الأحد, 28 أبريل 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سليط بن قيس الأنصارى

سليط بن قيس الأنصارى
عدد : 02-2024
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"


سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدى بن عامر بن غنم بن النجار الأنصارى الخزرجي النجارى رضي الله عنه صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينتمي إلى بني غنم بن مالك بن النجار أحد بطون قبيلة الخزرج التي كانت إحدى القبائل العربية الرئيسية في المدينة المنورة وكانت القبيلة الأخرى هي قبيلة الخزرج وكانت هناك نزاعات وصراعات وحروب طاحنة بين القبيلتين قبل الإسلام إستمرت 140 عاما وكانت قبائل اليهود التي تسكن المدينة تغذى تلك النزاعات والحروب وتحيك المؤامرات والفتن بما يحقق لهم البقاء والريادة بالمدينة ولم تتوقف تلك الحروب بين القبيلتين إلا قبل هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات وبدخول معظم أبناء القبيلتين في الإسلام إنتهت الصراعات والحروب وساد السلام بين القبيلتين حيث أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين قلوبهم من خلال إستيعاب كلا الفصيلين في المجتمع المسلم ومنع سفك الدماء بين المسلمين وتم تضمين كل من القبيلتين في دستور المدينة بكونهم مسلمين في دولة واحدة ومجتمع واحد وشكلت القبيلتان الأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وكان من أشهر رجال قبيلة الخزرج غير الصحابي سليط بن قيس الصحابة عمرو بن حزم رضي الله عنه شقيقه الأكبر عمارة بن حزم والذى كان ممن شهدوا بيعة العقبة الثانية ضمن الثلاثة وسبعين رجلا والإمرأتين وفد الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وشهد مع النبي محمد غزواته كلها ثم شارك في حروب الردة ضمن جيش خالد بن الوليد وكان من شهداء معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب والتي وقعت في شهر شوال عام 11 هجرية وسعد بن عبادة سيد الخزرج وإبنه قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حرام وإبنه جابر بن عبد الله راوى الحديث النبوى الشريف وسعد بن الربيع وأبو اليسر كعب بن عمرو وعمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعا ويعد بنو غنم بن مالك بن النجار قوم الصحابي سليط بن قيس أخوال عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهم من خير قبائل الأنصار حيث ورد في صحيح الإمام البخارى في باب فضل دور الأنصار عن أبي أسيد قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن خزرج ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير وكان من أشهر الصحابة من بني النجار غير الصحابي الجليل سليط بن قيس الأنصارى رضي الله عنه الصحابة الكرام أبو أيوب الأنصارى الذى إستضاف النبي صلى الله عليه وسلم في بيته عند قدومه إلى المدينة المنورة مهاجرا من مكة المكرمة وشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت الخزرجي وأسعد بن زرارة الأنصارى الخزرجي النجارى الذى كان يلقب بنقيب بني النجار وكان من فضل بني النجار في الإسلام أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نقب على النقباء أسعد بن زرارة فلما توفاه الله أثناء بناء المسجد النبوى الشريف إجتمعت بنو النجار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجعل منهم شخصا مكانه نقيبا عليهم فقال لهم أنتم أخوالي وأنا فيكم وأنا نقيبكم وكره الرسول أن يخص بها بعضهم دون بعض ويروى أنه بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بعد هجرته إليها أن خرجت بنات صغيرات من بني النجار مستبشرات وفرحات بقدومه صلى الله عليه وسلم وهن ينشدن نحن جوار من بني النجارِ يا حبذا محمد من جار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهن الله يعلم إني لأحبكن وكان النبي عطوفا يكرم الأنصار وأبناءهم ويعطيهم كل رعاية وإهتمام .


