بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
وفي شهر ذى القعدة عام 6 هجرية شهد الزبير بن العوام رضي الله عنه بيعة الرضوان وصلح الحديبية وفي شهر المحرم عام 7 هجرية شهد الزبير رضي الله عنه غزوة خيبر وكانت مدينة خيبر والتي تقع علي بعد حوالي 70 كم شمالي المدينة هي وكرة الدس والتآمر ومركز الإستفزازات العسكرية والتحرشات وإثارة الحروب ضد المسلمين فمن ثم كانت هي الجديرة بإهتمام المسلمين وضرورة غزوها للتخلص من هذا الوكر التآمرى وكانت هذه المدينة مليئة بالحصون وكان الجديد في تلك الغزوة وما يختلف عن الغزوات السابقة هي حصون اليهود وقلاعهم التي أقاموا بها فمحاولة الهجوم عليهم تتطلب جهدا ضخما وتعبئة مناسبة ومؤونة كافية للجيش لفترة طويلة والمسلمون لا يملكون هذه الطاقات في مقابل اليهود الذى قيل عنهم وهم أهل الحصون التي لا ترام وسلاح وطعام كثير وماء متوفر يشربونه في حصونهم ولو حوصروا لسنين لكفاهم وما كان لأحد بهم من طاقة كما أن المسلمون لم يكن لهم خبرة سابقة في قتال أهل الحصون إلا ما كان يوم حصارهم لبني قريظة يوم حربهم وفضلا عن ذلك فقد كان في هذه الحصون عشرة آلاف مقاتل من اليهود منهم آلاف يجيدون الرمي وكانت أيضا ممتلئة بالمال وكان اليهود يعملون بالربا مع جميع البلدان ولا ننسى أن أهل خيبر هم الذين كانوا قد حزبوا الأحزاب ضد المسلمين وحرضوا بني قريظة على الغدر والخيانة ثم أخذوا في الإتصال بالمنافقين الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي وبقبائل غطفان وأعراب البادية وكانوا هم أنفسهم يستعدون للقتال وعاش المسلمون بسببهم محنا متواصلة إضطرتهم إلى الفتك ببعض رؤوسهم أمثال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق وأسير بن زارم ولكن كان لابد من عمل أكبر من ذلك إزاء هؤلاء اليهود المتآمرين وما كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من مجابهتهم إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألد ألا وهو قريش وقد إختلفت تلك الغزوة عما قبلها من غزوات إذ أنها كانت أول غزوة تأتى بعد وقعة بني قريظة وصلح الحديبية لتدل بذلك على أن الدعوة الإسلامية قد دخلت مرحلة جديدة من بعد صلح الحديبية فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ هو أن نغزو أعداءنا قبل أن يغزونا ولا نسمح لهم بالإقتراب من المدينة المنورة حصن الإسلام الحصين وكانت الخطوة الأولى في هذه المرحلة هي ضرورة القضاء على هذه البؤرة التآمرية التي تهدد الإسلام والمسلمين والإستقرار والهدوء في شبه الجزيرة العربية وقد أبلى الزبير بن العوام رضي الله عنه في هذه الغزوة بلاءا حسنا وقتل فيها ياسر بن أبي زينب اليهودى أخا مرحب الذى قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذى خرج بعد مقتل أخيه وهو يقول هل من مبارز فخرج له الزبير رضي الله عنه فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها يقتل إبني يا رسول الله فقال لها بل إبنك يقتله إن شاء الله فإلتقيا فقتله الزبير رضي الله عنه وبعد العديد من المعارك الشرسة تم فتح حصون خيبر حصنا وراء الآخر بعد سلسلة من المحاصرات والقتال الشرس بين الطرفين وأرسل زعماء اليهود إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ننزل فنكلمك فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فنزلوا وصالحوه على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم على أن يخرجوا من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء أي الذهب والفضة والكراع والحلقة أى السلاح إلا ثوبا على ظهر إنسان فقال النبي صلى الله عليه وسلم وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر وتخلص المسلمون من هذه البؤرة التآمرية التي هددت الأمن والإستقرار للإسلام والمسلمين .
