بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصارى الخزرجي السلمي رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتسب إلى بني سواد بن غنم أحد بطون قبيلة الخزرج التي كانت إحدى القبائل العربية الرئيسية في المدينة المنورة وكانت القبيلة الأخرى هي قبيلة الأوس وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين حيث أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين قلوبهم من خلال إستيعاب كلا الفصيلين في المجتمع المسلم ومنع سفك الدماء بين المسلمين وتم تضمين كل من القبيلتين في دستور المدينة بكونهم مسلمين في دولة واحدة ومجتمع واحد وشكلت القبيلتان الأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكان من أشهر رجال قبيلة الخزرج غير الصحابي أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه الصحابة سعد بن عبادة وإبنه قيس بن سعد بن عبادة وأسعد بن زرارة ومعاذ بن جبل وعمرو بن الجموح وسعد بن الربيع وزيد بن عاصم وعبد الله بن عمرو بن حرام وإبنه جابر بن عبد الله راوى الحديث النبوى الشريف رضي الله عنهم جميعا وكان ميلاد الصحابي أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه بالمدينة المنورة عام 21 قبل الهجرة وليس لدينا أى معلومات عن نشأته قبل الإسلام سوى أنه كان دحداحا أى قصير القامة نسبيا وكان تاجرا يبيع التمر بالمدينة المنورة وكان صهرا للصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه حيث تزوج من أخته أم عمرو فولدت له عميرا فهو بذلك زوج عمة الصحابي العظيم جابر بن عبد الله الأنصارى وكان إسلام الصحابي ابي اليسر رضي الله عنه على الأرجح على يد الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه رسول النبي صلى الله عليه وسلم بعد بيعة العقبة الأولى لكي يعلم أهلها القرآن الكريم وفرائض الإسلام وكان لأبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه شقيقة من الأب والأم أسلمت هي الأخرى وهي أم سليم بنت عمرو رضي الله عنها وكان أبو اليسر رضي الله عنه ممن شهدوا بيعة العقبة الثانية ضمن وفد الأنصار من قبيلتي الأوس الخزرج والذى كان يشمل عدد 73 رجلا وإمرأتين والتي كان فيها النصر والحماية حيث قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لوفد الأنصار من الأوس والخزرج أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فقالوا يا رسول الله نبايعك فقال تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره والنفقة في العسر واليسر لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فبايعوه على ذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار أخرجوا منكم عدد 12 نقيبا 9 من الخزرج وثلاثة من الأوس فأخرجوا منهم إثني عشر نقيبا تسعة من قبيلة الخزرج وهم أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت والمنذر بن عمرو بن خنيس وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حرام وثلاثة من الأوس وهم أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر وقال النبي للنقباء أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي وجعل أسعد بن زرارة نقيبا على هؤلاء النقباء فأصبح يلقب بنقيب النقباء وبهذه البيعة بدأت هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة .
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وإستقر بها ومرت الأيام وجاءت غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان عام 2 هجرية بعد أن خرج المسلمون لإعتراض قافلة عير قريش التي كانت تحمل تجارتهم والتي كان فيها أموالهم التي تركوها في مكة عند هجرتهم وكان يقود هذه القافلة أبو سفيان بن حرب زعيم مكة ومع أن أبا سفيان قد إستطاع أن يفلت بالقافلة بعد أن غير مسارها إلى طريق البحر الأحمر ونجا بها إلا أن قريش قررت الخروج لملاقاة المسلمين في بدر وقام أبو جهل عمرو بن هشام فقال والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا ولما إلتقى الجمعان في بدر نادى الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه قائلا إن رجالا من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا مكرهين ولا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله فمن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنما أخرج مستكرها ومن لقي أبا البخترى بن هشام فلا يقتله عرفانا بموقفه في نقض الصحيفة الظالمة التي كتبتها قريش وعلقتها في جوف الكعبة المشرفة تحرض فيها على مقاطعة بني هاشم حتى يسلموهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما إصطف الفريقان في ساحة المعركة قريش بحدها وحديدها والمؤمنون يستغيثون ربهم ويسألونه النصر فأنزل الله لهم البشـرى في قوله تعالى في سورة الأنفال إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وكان أول من رأى مدد