بقلم الدكتورة/ هدى سلامة
تُعد المتاحف هي النافذة التي تفتح لنا تاريخ، وأسرار منجزات الحضارات المختلفة، ويمكن اعتبار المتاحف مستودعاً لأسرار الإنسانية ومصدراً هاماً من مصادر تقديم المعرفة، والتثقيف بإعتبار إن المُتحف هو المؤسسة الثقافية والتعليميةالتي تقوم بخدمة المجتمع وتطويره وتنميته، وتعكس مدى تقدمه عن طريق القيام بعمليات والاقتناء، والعرض والحفظ، والدراسة، والبحث، وذلك لخدمة المجتمع فى المجالات المختلفة.
التراث الثقافي
يُعرف التراث بأنة ما ينقل من مقومات ملموسة وغير ملموسة،ومن عادات، وتقاليد، وآداب، وعلوم، وفنون، وغيرها من جيل إلى آخر، فهو مجموعة الثروات الطبيعية، والمشيدة؛ التي ورثناها عن الماضي وتُعتبر ملكاً لأمة، أو لشعب، أو للأنسانية جمعاء، وهو أيضًا ذلك الشئ الذي خلفتة الأجيال السابقة، وتم توريثة للأجيال الحالية، ويُعتبر التراث المكسب الحقيقي لحضارة ما استطاعت أن تبقى شامخة لفترات طويلة من الزمن، فهو بمثابة وثيقة ذات قيمة تاريخية، وحضارية وفنية، وأقتصادية، وأجتماعية، حيث تتجسد فية خلاصة الافكار، وارقى مستويات الفكر والابداع، ويُعتبر هذا التراث بمثابة همزة الوصل بين الماضي والحاضر، لذلك تُعد عملية الحفاظ علي التراث واجبًا حضارياً وفياً،ويُعرف التراث الثقافي بإنه نتاج الانسان عبر الحضارات المختلفة، سواء كان نتاجاً ماديًا أو معنويًا، ويمكن أن يُطلق عليه مسمى التراث البشري أو التراث الأنساني، ويُصنف هذا النوع من التراث على إنه إما تراثا مادياً أو تراثا غير ماديًا.
التراث الثقافي غيرالمادي(التراث الحي)
يُعد التراث الثقافى غير المادى(التراث المعنوي) وهوما يُعرف بالتراث الشعبي، ويتمثل في الموارد الثقافية، وممارسات المجتمعات، والمعارف، والابتكارات، ويشمل أيضًا عادات الناس، وتقاليدهم، وما يعبرون عنه، من أفكار، ومشاعرهم، وهو يعتبر استمرار للفولكلور الشعبي مثل القصائد والاشعار والحكايات الشعبية والاساطير والقصص البطولية،ويشمل أيضًا الفنون والحرف بأنواعها المختلفة، ويضم أيضًا الأمثال، واللعب، والرقص والأغاني، والاحتفالات، والاعياد الدينية، والالغاز، والمفاهيم الخرافية، فهو يُعد تعبيراً صادقاً عن عادات وتقاليد وثقافة الشعوب وهويتها وانتمائها ، كما تعد الحرف التراثية (اليدوية) من أهم الموروثات الثقافية التي تركها الاجداد والاسلاف لنا، واستمرت لعدة قرون، وتنتقل من جيل من جيل لأخر، وأصبحت سمه مميزة لبعض المجتمعات، والبيئات في العالم، لدرجة أن هناك مناطق ارتبط واقعها بمسميات تلك الحرف والصناعات، وتعد هذه الحرف التقليديه انعكاس لكل العصور،والفترات التاريخية، وتُعتبرمن اهم الروابط التي تربط بين التراث المادي الملموس، والتراث الغير مادي، وينبغى للمعنيين فى كل بلد الاهتمام به وتوثيقه وحمايته من الضياع والنسيان،لاسيما أنه تراث روحى أومعنوى يؤدى إهماله أو التهاون فى حفظه إلى جعله كذارت تنثرها ريح الزمن حتى تختفى، وبذلك ينسى تدريجيا وقد يجئ زمن لا يذكرعنه شيئا كأنه لم يكن يوما ويفقد بذلك خصوصيته وهويته التراثية نظراً لغياب شرط التناقل جيل بعد جيل.