وفي شهر ذى القعدة عام 7 هجرية شهد الزبير بن العوام رضي الله عنه عمرة القضاء وعندما نقضت قريش صلح الحديبية لما إعتدت قبيلة بنو بكر حلفاء قريش على معتمرى قبيلة خزاعة في الحرم وأعانتهم قريش على ذلك وقرر النبي محمد صلى الله عليه وسلم فتح مكة وأثناء التحضير للخروج من المدينة المنورة نحو مكة كان الزبير بن العوام رضي الله عنه ممن أرسلهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليمسكوا بالمرأة التي كانت تحمل رسالة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة التي كان يخطر فيها أبا سفيان وقريش بنية النبي صلى الله عليه وسلم التوجه لفتح مكة فأسرع علي والزبير وكان ثالثهم المقداد بن عمرو رضي الله عنهم جميعا فأمسكوا بالمرأة في روضة خاخ على بعد إثني عشر ميلا من المدينة المنورة وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتابَ فسلمته لهم فعادوا به للنبي صلى الله عليه وسلم ولما دخل المسلمون مكة في يوم 20 رمضان عام 8 هجرية كان الزبير حامل أحد رايات المهاجرين الثلاث حيث جعل النبي خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وفيها قبائل أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وعدة قبائل أخرى من قبائل العرب وأمره أن يدخل مكة المكرمة من أسفلها وقال إن عرض لكم أحد من قريش فإحصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا وجعل الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى وبعثه على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وجعل أبا عبيدة على الرجالة وكانت راية الأنصار مع سيد الخزرج سعد بن عبادة فلما مر بأبي سفيان قال له اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا فلما حاذى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أبا سفيان قال يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد قال وما قال فقال ابو سفيان ما قاله سعد فقال عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بل اليوم يوم المرحمة اليوم تعظم فيه الكعبة اليوم يعز الله فيه قريشا بالإسلام ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء ودفعه إلى إبنه قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه ونصب الزبير راية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح وضرب له هناك قبة فلم يبرح حتى جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أيام قليلة من فتح مكة شهد الزبير بن العوام رضي الله عنه غزوة حنين في شهر شوال عام 8 هجرية وكان على رأس كتيبة من المسلمين وخالد بن الوليد رضي الله عنه على رأس كتيبة أخرى وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه على رأس كتيبة ثالثة وفي البداية إنكشف جيش المسلمين إلا أن المعركة إنتهت بإنتصار ساحق للمسلمين وبعد حنين شهد الصحابي الزبير بن العوام رضي الله عنه حصار الطائف في شهر ذى القعدة عام 8 هجرية ثم غزوة تبوك أو غزوة العسرة في شهر رجب عام 9 هجرية والتي كانت آخر غزوات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم شهد حجة الوداع في أواخر عام 10 هجرية وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وهو عنه راض .
