بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
عدى بن حاتم الطائي بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن إمرئ القيس بن عدى بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طئ رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو إبن حاتم الطائي سيد قبيلة طئ وهي قبيلة عربية كبرى وتعد من أعظم القبائل العربية وكانت منازلها الأولى في منطقة حائل التي تقع شمالي نجد بشمال غرب شبه الجزيرة العربية وخرجت منها إلى الشمال بعد سيل العرم وكانت قبل الإسلام على الوثنية وعلى بقية من ديانة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وكانت لهم أصنامهم الخاصة التي يعبدونها ثم ما لبث أن تنصر البعض منهم وقد قاومت هذه القبيلة الإسلام بشدة في بداية الدعوة الإسلامية بسبب موالاتها للدولة البيزنطية وقد تمثلت في هذه القبيلة مقومات المجتمع العربي كاملة ولعل أبرزها الكرم والفروسية فكان من رجالها المشهورين في هذا المجال سيدها حاتم الطائي وكان مضرب المثل في جوده وكرمه وأفعاله النبيلة وكان أحد الثلاثة الذين ضرب بهم المثَل في الجود زمن الجاهلية وزيد الخير الطائي بما عرف به من فروسية وشجاعة حيث كان فارسا عظيما وراميا من الطراز الأول وإشتهر بأخلاقه الحميدة وخصاله النبيلة كما أنه كان علما من أعلام الجاهلية حيث عرف عنه بأنه كان من أجمل الرجال وأتمهم خلقة وأطولهم قامة حتى إنه كان يركب الفرس فتمس رجلاه الأرض وكان قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة مع وفد من قبيلته ليعلنوا عن إسلامهم ومبايعتهم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله كان الفاتح الأول في الإسلام فيما إقترحه على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له يا رسول الله أعطني ثلاثمائة فارس وأنا كفيل بهم بأن أغير بهم على حدود الروم وأنال منهم فأكبره النبي صلى الله عليه وسلم وأكبر همته وقال له لله درك يا زيد أى رجل أنت وكان ممن إشتهر منهم في الجاهلية أيضا إياس بن قبيصة والذى كان عامل كسرى على الحيرة العاصمة الثانية للفرس التي تقع على نهر الفرات بوسط العراق وكان حاتم الطائي كما أسلفنا مضرب الأمثال في الكرم والذى غطت شهرته جميع قبائل العرب حتى صار يضرب به المثل في الجود والكرم فكان إذا وصف الكرم يقال كرم حاتمي كما كان الشخص الكريم يمدح بمقولة أكرم من حاتم وقد تناقلت الأفواه عبر الزمان قصص كرمه وجوده فكان مقصدا لكل محتاج وغوثا لكل فقير ومسكين ولا يزال تراثنا العربي يحتفظ بكثير من هذه القصص التي دلت على مكارم الأخلاق والجود والكرم التي جسدها وكان كل من يقصده لا يخرج من عنده إلا وقد أغناه وقضى حاجته حتى يقول السائل له والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا يعني عن جوده وكرمه وكان حاتم الطائي دائما ما يردد قدورى بصحراءَ منصوبة وما ينبح الكلب أضيافيه وإن لم أجد لنزيلي قرى قطعت له بعضَ أطرافيه وكان يقول لزوجته بأنه لا يأكل طعاما قط دون أن يشاركه فيه ضيف فكانت كثيرا ما تلومه على إسرافه في العطاء ووهب كل ما يملك فكان يخاطبها بقوله وعاذلة هبت بليل تلومني وقد غاب عيوق الثريا فعردا تلوم على إعطائيَ المال ضلة إذا ضن بالمال البخيل وصردا وأما أم حاتم فهي النوار بنت ثرملة البخترية من بني سلامان بن ثعل وهي من النساء الشريفات وتعود أصولها إلى بلاد اليمن وعاشت في الحيرة وكان ميلاد الصحابي عدى بن حاتم رضي الله عنه على الأرجح في العام الثاني والخمسين قبل الهجرة وتربى في بيت شريف ومن الغريب أن أبوه كان يكنى بإسم إبنته سفانة شقيقته فكان يقال له أبو سفانة فما السر في ذلك حيث لم تعرف العرب الكنية بالبنت سوى لمن لا ولد له وكان السر في ذلك أنه كان هناك عامل مهم ومشترك بين الأب حاتم وإبنته سفانة ميزها عن بقية أبنائه وهو ما إشتهرا به من الكرم والجود فقد روى أن أباها كان يهبها كثيرا من الإبل فتهبها لكل من يسألها فلما رآها تفعل ذلك قال لها يا إبنتي لا يجدر بنا أن نجتمع على مال واحد فينفد فإما أن تمسكي وأبقى أنا على حالي أو أن أمسك وتبقين على حالك فقالت والله لا أمسك أبدا فقال لها وأنا والله لا أمسك أبدا فما الحل فقالت فلا نتجاور ثم قاسمها ماله وتباينا وإفترقا وكانت وفاة حاتم الطائي قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بست سنوات .
