بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللّه بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر والمكنى بقريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهو من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام بن نبي الله إبراهيم عليه السلام القرشي العدوى رضي الله عنه صحابي من كبار صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو ينتسب إلى بني عدى وهم بطن من بطون قبيلة قريش وكانت فيهم السفارة وهو أحد السابقين إلى الإسلام هو وزوجته وإبنة عمه الصحابية الجليلة فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها حيث أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وقبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم وقبل أن يدعو فيها وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو إبن عم الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشقيقه الأكبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه شهيد معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب وشقيق الصحابية الجليلة عاتكة بنت زيد رضي الله عنها وكان جده لأبيه نفيل بن عبد العزى أحد القضاة في الجاهلية والذى كانت قريش تتحاكم إليه في خصوماتها ومنافراتها وكان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل من سادات مكة وكان حنيفيا على دين النبي إبراهيم الخليل عليه السلام حيث كان لا يعبد الأصنام وكان لا يأكل ما ذبح على النصب ويروى الإمام البخارى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن زيد خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم قائلا لعلي أدخل في دينكم فأخبرني فقال له لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله فقال زيد ما أفر إلا من غضب اللَّه ولا أحمل من غضب اللّه شيئا أبدا وأنى أستطيعه فهل تدلني على غيره فقال العالم اليهودى ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا فقال زيد وما الحنيف قال دين إبراهيم الذى لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولايعبد إلا اللَّه فخرج زيد فلقي عالما من النصارى فذكر مثل ما قال له العالم اليهودى حيث قال له لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبكَ من لعنة اللَّه فقال زيد ما أفر إلا من لعنة الله ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئا أبدا وأنى أستطيع فهل تدلني على غيره فقال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا فقال وما الحَنيف فقال نفس كلام العالم اليهودى دين نبي الله إبراهيم عليه السلام الذى لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا الله فلما رأى زيد قولهم في نبي الله إبراهيم عليه السلام رفع يديه وقال اللهم إني أشهد أني على دينِ إبراهيم عليه السلام وكان زيد يسند ظهره إلى الكعبة المشرفة ويقول يا معاشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيرى وكان يحيي الموءودة ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل إبنته لا تقتلها أنا أكفيكها مؤونتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها وقد لقي زيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فقدم إليه سفرة فأبى أن يأكل منها ثم قال زيد إني لست آكل مما يذبحون على أنصابهم ولا آكل إلا مما ذكر إسم الله عليه حيث كان زيد بن عمرو يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير إسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له وروى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم سئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال يبعث يوم القيامة أمة وحده وقال أيضا دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين وقد مات زيد بأرض البلقاء من بلاد الشام وهي تقع على بعد حوالي 30 كم عن العاصمة الأردنية عمان بشمال غرب المملكة الأردنية حاليا لما عدا عليه قوم من بني لخم فقتلوه وكان ذلك حين كانت قريش تعيد بناء الكعبة المشرفة قبل البعثة النبوية بخمس سنوات .