وبعد تولى الصحابي أبي بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وأطلت فتنة الردة برأسها حيث إرتدت بعض القبائل عن الإسلام بالكلية وعادت لعبادة الأصنام ومنعت بعض القبائل الزكاة ورفضت الخضوع لسلطة الخليفة بالمدينة المنورة ولم يثبت على الإسلام إلا مكة والمدينة والطائف وأصبح المسلمون وسط بحر هائج متلاطم من أمواج الردة وقد ألهم الله تعالى الخليفة العظيم أبا بكر الصديق رأيا سديدا في قتال المرتدين فهو لم يقبل كما رأى بعض الصحابة الأخيار بأن لا يقاتل من منعوا الزكاة طالما ظلوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويؤدون الصلاة بل أصر على ضرورة الخضوع الكامل لعاصمة الإسلام المدينة المنورة وأن يقيموا فرائض الإسلام بالكامل قائلا أينقص الدين وأنا حي أينقص الدين وأبو بكر حي والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ولما تعرضت المدينة المنورة للخطر بعد ورود أنباء عن تحفز بعض القبائل التي تسكن حول المدينة المنورة لشن هجوم واسعٍ عليها وتدمير القاعدة المركزية للدين الإسلامي حيث قام طُليحة بن خويلد الأسدى بنشر أتباعه حول المدينة فأقام بعضهم في ذى القصة شرق المدينة وأقام بنو مرة بالأبرق في منازل بني ذبيان وكان بنو عبس وبكر يقفون إلى جانب هؤلاء المرتدين ثم أرسلوا وفودا منهم إلى المدينة المنورة ليفاوضوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه على أساس أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة وإطلعوا في غضون ذلك على الوضع الداخلي في المدينة مما دفع أبا بكر إلى تنبيه المسلمين كي يأخذوا حذرهم وعاد وفود أهل الردة إلى معسكرهم بعد أن رفض أبو بكر طلبهم فيما يختص بالزكاة فأخذوا يشجعون قومهم على غزو المدينة بعد أن لمسوا قلة الجند فيها وإمكانية دخولها حيث كان الخليفة العظيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد صمم على خروج جيش أُسامة بن زيد تنفيذا لتوصية النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته فخلت المدينة من الجند إلا من عدد قليل من المهاجرين والأنصار لكن الخليفة العظيم أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان مستعدا لأى هجوم قد يشنه أهل الردة على المدينة المنورة فأخذ يقوى دفاعاتها وعهد إلى الصحابة الكرام علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم جميعا بحراسة الطرق الجبلية المحيطة بها فكانوا يبيتون مع رجالهم خارج المدينة إستعدادا وتأهبا لأى هجوم مفاجئ على المدينة كما أمر كل من يستطيع حمل السلاح بالمبيت في المسجد النبوى وهو على تعبئة وبعد ثلاثة أيام أغار أهل الردة على المدينة المنورة ليلا وكان المسلمون في إنتظارهم فردوهم على أعقابهم ثم تبعهم أبو بكر أثناء الليل وعلى ميمنته النُعمان بن مقرن المزني وعلى ميسرته شقيقه عبد الله بن مقرن المزني وعلى الساقة أخوهما سويد بن مقرن وفاجأهم عند الفجر لينزل بهم الهزيمة فيولون الأدبار بعد أن قتل حبال بن طليحة أحد قواد طليحة على يد الصحابي عكاشة بن محصن رضي الله عنه ونزل أبو بكر في ذى القصة وكان ذلك أول الفتح في حروب الردة ووثب بنو ذبيان وعبس على من ثبت من قومهم على الإسلام وقتلوهم إنتقاما لفشلهم في غزو المدينة فأقسم أبو بكر على قتل من كل قبيلة من المرتدين بمن قتل من المسلمين ثم عاد أبو بكر إلى المدينة المنورة وفي هذه الأثناء عاد جيش أُسامة بن زيد الذى كان قد صمم الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه إخراجه تنفيذا لتوصية النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته وذلك بعد سبعين يوما من خروجه وخلال طريقهم كانوا قد أوقعوا بقبائل من قُضاعة إرتدت عن الإسلام كما أغار أُسامة على منطقة في مؤتة وغنم غنائم كثيرة ثم خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جمعٍ من المسلمين بعد أن إستخلف أُسامة بن زيد وجيشه على المدينة لينال قسطا من الراحة ونزل بالأبرق حيث قاتل بني عبس وذبيان وطائفة من بني كنانة وهزمهم فإنسحبت ذبيان وبني عبس إلى البزاخة قُرب مكة وإنضمت إلى طليحة بن خويلد الأسدى وبعد أيام عاد أبو بكر رضي الله عنه إلى المدينة المنورة وأخذ يعد العدة للقضاء على باقي حركات الردة في شبه الجزيرة العربية حيث حشد عدد 11 لواء ووجه كل واحد منها إلى منطقة من مناطق الردة وقبل إنتهاء العام الحادى عشر للهجرة كان المسلمون بقيادة الخليفة العظيم أبي بكر الصديق قد قضى على فتنة الردة في شبه الجزيرة العربية .