ويروى أنه كانت الأرض التي بني عليها المسجد النبوى الشريف كانت ملكا لغلامين يتيمين من بني النجار هما سهل وسهيل إبنا عمرو وكانا في حجر أسعد بن زرارة وكانت هذه الأرض في موضع في وسط المدينة المنورة وكانت تستغل كموقف للإبل ومحبسا لها وكان المسلمون الأوائل من الأنصار قبل الهجرة النبوية يجتمعون ويصلون في جانب منها وكان يؤمهم الصحابي الجليل أسعد بن زرارة رضي الله عنه ثم من بعده كان الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه المبعوث من النبي محمد صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ويعلمهم القرآن الكريم أيضا بها وعندما قدم النبي محمد المدينة المنورة بركت ناقته في ذلك الموضع وقال هذا المنزل إن شاء الله فدعا الغلامين ليعرض عليهما شراء أرض المربض ليتخذها مسجدا فقالا بل نهبها لك يا رسول الله فأبى أن يقبلها هبة حتى إبتاعها منهما ودفع ثمنها أبو بكر الصديق رضي الله عنه وشارك المهاجرون والأنصار في بناء المسجد ومعهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يدعو لهم قائلا إن العيش عيش الآخرة فإرحم الأنصار والمهاجرة وكان ميلاد الصحابي سليط بن قيس رضي الله عنه في المدينة المنورة وغير معلوم لدينا بالتحديد تاريخ ميلاده مثله مثل الكثير من الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم جميعا وإن كان من المؤكد أنه كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقبل هجرته إلى المدينة المنورة وليس لدينا معلومات عن نشأته وحياته قبل الإسلام غير أن أمه هي زغيبة بنت زرارة بن عدس النجارية والتي كانت تكنى بأم سليط وكانت من أوائل النساء اللائي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة المنورة وكانت ممن حضروا غزوة أحد وغزوة خيبر وغزوة حنين حيث كانت تسقي جند المسلمين الماء وهي شقيقة الصحابي الجليل ونقيب بني النجار الصحابي الجليل أسعد بن زرارة رضي الله عنه والذى كان من أوائل من أسلموا من أهل المدينة المنورة وممن حضروا بيعة العقبة الأولى ثم بيعة العقبة الثانية وكان هو من إستضاف مصعب بن عمير رضي الله عنه في منزله والذى أوفده النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا بعد بيعة العقبة الأولى مع وفد الأنصار الذى كان مكونا من عدد 12 رجل عشرة من الخزرج كان منهم أسعد بن زراراة وعبادة بن الصامت ورافع بن مالك وذكوان بن عبد قيس ويزيد بن ثعلبة رضي الله عنهم جميعا وإثنين من الأوس هما عويم بن ساعدة ومالك بن التيهان رضي الله عنهما لكي يعلمهم القرآن الكريم وفرائض الإسلام ويدعو باقي أهل المدينة المنورة إلى الدخول في الإسلام فكان أن دخل في الإسلام على يديه الكثير من أهل المدينة من قبيلتي الأوس والخزرج كان منهم الصحابة الكرام سليط بن قيس وسعد بن معاذ سيد الأوس وأسيد بن حضير أحد سادة الأوس أيضا وسعد بن عبادة سيد الخزرج وإبنه قيس بن سعد بن عبادة ولما أسلم الصحابي سليط رضي الله عنه تولى هو والصحابي أبو صرمة مالك بن قيس بن مرثد بن مازن تكسير أصنام بني عدى بن النجار وعرف عن الصحابي سليط بن قيس رضي الله عنه أنه كان يتصف بالشجاعة والإقدام المتناهي كما أنه كان صاحب رأى وإستشارة بما لديه من حكمة وذكاء وعقل فطن . وكان الصحابي الجليل سليط بن قيس رضي الله عنه من المجاهدين في سبيل الله حيث شهد جميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان أولها غزوة بدر في شهر رمضان عام 2 هجرية ثم شهد غزوة أحد في شهر شوال عام 3 هجرية ثم غزوة الخندق أو الأحزاب في شهر شوال عام 5 هجرية وبعدها شهد غزوة بني قريظة في شهر ذى القعدة من نفس العام وأبلى في كل هذه المشاهد بلاءا حسنا وفي شهر ذى القعدة عام 6 هجرية شهد بيعة الرضوان وصلح الحديبية وفي شهر المحرم عام 7 هجرية شهد غزوة خيبر والتي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة بعد أن ضمن حياد قريش بموجب صلح الحديبية متجها شمالا لقتال يهود خيبر الذين تآمروا مع قريش وقبائل نجد في غزوة الأحزاب وهددوا المسلمين في المدينة المنورة وحاصروها بهدف إقتحامها والقضاء على الإسلام والمسلمين لمدة 3 أسابيع فدخلوا حصونهم المنيعة فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون وإنتهى الأمر بفتح هذه الحصون وكسر شوكة اليهود وفي شهر ذى القعدة من نفس العام السابع الهجرى شهد الصحابي الجليل سليط بن قيس رضي الله عنه عمرة القضاء وفي شهر رمضان عام 8 هجرية شهد فتح مكة وفي الشهر التالي شوال عام 8 هجرية شهد غزوة حنين ثم شهد حصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام وفي شهر رجب عام 9 هجرية شهد غزوة تبوك أو غزوة العسرة وكانت آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان آخر المشاهد التي شهدها الصحابي عامر بن ربيعة رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع في أواخر العام العاشر الهجرى وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين 12 من شهر ربيع الأول عام 11 هجرية وهو عنه راض ولما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة ووقعت فتنة الردة في جميع أنحاء الجزيرة العربية فيما عدا المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف شارك سليط رضي الله عنه في الحروب التي صمم أن يخوضها الخليفة العظيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه والتي كان منها معركة اليمامة التي وقعت في شهر شوال عام 11 هجرية ضد مسيلمة الكذاب وأتباعه حيث بعثه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليكون رداء أو حامي لمؤخرة الجيش الذى كان يقوده خالد بن الوليد رضي الله عنه وكان مسيلمة قد إدعى النبوة وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أشركه في الأمر معه وكانت هذه المعركة معركة شرسة وتعد أكبر معارك حروب الردة وفي النهاية إنتصر المسلمون إنتصارا ساحقا وهزموا أعداءهم بعد معركة من أعنف المعارك قتل فيها مسيلمة الكذاب والكثير من قواده وعدد 21 ألف من قومه وبلغ عدد شهداء المسلمين يومذاك 1200 شهيد منهم الصحابي زيد بن الخطاب وأبي حذيفة بن عتبة ومولاه سالم وأبي دجانة وعباد بن بشر والطفيل بن عمرو الدوسي وعبد الله بن عبد الله بن أبي وثابت بن قيس بن شماس والسائب بن عثمان بن مظعون وغيرهم كثير من كبار الصحابة الكرام وحفظة وقراء القرآن الكريم رضي الله عنهم جميعا رحمهم الله رحمة واسعة وغفر لهم وأسكنهم فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا أما في خلافة الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد شارك الصحابي الجليل سليط بن قيس رضي الله عنه في فتوحات بلاد العراق .


