الجليل سعيد رضي الله عنه وحمل النفس على محاكاته في زهده وتقشفه وورعه وتقواه وفي إمارته لحمص كان الصحابي سعيد بن عامر رضي الله عنه حريص كل الحرص على أن يعدل في الناس ويصلي بهم وكان صاحب عطاء وراتب كبير بحكم عمله ووظيفته لكنه كان يأخذ منه ما يكفيه هو وزوجته ويوزع الباقي على البيوت الفقيرة وقيل له توسع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك فأجاب ولماذا أهلي وأصهارى لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة وما هو إلا قليل حتى وفد على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بالمدينة المنورة بعض من يثق بهم من أهل حمص فقال لهم إكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم فرفعوا كتابا فإذا فيه فلان وفلان وسعيد بن عامر فقال ومن سعيد بن عامر فقالوا أميرنا قال أميركم فقير قالوا نعم ووالله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار فبكى عمر رضي الله عنه حتى بللت دموعه لحيته ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرة وقال إقرأوا عليه السلام مني وقولوا له بعث إليك أمير المؤمنين بهذا المال لتستعين به على قضاء حاجاتك فجاء الوفد لسعيد بن عامر رضي الله عنه بالصرة فنظر إليها فإذا هي دنانير فجعل يبعدها عنه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب فهبت زوجته مذعورة وقالت ماشأنك يا سعيد أمات أمير المؤمنين قال بل أعظم من ذلك قالت أأصيب المسلمون في وقعة قال دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي وحلت الفتنة في بيتي قالت تخلص منها وهي لا تدرى من أمر الدنانير شيئا قال أو تعينيني على ذلك قالت نعم فأخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها على فقراء المسلمين وخلال إمارته لحمص أيضا وفد سعيد بن عامر رضي الله عنه ذات يوم على الخليفة عمر بن الخطاب فعلاه بالدرة فقال سعيد رضي الله عنه لعمر سبق سيلك مطرك إن تستعتب نعتب وإن تعاقب نصبر وإن تعف نشكر فإستحيا عمر وألقى الدرة وقال ما على المؤمن أو المسلم أكثر من هذا إنك تبطئ بالخراج فقال سعيد إنك أمرتنا أن لا نزيد الفلاح على أربعة دنانير فنحن لا نزيد ولا ننقص إلا أنا نؤخرهم إلى غلاتهم فقال له عمر لا أعزلك ما كنت حيا وإنطلاقا من حرص عمر رضي الله عنه علي معرفة أحوال ولاته فقد سأل سعيد بن عامر رضي الله عنه مالك من المال قال سلاحي وفرسي وأبغل أغزو عليها فقال له عمر مالك غير هذا قال حسبي هذا وإن هذا كثير فقال له عمر فلم يحبك أصحابك قال أواسيهم بنفسي وأعدل عليهم في حكمي فقال له عمر خذ هذه الألف دينار فتقو بها قال لا حاجة لي فيها أعط من هو أحوج إليها مني فقال عمر على رسلك حتى أحدثك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن شئت فإقبل وإن شئت فدع إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض علي شيئا فقلت مثل الذى قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطي شيئا من غير سؤال ولا إستشراف نفس فإنه رزق من الله فليقبله ولا يرده فقال سعيد رضي الله عنه أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم فقبل سعيد الألف دينار ثم جعلها في صرر وتصدق بها جميعا على فقراء المسلمين .


ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ديار الشام يتفقد أحوالها فلما نزل بحمص لقيه أهلها للسلام عليه فقال كيف وجدتم أميركم فشكوه إليه وذكروا أربعا من أفعاله كل واحد منها أعظم من الآخر فدعا عمر الله قائلا اللهم إني أعرفه من خير عبادك فاللهم لا تخيب فيه فراستي ثم أرسل إلى سعيد رضي الله عنه يدعوه للدفاع عن نفسه فجمع بينه وبينهم ودعا الله ألا يخيب ظنه فيه حيث كان عظيم الثقة به فلما أصبح أهل حمص عنده هم وأميرهم قال عمر ما تشكون من أميركم قالوا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار فقلت وما تقول في ذلك يا سعيد فسكت قليلا ثم قال والله إني كنت أكره أن أقول ذلك أما وإنه لابد منه فإنه ليس لأهلي خادم فأقوم في كل صباح فأعجن لهم عجينهم ثم أتريث قليلا حتى يختمر ثم أخبزه لهم ثم أتوضأ وأخرج للناس فتهلل وجه عمر وقال وما تشكون منه أيضا قالوا إنه لايجيب أحد بليل فقال وما تقول في ذلك يا سعيد قال إني والله كنت أكره أن أعلن هذا أيضا فأنا جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل فقال عمر وما تشكون منه أيضا قالوا إنه لا يخرج إلينا يوما في الشهر فقال عمر وما هذا يا سعيد قال ليس لي خادم يا أمير المؤمنين وليس عندى ثياب غير التي علي فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ثم أخرج إليهم في آخر النهار فقال عمر وما تشكون منه أيضا قالوا تصيبه من حين إلى آخر غشية فيغيب عمن في مجلسه فقال عمر وما هذا يا سعيد فقال شهدت مصرع خبيب بن عدى رضي الله عنه وأنا مشرك ورأيت قريشا تقطع جسده إربا إربا وهي تقول أتحب أن يكون محمد مكانك فيقول والله ما أحب ان أكون آمنا في أهلي وولدى وأن محمد تشوكه شوكة وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي وأصابتني تلك الغشية عند ذلك فقال الخليفة عمر رضي الله عنه الحمد لله الذى لم يخيب ظني به فقام من مكانه وعانق سعيدا رضي الله عنه وقبل جبهته المضيئة العالية ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها على حاجته فلما رأتها زوجته قالت له الحمد لله الذى أغنانا عن خدمتك إشتر لنا مؤنة وإستأجر لنا خادما فقال لها وهل لك فيما هو خير من ذلك قالت وما ذاك قال ندفعها إلى من يأتينا بها ونحن أحوج ما نكون إليها قالت وما ذاك قال نقرضها الله قرضا حسنا فيضاعفه لنا قالت نعم وجزيت خيرا فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صرر وقال لواحد من أهله إنطلق بها إلى أرملة فلان وإلى أيتام فلان وإلى مساكين آل فلان وإلى معوزى آل فلان وحقا رضي الله عن سعيد بن عامر الجمحي فقد كان من الذين إنطبق عليهم قول الله تعالى في سورة الحشر وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وكانت هذه الآية قد نزلت تمدح الأنصار رضي الله عنهم ولكنها إنطبقت أيضا على الكثير من الصحابة الكرام رضي الله عنهم من غير الأنصار .


وعلاوة على زهده وتقواه وورعه كان الصحابي الجليل سعيد بن عامر رضي الله عنه من رواة الحديث النبوى الشريف فعنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجئ فقراء المسلمين يزفون كما يزف الحمام ويقال لهم قفوا للحساب فيقولون والله ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا به فيقول الله صدق عبادى فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاما وعن سعيد بن عامر أيضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أن إمرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى أهل الأرض لملأت الأرض ريح المسك ولأذهبت ضوء الشمس والقمر وأخيرا فقد كانت وفاته رضي الله عنه على الأرجح بمدينة الرقة بشمال سوريا على الضفة الشرقية لنهر الفرات شرقي مدينة حلب وقيل أيضا إن وفاته كانت في مدينة قيسارية وهي مدينة فلسطينية تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط جنوبي مدينة حيفا عن عمر يناهز الأربعين عاما ولم يعقب أى أبناء ولقي ربه أنقى ما يكون صفحة وأتقى ما يكون قلبا وأنضر ما يكون سيرة لقد طال شوقه الى الرعيل الأول من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذى نذر حياته لحفظ عهدهم وتتبع خطاهم والإقتداء بهم أجل لقد طال شوقه الى رسوله ومعلمه صلى الله عليه وسلم وإلى رفاقه الأوابين المتطهرين وها هو اليوم يلاقيهم قرير العين مطمئن النفس خفيف الظهر ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله ليس معه الا ورعه وزهده وتقواه وعظمة نفسه وسلوكه وإنها فضائل ومناقب تثقل الميزان ولكنها لا تثقل الظهور ومزايا هز بها صاحبها الدنيا ولم يهزها غرور فسلام على سعيد بن عامر رضي الله عنه سلام عليه في محياه وأخراه ثم سلام على سيرته وذكراه وسلام على الكرام البررة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وهناك إختلاف في عام وفاته لكنه كان بين عام 18 هجرية وعام 21 هجرية في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعد وفاته جمع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وكان واليا على دمشق ولاية بلاد الشام بأكملها رحم الله الصحابي الجليل سعيد بن عامر رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
 
 
الصور :