الملائكة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب ولقد رأى المسلمون يوم بدر عجبا من أمر الملائكة حتى قال أحدهم إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه بسيفي إذ وقع رأسه قبل أن أصل إليه بسيفي فعرفت أنه قد قتله غيرى وبينما رجل آخر من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر إلى الرجل المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فَجاء الرجل المسلم فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة وكان الصحابي أبو اليسر كعب بن عمرو ممن شاركوا في غزوة بدر وهو الذى إنتزع راية المشركين يومذاك وكانت بيد أبي عزيز بن عمير بعد أن رآه يرفعها عاليا فإنطلق نحوها وإنتزعها منه وألقاها على الأرض حتى وطأتها الأقدام وجاهد في الله حق جهاده كما أرادت عناية الله أن يتم أسر عم النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب فيمن أسر يوم بدر وكان أسره على يد الصحابي أبي اليسر رضي الله عنه حيث أنه لما رآه في ميدان المعركة إشتد نحوه بسيفه ولكنه تذكر قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأهل بدر من لقي منكم العباس بن عبد المطلب فليكفف عنه فإنه خرج مستكرها وهنا في هذا المشهد وسط صليل السيوف نلمح مدى تعظيم ذلكم الشاب الأنصارى ابي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه لأمر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حيث لم تخرجه حماسةُ الشباب من دائرة الطاعة ويحكي هذا الصحابي الجليل عن هذا الأمر فيقول نظرت إلى العباس بن عبد المطلب يوم بدر وهو واقف كأنه صنم وعيناه تذرفان فقلت جزاك الله من ذى رحم شرا أتقاتل إبن أخيك مع عدوه فقال ما فعل وهل أَصابه القتل فقلت الله أعز له وأنصر من ذلك فقال له العباس ما تريد إلى قلت الأسر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك فقال ليست بأول صلته فأسره أبو اليسر وجاء به للنبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال لي كيف أسرته يا أبا اليسر قلت لقد أعانني عليه رجل ما رأيته من قبل هيئته كذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه ملك كريم .
وبعد بدر شهد الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه غزوة أحد في شهر شوال عام 3 هجرية ثم غزوة الخندق أو الأحزاب في شهر شوال عام 5 هجرية ثم غزوة بني قريظة في شهر ذى القعدة من نفس العام وأبلى في كل هذه المشاهد بلاءا حسنا وفي شهر ذى القعدة عام 6 هجرية شهد بيعة الرضوان وصلح الحديبية وفي شهر المحرم عام 7 هجرية شهد غزوة خيبر والتي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة بعد أن ضمن حياد قريش بموجب صلح الحديبية متجها شمالا لقتال يهود خيبر الذين تآمروا مع قريش وقبائل نجد في غزوة الأحزاب وهددوا المسلمين في المدينة المنورة وحاصروها بهدف إقتحامها والقضاء على الإسلام والمسلمين لمدة 3 أسابيع فدخلوا حصونهم المنيعة فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون وطالت مدة الحصار فأصاب المسلمين جوع شديد وهنا يأتي دور الصحابي أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه ولنترك له الحديث ليخبرنا بما فعل فيقول رضي الله عنه والله إِنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات ليلة إذ أقبلت غنم لرجل من اليهود تريد حصنهم ونحن محاصروهم إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم فقلت أنا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم فإفعل فخرجت مسرعا أشتد من أجل اللحاق بالغنم فلما نظر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال اللهم أمتعنا به وهو دعاء بطول العمر وكان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعود سالما ولا يقتل ويستطرد أبو اليسر قائلا فأدركت الغنم وقد دخلت أوائلها الحصن فأخذت شاتين من أخراها فإحتضنتهما تحت يدى ثم أقبلت بهما أشتد كأنه ليس معي شئ حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذبحناهما وأكلنا منهما وكان الصحابي أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه من آخر أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وفاة بسبب هذا الدعاء وكَانَ رضي الله عنه إِذا حدث بهذا الحديث بكى وقال أُمتعوا بي لعمرى كنت آخرهم وفي شهر ذى القعدة من نفس العام السابع الهجرى شهد الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه عمرة القضاء وفي شهر جمادى الأولى عام 8 هجرية شهد الصحابي أبو اليسر رضي الله عنه غزوة مؤتة ولما قتل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه والذى كان قد تولى قيادة المسلمين طبقا لتعليمات النبي صلى الله عليه وسلم بعد إستشهاد زيد بن حارثة رضي الله عنه القائد الأول الذى عينه النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت راية