وكان ميلاد الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه قبل البعثة النبوية ببضع عشرة عاما وكما أسلفنا فقد كان من السابقين إلى الإسلام وأسلمت معه زوجته وإبنة عمه فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها حيث كان إسلامه على يد الصحابي خباب بن الأرت رضي الله عنه أحد السابقين إلى الإسلام والذى كان من المستضعفين الذين عذبوا ليتركوا الإسلام حيث إصطحب خباب سعيد بن زيد معه لسيدنا النبي عليه الصلاة والسلام ليشهد أمامه بالإسلام وبالوحدانية والبيعة وبعدما غادر سعيد بن زيد النبي عليه السلام أسرع إلى زوجته فاطمة وقص عليها روائع ونفحات هذا الدين ولقائه بالنبي عليه الصلاة والسلام وأخلاقه وعن خبر إسلامه بين يديه وهي تصغي وتستمع بكل جوارحها حتى أسلمت معه وصارا معا من أوائل المسلمين لكنهما كتما إسلامهما عن قريش وعن أخيها عمر بن الخطاب خوفا من بطشه حيث كان آنذاك من أشد أعداء الإسلام وأشرسهم نقمة على الإسلام حتى ظن جميع أهل مكة أنه لن يسلم أبدا حتى قيل عنه إنه لن يسلم أبدا حتى يسلم حمار الخطاب كناية عن أنه لن يسلم أبدا وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد مضي ثلاث سنوات من بعثته قد أمر بالجهر بدعوة الناس إلى الإسلام فعاداه القرشيون لا سيما بعد أن بدأ يحقر من شأن آلهتهم هبل واللات والعزى ومن شأن الأصنام جميعها فهب سادة قريش إلى الدفاع عن معتقداتهم وأخذوا يعتدون على المسلمين ويؤذونهم وكان عمر بن الخطاب من ألد أعداء الإسلام وأكثر أهل قريش أذى للمسلمين وكان غليظ القلب تجاههم فقد كان يعذب جارية له علم بإسلامها من أول النهار حتى آخره ثم يتركها نهاية الأمر ويقول والله ما تركتك إلا ملالةً ومن شدة قسوته جند نفسه يتبع محمدا أينما ذهب فكلما دعا أحدا إلى الإسلام أخافه عمر وجعله يفر من تلك الدعوة وبعد أن أمر النبي محمد المسلمين في مكة بالهجرة إلى الحبشة جعل عمر يتخوف من تشتت أبناء قريش وإنهيار أسس القبيلة العريقة عندهم فقرر الحيلولة دون ذلك حيث أحس أنه لم تتخذ بعد الخطوة الحاسمة ضد الحركة الجديدة فقرر أن يبادر هو وأن يأخذها هو بأن يضع حدا لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم فخرج من بيته يحمل سيفه بغير جرابه فلقيه صديق له هو نعيم بن عبد الله وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم والذى أخذته الدهشة للحالة التي رآه عليها فسأله عن وجهته وعما ينوى أن يفعله فقال عمر أريد أن أقتل محمدا فقال له أتظن بني هاشم تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ألا تدرى أن أختك وزوجها قد أسلما ونزل عليه هذا الخبر نزول الصاعقة وإنقبض صدره بشدة فقرر أن يبدأ بأخته وزوجها أولا وعندما بلغ بيت أخته سمع صوت تلاوة في الداخل وكان الصوت هو صوت خباب بن الأَرت والذى كان قد أصبح يزور بيتهما ويتردد عليه من حين لآخر ليعلمهما أصول الدين ويقرأ عليهما ما يكون قد نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم فدلف عمر إلى البيت مسرعا وأحس خباب رضي الله عنه بريبة من الخطوات المتسارعة وهي تقترب فإختبأ وقامت فاطمة أخت عمر بتنحية الأوراق القرآنية جانبا وواجهت أخاها هي وزوجها سعيد بن زيد والذى حاول أن يلين قلبه ويستميله إلى الإسلام فقال يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك فقال عمر لقد سمعت أنكما صبأتما يقصد أنهما تخليا عن دينهما ورفع يده ليصك سعيد رضي الله عنه على وجهه فألقت فاطمة نفسها على زوجها كي تحول بينه وبين عمر فهبطت الضربة على وجه فاطمة وأصابت أنفها التي أخذت تنزف الدماء بغزارة ولكن الضربة زادت من شجاعة فاطمة رضي الله عنها فقالت نعم لقد أسلمنا ولن ندع هذا الدين أبدا وصاحت فيه يا عمر إن الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فإفعل ما بدا لك .