وبالعودة إلى الوراء قليلا سنجد أن فتوحات العراق كانت قد بدأت في عهد الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق منذ أول عام 12 هجرية وعين الخليفة القائد العبقرى الفذ خالد بن الوليد رضي الله عنه أميرا على جيش العراق وإستطاع هذا الجيش بقيادة خالد رضي الله عنه أن يستولى على حوض نهر الفرات خلال العام المذكور من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال وصارت كل الأراضي غربي نهر دجلة في قبضة المسلمين وبقيت الخطوة القادمة هي القفز على كتسفون أو المدائن عاصمة الفرس والإستيلاء عليها إلا أن الخليفة إضطر لتأجيل تنفيذ هذه المهمة نظرا لتحرج موقف جيوش المسلمين الأربعة التي كلفها الخليفة بفتح الشام مما دفعه إلى سحب خالد بن الوليد ومعه نصف جيش العراق لنجدة جيوش الشام خاصة وأن الفرس في ذلك الوقت كانت قد وقعت فتنة في بلاطهم نتيجة موت كسرى أردشير ملكهم دون أن يكون له وريث ولم تكن الظروف مهيأة لديهم لشن حرب فاصلة بينهم وبين المسلمين وتولى قيادة جند العراق آنذاك المثنى بن حارثة الشيباني وفي هذا الوقت وقعت فقط في سواد العراق عدة غارات ومناوشات عديدة بين المسلمين وبين الفرس ومن ساندهم من العرب المتنصرة القاطنين هناك وعجز هؤلاء عن وقف هجمات المسلمين وإستمرت الفرق الإسلامية تجوب أراضي السواد مغيرة على هذه القرية أو تلك حتي لا يظن الفرس أن المسلمين قد ضعفوا وخارت قواهم بعد إنصراف خالد من جبهتهم ومن ناحية أخرى حتي لا يخلد جيش المسلمين إلي الراحة والإسترخاء ومن ثم تعرضهم لهجمات الفرس وبالفعل فقد حشد الفرس جيش صغير مكون من حوالي عشرة آلاف مقاتل بقيادة هرمز جاذويه في أواخر شهر ربيع الأول عام 13هجرية الموافق لأواخر شهر مايو عام 634م فخرج المثني من الحيرة متجها نحو هذا الجيش وعلى مجنبتيه المعنى ومسعود أخواه فأقام ببابل وأقبل هرمز نحوه وإلتقي المثني وهرمز ببابل فإقتتل الجيشان قتالا شديدا وكان مع جيش الفرس فيل أخذ يفرق المسلمين فإنتدب له المثنى عدد من الفرسان فقتلوه وإنهزم الفرس وتبعهم المسلمون يقتلونهم وبعد ذلك عاد المثني إلي الحيرة وتحصن بها إلا أنه إحتفظ بكل ما غنمه المسلمون من سواد العراق وكان لا بد للمسلمين إن رغبوا في التقدم نحو العاصمة كتسفون أن يعززوا قواتهم العسكرية المرابطة في العراق فغادر المثنى الحيرة متجها إلى المدينة المنورة ليشرح للخليفة أبي بكرالصديق الوضع الميداني على الجبهة العراقية ويقدم له مشروعا جديدا للتعبئة العامة من واقع تجنيد من ظهرت توبته من أهل الردة والذين كانوا يرغبون في التكفير عن ذنبهم عن طريق الجهاد في سبيل الله وعندما وصل إليها وجد الخليفة أبا بكر الصديق مريضا ولما أفضى إليه بما جاء من أجله إستدعى عمر بن الخطاب وأوصاه بندب الناس مع المثنى إلي العراق إذا توفاه الله وطلب من المثني سرعة العودة إلي الحيرة وإنتظار المدد ومات الخليفة أبو بكر بعد ذلك بأيام قليلة وتولي عمر الخلافة وما كاد يفرغ من دفن أبي بكر الصديق بعد وفاته حتى دعا الناس إلى التطوع لحرب الفرس مع المثنى بن حارثة الشيباني في بلاد العراق من أجل تكثيف حملات المسلمين على أراضي السواد إذ لا بقاء لهم في تلك البلاد إذا لم تعزز قواتهم هناك بمدد قوى وقد أحجم معظم المسلمين عن الإستجابة لنداء الخليفة الجديد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ كانت قبائل العرب تهاب الفرس وجيوشهم وتخاف الخروج لقتالهم فكانت حدود بلاد فارس تبدو صعبة في نظرهم وخطرة ورهيبة كما كانت تثير الكثير من الإحترام في نفوسهم ويتجنبون تجاوزها خشيةً من ملوك الفرس لإعتقادهم بأنهم على قدر من القوة يكفل لهم إدخال شعوب سائر الدول والبلاد المحيطة بهم تحت سلطانهم .