وبعد القضاء على فتنة الردة ومع بداية حركة الفتوحات في بلاد العراق وفارس والشام شارك الزبير بن العوام رضي الله عنه في معركة اليرموك تحت قيادة عبقرى الحرب سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وكانت في أواخر خلافة أبي بكر الصديق وبداية خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان من أمراء الكراديس أو الكتائب التي كان يتكون منها جيش المسلمين سواء في قلبه أو في مجنبتيه طبقا للتعبئة التى عبأ خالد رضي الله عنه بها الجيش وقد أبلى فيها بلاءا حسنا وكان من فرسان الناس وشجعانهم وخلال المعركة إجتمع إليه جماعة من الأبطال فقالوا ألا تحمل فنحمل معك فقال إنكم لا تثبتون فقالوا بلى فحمل وحملوا معه فلما واجهوا صفوف الروم أحجموا وأقدم هو فإخترق صفوف الروم حتى خرج من الجانب الآخر وعاد إلى أصحابه ثم جاءوا إليه مرة ثانية ففعل كما فعل في الأولى وجرح يومئذ جرحين بين كتفيه وفي النهاية كتب الله النصر للمسلمين وتم كسر شوكة الروم وإنفتح الطريق أمام المسلمين لإستكمال فتح سائر بلاد الشام وبعد ذلك لما سمح الخليفة عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص رضي الله عنه بالتوجه لفتح مصر في أواخر عام 18 هجرية وبعد أن وصل الجيش الإسلامي إلى العريش في عيد الأضحى يوم 10 من شهر ذى الحجة عام 18 هجرية الموافق يوم 12 من شهر ديسمبر عام 639م فوجدها خالية من القوات البيزنطية فدخلها وشجع ذلك الأمر عمرو بن العاص على إستئناف التقدم فغادر العريش سالكا الطريق الذى كان يسلكهُ المهاجرون والفاتحون والتجار منذ أقدم العصور ثم إنحرف جنوبا تاركا طريق الساحل وإتخذ الطريق الذى سار فيه الفرس عندما إستولوا على مصر حتَّى وصل إلى الفرما وكانت أنباء زحف المسلمين قد وصلت إلى مسامع المقوقس كبير قبط مصر فإستعد للتصدى لهم ولكنه آثر ألا يصطدم بهم في العريش أو الفرما وتحصن وراء حصن بابليون والذى حاصره المسلمون فترة طويلة دون أن يفتحوه وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه برسالة مع إبنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب منه مددا قدره ثمانية آلاف مقاتل فأرسل الخليفة معه أربعة آلاف مقاتل وعلى رأس كل ألف منها فارس وصفه الخليفة بأنه بألف رجل وكان هؤلاء الأربعة هم الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد رضي الله عنهم جميعا وكان للزبير رضي الله عنه دور بارز في فتح حصن بابليون حيث إعتلى مع نفر من المسلمين السور وكبروا فظنَ أهل الحصن أن المسلمين إقتحموه فهربوا تاركين مواقعهم فنزل الزبير رضي الله عنه عليهم وخرج على عمرو من الباب معهم وخرجوا إليه مصالحين فقبل منهم وبذلك تم فتح حصن بابليون وبعد ذلك تم إستكمال فتح مصر وشهد الزبير على عقد الصلح الذي أعطاه عمرو بن العاص لأهل مصر .