وكان عمر شهما مع خشونته تلك وقد جعله وجه أخته المصبوغ بالدم من أثر يده يشعر بالأسف والندم فإذا به يتحول إلى شخص مختلف تماما وطلب من أخته وزوجها أن يرى الأوراق التي كان بها آيات من القرآن الكريم من سورة طه والتي كانوا يقرأونها فرفضت فاطمة خشية أن يمزقها ويلقي بها فوعد عمر أنه لن يفعل ذلك ولكن فاطمة قالت له وقد طمعت في أن يسلم إنك رجل نجس وهذا القرآن لا يمسه إلا المطهرون فقم وإغتسل إنك غير طاهر فقام عمر وإغتسل وبعد أن إغتسل وتطهر وهدأت نفسه تناول الصحائف القرآنية في يده وكانت تحوى جزءا من سورة طه فراح يقرأ فيها قوله تعالى طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ إسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى إلى أن وصل إلى قوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فإعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فكان هذا التوكيد الجازم لوجود الله تعالى وهذا الوعد الساطع بساعة قادمة حتمية يؤسس فيها الإسلام عبادة حقيقية مكان تلك التي إعتادت عليها مكة المكرمة وكان كل ذلك مع حشد من الأفكار الأخرى المرتبطة بها لابد أنها جميعا حركت مشاعر عمر فلم يملك نفسه أمام تدفق ينبوع الإيمان في قلبه وعند ذلك قال عمر ما أعجب هذا الكلام وما أروعه وإنه لا ينبغي لمن يقول هذا أن يعبد معه غيره دلوني على محمد فخرج خباب من مكمنه وصاح فليشهد الله لقد سمعت رسول الله بالأمس فقط يدعو الله أن يهدي للإسلام أحد العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام وأرجو أن تكون هدايتك ثمرة دعائه وعقد عمر العزم على إعتناق الإسلام بعد أن أضاء الإيمان عقله ورسخ في قلبه وسأل أين يكون الآن الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم أنه مجتمع مع أصحابه بدار الأرقم بن أبي الأرقم وعلى الفور إتخذ طريقه إليه وكان قد أخذ سيفه معه وعندما طرق الباب رأى الصحابةُ عمر من شقوق الباب فخشوا أن يكون ثمة نية سوء لديه ولكن الرسول أمرهم أن يدعوه ليدخل فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه فدخل عمر والسيف لا يزال في يده ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ مجمع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة وقال ما جاء بك يا إبن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة أما آن لك أن تسلم فقال عمر يا رسول الله لقد جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فكبر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة الكرام الله أكبر الله أكبر ورددت قمم الجبال صدى الصوت وإنتشرت أخبار إعتناق عمر بن الخطاب الإسلام في مكة المكرمة كالنار في الهشيم ووقع الخبر كالصاعقة علي المشركين وكان المسلمون قبل إسلام عمر وحمزة يخفون إيمانهم خوفًا من تعرضهم للأذى لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم أما بعد إسلامهما فأصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم لا سيما وأنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم فكان عمر يجاهر بالإسلام ولا يخشى أحدا فلم يرض مثلا عن أداء المسلمين للصلاة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش بل فضل مواجهة القوم بكل عزم فقام وقال للنبي يا رسول الله ألسنا على الحق فأجابه نعم فقال عمر أليسوا على الباطل فأجابه نعم فقال عمر ففيمَ الخفية فقال النبي فما ترى يا عمر فقال عمر نخرج فنطوف بالكعبة فقال له النبي نعم يا عمر فخرج المسلمون لأول مرة يكبرون ويهللون في صفين صف على رأسه عمر بن الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد حتى دخلوا وصلوا عند الكعبة ومن بعيد نظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين فعلت وجوههم كآبة شديدة ويقول عمر فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ حيث فرق الله بي بين الحق والباطل وأصبحت هذه كنيتي .