وقد أدرك عمر من واقع الوضع الميداني عظم المهمة ورأى في المقابل ضآلة حجم الإستجابة فكان لا بد وأن يوافق علي مقترح المثني بإشراك كافة المسلمين ودفعهم لمواجهة الفرس فقام برفع الحاجز بين القبائل التي إستمرت على إسلامها بعد وفاة النبي محمد صلي الله عليه وسلم وبين القبائل التي إرتدت فدعا من إرتد وحسن إسلامه للإشتراك في جيوش الفتوحات وكان صدى هذه الدعوة عند قبائل الردة من نوع آخر تماما قياسا بباقي القبائل حيث إستجابت القبائل العائدة من الردة لدعوة الخليفة وكأنها كانت تنتظرها وسارعت بإرسال جموعها إليه لتلبية النداء وأخذت هذه القبائل تتدفق على المدينة المنورة بتسارعٍ مذهل طالبة الإشتراك في الفتوحات وإختار عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي قائدا لجيش المسلمين بالعراق لأنه كان أول من لبى النداء بدلا من المثنى الذى كان قد عاد للعراق لتهيئة الأجواء وإستنفار من حسن إسلامه من أهل الردة وكان ممن لبوا نداء عمر أيضا الصحابي سليط بن قيس رضي الله عنه وإنضم إلى قوات المسلمين التي خرجت من المدينة نحو العراق تحت قيادة ابي عبيد وفي نفس هذا الوقت كان الصراع على ملك فارس قد إستقر على تمليك بوراندخت وهي من الأسرة الساسانية والتي إعتلت العرش بمساعدة القائد العسكرى الفا رسي الشهير رستم فرخزاد وقد رأت في شخصه القائد الذى في إستطاعته أن ينقذ بلاد فارس من كبوتها ومن التردى الداخلي والتقهقر العسكرى أمام المسلمين فملكته وعينته قائدا عاما علي جيوش بلاد فارس وأطلقت يده في السلطة وأمرت ولاة الإمبراطورية الساسانية وأعيانها بطاعته فإستجابوا لها وبذلك أنهى الفرس صراعاتهم وإتحدوا لمواجهة الزحف الإسلامي وإستردت الإمبراطورية قوتها السابقة وأقدم رستم على خطوة أولى وهي خلق وعي قومي فارسي في المدن والقرى التي فتحها المسلمون وإثارة سكانها ضد حكامهم الجدد فأرسل العمال والنقباء إلى جميع مدن العراق ليثيروا الحمية الدينية والقومية فإندلعت نتيجة ذلك الثورات ضد المسلمين في جميع مدن الفرات وكانت النتيجة نقض الكثير من المناطق لعهودها مع المسلمين وتم تجهيز جيش كبير بقيادة نرسي وكان قريبا لملوك الفرس وجابان وهو أحد أثرياء العراق المعروف بعدائه الشديد للمسلمين وسلك هذان القائدان طريقين مختلفين تحسبا من أن ينقض عليهما المسلمون فوصل نرسي إلى كسكر بوسط العراق بين نهرى الفرات ودجلة وعسكر فيها بناءا علي أوامر رستم وتخطى جابان الحيرة ونزل في موقع متقدم في النمارق وهي تقع بين الحيرة والقادسية وطلب القائدان مزيدا من القوات تعزيزا لصفوفهما وكان المثني متواجدا في هذا الوقت بالحيرة ولما علم بالإستعدادات الفارسية الضخمة أدرك أنه لا قبل له بلقاء من عبأهم الفرس فآثر أن يأخذ إحتياطات الحيطة والحذر وإنسحب من الحيرة إلى موضع يسمي خفان يقع قرب مدينة الكوفة الحالية وأدركه أبو عبيد بن مسعود بقواته فيها والذى تولى القيادة بدلا منه والذى عبأ جيش المسلمين البالغ عشرة آلاف مقاتل وزحف من خفان نحو النمارق وعسكر بمواجهة جابان وفي المعركة التي دارت بين الطرفين يوم 8 شعبان عام 13 هجرية الموافق يوم 8 أكتوبر عام 634م هزم الفرس ووقع جابان في الأسر ولم يكن يعرفه المسلمون فتمكن بدهائه من خديعة آسره ففدى نفسه وهرب كما أُسر القائدان جوشن شاه ومردان وقتل الثاني على يد آسره وتوجه من نجا من جنود الفرس إلى كسكر لكي ينضم إلى جيش نرسي فطاردهم المثنى ووصلت في ذلك الوقت أنباء هزيمة جابان إلى رستم فجهز جيشا آخر بقيادة الجالينوس ودفعهُ إلى أرض المعركة مددا لنرسي وتمنى هذا الأخير أن يدركه قبل الإشتباك مع المسلمين فراح يناور ويتمهل في خوض المعركة غير أن أبا عبيد لم يمهله كثيرا وإصطدم بِقواته في السقاطية الواقعة جنوبي كسكر قرب مدينة واسط الحالية بوسط العراق وذلك في يوم 12 شعبان عام 13 هجرية الموافق يوم 12 أكتوبر عام 634م وإنتصر عليه وفر نرسي في جو الهزيمة القاتم وقد رفعت هذه الإنتصارات الروح المعنوية للمسلمين وحفزتهم على تكثيف حملاتهم في أرض السواد فأرسل أبو عبيد مجموعات صغيرة من الجيش لمطاردة فلول الفرس والإغارة على قرى السواد وشعر أهل هذه القرى بعجزهم عن مواجهة غارات المسلمين والحد منها وبخاصة أن القوات الفارسية قد إنسحبت من المنطقة فإضطروا إلى مهادنتهم على أن يؤدوا لهم الجزية ويدخلوا في ذمتهم وعسكر الجالينوس في موضع يسمي باقسياثا وتقوى بمن إنضم إليه من فلول جيش جابان فإصطدم به أبو عبيد في يوم 17 شعبان عام 13 هجرية الموافق يوم 16 أكتوبر عام 634م وهزمه وفر القائد الفارسي من أرض المعركة وعاد إلى العاصمة الفارسية كتسفون وإنتشر المسلمون في قرى السواد وسيطروا عليها وعاد أبو عبيد بجيش المسلمين إلي الحيرة .


