بقلم دكتور/ محمود حامد الحصري
مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة – جامعة الوادي الجديد
مكانة المرأة في مصر القديمة :
منذ بداية وجود الإنسان على الأرض، والمرأة تلعب دوراً هاماً في حياة المجتمعات الإنسانية، وتعتبر من أهم الأسباب الرئيسية في قيام الحضارات وتقدم البلدان، وبالرغم من هذا الدور الكبير فإن كثيراً من المجتمعات القديمة لم تُكرّم المرأةَ وتقدّر دورَها الهام في المجتمع، ولكن الأمر في مصر القديمة اختلف، فقد كان التقدير والتكريم للمرأة كبيراً وواضحاً.
وقد استطاعت المرأة المصرية في التاريخ المصري القديم الدخول في العديد من ميادين العمل المختلفة ووصل التقدير العملي لها لدرجة رفعها إلى عرش البلاد فقد تولين المُلك في عهود قديمة، كما عملت المرأة بالقضاء مثل نبت من عهد الملك بيبى الأول من الأسرة السادسة، وأيضاً العمل بمجال الطب ووصلت الكاتبات منهن لمناصب (مديرة – رئيسة قسم المخازن-مراقب المخازن الملكية – سيدة الأعمال – كاهنة ).
وكانت المرأة تستطيع ممارسة الأعمال الصناعية والتجارية بحرية كاملة. وامتهنت المهن الإنتاجية كصناعة الزيوت المعطرة والدهانات العطرية، وصناعة الزجاج والمجوهرات والتحف والأثاث والأسلحة وأدوات الصيد والنسج والغزل وحياكة الملابس والحصير وطحن الحبوب وصناعة العجين والخبز وبيع المنتجات في الأسواق.
المصريين القدماء أول من احتفلوا بعيد الأم وصدروه للعالم أجمع :
إذا رجعنا إلي مصر القديمة سنجد أن المصريين القدماء يحتفلون بالأمهات ويكرمون المرأة، وعندما نتحدث عن احتفال المصريين القدماء بعيد الأم، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المفهوم الحالي لعيد الأم قد يكون مختلفًا تمامًا عما كان عليه في العصور القديمة. ومع ذلك، يمكننا أن نجد أدلة تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا يحتفلون بالأمهات ويكرمون المرأة.
ففي الثقافة المصرية القديمة، كانت الأمومة تحظى بتقدير كبير وكانت تعتبر قدسية. حيث عبد المصريون القدماء الإلهات المرتبطة بالأمومة مثل إيزيس، حيث اتخذوا من "إيزيس" رمزا للأمومة، وكانت تمثل كثيراً وهى ترضع الطفل حورس، وصارت رمزاً للأمومة والحماية. وحتحور وهي إلهة السماء والحب والجمال والأم والسعادة، والموسيقى، والخصوبة، سميت قديماً باسم بات ووجدت على لوحة نارمر، وكان يرمز لها بالبقرة. وباستت وهي إحدى آلهة قدماء المصريين. حيث عبدت على هيئة امرأة برأس قطة، حيث ترمز القطة إلى المعبودة باستت. واتخذ المصريون القدماء باستت رمزاُ للأمومة لاعتقاد المصريين القدماء بأن باستت تساعد السيدات على إنجاب الأطفال في حين يقوم الإله خونسو بمساعدة الجنين على النمو في رحم الأم. وقد كان لهذه الإلهات دور هام في الحياة الدينية والثقافية للمصريين.
وتجلى تقدير المصريين القدماء للأمهات في النصوص والتماثيل التي تم اكتشافها. فمثلاً، تمثال إيزيس المشهور يصور إيزيس وهي تحمل ابنها حورس على ركبتيها، مما يرمز إلى دورها الرئيسي كأم وحاضنة للحياة. وكانت هذه التماثيل توضع في المعابد والمنازل لتحظى بالتبجيل والاحترام.
وعلى الرغم من عدم وجود معلومات محددة حول احتفالات معينة بعيد الأم في العصور القديمة، إلا أن هذه القيم والتقدير للأمهات والمرأة كانت جزءًا من الثقافة المصرية القديمة. فكان المصريون يكرمون ويحتفلون بدور الأم في التربية والحماية والرعاية.
وعن احتفالات المرأة في تلك الفترة، نجد علي سبيل المثال :
الملك "أحمس الأول" وزوجته "أحمس-نفرتاري" :
حيث كانت الملكة أحمس- نفرتارى ملكة عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كزوجة وأم وإلهة ووصية على العرش، وكانت أول ملكة تحصل على مركز الزوجة الإلهة لآمون. ويعنى اسمها "ولد القمر-أجملهم" أو "ولد القمر-حلاوتهم"، وبسبب حب زوجها لها حملت العديد من الألقاب الملكية الهامة مثل "ابنة الملك" و"أخت الملك" و"الزوجة الملكية العظمى" و"أم الملك" و"زوجة الملك".
