بقلم المهندس/ طارق بدراوى
tbadrawy@yahoo.com
موسوعة كنوز “أم الدنيا"
شارع حسن الإسكندراني باشا هو أحد شوارع حي محرم بك بمدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر والذى يبدأ من نقطة تقاطعه مع شارع شجرة الدار الموازى لشارع قنال المحمودية البحرى ويمتد حتي ينتهي بتقاطعه مع شارعي محرم بك والمهندس أحمد إسماعيل وحي محرم بك قسم من أقسام حى وسط الإسكندرية وهو متاخم لمحطة السكة الحديد الرئيسية لمدينة الإسكندرية المسماة محطة مصر كما أنه يعد مدخل مدينة الإسكندرية من طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى وإلي جنوبه توجد بحيرة مريوط ومن ناحية الشرق يحده حي سموحة ومن الشمال يحده حي الشاطبي وحي الأزاريطة وعندما تطأ قدمك هذا الحي العريق بعد وصولك إلي نهاية طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى تصل لأنفك رائحة الخبز الطازج المختلطة برحيق الأسماك المشوية الممزوجان بأدخنة التبغ المنبعثة من مصنع الشركة الشرقية للدخان حاليا كوتاريللي اليوناني سابقا كما يصل إلي أذنيك ضجيج الترام الأصفر حيث أنت الآن تقف في وسط مدينة الإسكندرية في حي محرم بك والذى كان قبل ثورة عام 1952م يعتبر حى الطبقة الأرستقراطية في المدينة ذات الطابع الكوزموبوليتاني حيث كانت تنتشر به القصور والفيلات الخاصة بالمصريين والأجانب وكان يمتاز أيضا بثرائه التاريخي وأعلامه من الفنانين والكتاب والشعراء وكان حتى وقت قريب أشبه بضاحية راقية تقبع على ضفاف ترعة المحمودية جنوبي مدينة الإسكندرية حيث نزحت إليه صفوة المجتمع من البارونات والأمراء والأثرياء بعد قصف الأسطول البريطاني لمدينة الإسكندرية عام 1882م وتحديدا للحي الأوروبي في منطقة المنشية ليصبح الحي مركزا لتجمع الجاليات الأجنبية التي خلقت لنفسها حياة إجتماعية متكاملة فيه وعلى الأخص الجاليات الإيطالية واليونانية والتركية والأرمنية والمالطية واليهودية .
سمي الحي بإسم محرم بك زوج السيدة تفيدة هانم كريمة محمد علي باشا والي مصر والذى كان قائدا للأسطول البحري المصري حتى عام 1827م في عهد حميه وصهره محمد علي باشا وتخليدا لبطولاته سمي الحي بإسمه وأطلق إسمه أيضا على أطول وأوسع شوارع الحي وحتي الخمسينيات من القرن العشرين الماضي كان ركوب الترام المار بهذا الحي العريق يعد نزهة لطيفة راقية ومن عاصر تلك الفترة يتذكر كيف
كان الكمساري يحصل التذكرة من ركاب الترام قائلا بإبتسامة لطيفة تذاكر يا هانم تذاكر يا بك وكيف كانت العائلات السكندرية في محرم بك تتباهى بإستضافتها أحد الفنانين أو الكتاب أما السير علي الأقدام والتجول في أنحاء وربوع الحي فقد كان متعة جميلة رائعة لامثيل لها تطيب لها النفس حيث شوارعه المرصوفة ببلاطات البازلت الأسود اللامعة والمتميزة بالهدوء والتي تتنتشر على جوانبها أشجار الموز والأشجار المعمرة الوارفة والممتدة الظلال ولكن للأسف لم يعد هذا هو الحال الآن بعد أن تبدلت أحوال الحي إلي الأسوأ فقد أصبح الحي شعبيا تتقلص فيه الطبقة الوسطى تدريجيا حتي كادت أن تنقرض منه بعدما إنقرضت منه بالفعل وتلاشت الطبقة الأرستقراطية تماما وتهدمت معظم قصوره وفيلاته الأنيقة الفاخرة وإقتلعت أشجاره ووقفت مكانها كتل خرسانية ضخمة قبيحة المنظر وكذلك تغيرت طبيعة ساكنى الحي حيث أصبح النوبيون الآن نسبة كبيرة من سكان هذا الحي الذي أصبح مركزا لهم حيث إستوطنوا الجزء المحيط بمنطقة محطة مصر منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادى حيث كانوا يعملون مع الأجانب والطبقة الأرستقراطية التي كانت تسكن الحي .