وأمام تلك الهزائم المتتالية التي تعرض لها الفرس في النمارق والسقاطية وباقسياثا ومقتل العديد من قواده تملك رستم الغيظ من تلك الهزائم المتتالية التي تعرض لها الفرس في ثمانية أيام وأمام هذا الموقف السئ أدرك الفرس مقدار الخطر الحقيقي الذي يهددهم فجهزوا جيشا قوامه إثنا عشر ألف مقاتل ومعهم عدد من الفيلة المدربة علي القتال وأرسلوه إلى الحيرة بقيادة بهمن جاذويه الملقب بذى الحاجب وهو أشد العجم على المسلمين ورافقه الجالينوس ويبدو أن رستم أراد أن يكسب معركةً أمام المسلمين تعيد إلى دولته موازنة الموقف ولحكومته هيبتها ولجيوشه ثقتها بنفسها وروحها المعنوية المفقودة ورأى أبو عبيد عندما علم بالإستعدادات الفارسية الضخمة أن يتمهل وأن يتحصن في الحيرة ومنها يستطيع مراقبة تحركات الجيش الفارسي وعندما تناهى إلى أسماعه أن وجهة الفرس هي الحيرة قرر أن يصطدم بهم خارجها فخرج منها وتوجه إلى قس الناطف وعسكر علي الضفة الغربية لنهر الفرات قرب الكوفة حاليا ومعه تسعة آلاف رجل ولما وصل بهمن جاذويه إلى قس الناطف عسكر على الضفة المقابلة وفصل نهر الفرات بين الجيشين وقام جيش العجم بإرسال رسول لأبي عبيد بن مسعود الثقفي قائد المسلمين وقال له إما أن تعبروا إلينا أو نقوم نحن بالعبور إليكم فأراد أبو عبيد من شدة شجاعته وحماسه أن يقوم هو بالعبور لملاقاتهم وتحدى أبو عبيد الفرس بالعبور إليهم فقرر أن يعبر بالمسلمين فنهاه المثنى بن حارثة وسليط بن قيس حيث خافا على المسلمين من تنفيذ هذا الأمر الخطير الذى من الممكن أن بعرض المسلمين لخطر جسيم وقالا لأبي عبيد نناشدك الله ألا تفعل فإن العرب تحارب كرا وفرا يعني أن الجسر مكان ضيق ولا يصلح للقتال خاصة أن الجيشان كبيران ولكن أبا عبيد ظن أنهما قد خافا من ملاقاة العدو وإعتبر ذلك جبنا وتخاذلا منهما ولكن سليط أجابه بأنه لم يخف ولم يصبه الجبن ولكنه مجرد رأى ورؤيا واضحة لما قد يصيب جيش المسلمين وإنه إن أراد أخذ برأيه أو لا وتركه لينفذ ما يريد .