وفي أواخر شهر ذى الحجة عام 23 هجرية وبعد أن طعن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وألح عليه الصحابة أن يستخلف عليهم أحدا من كبار الصحابة الكرام رضي الله عنهم أبى وقال لا أحملها أى المسؤولية مرتين مرة وأنا خليفة ومرة بإستخلافي لرجل من الصحابة الكرام رضي الله عنهم فلما ألحوا عليه قام بإختيار عدد ستة من كبار الصحابة وضمن العشرة المبشرين بالجنة وهم عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بين عبيد الله رضي الله عنهم جميعا وذلك لكي يختاروا من بينهم الخليفة الجديد وأرسل عمر لأبي طلحة الأنصارى قبل أن يموت بساعة وقال له يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأَنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم سيجتمعون في بيت أمهم عائشة رضي الله عنها فقم على بابه بأصحابك ولا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم اللهم أَنت خليفتي عليهِم يا أَبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الإسلام بكم وقال للمقداد بن عمرو رضي الله عنه إِذا وضعتموني في حفرتي فإجمع هؤلاء الرهط في بيت أمهم عائشة رضي الله عنها لكي يختاروا رجلا منهم وقال لصهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه صل بالناس ثلاثة أيام وتابع قوله لأبي طلحة أحضر عبد الله بن عمر رضي الله عنه مع هؤلاء الرهط كشاهد على إجتماعهم ولا شئ له من الأمر وقم على رؤوسهم فإن إجتمع خمسة وإرتضوا رجلا وأبى واحد إضرب رأسه بالسيف وإن إتفق أربعة وإرتضوا رجلا منهم وأبى إثنان فإضرب رأسيهما فإن إرتضى ثلاثة رجلا منهم وإرتضى الثلاثة الآخرون رجلا آخر فحكموا عبد الله بن عمر فأى الفريقين حكم له فليكن الخليقة من إختاره الفريق الذى حكم له فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وإقتلوا الباقين إن رغبوا فيما إجتمع عليه الناس وبالفعل نفذ أبو طلحة رضي الله عنه أمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وظل يحرس إجتماع هؤلاء الرهط من الرجال حتى تم بحمد الله إختيار الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه خليفة للمسلمين حيث ذهب أهل الشورى إلى الإجتماع في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها فقال لهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير رضي الله عنه جعلت أمرى إلى علي وقال طلحة جعلت أمرى إلى عثمان وقال سعد جعلت أمرى إلى عبد الرحمن بن عوف وبذلك أصبح المرشحون الثلاثة للخلافة علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وانا أخلع نفسي من هذا الأمر وإجعلوه إلي فقالوا نعم وأخذ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير المسلمين وبعد صلاة صبح يوم البيعة إرتفى رضي الله عنه منبر النبي صلى الله عليه وسلم ووضع فوق رأسه عمامة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أهداها له وأعلن البيعة لعثمان بن عفان وقال أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا وقال مخاطبا عثمان أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده وبايعه باقي أصحاب الشورى والناس جميعا المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون خليفة للمسلمين .