وينسب شارع حسن الإسكندراني باشا إلي قائد الأسطول المصرى وناظر البحرية حسن الإسكندراني باشا الذى عينه والي مصر محمد علي باشا في هذا المنصب في عام 1837م وظل يشغله حتي عام 1854م وهو يعد مصريا من أصل جركسي مثله مثل الآلاف من الأجانب الذين عاشوا في مصر وإستوطنوها وأرادت لهم مصر أن يكونوا من أبنائها المخلصين وكان مولده في عام 1790م بمدينة أنجاسيا على مقربة من ساحل البحر الأسود وكان إسمه الأصلي زكريا حسن وقد جاء إلى مصر عندما عزم والده على تأدية فريضة الحج وعقد النية على إرسال إبنه ليتلقى علومه بالأزهر عام 1800م ولم يكن عمر إبنه آنذاك يتجاوز العشر سنوات ولما وصلا إلى مصر ترك الأب إبنه عند أحد أصدقائه من المماليك السلحدارية إلى أن يعود لكن المنية عاجلت الوالد وهو فى طريقة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فأصبح الطفل حسن يتيما وشب فى رعاية صديق والده وعمل معه في صناعة الأسلحة وشاءت الأقدار أن يتم تكليفه من قبل الوالي محمد علي باشا بصناعة كمية من الأسلحة ولما أتم صنعها حملها بصحبة حسن إلى قصر الأزبكية حيث قابلهما محمد علي باشا وما كاد نظر الوالي يقع على حسن حتى أعجب بجرأته وأعماله فشمله بعطفه وإستخدمه في ديوانه وكان محمد علي حينذاك قد بدأ محاولاته الأولى في تأسيس الجيش المصري فلبى حسن النداء وإلتحق بالجيش بسلاح المشاة ولكن بعد سنوات ترك المشاة ليلتحق بالبعثة البحرية المصرية عام 1818م في ميناء طولون بفرنسا ودرس فنون البحرية والرياضيات وأتقن اللغة الفرنسية وتدرب فى ترسانة طولون البحرية وبعد التخرج من المدرسة البحرية الفرنسية عاد إلى مصر في عام 1825م وكان في الخامسة والثلاثين من عمره وإلتحق بالأسطول المصري وعين برتبة ملازم بحري وقد برهن على كفاءته ومهارته وتمتعه بمواهب القيادة وشارك فى معركة نفارين البحرية عام 1827م ببلاد المورة أو اليونان حاليا وابلي فيها بلاءا حسنا لكنها للأسف إنتهت بتدمير الأسطولين المصري والعثماني بعد أن تخالفت ضده أساطيل عدد 3 دول هي روسيا وبريطانيا وفرنسا والتي كانت ثالث حملات محمد علي باشا العسكرية حيث كانت الحملة الأولي إلي الحجاز لمواجهة ثورة الوهابيين وبالفعل حققت أهدافها وكانت الحملة الثانية إلي بلاد السودان والتي إنتهي أمرها بضم تلك البلاد إلي مصر .