وتحكمت بابي عبيد عواطفه وأخذه الحماس وقال لا يكون العجم أَجرأَ على الموت منا بل نعبر نحن إليهم وبلا شك كان هذا القرار قرارا خاطئا من جانب أبي عبيد بن مسعود ويخالف الخط الإستراتيجي الذى رسمه منذ البداية الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتي لا يتعرض المسلمون للتطويق أو الحصار بأرض السواد المليئة بالمجارى والمسطحات المائية التي من المؤكد أنها ستعيق تحركاتهم وإنسحابهم إذا سارت الأمور في غير صالحهم وذلك لكي يعيدوا تجمعهم وتنظيم صفوفهم وخاصة أنهم في هذه الحالة قد يتعرضون للغرق في نهر الفرات حيث كان أغلبهم لا يجيد السباحة وهو ما كان قد إلتزم به خالد بن الوليد والمثني بن حارثة منذ بداية فتوحات العراق وفي النهاية نفذ أبو عبيد قراره وعبر المسلمون نهر الفرات فوق جسر قديم ردمهُ أبو عبيد وكان بهمن قد ترك لهم مكانا ضيقا خاليا من مجال الكر والفر أجبرهم على النزول فيه على الضفة الشرقية لنهر الفرات مما أققدهم حرية الحركة والإنتشار وميزة المناورة والكر والفر ففرض عليهم بذلك المعركة وأُسلوب القتال ودارت بين الطرفين رحى معركة ضارية أدت الفيلةُ فيها دورا كبيرا بل إنها حددت نتائجها مبكرا حيث كانت تخيف خيل المسلمين وكنتيجة لإنحشار المسلمين في مكان ضيق فقد أمطرهم الفرس بالسِهام ومزقوا صفوفهم وحاول أبو عبيد قتل قائد الفيلة وكان فيلا أبهت لونا من بقية الفيلة عرف بالفيل الأبيض إلا أن ضربته طاشت ثم وطئه الفيل فمات شهيدا وتولي المثني بن حارثة قيادة جيش المسلمين من جديد وأدرك المثنى حرج الموقف وأن المعركة خاسرة فأعلن الإنسحاب لكن عبد الله بن مرثد الثقفي قطع الجسر على المسلمين ليرغمهم على الصمود فوقع المسلمون في مصيدة القتل والغرق وأعاد المثنى عقد الجسر بعد مجهود كبير وتحت ضغط الجيش الفارسي فتراجع عليه حوالي ثلاثة آلاف رجل نحو أُليس بعد أن قتل وغرق في الفرات حوالي أربعة آلاف من جيش المسلمين كان منهم الصحابي الجليل سليط بن قيس رضي الله عنه الذى ثبت وقاتل حتى أخر نقطة في دمه أمام جيش العجم حتى إستشهد داخل المعركة بعد أن تحققت مخاوفه هو والمثنى بن حارثة والذى أصيب بجراح خطيرة كانت سببا في إستشهاده بعد عدة أشهر من هذه المعركة ولم يتعقب بهمن جاذويه قائد الفرس المسلمين لأن أخبارا وصلته عن نشوب ثورة ضد رستم في العاصمة الفارسية كتسفون فآثر العودة إليها حتى يكون قريبا من مجرى الأحداث كما أنه خشي أن يضل جنود الفرس طريقهم في صحراء العرب إذا ما تعقبوا المسلمين وهم علي غير دراية بدروبها ومسالكها وكانت هذه المعركة التي سميت بمعركة الجسر أو المروحة أو قس الناطف هي المعركة الوحيدة التي هزم فيها المسلمون في فتوحات العراق وبلاد فارس ويقول الباحثون في التاريح والمؤرخون إن المثني بن حارثة الشيباني كان هو الأجدر والأولى بتولي قيادة جيش المسلمين ببلاد العراق وليس أبو عبيد بن مسعود الثقفي نظرا لحنكته وبراعته العسكرية ومهارته وخبرته في قتال الفرس إضافة إلي عمله مع عبقرى الحرب سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه لمدة سنة كاملة عاشها معه علي ظهور الخيل مما أكسبه مزيد من الخبرة والحنكة ومعرفة الخطط العسكرية المختلفة التي كان يضعها خالد طبقا لظروف كل معركة وميدانها وحشد الفرس لجيشهم ويعلق المؤرخون أيضا أنه لولا تأثر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإحجام المسلمين عن الإلتحاق بجيوش المسلمين في بلاد العراق لقتال الفرس ما كان قد إتخذ قراره بتولية أبي عبيد بن مسعود الثقفي القيادة بعدما أعلن أن قائد جيش المسلمين في العراق سيكون أول من يتقدم للإلتحاق به فكان أبو عبيد بن مسعود أول من بادر للإستجابة ومن ثم تم تعيينه قائدا بدلا من المثني بن حارثة والذى لم يغضب ولم يتذمر وتلقي الأمر بكل روح رياضية وعمل تحت إمرة أبي عبيد كما سبق وأن عمل تحت قيادة خالد بن الوليد ولم يبخل عليه برأى أو نصح وحاول أن يثنيه عن عبور نهر الفرات لقتال الفرس هو والصحابي سليط بن قيس كما رأينا في معركة الجسر لكنهما خضعا في النهاية لرأى قائدهما .