وكان عدى بن حاتم ذا هيبة وطلعة بهية وكان ممن إشتهر في زمنه بجمال وجهه ووسامته وطوله وكان كذلك جسيما وكان يدين بالركوسية وهو دين مندثر بين اليهودية والمسيحية أما قبيلته فكانت تدين بالمسيحية حين ظهور الإسلام فلما بزغ نور الدعوة الإسلامية وإنتشرت الفتوحات التي حطمت أصنام الجاهلية كان من ضمنها فتح قبيلة طئ حيث أرسل النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاخر في العام التاسع الهجرى سرية مكونة من عدد مائة وخمسين فارسا من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا بقيادة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه راية سوداء كان يحملها سهل بن حنيف ولواء أبيض كان يحمله جبار بن صخر السلمي وكان دليله حريث من بني أسد فحطموا صنمهم الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشياه ودعوهم إلى نور الإسلام وكان فِي خزانة الفلس ثلاثة دروع وثلاثة أسياف أضيفت إِلى الغنيمة وإستعمل الإمام علي رضي الله عنه على السبي الصحابي الجليل أبا قتادة الأنصارى وعلى الماشية والرثة الصحابي عبد الله بن عتيك وقسم الغنائم في الطريق بعد أن عزل منها الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم وكان عدى بن حاتم الطائي والذى كان قد ورث زعامة القبيلة بعد وفاة أبيه وكان من أشد الناس عداءا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بحركة السرية أخذ أهله وإنتقل إِلَى الجزيرة الفراتية وقيل إِلى الشام وأقام هناك وبذلك فتح الله على يد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجاء بلواء النصر مرفرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه سبايا طئ والتي كان من ضمنها سفانة بنت حاتم الطائي ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لكي يستعرض الأسرى والسبايا وقفت سفانة أمامه وأرادت أن تعرف ما يفعل بها لتعرف هل هو نبي حقا أم لا فعندما يختار الله نبيا فإنه بالتأكيد يكون أفضل خلقه في حينه لأنه إصطفاه عليهم وحمله رسالته فقالت له وكانت إمرأة جزلة وفصيحة إمنن علي من الله عليك فقد هلك الوالد وغاب الوافد ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي كان أبي يفك الأسير ويحمي الضعيف ويقرى الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت سيد العرب حاتم الطائي وهكذا فقد أوضحت عن نسبها وحسبها كما بينت موقفها والحال الذى آلت إليه بعد أن مات أبوها وبلا شك فإن سفانة لم تقل كلماتها هذه إلا بعد أن رأت سمات النبل والشهامة والنجدة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لكان الموت أهون عليها وهي بمكانتها من إستعطاف رجل ليس بأهل للمروءة والنخوة والسماحة وقد كان ظنها في موضعه فما أن أتمت سفانة حديثها حتى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه ثم قال لأصحابه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وقال أيضا لهم إرحموا عزيز قوم ذل وغنيا إفتقر وعالما ضاع بين جهال وقال لها صلى الله عليه وسلم لا تعجلي بالخروج حتى تجدى من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني أى أخبريني .