وكانت فرحة المسلمين غامرة بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونلمس ذلك من خلال عدة أقوال منسوبة إلى عدد من الصحابة الكرام منها ما قاله الصحابي الجليل صهيب الرومي رضي الله عنه حيث قال لما أسلم عمر ظهر الإسلام ودعي إليه علانية وجلسنا حول البيت حلقا وطفنا بالبيت وإنتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتى به وقال أيضا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة المشرفة حتى أسلم عمر وما زلنا أعزة منذ أسلم وقيل أيضا عن إسلام عمر إن إسلامه كان فتحا وهجرته إلي المدينة المنورة نصرا وخلافته رحمة وبذلك فلقد ساهمت فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما بدور كبير في إسلام سيدنا عمر بن الخطاب وبهذا تحققت على أيديهما دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا الله قائلا اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين فإستجاب الله لدعاء نبيه وأثلج صدره بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولما إشتد إيذاء المشركين للمسلمين في مكة المكرمة وبعد بيعة العقبة الثانية بدأت هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة وكانت فاطمة بنت الخطاب مع زوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما من المهاجرين الأوائل وروى المؤرخ إسماعيل بن كثير أنهما كانا من الذين هاجروا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه علانيةً حيث لما قرر عمر الهجرة تقلد سيفه ووضع قوسه على كتفه وحمل أسهما وذهب إلى الكعبة المشرفة وطاف بها سبع مرات ثم توجه إلى مقام إبراهيم فصلى ثم قال لحلقات قريش المجتمعة حول الكعبة المشرفة شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادى فلم يتبعه أحد ولحق به أيضا عدد من ضعفاء المسلمين كان منهم عدد من أهله وأقاربه وقومه منهم شقيقه الأكبر زيد بن الخطاب وأخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد وخنيس بن حذافة السهمي زوج إبنته حفصة رضي الله عنها التي تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد بعد أن إستشهد على أثر إصابته في غزوة أحد وكانت الزوجة الرابعة له وصارت من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة آخى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بين الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه والصحابي الأنصارى الخزرجي رافع بن مالك الزرقي رضي الله عنه وفي شهر رمضان عام 2 هجرية وقبل غزوة بدر كلف النبي صلى الله عليه وسلم كلا من الصحابيين طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد رضي الله عنهما بأن يتتبعا خبر عير قريش القادمة من الشام قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى بدر حيث خرجا حتى بلغا الحوراء شمالي المدينة المنورة فلم يزالا مقيمين هناك حتى مرت بهما العير وكان على رأسها أبو سفيان بن حرب ولكن كان قد بلغ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد رضي الله عنهما إليه فندب أصحابه وجهز جيشا لملاقاة القافلة ولكنها إستطاعت الإفلات بعد أن علم أبو سفيان بخروج المسلمين من المدينة المنورة لملاقاة العير قغير طريق العودة المعتاد وإتخذ طريق ساحل البحر ثم عاد طلحة وسعيد رضي الله عنهما إلى المدينة المنورة ليخبرا النبي صلى الله عليه وسلم عن خبر العير وكانا لم يعلما بخروجه فقدما المدينة المنورة في اليوم الذي حدثت فيه المعركة بين المسلمين وقريش ببدر فخرجا من المدينة المنورة مسرعين فلقيا النبي محمد صلى الله عليه وسلم منصرفا من بدر لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لكل منهما سهما مثل من شهدوا الغزوة وقال المؤرخ والعالم المسلم أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدى في ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من المدينة المنورة إلى بدر الصحابيين الجليلين طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد رضي الله عنهما إلى طريق الشام يتحسسان الأخبار ثم رجعا إلى المدينة المنورة فقدماها يوم وقعة بدر فخروجهما كان لجس الأخبار وهو عمل يعتبر في صالح المعركة ويعد نوع من المشاركة فيها .