وعلى الرغم من الخسارة الفادحة التي أصابت المسلمين في تلك الواقعة إلا أنها تدل على شجاعة صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذين لم يفكروا سوى في رفع راية الإسلام عالية مهما كلفهم الأمر وتلقى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نبأ هزيمة المسلمين في معركة الجسر بهدوء لافت ولم يؤنب الفارين من ساحة القتال بل نعى من قضى نحبه وعلى رأسهم أبو عبيد بن مسعود الثقفي وجميع أولاده وشقيقه وسليط بن قيس وراح يواسي الناس وأدرك أن المثنى بحاجة إلى مدد يرسل إليه على وجه السرعة كي يواجه هذا الموقف الدقيق الذى آلت إليه الأمور بعد معركة الجسر والتي ضيعت الكثير من المكاسب التي كان قد حققها المسلمون قبلها حيث ترتب عليها أن مناطق إقليم الحيرة التي كان قد تم فتحها ومصالحة أهلها على يد خالد بن الوليد رضي الله عنه في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه عادت إلى الخضوع لسلطة الفرس بعد الموقعة المشار إليها وقام عمر رضي الله عنه بتكثيف حملاته التعبوية بين قبائل الردة فأرسل رسله إليها يدعوها للسير نحو بلاد فارس لغزوها فإستجابت العديد منها لندائه وتوافدت على المدينة المنورة الحشود العظيمة من مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية فدفع بها علي وجه السرعة إلى العراق مددا للمثنى بن حارثة وكان على رأسها جرير بن عبد الله البجلي وعِصمة بن عبدُ الله الضبي وإنضموا إلى جند المثنى في البويب غربي نهر الفرات ومن ناحية أخرى أرسل المثنى النقباء إلى جميع المناطق الحدودية يستفز العرب وكان من ضمنهم جموع من المسيحيين من بني النمر على رأسهم أنس بن هلال النمرى وقد آثر هؤلاء الإنضمام إلى المسلمين والقتال تحت راية واحدة ضد العجم بعد أن جمعتهم الرابطة اللغوية والقومية وتناهت إلى أسماع الفرس أنباء الإمدادات الإسلامية التي كانت ترسل تباعا إلى العراق فهالهم أمرها وأدركوا أن إنتصارهم في معركة الجسر لم يكن حاسما وأنه لا بد من التغاضي عن الخلافات الداخلية وتوحيد الجهود لدفع الخطر الإسلامي عن البلاد ولذلك فقد بادر رستم بإنهاء الخلاف الذى كان قد نشب بينه وبين فيروز الطامع في إعتلاء عرش فارس وتم إعداد جيش قوامه إثنا عشر ألف مقاتل بقيادة مهران بن باذان الهمذاني ودفع به إلى ساحة القتال وعندما علم المثنى بأنباء خروج الفرس للقتال سار بعساكره إلى البُويب وأرسل إلى جرير بن عبد الله البجلي أن يوافيه هناك ففعل وعسكر المسلمون على شاطئ الفرات الغربي وعسكر الفرس مقابلهم لا يفصل بينهما سوى النهر وفي شهر رمضان عام 13 هجرية إشتبك الجمعان في رحى معركة طاحنة أدارها المثنى بحكمة بالغة ومهارة فائقة مما كفل له النصر وقتل مهران في المعركة وتشتت جيشه وفر أفراده في فوضى وإضطراب عارمين فطاردهم المسلمون طيلة يومين وقتلوا منهم وأسروا الكثير وسمي هذا اليوم بيوم الأعشار لأنهم أحصوا مائة رجل قتل كل منهم عشرة في المعركة وقد جعلت هزيمة البويب أشراف الفرس يجتمعون حول تولية ملك عليهم من السلالة الساسانية حيث أدركوا خطورة الموقف وأن ما بعد سقوط الحيرة وتكريت وساباط لن يكون إلا سقوط عاصمتهم كتسفون وتشاور أركان الحكم وعزلوا بوراندخت ونصبوا يزدجرد الثالث بن شهريار بن كسرى أبرويز وكان عمره إحدى وعشرين عاما ملكا علي الفرس وكان قد تم تهريبه بعيدا عن كتسفون بعد المذبحة التي قام بها عمه شيرويه حيث قام بقتل أخوته وأبناءهم بعدما تولي الحكم بعد وفاة كسرى أردشير وعين يزدجرد رستم قائدا عاما لجيش فارس وكلفهُ بأمر المسلمين فبدأ يعد العدة ويحشد الجند والسلاح من أجل خوض معركة فاصلة بين الفرس والمسلمين يترتب عليها إما طرد المسلمين من بلاد فارس في حالة إنتصار الفرس عليهم أو فتح الطريق أمام المسلمين للإستيلاء علي كتسفون العاصمة ومنها يبدأ الزحف للإستيلاء علي باقي أنحاء بلاد فارس .