وتعود قصة حملة المورة إلي أنه في بداية القرن التاسع عشر الميلادى كانت قد بدأت تحدث ثورات وحركات تمرد في تلك البلاد والتي كانت جزءا من الدولة العثمانية مثلما حدث في الحجاز تماما حيث كانت ثورة الوهابيين ضد الحكم العثماني وبالمثل بدأت تتكون في اليونان حركات سرية وجمعيات سياسية علنية وسرية بداية من عام 1820م وجعلت لها مراكز قيادة في كل من روسيا والنمسا لتكون علي إتصال وثيق بالدول الأوروبية الأخرى وتكون في نفس الوقت بعيدة عن إضطهاد وتعقب الحكام العثمانيين وكان ضمن هذه الجمعيات جمعية تسمي بالجمعية الأخوية وكانت تدعو لإحياء الإمبراطورية البيزنطية من جديد وضرورة الإستيلاء على الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية وطرد المسلمين من قارة أوروبا ودفعهم إلى قارة آسيا ولذلك أخذت الثورة في إقليم المورة اليوناني طابعا دينيا رافعة شعار الإيمان والحرية والوطن وواجهت الدولة العثمانية مصاعب جمة في مواجهة تلك الثورات وحركات التمرد خاصة وأن اليونان معروف عنها كثرة الجزر ووعورة مسالكها ودروبها مما كان يمثل صعوبات عديدة في مواجهة تلك الثورات مما دفع السلطان العثماني محمود الثاني إلي الإستعانة بمحمد علي باشا وجيشه للقضاء عليها وجدير بالذكر أن تلك الثورات وحركات التمرد كان لها عدة أسباب أولها التطور الذى حدث في المجتمع اليوناني بفعل الرخاء الإقتصادي إلي جانب إنتشار أفكار ومبادئ الثورة الفرنسية والتي تدعو إلى حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها وحكمها لنفسها طبقا لنظام الحكم الذى تختاره بإرادتها الحرة دون أى ضغوط أو إملاءات من خارجها وبالإضافة إلى ذلك كانت مواجهة الدولة العثمانية لتلك الافكار ولمن يدعون إليها تتسم بالشدة والعنف والقمع وأخيرا كان هناك تأييد ودعم أوروبي مباشر وغير مباشر لتلك الحركات الثورية قواها وجعلها في موقف ومركز قوة ودعمها في مواجهة الدولة العثمانية .
ولبي محمد علي باشا نداء السلطان العثماني خاصة وأن الخطر موجه ضد دولة الإسلام وخليفة المسلمين وهناك تهديدات بطرد المسلمين من قارة أوروبا فأرسل أولا حملة عسكرية نزلت جزيرة كريت بالبحر المتوسط وأخمدت الثورة فيها كما أرسل حملة أخرى بقيادة إبنه القائد إبراهيم باشا لإخماد ثورة إقليم المورة عام 1825م إستطاعت النزول علي شواطئه بعد معارك تصادمية عنيفة وشرسة مع الأسطول اليوناني وأنقذ بذلك الجيش العثماني الذى كان محاصرا في ميناء كورون منذ مدة كما حاصر نفارين وهو أهم موقع في الإقليم وتمكن من دخوله كما فتح كلاماتا وتريبو ليستا في شهر يونيو عام 1825م وطارد الثوار وإستولى على معاقلهم فيما عدا مدينة نوبلي عاصمتهم وميسولونفي ولكنهما ما لبثا أن سقطتا في قبضة الجيش المصرى وخلال هذه الحملة كان دور حسن الإسكندراني قيادة بعض السفن التي كانت تقوم بحراسة سفن ناقلات الجنود والذخائر إلى بلاد المورة وخلال إحدى رحلاته إشتبك مع سفن يونانية فأغرق منها سفينة وأسر سفينتين على مقربة من جزيرة كريت وإقتادهما إلى الإسكندرية فأهدى إليه الوالي محمد على باشا بيتا بحي أبو وردة بمنطقة رأس التين بالإسكندرية وأهداه ساعة من الذهب وشالا من الكشمير وتمت ترقيته في أوائل عام 1826م إلى رتبة اليوزباشى أي نقيب وعهد إليه قيادة سفينة سريعة لإيصال المراسلات بين مصر واليونان وفي أوائل عام 1827م تمت ترقيته مرة أخرى إلي رتبة الصاغ أي الرائد وكنتيجة مباشرة للإنتصارات المتتالية التي حققها جيش مصر في بلاد اليونان قام اليونانيون بتحريك ومناشدة الرأى العام الأوروبى من أجل إنقاذ ثورتهم وقام الشعراء والأدباء بدور كبير في تحريك الرأى العام في قارة أوروبا لإنقاذ ثورتهم وحث الدول الأوروبية علي التدخل المباشر والسريع لصالحهم وفعلا إتفقت بريطانيا وروسيا علي التفاوض وبحث الأمر بهدف الوصول إلى إتفاق بشأن مستقبل اليونان وتكللت تلك المفاوضات بتوقيع ماسمي ببروتوكول سان بطرسبرج والذى إنضمت إليه فرنسا أيضا والذى ينص علي ضرورة مطالبة السلطان العثماني بعقد هدنة مع اليونانيين ومنحهم حكما ذاتيا علي أن يظلوا إسميا تابعين للدولة العثمانية .