وفي شهر شوال عام 3 هجرية كانت غزوة أحد وشهدها الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك وفي شهر شوال عام 5 هجرية شهد الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق أو الأحزاب وفي الشهر التالي ذى القعدة عام 5 هجرية شهد غزوة بني قريظة وفي شهر ذى القعدة عام 6 هجرية شهد بيعة الرضوان وصلح الحديبية وفي شهر المحرم عام 7 هجرية شهد غزوة خيبر وفي شهر ذى القعدة من نفس العام شهد عمرة القضاء وفي شهر رمضان عام 8 هجرية شهد فتح مكة وفي شهر شوال من نفس العام شهد غزوة حنين ثم حصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام وأخيرا فقد شهد آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وهي غزوة تبوك أو غزوة العسرة في شهر رجب عام 9 هجرية ثم حجة الوداع في أواخر العام العاشر الهجرى وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وهو عنه راض وكان الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه يبلي بلاءا حسنا في كل ما شهده من مواقف وغزوات ومهمات كلفه بها النبي صلى الله عليه وسلم وكان دائما ملازما للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه كان مقام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءه في الصلاة وكان سعيد بن زيد رضي الله عنه يقول والله لمشهد شهده أحدكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تغبر فيه وجهه أفضل من عمر أحدكم ولو عمر مثل عمر نبي الله نوح عليه السلام وبعد أن تولى الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة ومع بداية الفتوحات في بلاد الشام توجه سعيد بن زيد رضي الله عنه للقتال في بلاد الشام وكان من أهم المعارك التي شترك فيها معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية وكان من قادتها حيث لما إلتقي الجمعان أشار خالد بن الوليد رضي الله عنه على أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أن يفرق الخيل فرقتين ويجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدموهم كانوا لهم ردءا فيأتوهم من ورائهم فكان خالد في أحد الخيلين من وراء الميمنة وجعل قيس بن هبيرة في الخيل الأخرى وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله لكي إذا رآه المنهزم إستحى منه ورجع إلى القتال فجعل أبو عبيدة مكانه في القلب سعيد بن زيد فكان لسعيد بن زيد رضي الله عنه الدور البارز في المعركة ويقول حبيب بن سلمة إضطررنا يوم اليرموك إلى سعيد بن زيد فلله دره كان يومئذ مثل الأسد ولما نظر إلى الروم إقتحم إلى الأرض وجثا على ركبتيه حتى إذا دنوا منه وثب في وجوههم مثل الليث فطعن برايته أول رجل من القوم فقتله وأخذ والله يقاتل راجلا قتال الرجل الشجاع البأس فارسا ويعطف الناس إليه حتى أتى نصر الله وإنتهت المعركة بعد ستة أيام من القتال الشرس بإنتصار المسلمين على الروم وبعد اليرموك شارك الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه في فتح دمشق عام 15 هجرية ولما توجه أبو عبيدة بن الجراح بجيش المسلمين إلى بيت المقدس عام 16 هجرية إستخلف على دمشق سعيد بن زيد رضي الله عنه فكان أول من تولى نيابة دمشق من المسلمين وبعد وفاة الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان سعيد بن زيد من جملة من بايع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعد مقتل عمر رضي الله عنه لم يذكره في أهل الشورى الستة الذين تم إختيار الخليفة الجديد من بينهم مع أنه كان مثلهم من العشرة المبشرين بالجنة وممن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم والذين إختاروا الخليفة من بعده حيث لم يشركه عمر رضي الله عنه معهم لئلا يبقى له فيه شائبة حظ لأنه زوج أخته وإبن عمه ولم يتول سعيد بن زيد رضي الله عنه بعده أى ولاية .
ولما وقع الإختيار على عثمان بن عفان رضي الله عنه ليتولى الخلافة بعد إنتهاء الشورى له كان من جملة من بايعوه ثم بايع عليا بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ولم تذكر لنا المصادر التاريخية عن سيرته في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما من بعده والأرجح أنه كان مثله مثل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قد إعتزل الفتنة وسكن في أرضه بالعقيق قرب المدينة المنورة حيث كان عثمان قد أقطعه أرضا هناك فنزلها وسكنها إلى أن مات وبعد مقتل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبعد أن تنازل الإمام الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان في أوائل عام 41 هجرية بايع سعيد بن زيد معاوية وكان ما يزال يسكن في أرضه بالعقيق وأثناء ولاية مروان بن الحكم للمدينة المنورة ولما طلب منه معاوية أخذ البيعة لإبنه يزيد من بعده لم يبايع سعيد ليزيد وجاء رجل من أهل الشام وقال لمروان ما يحسبك قال حتى يجئ سعيد بن زيد فيبايع فإنه سيد أهل البلد إذا بايع بايع الناس فقال الشامي أفلا أذهب فآتيك