وقد عبرت المناظر التي تجمع بين أفراد الأسرة الواحدة ملكية، أم غير ملكية، عن الود والترابط الأسري، ولعل من أبرز المناظر الملكية الدالة على ذلك مناظر الملك "أمنحتـﭗ الرابع" (أخناتون) بصحبة زوجته "نفرتيتي" وبناتهما (في أواخر عصر الأسرة الثامنة عشرة) : والتي أظهرت الود والألفة بين أفراد هذه العائلة، فنرى في أحد المناظر الملك والملكة جالسين متقابلين تحت أشعة "آتون" وهما يُدلِّلان بناتهما، ويعد هذا المنظر من أجمل المناظر العائلية التي وصلتنا من عهد "أخناتون".
أمريكا هي أول دولة في العالم الحديث تحتفل بعيد الأم بعد المصريين القدماء :
كانت بداية أول احتفال بعيد الأم عام 1908، وذلك عندما أقامت ناشطة أميركية تدعى آنا جارفيس ذكرى لوالدتها في جرافتون غرب فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية. نظمت آنا حينها حملة لجعل عيد الأم معترفًا به في الولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل عام 1914.
ولهذا فإن عيد الأم أو يوم الأم هو عبارة عن احتفال ظهر حديثاً في مطلع القرن العشرين، حيث يحتفل فيه بعض الدول لتكريم الأمهات والأمومة وتعزيز رابطة الأم بأبنائها، ويختلف تاريخ عيد الأم من دولة إلى أخرى، فنجد على سبيل المثال أن العالم العربي يحتفل بعيد الأم في الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس، أما في النرويج مثلاً فيحتفل به في 2 فبراير؛ أما في الأرجنتين فيحتفل به يوم 3 أكتوبر، وجنوب أفريقيا تحتفل به يوم 1 مايو. وفي الولايات المتحدة وألمانيا يكون الاحتفال في الأحد الثاني من شهر مايو من كل عام، وفي إندونيسيا يحتفلون به في يوم 22 ديسمبر. و كان أول احتفال بعيد الأم عام 1908م، عندما أقامت "آنا جارفيس" ذكرى لوالدتها في أمريكا. وبعد ذلك بدأت بحملة لجعل عيد الأم معترف به في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من نجاحها عام 1914م إلا أنها كانت محبطة عام 1920م، لأنهم صرحوا بأنها فعلت ذلك من أجل التجارة. وقد اعتمدت المدن عيد جارفيس وأصبح الآن يحتفل به في جميع العالم. وفي هذا التقليد يقوم كل فرد بتقديم هديه أو بطاقة أو ذكرى للأمهات والجدات.
مصر من أولي الدول العربية التي احتفلت بعيد الأم في العصر الحديث :
الاحتفال بعيد الأم في مصر والدول العربية بدأ في 21 مارس 1956.
حيث يحتفل المصريون بعيد الأم في يوم 21 مارس من كل عام، الذي يوافق أول أيام فصل الربيع، كما تحتفل به عدة دول عربية أخري في نفس التوقيت من بينها: السعودية والإمارات واليمن والعراق والبحرين والأردن والكويت ولبنان وليبيا وسوريا والسودان.
حيث أنه أول من فكّر في عيد للأم في العالم العربي كان الصحفي المصري الراحل علي أمين مؤسس جريدة أخبار اليوم مع أخيه مصطفى أمين، حيث طرح علي أمين في مقاله اليومي "فكرة" طرح فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلا: "لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق. ثم حدث أن قامت إحدى الأمهات بزيارة للراحل مصطفى أمين في مكتبه وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرّست حياتها من أجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها، وكان أن انهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وبعدها تقرر أن يكون يوم 21 مارس ليكون عيداً للأم، وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.
ما هو سبب اختيار يوم 21 مارس تحديداً ليكون عيداً للأمهات :
ويمكن القول أن السبب في اختيار يوم 21 مارس تحديداً للاحتفال بعيد الأم يرجع إلى أنه أول أيام فصل الربيع، وفصل الربيع هو الفصل الذي تتفتح فيه الأزهار، فهو رمز للإشراق والنضارة والجمال، فيعد فرصة مناسبة وجميلة للتعبير عن مشاعر الامتنان للأم لكل ما فيه من جمال.
شرعية الاحتفال بعيد الأم:
إن أغلب الآراء استقرت على أن الاحتفال بـ"يوم الأم" أو بعيد الأم هو أمرٌ جائزٌ شرعاً ولا حرج فيه، بل هو مظهرٌ من مظاهر البر والإحسان المأمور بهما شرعًا على مدار الوقت؛ قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» [لقمان: 14].
كلمات تهنئة عيد الأم 2024م.
يا من أنت من الورد أجمل، ومن القمر أكمل، كل عام وأنت بخير وعافية. وكل الناس يا أمي مياه ووحدك زمزم يروي فؤادي عيدك يا أمي سعيد. لا يمكنني تصوّر حياتي دونك، فالعمر لا يحلو إلّا بوجودك، وكلّما مرّ عيد الأم في حضورك، أسأل ربي ألّا يحرمني من وجودك.
|