ومع سقوط ميسولونفي تغير الموقف تماما فلجأت الدول الثلاثة روسيا وبريطانيا وفرنسا إلى العنف للتعامل مع الموقف فأرسلت روسيا سفنها إلي البحر المتوسط من أجل منع السفن المصرية والعثمانية من الوصول إلى شواطئ وموانئ اليونان ومنع وصول المساعدات العسكرية والمؤن والذخائر إليها وإنضمت إليها سفن أسطولي بريطانيا وفرنسا بحجة حماية إستقلال اليونان وقامت الأساطيل الثلاثة بضرب الأسطولين المصرى والعثماني في ميناء نفارين اليوناني بدون سابق إنذار وعلي حين غرة بغرض تحطيم الأسطولين المصرى والعثماني كي لا تنافسهم تلك القوة الناشئة في سيادة البحر مما أدى إلى تدمير أغلب سفنهما وكان ذلك يوم 20 أكتوبر عام 1827م وكان حسن الإسكندراني أثناء هذه المعركة قائدا للسفينة الحربية المصرية إحسانية إحدي سفن الأسطول المصري الذى كان يقوده محرم بك صهر محمد علي باشا ويبلغ عدد قطعه 31 سفينة وخلال هذه المعركة رست السفن الإنجليزية والفرنسية على مقربة من السفن المصرية والتركية في صفوف وكانت المراكب المصرية راسية في الوسط والأسطول العثمانى على يمينها ويسارها على شكل هلال وبهذا الوضع أصبحت كل منهما مقيدة وأطلقت السفينة الإنجليزية سيرين أول قنبلة على سفينة حسن الإسكندرانى فردت عليها بضربه مثلها وإستمرت تطلق مدافعها للنهاية كذلك ظلت الفرقاطة ثريا الحاملة لشباب الإسكندرية تطلق مدافعها على السفينة الإنجليزية وأصابتها فأحرقت بطاريات مدافعها وما لبثت أن تساقطت القنابل على إحسانية وعلي قائدها حسن الإسكندرانى وأبى أن يرحل عنها إلا بعد أن يشهد بنفسه ترحيل كل رجاله عنها حتى وقعت قنبلة بجانبه فألقته في البحر مغمي عليه لولا يقظة خادمه الأمين فرج الذى غاص ورائه وأسعفه ولولا ذلك لما قُدر لحسن الإسكندرانى النجاة وما لبثت إحسانية أن إنشطرت نصفين وغرقت بعد أن أبلي قائدها وجنوده بلاءا حسنا في معركة غير متكافئة بالمرة .