وخلال عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه كان الزبير بن العوام من مؤيديه ومناصريه ولما قتل في أواخر عام 35 هجرية ندم الزبير وأصحابه على عدم مساعدته وعزموا على الأخذ بثأره والقصاص له وبعدما بويع الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه طلب منه كل من الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما تعجيل إقامة القصاص وإقترحا أن يخرجا للبصرة والكوفة فقال طلحة دعني فلآت البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل وقال الزبير دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل فأمرهما علي رضي الله عنه بالتريث وبعد مرور أربعة أشهر من مقتل عثمان خرج الزبير وطلحة معتمرين إلى مكة وإلتقيا بالسيدة عائشة رضي الله عنها وكان وصولهما إلى مكة في شهر ربيع الآخر عام 36 هـجرية ودعوا الناس إلى الأخذ بثأر عثمان ثم قرروا الخروج إلى البصرة ثم الكوفة والإستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك ولما وصلوا البصرة أرسل لهم والي البصرة عثمان بن حنيف الأنصارى يسألهم عن سبب قدومهم حيث أرسل إليهم كلا من عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي فذهبا إلى السيدة عائشة فقالا إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا فقالت والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين وإستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا عذر فإستحلوا الدم الحرام فسفكوه وإنتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على إمتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره فأتيا طلحة فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان قالا ألم تبايع عليا قال بلى ثم أتيا الزبير فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان رضي الله عنه قالا ألم تبايع عليا قال بلى ورأى عثمان بن حنيف أن يمنعهم من دخول البصرة حتى يأتي علي بن أبي طالب فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين فأيدهما فريق من أهل البصرة ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف ثم قامت عائشة رضي الله عنها تخطب في المعسكرين فثبت معها من أيد طلحة والزبير رضي الله عنهما وإنحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف وجاء حكيم بن جبلة العبدى وكان من قتلة عثمان وسب عائشة وكان لا يمر برجل أو إمرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله فإنتشب القتال وإقتتل الفريقان قتالا شديدا فقتل عدد ممن شارك في قتل عثمان قدر بسبعين رجلا وإستطاع طلحة والزبير ومن معهما أن يسيطروا على البصرة وتوجه الزبير رضي الله عنه إلى بيت المال وأخلى سبيل عثمان بن حنيف ووصل علي بن أبي طالب إلى ذى قار وأرسل الرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة حيث أرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال لعائشة أى أماه ما أقدمك هذا البلد فقالت أى بني الإصلاح بين الناس فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح وإتفقا على ذلك ولما عاد القعقاع إلى علي وأخبره بما فعل إرتحل علي وكان لما نوى الرحيل قال وإني راحل غدا فإرتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على قتل عثمان فلما قال هذا إجتمع جماعة من قتلة عثمان كالأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ فقال الأشتر قد عرفنا رأى طلحة والزبير فينا وأما رأى علي فلم نعرفه إلا اليوم فإن كان قد إصطلح معهما فإنما إصطلح على دمائنا وقال عبد الله بن سبأ يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا إلتقى الناس فإنشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون وبالفعل أشعلوا القتال بين الطرفين وحاول طلحة إيقاف القتال فأخذ يقول وهو على دابته أيها الناس أنصتوا فلم ينصت له أحد وأصاب طلحة سهم في ركبته فقطع من رجله عرق النسا فلم يزل دمه ينزف حتى مات ودفن بالبصرة وإنصرف الزبير عن القتال حيث إلتقى بعلي فقال له يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنك تقاتلني وأنت ظالم فقال نعم لم أذكره إلا في موقفي هذا فلما تذكر الزبير ذلك خرج متوجها إلى المدينة المنورة فلقيه ولده عبد الله فقال له جبنا جبنا فقال قد علم الناس أني لست بجبان ولكن ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفت ألا أقاتله وحدث أن لحقه إبن جرموز بوادى السباع قرب البصرة فقتله وهو يصلي فلما جئ به مقتولا بكى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بشر قاتل إبن صفية بالنار وهكذا كانت نهاية حياة الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاه عنا وعن الإسلام خيرا .