به فذهب الشامي إلى سعيد بن زيد وقال له إنطلق فبايع فقال سعيد إنطلق فسأجئ فأبايع فقال الشامي لتنطلقن أو لأضربن عنقك قال تضرب عنقي فوالله إنك لتدعوني إلى قوم أنا قاتلتهم على الإسلام فرجع الشامي إلى مروان فأخبره فقال له مروان إسكت ثم ماتت إحدى أمهات المؤمنين وكانت قد أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد فقال الشامي لمروان ما يحبسك أن تصلي على أم المؤمنين قال أنتظر الذى أردت أن تضرب عنقه فإنها أوصت أن يصلي عليها فقال الشامي أستغفر الله وذات يوم جاءت إمرأة تدعى أروى بنت أويس إلى مروان بن الحكم وإدعت أن سعيد بن زيد رضي الله عنه ظلمها وأخذ أرضها فتنازل لها سعيد عن أرضه ودعا عليها وكان مجاب الدعوة إن كانت كاذبة أن يعميها الله ويميتها في أرضها فإستجاب الله لدعوته فكان أهل المدينة إذا دعوا قالوا أعماه الله كعمى أروى فعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال جاءت أروى بنت أويس إلى أبي محمد بن عمرو بن حزم فقالت له يا أبا عبد الملك إن سعيد بن زيد قد بنى ضفيرة في حقي فكلمه فلينزع عن حقي فوالله لئن لم يفعل لأصيحن به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها لا تؤذى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان ليظلمك ولا ليأخذ لك حقا فخرجت وجاءه رجلان من أهل المدينة فقالت لهما إئتيا سعيد بن زيد فإنه قد ظلمني وبنى ضفيرة في حقي فوالله لئن لم ينزع لأصيحن به في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجا حتى أتياه في أَرضه بالعقيق فقال لهما ما أتى بكما قالا جاءتنا أروى بنت أويس فزعمت أنك بنيت ضفيرة في حقها وحلفت بالله لئن لم تنزع لتصيحن بك في مسجد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأحببنا أن نأتيك ونذكر ذلك لك فقال لهما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أَخذ شبرا من الأرض بغير حقه يطوقه الله يوم القيامة من سبع ارضين فلتأت ولتأْخذ ما كان لها من حق اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها وتجعل ميتتها فيها فرجعا فأخبراها ذلك فجاءت فهدمت الضفيرة وبنت بنيانا فلم تمكث إلا قليلا حتى عميت وكانت تقوم بالليل ومعها جارية لها تقودها لتوقظ العمال فقامت ليلةً وتركت الجارية فلم توقظها فخرجت تمشي حتى سقطت في البئر فأصبحت ميتة .
وخلال عهد معاوية إنتقل سعيد بن زيد من المدينة لفترة وسكن الكوفة وكان واليها المغيرة بن شعبة وكان في الكوفة خطباء يقعون في علي بن أبي طالب فأنكر سعيد ذلك فعن عبد الله بن ظالم المازني قال لما خرج معاوية رضي الله عنه من الكوفة إستعمل عليها المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فأقام خطباء يقعون في علي وأنا إلى جنب سعيد بن زيد فغضب فقام وأخذ بيدى فتبعته فقال ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذى يأمر بلعن رجل من أهل الجنة واخيرا كان من مناقب الصحابي سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه كان من رواة الحديث النبوى الشريف حيث روى عدد 48 حديثا جمعها بقي بن مخلد الأندلسي في مسنده وله في صحيحي البخارى ومسلم حديثان متفق عليهما وإنفرد له الإمام البخارى بحديث ثالث وله في مسند الإمام أحمد بن حنبل 28 حديثا وروى عنه من الصحابة عبد الله بن عمر بن الخطاب وعمرو بن حريث وغيرهما ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب وقيس بن أبي حازم وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم وكان من الأحاديث التي رواها سعيد بن زيد ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل دون ماله فهو شهيد ومن ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين كما أنه من رواة حديث العشرة المبشرين بالجنة فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رسول الله في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعلي في الجنة وعثمان في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وسعد في الجنة ثم قال إن شئتم أخبرتكم بالعاشر ثم ذكر نفسه وكانت وفاته رضي الله عنه بالعقيق فحمل إلى المدينة وكان ذلك عام 51 هجرية في خلافة معاوية بن أبي سفيان عن عمر يناهز بضع وسبعين عاما وكان هو تاسع من توفاهم الله من العشرة المبشرين بالجنة وكان موته يوم الجمعة فركب إِليه إبن عمر بعد أن تعالى النهار وغسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ودفن بالبقيع بالمدينة المنورة ونزل في قبره سعد بن أبي وقاص وإبن عمر رضي الله عنهما رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
|