وقبل معركة نفارين التي دمر فيها الأسطولين المصرى واليوناني كانت وجهات النظر مابين السلطان العثماني ومحمد علي باشا متطابقة ولكن بعد أن حدث هذا الأمر الخطير بدأت وجهات النظر تتباين فقد رأى محمد علي بعد أن فقد أسطوله وإنقطعت طرق المواصلات البحرية بينه وبين جيشه أنه لا فائدة من مواصلة القتال ولابد من فصل سياسته عن الإرتباط بالدولة العثمانية وإتخذ قرارا بسحب الجيش المصرى من اليونان وعودته إلى مصر دون الرجوع للسلطان العثماني ومما عجل بتنفيذ هذا القرار نزول قوة عسكرية فرنسية في إقليم المورة وتلقيه مذكرة من الدول الأوروبية المتحالفة تهدده بإستهداف مصر إذا ما إستمر في إتباع سياسة الدولة العثمانية والسلطان العثماني لذا سارع محمد علي بسحب جيشه وما بقي من سفن أسطوله من بلاد اليونان وترك أمرها للسلطان العثماني وبدأ فعلا في الإنسحاب يوم 7 سبتمبر عام 1828م وكانت هذه نهاية حملة محمد علي العسكرية في بلاد اليونان وفي الأول من شهر أغسطس عام 1828م إنفرد محمد علي بتوقيع إتفاق مع الحلفاء بجلاء الجيش المصري عن المورة مع تحديد كيفية الجلاء معتبرا أن ذلك من أعمال سيادة مصر مما أثار حفيظة السلطان العثماني محمود الثاني صاحب السيادة على مصر نتيجة لما أبداه الجيش المصري من قدرة وكفاءة بميدان القتال في حرب المورة مما جعل الدول المتحالفة تفاوض والي مصر مباشرة دون وساطة الدولة العثمانية وبدأ محمد علي باشا يتخذ مواقف إستقلالية تغفل السلطان العثماني وبدأ ينازعه بمحاولة إنفصال مصر عن الدولة العثمانية .
وعلي الرغم من كارثة تحطيم معظم الأسطول المصرى في معركة نفارين إلا أن ما حدث لم يفل من عزيمة الوالي محمد على باشا حيث أخذ يشيد السفن ليعلي من شأن البحرية المصرية مرة أخرى ووقع إختياره على حسن الإسكندراني لتولي إدارة دار صناعة السفن في الإسكندرية ولم تمض سنوات قلائل حتي نهضت وحدات الأسطول المصري في البحرين الأبيض والأحمر من جديد وفي أوائل عام 1831م تجددت التهديدات والدسائس العثمانية ضد مصر وكنتيجة لذلك سير محمد علي باشا جيش مصر برا في شهر أكتوبر من العام المذكور نحو بلاد الشام ثم أبحرت من الإسكندرية في شهر نوفمبر وحدات من الأسطول المصري وسلمت له غزة ويافا وحيفا التابعة للسلطنة العثمانية بلا قتال وفى يوم 8 ديسمبر عام 1831م أرسل محمد على باشا الفرقاطة شير جهاد بقيادة حسن الإسكندراني مع الأسطول المصري الذى كان يقوده عثمان نور الدين باشا ناظر البحرية وشاركت هذه الفرقاطة في دك حصن عكا والقضاء على واليها الموالي للدولة العثمانية ثم إتجه إلى جزر الأرخبيل ببحر إيجة وقضى على أعمال القرصنة به وعاد معظم الأسطول المصري إلى الإسكندرية وبقيت بعض الوحدات الخفيفة لمراقبة تحركات العثمانيين وكافأ محمد علي باشا حسن الإسكندراني بمنحه لقب أمير البحار وكان محمد علي قد إستقر رأيه حينذاك على تزويج حسن الإسكندراني من إحدى فتيات القصر فتم له ما أراد وظل حسن الإسكندراني يتقلد قيادة سفينة بعد الأخرى إلي أن عينه محمد علي في عام 1833م قائدا ثانيا للأسطول المصري وصارت الترسانة وأحواض بناء السفن تابعة لسلطته وخاضعة لإشرافه مباشرة فقام بإرسال عدد من العمال والفنيين والمهندسين والضباط وصف الضباط من المصريين في بعثات إلى موانئ فرنسا لتعلم بناء السفن ولما عادوا إستغنى بهم عن معظم الأجانب الذين كانوا يعملون في بناء السفن في مصر وفي شهر مايو عام 1837م تم تعيين حسن الإسكندراني ناظرا للبحرية وأنعم عليه محمد علي باشا برتبة البشوية وفى شهر نوفمبر عام 1838م كان الأسطول المصري بفضل القائد حسن الإسكندراني باشا فى مقدمة أساطيل العالم بعد أسطولي دولتي بريطانيا وفرنسا .