دور المتاحف في الحفاظ على التراث اللامادي
المتاحف اليوم ليست مجرد أماكن لجمع، وتخزين، وعرض، الأشياء والمقتنيات الثمينة؛ خشية عليها من الضياع فقط ، بل أصبحت مؤسسات علمية، وثقافية تساعد المواطنين على فهم تاريخ أمتهم، وفضاء يحوي ذاكرة الشعوب وحضارتها، وفيه يتم تقديم الأفكار، والسياقات المختلفة؛ من خلال المقتنيات المعروضة، حيث يعد المُتحف في وقتنا الحالي من أهم المظاهر الحضارية البارزة في كل مدن العالم، ومن المعايير الاساسية لقياس ثقافة وتحضر المجتمعات، فهو بمثابة مركزاً للعلم والثقافة، والفنون، والترفيه، والمتعة، و مؤسسة مناسبة تساهم في التعرف علي تراثنا الحضاري، ونشر الوعي العلمي والثقافي، والعمل علي تنمية الحس الحضاري لدى كافة ابناء الوطن والامة .
فالمتاحف بإختصار، ماهي الا وعاء للتراث الانساني بما تحوية من مقتنيات مادية، وغير مادية، معروضة وفقاً لتسلسل ما ( تاريخي او فني او موضوعي،او فكري ) تؤكد مما لايدع مجال للشك تواصل هذه الحضارات، وتؤكد ان كل حضارة ماهي الا أستمرار للحضارة السابقة لها. حيث ان الحضارات تتواصل بأنجازاتها المختلفة من خلال الاستعارة والاقتباس، وتطوير الكثير من المنجازات السابقة لها،
وقد شهدت مصر خلال النصف الثاني من القرن الماضي إرهاصة نوعية تمثلت في إنشاء مجموعة كبيرة من المتاحف الاثنوغرافية( العرقية) وهي المتاحف التي تتطرق إلى الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي مثل العادات والتقاليد والحرف التقليدية، والثقافة الخاصة بهذه الشعوب، ويُعتبرم ُتحف النوبة من أفضل نماذج المتاحف الاثنوغرافية في مصر والوطن العربي؛ حيث يضم مجموعات متنوعة من المقتنيات التي تُعطي صورة متكاملة عن الحياة النوبية في سياق الحضارة المصرية عبرالعصور المختلفة، ويستعرض المُتحف التراث النوبي،و أهم العادات والتقاليد واللغة النوبية.
المتاحف الاثنوغرافية
تلعب المتاحف الاثنوغرافية دوؤاً هاماً في الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، ويطلق الكثير من المتخصصين على المتاحف الاثنوغرافية عدة مسميات وهي اسماء مختلفة في اشكالها متشابهه في مضمونها من هذه الاسماء وهي( متاحف الفلكلور، متاحف الثقافة الشعبية، متاحف التراث الشعبي، المتاحف الإثنولوجية، المتاحف الأنثروبولوجية) وعلى الرغم من الاختلاف الشكلي لتلك المسميات الا انها لها هدف واحد ؛ وهو الحفاظ على التراث الثقافي للشعوب بشقية المادي وغير المادي، وهي متاحف شعبية او بمعنى أدق متاحف تركز على الثقافي الشعبية للمجتمعات.
وتعتني هذه المتاحف بحفظ وصيانة عرض المقتنيات التي تتعلق بالعرق البشري كما انها تتطرق للعادات والتقاليد والثقافة الخاصة بمجموعة عرقية ذات طابع خاص، وليس اطار جعرافي او سياسي فحسب مثل النوبيين في جنوب مصر، والهنود الحمر في امريكا؛ وهذه الجماعات الثقافية في حاجة إلى مُتحف يوثق تاريخهم، وعادتهم، وتقاليدهم بالشكل المناسب وبما يحفظ مثل هذا التراث من الأندثار في ظل حراك التمدن والحداثة لهذه الاماكن.
|