الإسلام من يد جعفر رضي الله عنه على الأرض بعد أن قطع المشركون كلتا يديه ثم قتلوه كان الصحابي أبو اليسر رضي الله عنه هو الذي إنطلق مسرعا ورفعها ترفرف ثم أعطاها للقائد الثالث الذى عينه النبي صلى الله عليه وسلم أيضا في حال إستشهاد القائدين الأول والثاني وهو الصحابي عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وفي شهر رمضان عام 8 هجرية شهد الصحابي أبو اليسر رضي الله عنه فتح مكة وفي الشهر التالي شوال عام 8 هجرية شهد غزوة حنين ثم حصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام وفي شهر رجب عام 9 هجرية شهد غزوة تبوك أو غزوة العسرة وكانت آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكانت آخر المشاهد التي شهدها الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي حجة الوداع في أواخر شهر ذى الحجة عام 10 هجرية وتوفي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وهو عنه راض وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تذكر لنا المصادر التاريخية ولم يذكر لنا ايضا المؤرخون والباحثون لنا أى تفاصيل أو معلومات عن جهاده في سبيل الله في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم جميعا غير أنه كان من أنصار الخليفة الراشد الرابع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فترة خلافه مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وشهد معه وقعة صفين في شهر صفر عام 37 هجرية والتي قتل خلالها سبعون ألف شهيد من الطرفين فمن أنصار معاوية بن أبي سفيان قتل 45 ألفا بينما قتل من أصحاب علي بن أبي طالب 25 ألفا وإنتهى الأمر بوقف القتال بين الطرفين واللجوء إلى النحكيم فإختار الإمام علي رضي الله عنه أبا موسى الأشعرى رضي الله عنه ليكون حكما من عنده في جلسة التحكيم التي لجأ إليها الفريقان ووكل معاوية عمرو بن العاص رضي الله عنهما حكما من عنده وإنصرف الإمام علي إلى الكوفة وإنصرف معاوية إلى دمشق وكان مقر إجتماع الحكمين في دومة الجندل في شهر رمضان عام 37 هجرية وقد ذكرت روايات عديدة فيما توصل إليه الحكمان منها أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قد خدع أبا موسى الأشعرى رضي الله عنه وجعله يخلع علي ومعاوية رضي الله عنهما بينما خلع هو علي وثبت معاوية وهذه الرواية لا أساس لها من الصحة والصحيح هو أن الحكمين تراضيا على أن يعهدا بأمر الخلافة إلى الموجودين من أعيان الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم فيجعلوا على الناس من يرونه أهلا للخلافة حسما للخلاف وحقنا للدماء .
وفي غير ميدان الجهاد في سبيل الله كان للصحابي الجليل أبي اليسر كعب بن عمرو عدة مواقف فعن الصحابية سلامة بنت معقل رضي الله عنها قالت كنت للحباب بن عمرو فمات ولي منه ولد فقالت إمرأته أى زوجته الأخرى الآن ستباعين في دينه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له يا رسول الله إني إمرأة من خارجة قيس قدم بي عمي المدينة في الجاهلية فباعني للحباب بن عمرو أخي أبي اليسر كعب بن عمرو فانجبت له عبد الرحمن فقالت إمرأته الآن تباعين في دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم من صاحب تركة الحباب بن عمرو فقالوا أخوه أبو اليسر كعب بن عمرو فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له لا تبيعوها وأعتقوها فإذا سمعتم برقيق قد جاءني فإئتوني أعوضكم عنها فأعتقوها وفي هذا الموقف يضرب لنا أبو اليسـر رضي الله عنه مثالا راقيا في إمتثاله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثمة موقف آخر فعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له يحمل صحفا فقال له أبي كيف أصبحت يا عم قال بخير فقال له أبي يا عم إني أَرى في وجهك سفعةً من غضب فقال أبو اليسر اجل كان لي على فلان بن فلان دين فجئت أبتغيه فأتيت أهله فسلمت عليهم وقلت أثم هو فقالوا لا فخرج إبن صغير له فقلت له أين أبوك فقال هو بالبيت سمع كلامك فدخل أريكة أمي فقلت إخرج إلي يا فلان فقد علمت أين أنت فخرج إلي فقلت له ما حملك على أن إختبأت عني فقال أنا والله أصدقك ولا أكذبك والله الذى لا إله غيره ما عندى مال ولقد خشيت والله أَن أُحدثك فأكذبك أو أعدك فأخلفك وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت والله معسرا فأتى أبو اليسر صحيفته فمحاها بيده وقال له إن وجدت قضاء فأقضني وإلا فأنت في حل فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سمعته بأذني ووعاه قلبي هذا وهو يقول صلى الله عليه وسلم من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله يوم لا ظل إلا ظله وكان هذا الموقف بمثابة صورة مشرفة من سيرة وحياة الصحابي الجليل أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه يعجز القلم عن وصفها واللسان عن مدحها وعلاوة على كل ما سبق فلم تنس رحلةُ الحياة