وفي يوم 24 يونيو عام 1839م وأثناء صراع محمد علي باشا مع الدولة العثمانية أحرز القائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا إنتصارا مدويا على الدولة العثمانية فى معركة نزيب وكانت نتيجتها أسر عدد 15 ألف جندي ومصادرة عدد 20 ألف بندقية وعدد 100 مدفع فضلا عن جميع أمتعة الجيش العثماني ومنها أمتعة قائده العام حافظ باشا ومستشاريه وكاد الجيش المصرى أن يقتحم علي السلطان العثماني قصره في الآستانة لولا تدخل الدول الإستعمارية الكبرى روسيا وبريطانيا وفرنسا التي سارعت بإنقاذ السلطان العثماني وهددت محمد علي باشا مما إضطره في النهاية إلي أن يصدر أوامره بإنسحاب الجيش المصرى من الأناضول إلي الشام وفي يوم 15 يوليو عام 1839م رأى أمير البحر حسن الإسكندرانى باشا سفن الأسطول العثمانى المكونة من عدد 9 سفن كبيرة وعدد 12 فرقاطة وفي طليعتها السفينه المحمودية قادمة نحو الإسكندرية يقودها القبطان أحمد فوزى باشا وتم السماح لهم بدخول الميناء حيث نزل قائدهم مع جميع ضباطه الأتراك لتسليم انفسهم لمصر وكان ذلك نتيجة لما بلغته الدولة العثمانية من ضعف وإنقسام آنذاك وأدرك الإسكندرانى أن الإنجليز سيحرضون السلطان العثمانى على مطالبة الحكومة المصرية برد الأسطول العثماني إليه فإذا رفضت إتخذوا من ذلك ذريعة جديدة للإشتباك مع الأسطول المصري وتحطيمه كما فعلوا فى نفارين ولذلك قام حسن الإسكندرانى بعقد لجنة لتحصين الشاطئ المصري من دمياط إلى الإسكندرية بقيادته وتم عمل خطوط للدفاع بين أبو قير ورشيد وشيد 25 حصنا بلغ مجموع مدافعها عدد 686 مدفعا وعمل نظام للدوريات والإستطلاع والإشارات والإستعلامات وقام بتنفيذ هذا العمل الضخم فرق كبيرة من العمال المصريين شملت عدد 10 آلاف صانع وعامل بخلاف الضباط وصف الضباط والمهندسين المصريين .
ومع تولى عباس باشا الأول حفيد محمد علي باشا حكم مصر في شهر نوفمبر عام 1848م لم يكن الجيش موضع عنايته فأنقص عدده وأغلق المصانع والمدارس ورأى التخلص من أمير البحار حسن الإسكندرانى باشا وبعض كبار القادة خوفا من شعبيتهم وثقة الجيش بهم ولو بالتآمرعلى إغتيالهم ولهذا بادر حسن الإسكندرانى إلى طلب الإحالة للمعاش وترك الخدمة ومع طلب الدولة العثمانية من عباس باشا الأول مساعدتها فى حربها ضد روسيا لبى عباس باشا الأول النداء وراح يجمع ما تبقى لديه من جنود وسفن حربية ورفض جنود البحرية المصرية التحرك بدون قائدهم حسن الإسكندرانى باشا فإضطر عباس إلى إستدعائه للخدمة مرة أخرى للإشتراك في هذه الحملة ووافق الإسكندرانى وعمل على ترميم الأسطول وإعداده وجمع الضباط والجنود وبلغت تعبئة الأسطول 12 سفينة مزودة بعدد 642 مدفعا وعدد 6850 جنديا بحريا بخلاف عدد 20 ألف جندي وعدد 72 مدفعا من القوات البرية للمشاركة في هذه الحرب التي عرفت بحرب القرم وفي يوم 4 يوليو عام 1853م صدر الأمر من عباس باشا الأول بسفر حسن الإسكندراني باشا على رأس الأسطول المصري إلى تركيا وبوصول الأسطول المصري إلى تركيا أحدث ذلك فرحة عارمة لدى الأتراك وإستقبلتهم السلطات التركية بالتهليل والترحيب وبعد مقتل عباس باشا الأول فى قصره ببنها في شهر يوليو عام 1854م وتولي بعده عمه محمد سعيد باشا