وأقامت سفانة بالمدينة المنورة حتى قدم ركب من قومها وكانت تريد أن تأتي أخاها عدى بالشام فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها نفقة وأسلمت بين يديه وبايعته وإستأذنته صلى الله عليه وسلم بالدعاء لها فدعا لها فقالت أصاب الله ببرك مواقعه ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا جعلك سببا في ردها ثم خرجت مع رهط قومها حتى قدمت الشام حيث كان أخوها عدى قد إستقر به المقام ولما قدمت سفانة إلى أخيها فسألها ما ترين في هذا الرجل يقصد النبي محمد صلى الله عليه وسلم فردت عليه قائلة أرى أن نلحق به ولما سألها عما دعاها إلى قولها هذا قالت له رأيت فيه خصالا تعجبني رأيته يحب الفقير ويفك الأسير ويرحم الصغير ويعرف قدر الكبير وما رأيت أجود ولا أكرم منه فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فأنت أنت فدهش عندما سمع كلام أخته ولكن شيئا فشيئا بدأ يفكر وقد عزم على أمر خطير ربما سيغير مجرى حياته إلى الأبد حيث صمم على الإرتحال إلى المدينة المنورة للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تشجعه وتحثه على ذلك كلمات أخته التي يثق كل الثقة بحنكتها وعقلها وحكمتها وفطنتها فلا يمكن أن تخطئ أخته في مثل هذه الأمور الخطيرة وقدم عدى بن حاتم المدينة المنورة فإستشرف له الناس وقالوا جاء عدى بن حاتم جاء عدى بن حاتم ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وكان في أبهى زينة وقد علق الصليب في رقبته فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له من الرجل فقال عدى بن حاتم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا عدى بن حاتم أسلم تسلم فرد حاتم قائلا إن لي دين فقال له النبي أنا أعلم بدينك منك وألست ترأس قومك فقال عدى بلى فقال له النبي ألست تأكل المرباع أى ربع غنائم الحرب فرد عدى قائلا بلى فقال النبي فإن ذلك لا يحل لك في دينك يقول عدى فتضعضعت لذلك ثم قال يا عدى بن حاتم أسلم تسلم فإني قد أظن أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة أى حاجة وفقر تراها من حولي وتوشك الظعينة أى المرأة على البعير في الهودج أن ترحل من الحيرة بغير جوار آمنة مطمئنة حتى تطوف بالبيت ولعله يا عدى إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم فهم ضعاف وأيم الله لتوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم وإن كنوز كسرى بن هرمز قد صارت إليهم وليفيضن المال أو ليفيض حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة وبعد هذا الحوار قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنطلق بعدى بن حاتم إلى بيته وبينما هما في الطريق إذ بإمرأة ضعيفة كبيرة في السن إستوقفت النبي صلى الله عليه وسلم فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها وهو يستمع إليها بإهتمام ثم قضاها لها فقال عدى بن حاتم في نفسه والله ما هذا بملك ثم مضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بعدى بيته تناول وسادة من جلد محشوة ليفا فقذفها إليه وقال له إجلس على هذه فقال عدى بن حاتم بل أنت فإجلس عليها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بل أنت فجلس عدى عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض فعجيب هذا التواضع هو سيد الخلق أجمعين وحبيب الحق بيته متواضع ليس في بيته من أثاث إلا هذه الوسادة فقال عدى بن حاتم في نفسه ثانية والله ما هذا بأمر ملك .
وهنا نتوقف قليلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقد أظهرت قصة لقاءه بسفانة ثم بأخيها عدى رضي الله عنه خلقا من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وهو التواضع ولين الجانب والذى كان في النهاية من أسباب دخول كليهما في الإسلام فحينما أقبل عدى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمل في تصوره أن النبي صلى الله عليه وسلم أحد رجلين إما نبي أو ملك فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توقفه في الطريق إمرأة كبيرة ضعيفة مدة طويلة تكلمه في حاجة لها قال عدى في نفسه والله ما هذا بملك ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يجلس أمامه على الأرض وبيته صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشئ من مظاهر الملك والغنى حينئذ شعر عدى بخلق التواضع عند النبي صلى الله عليه وسلم فإنسلخ من ذهنه تماما عامل الملك وإستقر في تصوره عامل النبوة وهذا درس لكل من يدعو إلى الله فعليه أن يتصف ويتحلى بخلق التواضع فالتواضع وخفض الجناح ولين الجانب كانت أوصافا له صلى الله عليه وسلم تخلق بها مع الكبير والصغير والقريب والبعيد ولا يملك من يقرأ سيرته ويطلع على أخلاقه إلا أن يمتلأ قلبه بمحبته فالناس مفطورون على محبة المتواضعين وبغض المتكبرين وأخبار تواضعه صلى الله عليه وسلم كثيرة وسيرته العطرة مليئة بها وما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تكبر على أحد أو فاخر بنفسه أو مكانته وفضلا عن ذلك فقد تجلت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم عندما بين لعدى أنه على علم بدينه الذى كان يعتنقه وبمخالفته له ومن ثم تيقن عدى من نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعلم من دينه ما لا يعلمه الناس من حوله ولما ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم أن عديا قد أيقن بنبوته وأنه قد إقتنع بحديثه تحدث عن العوائق التي تحول بين بعض الناس وإتباع الحق حتى مع معرفتهم بأنه حق ومنها ضعف المسلمين وعدم إتساع دولتهم وما هم فيه من الفقر آنذاك فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأمن سيشمل البلاد حتى تخرج المرأة من العراق إلى مكة من غير أن تحتاج إلى حماية أحد وأن دولة الفرس ستقع تحت سلطان المسلمين وأن المال سيفيض حتى لا يقبله أحد فلما زالت عن عدى هذه المعوقات أسلم ونطق بالشهادتين وخلع زينته والصليب الذى كان في رقبته وبايع النبي صلى الله عليه وسلم وحقا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حكيما في دعوته خبيرا بأدواء النفوس ودوائها فكان يدعو كل إنسان بما يلائم علمه وفكره ومشاعره ومن ثم وجد عدى بن حاتم رضي الله عنه سمات النبوة في الحكمة الباهرة والثقة القوية التي يكلمه بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه معه كما وجدها في تواضعه .