وفي غير ميدان الجهاد في سبيل الله كان الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه من رواة الحديث النبوى الشريف لكنه كان مقلا في الرواية ويرجع ذلك إلى أنه كان يخشى أن يخطئ في الرواية فيكون بذلك قد كذب على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد سأله إبنه الأكبر عبد الله بن الزبير فقال له ما لك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه فلان وفلان فقال الزبير ما فارقته منذ أسلمت ولكن سمعت منه كلمة سمعته يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ولذا فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث يسيرة وحدث عنه بنوه عبد الله ومصعب وعروة وجعفر ومالك بن أوس بن الحدثان والأحنف بن قيس وعبد الله بن عامر بن كريز ومسلم بن جندب ومولاه أبو حكيم وأم عطاء وآخرون رضي الله عنهم جميعا وإتفق الإمامان البخارى ومسلم له على حديثين وإنفرد له البخارى بأربعة أحاديث ومسلم بحديث وكان مما رواه ولده عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم في شرج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصارى سرح الماء يمر بي فيمنعه الزبير عني فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير إسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الرجل الأنصارى فقال أن كان إبن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال إسق يا زبير ثم إحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير رضي الله عنه والله إني لأحسب أن هذه الآية من سورة النساء قد نزلت في ذلك فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ وفضلا عن ذلك كان توكل الزبير بن العوام رضي الله عنه على الله من منطلق جوده وشجاعته وفدائيته وحين كان يحتضر وفي اللحظات الأخيرة من حياته أوصى ولده عبد الله رضي الله عنه بقضاء ديونه قائلا يا بني إن عجزت عنه في شئ فإستعن عليه بمولاى فسأله عبد الله رضي الله عنه يا أَبت من مولاك فأجابه اللَّه نعم المولى ونعم النصير وقال عبد الله رضي الله عنه فيما بعد فواللَّه ما وقَعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير إقض عنه دينه فيقضيه وكان سبب تراكم الديون عليه أنه كان إذا أعطاه أحد الناس أمانة يستودعها عنده كان يجعلها دينا عليه خشية ضياعها ويقول لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه .
وقبل أن نختم مقالنا هذا عن الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه لا يفوتنا أن نذكر بعض المعلومات عن حياته الخاصة حيث تزوج الزبير بن العوام قبل الهجرة إلى المدينة المنورة من أولى وأشهر زوجاته وهي ذات النطاقين الصحابية الجليلة السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما كما أسلفنا وولدت له خمسة أولاد هم عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وثلاث بنات هن خديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة وكان الزبير غيورا وكانت أسماء تخشى غيرته وحكت عن ذلك فقالت تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شئ غير فرسه فكنت أعلف فرسه وأنظفه وأستقي الماء وأعجن وأخبز الخبز وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال للناقة إخ إخ لكي تبرك ويحملني خلفه قإستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد إستحييت فمضى فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ ناقته لأركب فإستحييت منه وعرفت غيرتك فقال والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه وتضيف السيدة أسماء قائلة حتى أرسل إلي أبي أبو بكر بعد ذلك خادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني ولما كان الزبير شديدا عليها فأتت أباها فشكت ذلك إليه فقال لها يا بنية إصبرى فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تتزوج بعده جمع بينهما في الجنة لكن الزبير طلقها وكان ذلك على الأرجح في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه أى بعد عام 23 هجرية بعد زواج دام حوالي 25 عاما ولم تتزوج بعده وكانت عند إبنها الأكبر عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وغير السيدة الصحابية الجليلة أسماء بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهما فقد تزوج الصحابي الزبير بن العوام رضي الله عنه من سبع نساء أخريات انجب منهن ست أولاد هم جعفر وعبيدة وعمرو وخالد ومصعب وحمزة وست بنات هن حبيبة وسودة وهند ورملة وزينب وخديجة الصغرى ونلاحظ أن الزبير رضي الله عنه كان يسمي أولاده بأسماء الشهداء وقال في ذلك بلغني أن طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه يسمي بنيه بأسماء الأنبياء وقد علم أن لا نبي بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإني أُسمي بني بأسماء الشهداء فعلى سبيل المثال سمى إبنه جعفر بإسم شهيد غزوة مؤتة جعفر بن أبي طالب وعبيدة بإسم شهيد غزوة بدر عبيدة بن الحارث وعمرو بإسم شهيد معركة أجنادين عمرو بن سعيد بن العاص وخالد بإسم شهيد معركة مرج الصفر خالد بن سعيد بن العاص لعلهم أن يستشهدوا كما أنه كان يسمي بناته بأسماء أمهات المؤمنين رضي الله عنهم جميعا .
|