وأمام هذه التحركات الفارسية تراجع المثنى إلى منطقة ذى قار قرب الكوفة فنقض أهل الذمة في العراق العهود والذمم والمواثيق التي كانوا قد أعطوها لخالد بن الوليد بإستثناء البعض منهم فأخذ المثنى يطلب الإمدادات من الخليفة عمر بن الخطاب الذي قال والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب وخرج بنفسه في شهر المحرم عام 14 هجرية الموافق لشهر فبراير عام 635م ليعسكر في صرار على بعد ثلاثة أميال من المدينة على الطريق المتجه نحو العراق يريد قيادة الجيش الإسلامي بنفسه والذهاب للحرب لكن الصحابة أشاروا عليه أن يبقى في المدينة المنورة لأن ذهابه يتعارض مع المصلحة العامة وأشاروا عليه أن يعين قائدا للجيش يذهب بدلا منه وتقرر بعد التشاور تعيين الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة قائدا عاما للحملة والذى خرج من المدينة في أربعة آلاف مقاتل وإنضمت إليه أعداد أخرى أثناء تحركه وقبل وصوله بقليل توفي المثنى بن حارثة الشيباني بسبب الجرح الذى كان قد أصابه يوم الجسر وترك وصية لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن لا يقاتل العدو إذا إستجمع أمرهم وجندهم في عقر دارهم وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأدنى حد من أرض العجم فإن يظهر الله المسلمين عليهم لهم ما ورائهم وإن تكن الأخرى فأووا إلى فئة ثم يكون أعلم بسبيلهم وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم وبوفاته فقد المسلمون قائدا فذا من قواد المسلمين وبطلا مغوارا من أبطال فتوحات بلاد العراق وفارس وفي العصر الحديث وتكريما لذكراه وتخليدا لجهوده في تحرير بلاد العراق من الإمبراطورية الساسانية أطلق إسمه على محافظة السماوة جنوب العراق فصارت محافظة المثنى وجدير بالذكر أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وصل إلي شراف وهي تقريبا في منتصف الطريق بين المدينة المنورة وبلاد العراق حيث إنضمت إليه القوات الموجودة في جبهة العراق ثم سار بالقوات مجتمعة فنزل بها بين العذيب والقادسية غربي الكوفة حاليا وأخذت الإمدادات تتوالى عليه حسب أوامر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنضم إليه الصحابي المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه وجنده وعمرو بن معديكرب الزبيدى وقيس بن المكشوح وكان هؤلاء أخبر من غيرهم في حرب الفرس نظرا لأن أغلبهم كانوا مع خالد بن الوليد رضي الله عنه أيام الفتوحات الأولى للعراق كما إنضمت بعض القبائل العربية المسيحية إلى صفوف المسلمين وأعلنت أن نقضها العهد الذى كانت قد قطعته لخالد بن الوليد عند مجئ رستم كان بضغط من الفرس الذين أخذوا منها الخراج ودخل الكثير من أبنائها في الإسلام .


ودارت المفاوضات بين المسلمين والفرس لكي يدخلوا في الإسلام أو يقبلوا الجزية أو يكون الخيار الأخير هو الحرب وإختار الفرس الحرب وكانت معركة القادسية في شهر شعبان عام 15 هجرية والتي إستمرت 4 أيام وإنتصر فيها المسلمون إنتصارا حاسما وقتل رستم قائد الفرس والجالينوس أحد قواده وفر الهرمزان وهو أحد قواده أيضا وغنم المسلمون في معركة القادسية غنائم كثيرة لا تعد ولا تحصى كان من ضمنها رايةُ فارس الكبرى المصنوعة من جلد النمور والتي تسمي درفش كابيان والتي يبلغ طولها 12 ذراعا وعرضها 8 أذرع وكانت مرصعة بالياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر وكان من إستولى عليها هو ضرار بن الخطاب الفهرى رضي الله عنه وقطعت وأرسلت إلى الخليفة بالمدينة المنورة وبذلك فتح أمامهم الطريق نحو كتسفون عاصمة الفرس والتي زحف المسلمون نحوها ففتحوا أولا بهرسير والتي تقع إلى الجنوب منها ثم عبروا نهر دحلة وتم الإستيلاء عليها في شهر صفر عام 16 هجرية وفر كسرى يزدجرد ودخل المسلمون قصره المعروف بإسم إيوان كسرى أو أبيض كسرى وجعلوه مسجدا وصلوا به صلاة النصر ومما يذكر أنه في اليوم الثاني لمعركة القادسية والمعروف بيوم أغواث كان قد وصل مدد من الشام لجيش القادسية كان القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه أحد أفراده والذى كان من أبرز فرسان وأبطال المسلمين والذى قال عنه الخليفة الراشد الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يهزم جيش فيه مثل هذا ولصوت القعقاع في المعركة بألف رجل والذى كان قد خاض معارك العراق الأولى مع خالد بن الوليد رضي الله عنه وكان يعد نائبه في قيادة جيش المسلمين ثم إنتقل معه إلى الشام وحضر معركة اليرموك ضد الروم ثم فتح دمشق ثم عاد مع مدد الشام إلى العراق مرة أخرى وعندما نزل إلى ميدان المعركة طلب المبارزة فخرج إليه بهمن جاذويه قائد الفرس في معركة الجسر وكان قائد مقدمة جيش الفرس في القادسية فلما علم القعقاع بذلك قال يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب الجسر وهجم عليه وإستطاع أن يتغلب عليه ويقتله وبذلك إنتقم واخذ بثأر من إستشهد من جند المسلمين في موقعة الجسر وعلى رأسهم أبي عبيد بن مسعود وسليط ين قيس رضي الله عنهما رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجزاهما خيرا عنا وعن المسلمين أجمعين وجزى الله الصحابى الجليل سليط بن قيس الأنصارى رضي الله عنه على نصحه الخالص ومشورته المخلصة لقائد المسلمين في معركة الجسر أبي عبيد بن مسعود الثقفي لوجه الله تعالى وعلى بسالته وبطولته الفائقة خلال المعركة وحرصه على الشهادة في سبيل الله فبمثل هؤلاء الرجال الأبطال زلزل الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين عروش كسرى وقضوا على الديانة المجوسية وعبادة النار التي كان يعظمها ويقدسها الفرس وأصبحت راية التوحيد ترفرف في أرض العراق وفارس ثم إمتدت بعد ذلك إلى بلاد السند وهي باكستان الحالية وأيضا إلى بلاد ما وراء النهر والمقصود به نهر جيحون حيث دول أوزباكستان وكازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان وقرغيزيستان الحالية .