حكم مصر كانت المعارك عند مدينة سباستبول بشبه جزيرة القرم قد إشتدت برا وبحرا وفى بعض بلاد القرم وتكبد الإنجليز والفرنسيون فيها خسائر فادحة وعانى المصريون الشدائد والأهوال من شدة البرد القارس ولقي الكثير منهم حتفهم وفي يوم 31 أكتوبر عام 1854م ولدى عودة حسن الإسكندراني باشا قائد الأسطول على رأس أسطوله إلى الآستانة لترميم بعض السفن هبت عليه رياح عاصفة بالبحر الأسود وتكاثر عليها الضباب مما أدى إلى إرتطام السفينة مفتاح جهاد المتواجد عليها قائد الجيش البحري حسن الإسكندراني باشا بصخور البحر الأسود فغرقت السفينة وغرق هو ومعه عدد 1920 جنديا بحريا مصريا كانوا قد ساهموا فى خسارة الروس لحرب شبه عالمية ولم ينج من الغرق إلا عدد 130 فقط وقد إنتهت حرب القرم بإنتصار الدولة العثمانية وحلفائها مصر وإنجلترا وفرنسا على الروس وأبرم صلح بين الأطراف المتحاربة في مؤتمر باريس في يوم 30 مارس عام 1856م وأجمع الرواة وقادة الجيوش المتحالفة والقائد العام لجيوش الحلفاء على أن الجنود المصريين وعلي رأسهم قائدهم حسن الإسكندراني باشا قد رفعوا مكانتهم في أعين الجميع بإقدامهم وبسالتهم وشدة كفاحهم ضد الروس وتفوقهم على الجيش العثماني .
وقد قامت الأديبة عصمت الإسكندراني وهى حفيدة حسن الإسكندراني باشا بإحياء التاريخ العسكري لجدها فقامت بإصدار كتب باللغة العربية والفرنسية تشيد بأمجاد مصر البحرية كان منها كتاب عن معركة نفارين التي شارك فيها جدها حسن الإسكندراني باشا والذى قالت في مقدمته إن البلاد تحتاج إلى جنود يطيعون ليستطيعوا أن يقودوا ويقودون ليستطيعوا أن يَخدموا ويخدمون ليموتوا فى الخدمة التى يؤمرون بها فيا شباب اليوم تعلموا أن تخدموا فى الجيش جنبا إلى جنب فى ظل المساواة فخورين بأنكم جنود تتعلمون السلاح فى سبيل عظمة الوطن ومن يشعر فيكم بأن يد القدر تدفع به إلى المحيط حينما يخدمون البحرية فليخرج هؤلاء من صفوفكم وليأتوا إلى لكى أُسمعهم قصة معركة نفارين البحرية وقامت بإهداء كتبها للقوات البحرية المصرية ولما قامت حرب فلسطين عام 1948م تبرعت للقوات البحرية بسفينة حربية مجهزة علي نفقتها الخاصة كما أهدت منزلها برأس التين إلى القوات البحرية ليكون ناديا بحريا ووهبت جميع ممتلكاتها من عقارات وأراض زراعية وأموال للكلية البحرية لذا لقبت بأم البحرية وكانت تستطيع أن تدخل مقر القوات البحرية فى أى وقت وتصعد على ظهر أية بارجة أو مدرعة دون أن تعترضها أي عوائق أو موانع وقد أهداها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسام الكمال الذهبي عام 1955م تكريما لها ولذكرى جدها وحدث أن سرق هذا الوسام من بيتها فأهدى إليها الرئيس عبد الناصر وساما آخر وكان ذلك في مناسبة الإحتفال بيوم البحرية وبإنشاء المتحف البحري القومي بالإسكندرية في يوم 29 أغسطس عام 1960م وكانت أم البحرية في مقدمة المدعوين إلى هذا الحفل كما قررت بلدية الإسكندرية في يوم 2 مايو عام 1964م إقامة تمثال نصفي لحسن الإسكندراني باشا بحديقة الخالدين بمحطة الرمل وكلفت المثال المعروف جمال السجيني بتصميمه ونحته كما قامت محافظة الإسكندرية باطلاق إسمه على شارع يحمل إسم حسن الإسكندرانى باشا بحي محرم بك .
|