الصحابي الجليل أبا اليسر رضي الله عنه ما بايع عليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة تلكم البيعة التي كان من بنودها النصح لكل مسلم فكان لا يكاد يرى مسلما يحتاج إلى نصيحة إلا ويسارع إليه بها معتمدا على فقهه وعلمه بالسنة وبما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومما يروى عنه في ذلك موقف كان بينه وبين سعيد بن نافع رضي الله عنه حيث رآه أبو اليسر رضي الله عنه وهو يصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس فنهاه وقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا حتى ترتفع الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان وفي هذا الموقف لم نلمح من أبي اليسر رضي الله عنه مسارعته في نصح المسلمين فحسب بل نلمح منه أيضا فقهه وعلمه بالسنة كما أسلفنا كما كان الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه يتصف بالشهامة والمروءة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على أَحد مات وعليه دين حتى يقضى عليه دينه ليعظم صلى الله عليه وسلم بذلك خطورة الدين في قلوب الناس وذات يوم مات رجل من المسلمين وعليه دين ولم يجد الناس أحدا من أوليائه أو أقاربه يقضي عنه دينه فإنصرف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصل على الجنازة وأمر الناس أن يصلوا عليها وكان بين جموع الناس ذلكم الشاب الأنصارى الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه الذى جاء يشهد الجنازة ليحصل على ثوابها ولم يكن يعرف الميت وأخذ ينظر إلى ما يدور أمامه وهو يتذكر ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه وإن قتل في سبيل الله فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا رفع صوته قائلا دينه علي يا رسول الله فصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الموقف يجسد لنا الصحابي الجليل أبو اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه لنا شهامة المسلم ومروءته في مثل هذه المواقف فما أجملك وما أعظمك وما أجلك يا أبا اليسر .
ومما يروى أيضا عن الصحابي أبي اليسر كعب بن عمرو أنه ضعف في يوم من الأيام أمام إمرأة فأصاب منها قبلة فندم ندما شديدا وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وحكى له ذلك فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية الكريمة رقم 114 من سورة هود حيث قال الله سبحانه وتعالى وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين فقال الصحابي أبو اليسر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ألي خاصة يارسول الله فقال لا بل لك ولجميع المؤمنين وهذه الآية تبين لنا أن الصحابي ابا اليسر كعب بن عمرو قد وقع في ذنب وأراد أن يتحلل من آثاره وتبعاته فكان من رحمة الله سبحانه وتعالى به أن أرشده هو وسائر المسلمين في هذه الآية الكريمة وأن إقامة الصلاة تكفر ما يقع للإنسان من خطايا وذنوب ومعنى طرفي النهار فى هذه الآية الكريمة أن النهار من الفجر للمغرب والليل من المغرب للفجر فأرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى إقامة الصلوات المفروضة في هذه الفترة الزمنية وهناك أقوال عند المفسرين لكنهم يرجعون دائما إلى معنى الصلوات التي تبدأ النهار والتي تنهيه فيقول بعضهم الفجر والمغرب ويقول البعض الفجر والظهر الطرف الأول والعصر والمغرب الطرف الثاني وفي النهاية يقصد الله سبحانه وتعالى إقامة الصلوات المفروضة في النهار وزلفا من الليل هي صلاة العشاء والخلاصة أنه في هذه الآيات جمع الله الصلوات الخمس دلالة على فضلهم حيث أنها تكفر ما يفعله الإنسان بينها من خطايا وذنوب وآثام ونتعلم أيضا من هذه الآية الكريمة ومما حدث مع الصحابي الجليل أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه أن المحنة أحيانا ترتقي لمنحة فأحيانا يزل الإنسان حتى يرتقي فلو كان في علو دائما لن يشعر بحلاوة المرتبة التي هو فيها إلا أن ينزل عنها قليلا ويرجع لها ثانية وأحيانا يتسلل للإنسان شئ من الغرور والتعالي فيكون كسر أنف المكلف بالمعصية حتى يعود إلى الله وحتى يشعر بغيره من العصاة تأديبا له وإعانة له على الترقي وأخيرا فبعد حياة طويلة من العطاء والإيمان والجهاد في سبيل الله وقف قطار العمر بالصحابي الجليل أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه عند آخر محطاته فينام على فراش الموت عام 55 هجرية بالمدينة المنورة في عهد الخليفة الأموى الأول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وتخرج روحه إلى بارئها الذى وعده وأصحابه من أهل بدر بالجنة ويصلي عليه أهل المدينة ويدفن بالبقيع وكان هو آخر من مات من أهل بدر الذين قال عتهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم كأن الله إطلع على أهل بدر فقال لهم إفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء .
|