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تولى الخلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأطلت الفتنة برأسها وإرتدت قبائل العرب عن الإسلام وكان عدى بن حاتم من الذين ثبتوا وتمسكوا بإسلامهم ولما قرر الخليفة العظيم أبو بكر الصديق تسيير عدد 11 جيش لقمع الردة كان عدى ضمن جيش خالد بن الوليد رضي الله عنه وأمره أبو بكر أن يبدأ بقبيلة طئ قبل أن يتوجه إلى البزاخة وهي ماء لطئ بمنطقة نجد بشمال غرب شبه الجزيرة العربية لمواجهة ردة بني أسد الذين كان يتزعمهم طليحة بن خويلد الأسدى الذى كان قد إنضمت إليه فُلول قبيلتي عبس وذبيان الذين كان قد هزمهم الخليفة أبو بكر الصديق عندما قرر أن يواجه المرتدين بجيش بقيادته في بداية حروب الردة كما إنحازت إليه قبائل غطفان وسليم ومن جاورهم من أهل البادية في شرق المدينة وفي شمالها الشرقي كما حاول إستقطاب طئ للإنضمام إليه عن طريق هذا الحلف الذى كان بينهم وبين بني أسد في الجاهلية فتعجل أقوام من جديلة والغوث وهما من طئ بالإنضمام إليه فبعث الخليفة أولا عدى بن حاتم الطائي حتى يدرك قومه طئ لكي يحاول إخراجهم من التحالف مع طليحة والعودة بهم إلى طاعة الخليفة ونجح عدى في إقناع الغوث بذلك لكن كان عليهم أن يسحبوا قواتهم الموجودة في معسكر طليحة خشية أن يقتلهم أو يرتهنهم فطلبوا من عدى أن يكف خالد عنهم حتى يستخرجوهم وإستحسن خالد هذا العرض وأمهلهم ثلاثة أيام مدركا في الوقت نفسه أن من شأن ذلك أن يكسبه قوة إضافية ويضعف من قوة خصمه وطلب قوات الغوث من طليحة أن يعودوا إلى منازلهم ليساعدوه في التصدى لزحف المسلمين فسمح لهم طليحة بالعودة فإنضم بذلك خمسمائة مقاتل منهم إلى صفوف المسلمين وإرتحل خالد بعد ذلك يريد جديلة فتدخل عدى بن حاتم أيضا وأقنع الجديليين بالعودة إلى حظيرة الإسلام ويبدو أن إنضمام الغوث إلى المسلمين شكل دافعا لهؤلاء لتغيير موقفهم وإنضم خمسمائة مقاتل منهم أيضا إلى صفوف خالد فأضحى عدد جنوده خمسة آلاف بدلا من أربعة آلاف كما إنضمت قبيلة سليم إلى صفوف المسلمين وكانت لا تزال مترددة إلى أن زحف خالد نحو بني أسد لكي يلتقي بهم في البزاخة فخشيت على نفسها فقد كانوا يعلمون قدر خالد وأنهم لا قبل لهم به وإنتصر المسلمون في معركة البزاخة وفر طليحة بن خويلد الأسدى هو وزوجته من المعركة نحو الشام وشارك عدى رضي الله عنه بعد ذلك مع خالد بن الوليد رضي الله عنه في باقي حروبه مع المرتدين فشارك في معركة بني تميم في البطاح مع مالك بن نويرة ومنها إلي اليمامة لمواجهة مسيلمة الكذاب وإنتهى الأمر بإنتصار المسلمين وبذلك إنتهت حروب الردة وكانت في شهر شوال عام 11 هجرية .
