كتب: محمود فرحات
"إن ابنتي هذه (غنمت آمون حتشبسوت) لها الحياة، أنصبها بوصفها نائبتي، وعلى ذلك فهي وارثتي في الملك، وهي التي ستجلس على العرش، وهي التي ستأمر وتنهى الرعايا في كل وظائف القصر، وهي التي ستقودكم فاسمعوا كلامها، فهي التي تربطكم بأوامرها، فمَن يقدم لها الطاعة فإنه سيعيش، أما مَن يقول سوءًا في حقها فإنه سيموت، وكل مَن يسمع اسم جلالتها عندما تعين ينبغي عليه أن يأتي وينادي بها ملكةً مثل ما كان يفعل عندما يسمع اسمي؛ وذلك لأنها إبنتي الإلهية، والقوى الإلهية هى التي تحارب من أجلها، وتحوطها بحمايتها كل يوم كما أمر والدها آمن.."
نكمل حديثنا عن المكانة القانونية والإجتماعية للمرأة في مصر وفي الحلقة (08) نتحدث عن دور لقب الزوجة الإلهية والميلاد الإلهي على شرعية الحاكم..
خلال عصر الأسرة 18 إزداد نفوذ كهنة معبد آمون وتضخمت ثرواتهم وكان لهم علاقات وثيقة بالبيت الحاكم ، كذلك زادت سلطتهم وأصبح لهم دور في تولية ملك وخلع آخر.. ولذلك ولعمل معادلة في ميزان القوى المتصارعة على العرش المصري ومنحه نوع من التنظيم والشرعية تم منح زوجات وبنات الملوك لقب ديني مهم وهو (حمت نتر) / (حمت أمن) الزوجة الالهية أو زوجة آمون، بدأ هذا اللقب مع عصر الأسرة 18 وأستمر حتى نهاية الأسرة 26 وكانت أول زوجة إلهية هى الملكة (إياح حتب) زوجة الملك (سقننرع) وآخر زوجة إلهية هى (نيتوكريس الثانية) إبنة الملك (أحمس الثاني) ولم يتم تنصيبها وذلك للغزو الفارسي لمصري 525ق.م ، كان للزوجة الإلهية قصر خاص بها وأراضي وضيع ولها فريق من الاداريين يقومون على رعاية تلك الأملاك.
وقد كفل هذا اللقب لأبناء من تحمله أن يتوارثوا عرش أبيهم ومنح لمن يتزوجها السلطة الشرعية ، حيث لم يكن مقبول حكم الأنثى لعرش مصر بأعتبارها أنثى، كذلك منع هذا اللقب المنافسين الطامعين في العرش ومنح الكهنة مزيد من السيطرة على البيت الحاكم بأسم الاله، وفي ذلك يقول الدكتور عبد العزيز صالح، هذا يعد دليلاً واضحاً على أن الأمر الواقع بوراثة العرش بتتابع الأباء لم يعد كافياً وإنما لابد من تأييد بسند من الدين يرضي الكهنة ويسكت المنافسين على العرش..
وبذلك اصبح للمرأة الملكية (الزوجة / الابنة) بجانب حقها الوراثي في الحفاظ على العرش لاولادها او منح الشرعية لزوجها كذلك دور ديني ممتاز حيث أصبحت في المركز التالي للملك بالنسبة للسلطتين السياسية والدينية وأن كانت الاخيرة كانت ترسم خريطة الاولى وتحدد من يجلس على عرش مصر، بحيث يصبح حكام مصر حكام شرعيين من ورثة آمن.
قامت الزوجة الإلهية بدور مساوي لما لعبته الربة موت الصورة المؤنثة لآمون بالإضافة للدور السياسي في الحفاظ على العرش -دور ايزيس- ومنح الشرعية للحكام حيث تحمل الدم الملكي النقي، واضافة لهذا اللقب فقد إقترن به لقبين آخرين وهما (جرت نتر) او يد الإله و (دوات نتر) أو المتعبدة الالهية، ويبدو أن اللقب الأول (يد الاله) له علاقة بالقصة الدينية عن تصور المصريين القدماء لخلق الكون عبر إستنماء الإله الخالق باليد ،لذلك كانت الزوجة الإلهية تحمل لقب يد الإله التي خلق بها الكون، أما لقب المتعبدة الإلهية لأمون (دوات نتر إن أمن) فهو ذي صلة بما تقوم به من صلوت وطقوس، حيث كانت تمثل رئيسة الكاهنات وكانت لها بحكم وظيفتها الدينية سلطة كبيرة ، لذلك كانت لها دورها في إختيار المتعبدة المستقبلية من المتعبدة القائمة
وكذلك فقد كان للكهنة دور في تولية بعض الملوك من خلال إختلاق قصة الميلاد الإلهي من مضاجعة آمون للزوجة الإلهية، وفي هذا الخصوص يقول سليم حسن، كان ملوك مصر منذ نهاية الأسرة الرابعة عندما يعوز الملك منهم المؤهلات التي تُبرِّر له ارتقاء عرش البلاد، يحتال في إيجاد حُجَج ترفعه إلى عرش المُلك أمام أعين الشعب أنه من دم إلهي خالص، أو بعبارة أخرى كان يُعدُّ ابنَ الشمس..
ومن أشهر قصص الميلاد الالهي نجد الملكة حتشبسوت التي حكمت منفردة كملك ذكر بعد قصة ميلادها من أبيها أمون حيث ورثت عرش مصر من أبيها آمون وزوجتة الالهية أمها الحاملة للدم الملكي، كذلك الحال نجد الملك أمنحتب الثالث والتي على ما يبدو أن أمة الملكة موت مويا لم تكن من دم ملكي خالص مما دعاه لتمثيل ولادته على جدران معبد الأقصر ليُظهِر للملأ أنه ابن الإله، وبهذه الطريقة المُلَفَّقة يصبح الملك الجديد ملكًا على البلاد..
من العرض السابق يمكننا القول أن لقب الزوجة الإلهية كان ذو أهمية سياسية خطيرة بحيث جعل لمن تحمله بجانب دورها في حمل الدم الملكي النقي الذي يؤهل من يتصل بها لحكم البلاد دور آخر ديني يجعل شرعية لا غبار عليها في وراثة العرش دون منافسة..
وللحديث بقية،، |