ولما بدأت حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق في عهد الخليفة العظيم أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان عدى بن حاتم رضي الله عنه ضمن جيش خالد بن الوليد الذى كلفه الخليفة بالبدء في فتح بلاد العراق على أن يدخلها من جنوبها بداية من الكاظمة وهي بالكويت حاليا ثم التوجه نحو الأبلة على شط العرب عند إلتقاء نهرى دجلة والفرات ثم عليه أن يأخذ طريق الضفة الغربية لنهر الفرات ويكون هدفه فتح الحيرة العاصمة الثانية للفرس وكان عدى بن حاتم رضي الله عنه قائدا لميمنة المسلمين خلال تلك الفتوحات والتي أبلى فيها عدى بلاءا حسنا وكان هو من بارز قباذ قائد ميسرة الفرس في معركة المزار التي وقعت على شاطئ نهر دجلة في شهر صفر عام 12 هجرية وتمكن من قتله وكانت هذه المعركة تعد خروج إضطرارى عن الخطة الإستراتيجية للفتح والتي حددها الخليفة حيث كان لابد من ضرب جيش الفرس الذى تجمع في المزار قبل مواصلة الزحف شمالا بمحاذاة نهر الفرات حتي لاتتهدد قاعدة المسلمين آنذاك في الأبلة أو تتهدد مؤخرة الجيش أثناء زحفه شمالا نحو الحيرة وإستطاع جيش المسلمين خلال عام 12 هجرية أن يكتسح حوض نهر الفرات من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال بعدما إنتصروا على الفرس وحلفاءهم من العرب في معارك الولجة وأليس وتمكنوا من فتح الحيرة العاصمة الثانية للفرس وواصلوا زحفهم نحو الشمال فتم فتح الحصيد والخنافس والثتي والزميل والمصيخ ثم كانت معركة الفراض في أقصى شمال حوض نهر الفرات وبذلك تملك المسلمون جميع الأراضي غرب نهر دجلة وبعد هذه المرحلة في فتوحات العراق إنتقل عدى بن حاتم رضي الله عنه مع خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى جبهة الشام وشارك في فتوحات تلك البلاد ثم عاد مرة أخرى إلى جبهة العراق وشارك في شهر شعبان عام 15 هجرية في معركة القادسية مع جيش المسلمين الذى كان يقوده الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبعد أن تم فتح بلاد العراق وفارس وإستقرت الأمور بالمسلمين في تلك البلاد سكن عدى بن حاتم رضي الله عنه الكوفة وتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل اكثر من عشرين عاما أن الظعينة ستخرج من الحيرة قاصدة البيت الحرام وهي آمنة ورأى ذلك بعيني رأسه وفي عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ولما تولى الوليد بن عقبة ولاية الكوفة خلفا لسعد بن أبي وقاص حدث أن صلى الوليد بأهل الكوفة صلاة الصبح وهو سكران قد شرب الخمر 4 ركعات ثم إلتفت إليهم وقال أزيدكم فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم كان عدى بن حاتم ممن شكوه إلى الخليفة الذى إستدعاه إلى المدينة المنورة وشهد عليه نفر من أهل الكوفة فعزله عثمان واقام عليه الحد واستعمل من بعده سعيد بن العاص رضي الله عنه على الكوفة وبعد مقتل عثمان رضي الله عنه في أواخر عام 35 هجرية كان عدى من المسارعين لبيعة الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه والمناصرين والمؤازرين له وكان له الباع الأطول في حشد القوات من قبيلته طئ لمناصرة الإمام علي رضي الله عنه وشهد معه وقعتي الجمل في عام 36 هجرية وصفين في شهر صفر عام 37 هجرية وفيهما اصيب في كلتا عينيه لكنه لم يفقدهما كلية ثم شهد وقعة النهروان ضد الخوارج في شهر صفر عام 38 هجرية وبعد أن آل الأمر لمعاوية بن أبي سفيان ظل مقيما بالكوفة وكان قد طعن في السن وتجاوز التسعين عاما ثم كانت وفاته رضي الله عنه ما بين عام 66 هجرية وعام 69 هجرية في عهد الخليفة الأموى الخامس عبد الملك بن مروان عن عمر يناهز المائة وعشرين عاما رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
|